الأحد 20 شوّال 1445 . 28 أبريل 2024

الحلقة (66) - سورة البقرة 231-235

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على عبد الله الرسول الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

يقول الله –تبارك وتعالى- {وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعلموا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة:231] يأمر –سبحانه   وتعالى- عباده المؤمنين أنهم إذا طلقوا النساء فبلغن أجلهن الأجل الذي حده الله –تبارك  وتعالى- لوقوع الطلاق وبينونة المرأة  من زوجها، والأجل : هو انتهاء العدة والعدة  على ثلاثة  أنحاء ثلاثة قروء ثلاث دورات شهرية تبدأ بطهر وتنتهي بطهر، كما قال –تبارك وتعالى-{يا أيها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ}[الطلاق:1] {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}:   .... لبدء عدتهن يقول ابن عباس: "لفور عدتهن"،  وبدء العدة يبدأ  من طهر لم يمسها فيه فيجب أن يوقع الطلاق من هذا الوقت،  إذا شرعت المرأة في طهر لا يكون قد مسها فيه إذا كان قد مسها في هذا الطهر  فهو ظالم وقد أوقع الطلاق في غير وقته،  وكذلك إذا أوقع في وقت الحيض لأنه  لا يجوز أن يوقع الطلاق في هذا الوقت والمرأة  حائض.

 وفي حديث الصحيحين حديث ابن عمر أنه   طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر بن الخطاب للنبي- صلوات الله وسلامه عليه- فقال النبي لعمر:  "مُره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرة"،  فتلك العدة التى أمر الله أن تطلق لها, فقول النبي لعمر بن الخطاب - رضى الله عنه-  ليأمر عبدالله ابنه قال له مره أي مر عبد الله فليراجعها يراجع زوجته التي طلقها وهي حائض ثم ليطلقها طاهرة فتلك العدة،  أي هذه العدة التي أمر الله -تبارك وتعالى- أن تطلق لها النساء،  وهي أن تكون بداية  في طهر لم يمسها فيه فيكون طهر وحيض هذا قرء، ثم طهر وحيض هذا قرء ثاني،  ثم طهر وحيض هذا قرء ثالث،  ثم إذا شرعت في الطهر الرابع تكون قد انتهت العدة وبانت ولم تصبح بعد ذلك زوجته،  أما في أثناء هذه العدة فهي مازالت مرتبطة بعقد النكاح له أن يراجعها في هذا الوقت.

 هذا أول نوع من أنواع  العدة،  العدة الثانية وهي الحامل فإذا أوقع الرجل طلاقه على امرأته وهي حامل فإن أمدها أن تضع الحمل تصبح هذه فترة الحمل كلها ما زالت مرتبطة بعقد النكاح وله أن يعيدها في أي وقت قبل الو ضع، فإذا وضعت تكون قد بانت  منه،  أما إذا كانت المرأة  لا تحيض أن تكون صغيرة السن لم تحض بعد أو كبيرة السن آيسة من المحيض فهذه عدتها ثلاثة أشهر  لقول الله تعالى  {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطلاق:4]   هذه وهذه عدتهن ثلاثة أشهر.

 فقول الله –تبارك وتعالى- {وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} بلغت الأجل الذي هو هذه المهلة التى جعلها الله –تبارك وتعالى- أجلا  ليعيد الرجل امرأته إلى عصمته وهنا بلغن أجلهن   أي قربن البلوغ فإذا بلغت هذا الأجل وانتهى فإنه   ينتهي حق الرجل في إرجاع زوجته إليه.

 { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} له أن يراجعها والإمساك بالمعروف أن يقول لها راجعتك ويمسكها بمعروف،  وطبعا الإمساك بالمعروف لابد أن يكون بإشهاد كما قال: قال الله –تبارك وتعالى- وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله {يا أيها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمرا}[الطلاق:1] {فَإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه}[الطلاق:2].

  فقول الله : {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} فيكون الإمساك بمعروف بمعنى أنه  يريد أن يمسك للخير ولبقاء الزوجية ولأن هذه الفترة التى طلقها فيها   هي أزمة وانتهت ولأنه    يريد أن يعيشا كزوجين وليس إمساكا للإضرار.

{ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}    اتركها   تُسرح بالمعروف تكون قد انتهت العدة فخرجت من عقد الزواج وكذلك بالمعروف دون سب دون تشهير دون حجب لما أعطاها؛ فهذه جريمة كما قال:-تبارك وتعالى-{ وإن أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ أحداهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى  بعض وأخذنا منكم ميثاقًا غليظا}. [النساء:20]

{وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} لا تمسك   المرأة  بعدا إذا قرب الأجل كان بعضهم إذا يقرئ يقترب الأجل يقول لزوجته: " راجعتك" وهو لا يريد أن يعيشا كزوجين وما يريد إلا أن يضاررها فيمسكها فقط ليبقى زوجها ، نزلت في عقد النكاح ولا يكون هنالك ثمة معاشرة وحياة بالمعروف{ لا تمسكوهن ضرارا} مضارة يريد فقط أن يضارها {لتعتدوا} لأن هذا عدوان.

 قال: -جل وعلا-{ ومن يفعل ذ لك فقط ظلم نفسه} وهو أن يمسك زوجته بقصد الإضرار لا بقصد استمرار الزواج فقد ظلم نفسه على الحقيقة؛  لأن هذا الظلم وإن وقع على المرأة  لكن مغبته وإثمه وجريرته تقع عليك؛  لأنك أنت ستكون محاسبا أمام الله –تبارك تعالى- فقد ظلم نفسه.

 قال: -جل وعلا- {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوا } لا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّه هذه المنزلة إليكم ببيان هذه الأحكام هزوا،  والذي يستهزئ بهذا هذا لا يطبق هذا ويتلاعب بهذا والله جعل الطلاق حكمة أن يطلق، ثم جعل عدة حكمه فترة يرجع فيه الرجل لنفسه يرجع المرأة  الذي نفسها يقدر كل منهم آثار هذا الطلاق وتكون فترة مراجعة، ويرجع الرجل زوجته إليه.

 فهذا الأمر الذي جعله الله لهذه  الحكم العظيمة تتخذ هزوا فتتخذ هذه الفترة فقط بقصد الإضرار بالزوجة،  وأنه  يمد لها في أجل  إبقائه معلقة به وليست هي مطلقة مسرحة ولاهي متزوجة بزوج. { ولا تتخذوا آيات الله هزوا} لا تتخذوا آيات الله تستهزؤوا بها،  وتضعوا هذه الحدود والأحكام في غير مواضعها.

 {واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة}: اذكروا استحضروا هذا في الذهن وقدروا نعمة الله في هذا البيان فهو الرب الإله خلق السموات والأرض ربكم وإلهكم وينزل لكم هذه الأحكام يفصلها لكم التي فيها خيركم وصلاحكم وفلاحكم وفيها السلم والأمن وطرق معرفة كل ذي حق حقه وخاصة في هذا العقد  الذي تتشابك فيه الأمور والمصالح تشابكا عظيما، والذي تنبي عليه آثار هائلة، عقد الزوجية أعظم العقود أثرا  والله يبينها لكم ويفصل لكم هذه الأحكام اذكروا هذه النعمة،  اذكروا أن الذي يشرع لكم ويبين لكم هذا البيان هو ربكم خالق السموات والأرض –سبحانه   وتعالى- الغني عنكم –جل وعلا{ اذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة} اذكروا ما أنزله الله –تبارك وتعالى- عليكم هذا تفضلًا –جل وعلا- بهذا التشريع الإلهي النازل من السماء من عند الرب –جل وعلا –.

{ وما أنزل عليكم }أيها العباد من الكتاب هذا القرآن والحكمة   هذا العلم الذي يجعلكم تضعون الأمور في نصابها.

{ يعظكم به} هذا الكلام يعظكم الله به يعظكم الله بهذا الأمر والوعظ هو هذا الكلام المباشر،  الذي يبين فيه الرب –تبارك وتعالى- عاقبة الالتزام بأحكامه وعاقبة التقصي والخروج عن أحكامه مما يترتب على هذا من الخير في التزام  الأحكام من الرب وما يترتب على هذا من الشر في ترك أحكام الرب يعظكم به.

 {واتقوا الله}  خافوا الله –تبارك وتعالى- اجعلوا بينكم وبين عقوبته حماية ووقاية ولا يكون هذا إلا بامتثال أمرة -جلا وعلا-.

 {واعلموا بأن الله بكل شيء عليم} تهديد ووعيد بتذكير العباد بأن الله –تبارك وتعالى- عليمًا بكل شيء من أحواله اعلموا تيقنوا هذا واستحضروا هذا في قلوبكم أن الله بكل شيء عليم،  فلا يخفى عليه شيء من أمر عباده –سبحانه   وتعالى- فهذه الأمور التي قد يظن بعض الناس أمور زواج وطلاق وكذا ومراوغات في هذا الأمر،  يظن أن الله لا يعلم ذلك والله عليم بكل ذلك وسيحاسب كل أحد على كل فعل له {واعلموا أن الله بكل شيء عليم} إذا كان عليمًا بها فإنه   يجازي –سبحانه   وتعالى- على الخير خيرًا وعلى الشر شرًا.

هذا خطاب للأزواج المطلقين، ثم خطاب آخر وذلك للأولياء يقول: الله –تبارك وتعالى- {وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وأنتم  لا تَعْلَمُونَ}[البقرة:232] {وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} وصلن الحد الذي به تخرج المرأة  عن عقد النكاح وتصبح مالكةً لنفسها.

 قال:- جل وعلا-{ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} العضل هو منع المرأة  أن تعود إلى زوجها وهذا أمر شديد،  كما يقال داء عضال،  فالعضل هو منع يؤدي إلى إضرار والي مشقة {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}   أي  إذا انتهت العدة وأصبحت المرأة  مالكة لنفسها،  وأصبح الزوج لا سلطان له عليه للزوج المطلق أصبح    لا سلطان لها   عليه تستطيع أن تتزوج غيره،  ولا يستطيع أن يستردها إذا كان الطلاق رجعيا إلا بعقد جديد ومهر جديد واتفاق جديد،  فقد يتقدم هذا الرجل المطلق الذي طلق ولم   ير في وقت العدة أن يرد زوجته،  ولنقل: " ركب رأسه"  حتى تجاوزت المرأة  العدة وانتهت عدتها وأصبحت ملكا لنفسها،  ثم إذا به يتحرك الأمر عنده من جديد يريد أن يرجع زوجته إليه،  وقد يكون هذا لأسباب إما لأنه   راجع نفسه راجع كما يقال حساباته فرأى الأولى  له أن يعيد أمرأته إليه،  إما أن رأى أنه   قد تقدم إليها خطاب آخرون وقامت عنده غيرته وأراد أن يعيد زوجته لسبب أو لآخر يريد أن يعود الذي زوجته مرة ثانية،  هذه زوجته التي طلقها وبإرادة منه وهذا لا يكون في الطلاق الأول وفي الطلاق الثاني أما في الطلاق الثالث،  فإن طلقها ثالثًا فلابد أن تنكح زوجا غيره،  فهذا إذا تقدم الرجل مرة ثانية لطلب زوجته يعقد عقدًا جديدًا قد يقوم أولياؤها ويقولون:  لقد زوجناك ابنتنا وأكرمناك ثم أنت طلقتها وتركتها حتى قضت عدتها فلا نعيدها لك مرة ثانية ولا نسمح بأن نزوجك إياها مرة ثانية،  هذا خطاب الله –تبارك وتعالى- لهؤلاء الأولياء يقول: {وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:232] لا تمنع موليتك  أختك وابنتك أن تعود مرة ثانية إلى زوجها هذا الذي طلقها أن تعود بعقد جديد بمهر جديد مادام أنهما قد تراضوا بالمعروف،  إذا تراضى الزوج هذا السابق وزوجته هذه التي طلقها بالمعروف فلا بأس أن يعودا مرة ثانية {إذا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}.

 قال: -جل وعلا- {ذَلِكَ} مشيرًا إلى هذا الأمر{ يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر} : يوعظ به هذا وعظ لأن فيه حث من الرب –تبارك وتعالى- أن ما يمنع وفيه نهي عن العضل قال: { فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} قال: {ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يعضل ولا يمنع موليته أن تعود إلى زوجها إذا تراضيا بينهم بالمعروف  وهذا قول: الله {يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر فيه تحريض هائل لأن الإنسان من يقول إني  لا أؤمن بالله واليوم الآخر فبالتالي يكون هنا عضل المرأة  أن تعود الذي زوجها الذي طلقها وبانت  منه   بينونة  صغرى  واجب على الولي أن لا يفعل ذلك.

 ثم قال:-جل وعلا- معللًا هذا الأمر وهذا من رحمته في بيانه   لعباده قال: { ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ} ذلكم وهو عودة المرأة  إلى زوجها الذي طلقها وبانت منه أن تعود إليه بعقد جديد بعد أن تراضوا هذا أزكى وأطهر؛  وذلك لأن المرأة  تقول هذا زوجً عشت معه مدة واطّلع علي واطّلعت عليه والآن  أحب أن يراجعني إليه هذا أفضل من أن أتزوج بزوج آخر،  ثم إنهما   قد عرفا بعضهم بعضا فلا شك أن استئناف الحياة بعد درس الطلاق يكون هذا أفضل وأزكى من أن تبدأ رحلة مع رجل آخر لا تدري هل يكون كذلك الرجل أو ربما يكون في النظر أفضل منه ثم يكون في الواقع  أسوأ منه،   فالله يقول: {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} أكثر لستر وأطيب وأفضل من أن   تكون هذه المرأة  قد عاشرت هذا الزوج ثم تعاشر غيره وهكذا.

{ والله يعلم وأنتم لا تعلمون }يخبر –سبحانه   وتعالى- أن هذا أزكي وأطهر وأفضل ولا تفعلوا هذا ويحد هذا،  والله يعلم كل شيء –سبحانه   وتعالى- الحقيقة منه هذا،  وأنتم لا تعلمون ذلك أن علم الإنسان قاصر محدود لا يحيط بكل شيء,  وأن الله –تبارك وتعالى- فهو الذى أحاط علمًا بكل شيء من نوازع النفس البشرية ما يصلحها ما هو الأفضل؟ ما هو الأليق ؟ هذا علم الله –تبارك وتعالى-  فهو إنشاء إلى أن ما  يأمرنا الله تعالى به هو مقتضى علمه –سبحانه   وتعالى- المحيط بكل شيء،  وأنه  يعلم وهو أرفق بعباده –سبحانه   وتعالى- وأعلم بما هو الأصلح والأحسن له {والله يعلم وأنتم لا تعلمون }فسلموا لله –تبارك وتعالى- واستجيبوا لأمره كما يأمركم –جل وعلا-.

هنا انتهت أحكام الطلاق ويبدأ  بعد ذلك ما يترتب على الطلاق قال: -جل وعلا- {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}[البقرة:233] { الْوَالِدَاتُ:   الأم التي طُلقت ولها ولد {يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ  هذا إرشاد  من الله وتوجيه للمطلقة التي لديها ولد أن تستمر في إرضاعه حولين كاملين إذا أرادت أن تتم   رضاعته،  وهذه هي الفترة التي يتغذى فيها الطفل على لبن أمه وينفعه هذا اللبن وهذا الغذاء.

  وقول الله {لمن أراد أن يتم الرضاعة} هذا يكون للاستحباب وأما إذا كان هناك تراضٍ وتوافق على أن تبقى الرضاعة لسنة أو أقل من السنتين  فلا بأس بها أما تمامها فهو سنتان.

قال:-جل وعلا- {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:233] وعلى المولود له الذي هو الزوج، وسماه الله –تبارك وتعالى- هنا المولود له لأنه كان  المرأة  ولدت له ولذلك هو الذي يتكفل,    أي يرتب الله على ذلك أنه   هو الذي يتكفل بنفقة ابنه وكذلك نفقه المرأة  التي طلقها وهي مرتبطة بولد له ترضعه فيكون نفقتها كذلك عليه لأنها ولدت له ولم تلد لنفسها،  لأن الله لم يكلف المرأة  أن تقوم بالإنفاق على أولادها وإنما الرجل هو الكاسب وهو العيي يقوم بالإنفاق على أولاده {وعلى المولود له }الزوج {رزقهن}  : هذا الرزق إطعام,  الكسوة,  السكن   كل ما هو من حاجة هذه المرأة  المرضع.

{ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}  الله -تبارك وتعالى- الكسوة كذلك منه بالمعروف، والمعروف بدون إضرار وبدون تغالٍ وبدون كذلك تنقص،  بل بما هو   في قدرة هذا الزوج وفي عُرف الناس أنه  في قدرته،  فإن كان من أهل اليسار والغنى فلينفق من سعته وإن كان من أهل   الفقر والحاجة فلينفق  على قدر سعته  كما قال: -تبارك وتعالى- {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}[الطلاق:7].

{ لا تكلف نفسًا الله لا يكلف نفس إلا وسعها} أمر منه –سبحانه   وتعالى- ألا  يكون هناك تكليف من قبل القاضي أو الحاكم أو ولي أمر أو من يحيطون بالأزواج أن يكلف إنسان فوق طاقته لا تكلف نفسًا ألا وسعها،  فالزوج لا يكلف نفسه إلا في النفقة،  والمرأة  كذلك لا تكلف إلا  وسعها  كذلك في أمر احتمال بقاء الولد معها،  فهنا لا تكلف نفسًا إلا  وسعها.

{ لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده} : هذا من تفسير وبيان الله تعالى لا تكلف نفسًا إلا  وسعها،  لا تضار والدة بولدها تضار بولدها من الضر،  مثلا أن يكون الابن   لهذا الولد متعلق بأمه ولا يرضع إلا  من ثديها،  فيضاررها الرجل ويترك لها هذا الأمر ولا ينفق عليها،  وتبقى هي   تضرر بولدها لابد أن ترضعه ولا تستغني عن القيام به ولا ينفق عليها زوجها النفقة الواجبة.

وكذلك ربما تريد هذه المرأة أن تتزوج بعد فراقها - ولها الحق في ذلك-  وقد لا يريد الزوج الآخر أن يبقى ولدها معها،  فكذلك هذا يجب على الرجل الذي هو أبو الولد أن يسعى في إيجاد  حاضن ونحوه لولده،  فلا تضار به ولا تضارره،  لا تضارر  كذلك المرأة  بولدها إذا كان الرجل لا يستطيع أن يقوم بهذا عليه ابنها على  أبيه،  وتقول:  لا شأن لي به خذه ربه  أنت أبوه فافعل به ما تشاء،  فتضارر الزوج بهذا،  فينبغي أن تراعي   وضع الزوج ووضع الزوجة ووضع هذا الابن ولا تُستخدم الأولاد للمضارة،  يستخدم الزوج الولد لمضارة المرأة  أو تستخدم المرأة  الولد لتضارر  زوجها،  {لا تضار والدة بولدها} تضار أو تضارر،  { ولا مولود به بولده} ولا مولود له كذلك يضار ويضارِر بالولد،  بل ينبغي أن يتقي كل منهم الله - تبارك وتعالى-  ويراعوا   حق الولد وحق كل واحد منهم في وضع الولد هذا بعد   الطلاق.

 ثم قال -جل وعلا- :  {وعلى الوارث مثل ذلك} وعلى الوارث مثل ذلك أن يقوم بما يجب أن يقوم به  الأب في حال حياته،  إذا مات   الأب وله ولد،  فإن هذه الأم كذلك لا ينبغي أن تضارر بابنها من يقوم مقام هذا الأب الولي الذي سيقوم به بالإنفاق وورث تركة الميت،  فكذلك ينبغي أن ينفق على هذه الأم التي مات زوجها النفقة الواجبة ويصنع معها كما كان يصنع الرجل في حال الطلاق،  وعلى الوارث مثل ذلك.

 ثم قال جل وعلا{ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وإن أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إذا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعلموا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[البقرة:233]

بقيت هذه الآية فيها تفسير وأحكام نرجعه للحلقة الآتية إن شاء  الله أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد