الخميس 20 جمادى الأولى 1446 . 21 نوفمبر 2024

الحلقة (660) - سورة الذاريات 43-53

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:35] {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات:36] {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}[الذاريات:37] {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[الذاريات:38] {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}[الذاريات:39] {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ}[الذاريات:40] {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}[الذاريات:41] {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}[الذاريات:42] {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ}[الذاريات:43] {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ}[الذاريات:44] {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ}[الذاريات:45] {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}[الذاريات:46] {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات:47] {وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}[الذاريات:48] {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[الذاريات:49] {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:50] {وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:51]، يخبر -سبحانه وتعالى- أنه أرسل ملائكته رُسلًا إلى لوط -عليه السلام- ليُخرِجه من هذه القرى الظالم أهلها؛ يُنجيه الله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ}[الذاريات:32]، وهم هؤلاء؛ سدوم، وعمورة، وقرى نهر الأردن، الذين كانوا يفعلون هذه الفاحشة التي ما سبقهم بها من أحد من العالمين، قالوا {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ}[الذاريات:33] {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}[الذاريات:34]، مُعلَّمة هذه الحجارة؛ كل شخص يأتيه حجره، {لِلْمُسْرِفِينَ} {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:35]، وهو لوط؛ هو وأهله.

قال -جل وعلا- {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات:36]، بيت لوط فقط النبي، وقد جاء في التوراة أن الله -تبارك وتعالى- أنجاه هو وابنتاه فقط؛ هذا الذي كان فيه، إلا امرأته تُرِكَت لأنها كانت على دين قومها كافرة بالله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات:36] {وَتَرَكْنَا فِيهَا}، في هذه القرى، {آيَةً}، وهو هذا الماء الخبيث الذي أنزله الله -تبارك وتعالى- عليهم بعد أن أفك هذه القرى على رؤوس أصحابها، قال -جل وعلا- {........ لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}[الذاريات:37]، هذه الآية هي هذا المطر الخبيث الموجود إلى يومنا هذا، والذي لا يشبه أي ماء غيره على سطح الأرض؛ فإنه لا تنبت فيه حياة قط، ماء خبيث، قال {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}[الذاريات:37]، آية أخرى قال -جل وعلا- {وَفِي مُوسَى}، يعني آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، انظروا عقوبة الله -تبارك وتعالى- لأعدائه، {........ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[الذاريات:38]، سلطان؛ آيات قاهرة بينة مع موسى -عليه السلام-، تسع آيات بينات، {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ}، فتولَّى؛ أي فرعون، بركنه؛ بقوته وعظمته التي كان يرتكن إليها، جيشه، وشعبه، وأمواله، وخدمه، حشمه، {........ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}[الذاريات:39]، على موسى -عليه السلام-.

قال -جل وعلا- {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ}[الذاريات:40]، أخذناه؛ أخرجه الله -تبارك وتعالى- هو وجنوده مما كانوا فيه من العز، والنعيم، والترف، والسلطان، وقال -جل وعلا- {فَنَبَذْنَاهُمْ}، أي ألقيناهم بإهمال، النبذ هو الإلقاء بإهمال، ألقاهم الله -تبارك وتعالى- في اليم؛ البحر، وهو مُليم؛ ما يُلام عليه من الإجرام والكفر، {وَفِي عَادٍ}، آية من آيات الله -تبارك وتعالى- في إهلاكهم، هذه القبيلة القوية التي كانت تفتخر بقوتها ويقولون {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}، في جنوب الجزيرة، {........ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}[الذاريات:41]، التي لا خير فيها؛ ولا بركة فيها، ولا ماء فيها؛ ريح جافة، {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}[الذاريات:42]، أهلكتهم وقتلتهم في أماكنهم، حتى أن الشخص لو كان في بطن جبل تدخل عليه فتقتله، {وَفِي ثَمُودَ}، قبيلة ثمود، {........ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ}[الذاريات:43]، قيل لهم؛ قال لهم رسولهم صالح -عليه السلام-، لمَّ عقروا الناق وعتوا عن أمر ربهم قال لهم {........ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود:65]، تمتعوا في داركم ثلاثة أيام بس فقط، ذلك وعد غير مكذوب؛ سيأتيكم العذاب من الله -تبارك وتعالى- الذي وعدَكم به، {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ}[الذاريات:43] {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ}[الذاريات:44]، حتى لمَّا تهددهم بالعذاب ظلوا في عنادهم؛ وكفرهم، وعلوهم، واستهزائهم بهذا العذاب، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ}، والصعق بصرخة ملَك فيهم، {وَهُمْ يَنظُرُونَ}، ينظرون هلاكهم، ويُصعَقون وينظرون كيف يهلَكون، {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ ........}[الذاريات:45]، عندما تصعقه هذه الصاعقة لا يستطيع أن يقوم من مكانه، كما قال -جل وعلا- {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}، {وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ}، على الله، أن ينتصروا بأنفسهم فينصروا أنفسهم ويمنعوا أنفسهم من عذاب الله -تبارك وتعالى-.

{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ}، من قبل هؤلاء؛ من قبل فرعون، وثمود، وعاد، هذه أول أمة كفرت بالله -تبارك وتعالى-، {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}[الذاريات:46]، إنهم؛ أي قوم نوح، {كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}، أي فأهلكهم الله -تبارك وتعالى-، وقد قص الله -تبارك وتعالى- قصة إهلاكهم وأنه قد أرسل عليهم الطوفان الذي لم يُبقي أحدًا منهم؛ أغرقهم جميعًا مع كل دواب الأرض معهم، ولم يُنجي الله -تبارك وتعالى- إلا أصحاب السفينة التي حملت نوح والذين آمنوا معه؛ وحملت ذكر وأنثى من كل دواب وحيوانات الأرض فقط، بقيت أحياء الأرض في هذه السفينة فقط وأهلك الله -تبارك وتعالى- كل ما على الأرض بعد ذلك، {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}[الذاريات:46].

ثم قال -جل وعلا- {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات:47]، السماء؛ كل ما علانا، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- أن فوقنا سبع سماوات وأنه قد زيَّن هذه السماء الدنيا، الدنيا؛ القريبة لنا، بهذا المصابيح العظيمة من النجوم؛ والشموس، والأقمار، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ........}[الذاريات:47]، بأيد؛ بقوة، الأيد هي القوة، يُقال رجل أيد يعني رجل قوي، فالله -تبارك وتعالى- بنى السماء بناءً قويًا؛ شد أركانها -سبحانه وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الملك:1]، {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}، طِباقًا؛ طبقات بعضها فوق بعض، {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ}، في الصنعة، في المتانة، {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ}، أي في جنبات السماء، {........ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}[الملك:4]، فالسماء بناها وشد الله -تبارك وتعالى- أركانها؛ ورفع سمكها -جل وعلا-، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ........}[الذاريات:47].

ثم قال -جل وعلا- {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}، إنَّا؛ الله -سبحانه وتعالى-، لموسعون؛ لموسعوها، وسِعتها لا يسعُها عقل إنسان؛ بل عقل مخلوق، لا يعلم سِعة هذه السماوات إلا خالقها -سبحانه وتعالى-، فقط الخالق هو الذي يعلم هذه الأبعاد، وقد وصلت اليوم علوم الناس إلى أن ترى أن هناك في جنبات هذه السماء هذه المجرات؛ التي يُسموها المجرات، وهي المجموعات الهائلة من ملايين الملايين من النجوم المجتمعة في إطار واحد؛ التي تسير كذلك في مسارات، وأن هناك أكثر من ألف مجرة، وأن ما بين مجرة ومجرة ليخرج نجم من مجرة إلى مجرة يحتاج إلى ملايين ومئات الملايين من السنوات الضوئية السريعة؛ حتى يخرج من مكان إلى مكان، نحن في مجرتنا التي يُسمونها درب التبَّانة لو أردنا أن نخرج منها إلى مجموعة أخرى من هذه المجموعات فنحتاج إلى أكثر من مائتين وخمسين سنة؛ مليون سنة ضوئية حتى نخرج منها، هذا من حسابات البشر في ما توصَّلوا إليه الآن من حساباتهم والنظر في سِعه هذا الكون، والله يقول {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}، لهذه السماء سِعة لا تبلغها العقول، وقد قال -سبحانه وتعالى- {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}[الواقعة:75] {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}[الواقعة:76]، قسَم عظيم لأن الله يُقسِم بمخلوقات عظيمة، وهذه المخلوقات العظيمة دالة على عظمة خالقها -سبحانه وتعالى-، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات:47]، آيات من آيات الله -تبارك وتعالى-، هذه آيات الله -تبارك وتعالى- في الخلْق، الخالق لهذا لابد أن يكون هذا الرب الإله العظيم؛ القوي، القادر، الذي وسِع عِلمه كل هذه الأشياء، ووسِعَت رحمته كل هذه الأشياء، وكذلك قوته -سبحانه وتعالى-؛ أنه القوي الممسك لهذا، {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[فاطر:41]، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات:47].

{وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}[الذاريات:48]، فرشناها؛ الفرش هو أن الله -تبارك وتعالى- بسطها ومهَّدها كما يُبسَط الفراش ويُمهَّد، فجعلها ممهدة مبسوطة ليستطيع أهل الأرض ...؛ يعني يستطيع الناس أن يعيشوا عليها، ولو جعلها الله -تبارك وتعالى- أنفاقًا وقِممًا وغير مستوية السطح لعثُرَ على الناس أن يعيشوا عليها، ولكن الله -تبارك وتعالى- بسطها بهذا البسط؛ بهذه السهول الممتدة، والجبال التي أرساها هنا وهنا، قال {وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}[الذاريات:48]، نِعم مَن مهَّد هذا المهد العظيم للناس ليعيشوا عليه -سبحانه وتعالى-، {وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}[الذاريات:48] {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[الذاريات:49]، من كل شيء؛ من الحيوان النبات، الله يقول خلقنا زوجين؛ ذكر وأنثى، وهذا لتستمر عملية التكاثر والبقاء، فانظر من كل شيء؛ من الأنعام التي خلقها الله -تبارك وتعالى- لنا كالإبل، والبقر، والغنم، ومن صنوف ما يدب على الأرض -سبحانه وتعالى-؛ من الحيوانات، ومن الطير، ومن غيرها، وكذلك من النبات ذكر وأنثى، {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[الذاريات:49]، يعني لعلكم بالنظر في هذا الخلْق؛ والعِلم بقدرة الله -تبارك وتعالى-، وإحكام صنعته -سبحانه وتعالى-، ورزقه لعباده، أن تتذكروا الرب الإله الخالق؛ الرحمن، الرحيم -سبحانه وتعالى-، القوي، العزيز، الذي اعتنى بكم أيها الناس هذه العناية، ورتَّب لكم معاشكم على هذا النحو، {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا}[المرسلات:25] {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}[المرسلات:26] {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا}[المرسلات:27]، فهذا الرب -سبحانه وتعالى- الذي مهَّد لكم سُبُلَ العيش على هذا النحو؛ فجعل لكم الأرض فراشًا على هذا النحو، وخلَقَ لكم في كل هذه الأرض من كل شيء زوجين لتستمر الحياة على هذا النحو وتعلموا قدرة الخالق، فإن كون هناك تزواج معناه أن هناك توافق، يعني أن يكون ذكر وأنثى من نبات أو من حيوان معناه أن هناك توافق؛ معناه لابد في قدَر لالتئام هذا وهذا، وأن الصنعة التي تكون على هذا النحو لابد لها من صانع جعل هناك موائمة؛ وهناك احتياج لهذا وهذا لاستمرار الحياة، ليس هذا أمر عبَث، هذا لا يأتي بصدفة ولا يأتي بعبَث، {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[الذاريات:49].

ثم قال -جل وعلا- {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، بعد هذا، {........ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:50]، إذا علمتم قدرة الرب -سبحانه وتعالى- على الخلْق على هذا النحو وأنه الرب الرحيم؛ الإله القادر -سبحانه وتعالى-، ثم وإذا علمتم بعد ذلك عقوبته وأخذه بالعذاب الشديد لِمَن أخذه، انظروا هذه مصارع الغابرين، هذا فعله -سبحانه وتعالى- بقوم نوح؛ بعاد، بثمود، بفرعون، انظروا كيف صنع فيهم -سبحانه وتعالى-، ثم كيف أن الله -تبارك وتعالى- أنجى عباده المؤمنين وهذه عناية الله -تبارك وتعالى- بهم، مَن عَلِم كل هذا إذن ليس أمامه إلا أن يفر إلى الله، قال إذن بعد هذا {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:50]، الفرار إنما يكون دائمًا من الخوف إلى الأمن، الإنسان يفر مما يخاف إلى مكان أمنه، هذا دائمًا الفرار؛ ما ورائه يكون هو ما يخافه، وما أمامه والذي يفر إليه هو الأمن؛ ما يظن أن عنده الأمن، والله -تبارك وتعالى- أمرنا أن نفر إليه لأن الأمان عنده؛ الأمان عنده -سبحانه وتعالى-، لا أمن إلا عند الله -تبارك وتعالى-؛ إلا أن يؤمِّنك الله -جل وعلا- مما تخاف، فالأمن عنده -سبحانه وتعالى- والخوف هو في معصيته -جل وعلا-، لأن الله -تبارك وتعالى- جعل في معصيته العذاب؛ العذاب في الدنيا وفي الآخرة، العذاب الذي أخذ هذه الأمم السابقة؛ كيف عذَّبها الله -تبارك وتعالى-؟ والعذاب الذي ينتظر المُكذِّبين في الآخرة من نار الله -تبارك وتعالى-، وعقوبته الشديدة، وأن الله -تبارك وتعالى- عنده الأمن من كل ما يخاف العبد؛ إذن الفرار إليه، قال {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، لأن هناك الأمن، عنده الأمن -سبحانه وتعالى- فهو الذي يؤمِّن، ولم يجعل الله -تبارك وتعالى- أمن إلا لعباده المؤمنين الذين قال {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}، قال {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام:82]، فلا أمان مما يُخاف إلا عند الله -تبارك وتعالى-، قال {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، أمنكم هناك، {........ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:50]، إني؛ الرسول محمد -صلوات الله والسلام عليه-، لكم؛ أيها الناس، منه؛ من الله -تبارك وتعالى-، {نَذِيرٌ مُبِينٌ}، النذير هو الذي يُحذِّر من الخوف؛ من العقوبة، من الشر، فالنبي نذير جائنا يُحذِّرنا من العقوبة والشر؛ من عقوبة الله -تبارك وتعالى-، ومن كل الشرور، مبين؛ بيِّن واضح، نِذارة بينة، ومُبيِن يعني يُبيِّن الأمر على أتم صوره، فقد جاء النبي -صلوات الله عليه وسلم- بلسان عربي مبين؛ بهذا القرآن المبين، بهذا الكلام الواضح الصريح في بيان عقوبة الرب -تبارك وتعالى- وما ينتظر المُكذِّبين، وكذلك بيان ما عند الله -تبارك وتعالى- من الأمن والأمان لعباده المؤمنين، فأمره كله بيِّن؛ ما ترك في هذا الحق لبس قط، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:50].

{وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:51]، هذا أعظم الذنوب وهو الذي لابد أن تكونوا بعيدًا عنه؛ خلف ظهوركم، {وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ........}[الذاريات:51]، الجعل هنا بمعنى الاعتقاد، {وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ........}[الذاريات:51]، والحال أنه  ليس مع الله إله أخر، الله هو الإله وحده -سبحانه وتعالى-؛ المستحق للعبادة وحده، لكن البشر بجهلهم وعنادهم يعتقدون أن مع الله إلهًا أخر، والحال أنه لا إله مع الله -تبارك وتعالى-؛ إنما هو إله واحد، الإله المعبود الذي يستحق العبادة إله واحد هو الله -سبحانه وتعالى- لأنه خالق الكل، كل ما سواه هو الذي خلَقَه -سبحانه وتعالى- وسوَّاه؛ وهو الذي أقامهم في ما أقامهم فيه، وهو الذي يملك رقبته ويملك تصريفه، يملك رقبته من الأساس؛ أنه هو الذي أخرجه من العدم -سبحانه وتعالى-، ويملك تصريفه؛ كل ما سوى الله الله هو الذي يُصرِّفه في كل أحواله، فالإنسان كل أحواله بيد خالقه ومولاه؛ هو الذي يرزقه، هو الذي يحرمه، هو الذي يُحييه، هو الذي يُميته، ضلال العبد وهدايته، ضحكه وبكائه، سعادته وشقاوته، غناه وفقره، كله بيد إلهه ومولاه -سبحانه وتعالى-، وكذلك الشمس والقمر وكل هذه، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:26] {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:27].

كل تصريف الخلْق له -سبحانه وتعالى-، فهذا هو الذي يستحق أن يُعبَد ويؤهلَه؛ الإله الذي هذا فعله –سبحانه وتعالى-، وأما ما سواه؛ كل ما سوى الله -تبارك وتعالى- ففقير محتاج، ملائكته محتاجون إليه؛ فقراء إليه كلهم، رُسُله، أنبيائه، كل المخلوقات إنما هي محتاجة إلى الله -تبارك وتعالى- ولا يستحق أحد منها أو شيء منها أن يُعبَد مع الله -تبارك وتعالى-، ما يستحق العبادة مع الله –تبارك وتعالى- لا الملائكة الُقرَّبون؛ ولا عيسى، ولا محمد، ولا أي أحد، إنما هؤلاء عباد الله -تبارك وتعالى- ولم يأمروا أحدًا بأن يعبدهم من دون الله -تبارك وتعالى-، ولا أمر الله -تبارك وتعالى- بأن يُتخَذ شيء من خلْقِه إله مع الله -تبارك وتعالى-؛ حتى وإن كان هذا الخلْق هو قريب من الله، كملائكة الله -عز وجل- لم يأمرنا الله -تبارك وتعالى- أن نعبد الملائكة؛ أن نُصلي لهم، أن نسجد لهم، أن نجعل ركعتين لجبريل وركعتين ليكائيل... لا، وكذلك الرُسُل عندما أرسلهم الله -تبارك وتعالى- لم يأمرنا الله -تبارك وتعالى- بالسجود لهم؛ بالطواف بهم، بالتمسُّح بهم، كل هذا لم يجعل الله -تبارك وتعالى- رُسُله آلهة من دون الله، {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:80]، فلا شك أن الإله الذي يستحق الألوهية هو الله وحده -سبحانه وتعالى-، {وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ........}[الذاريات:51]، أي معبودًا أخر، إني؛ الرسول محمد -صل الله عليه وسلم-، لكم؛ أيها الناس، منه، من الله -تبارك وتعالى- نذير مبين، يعني هذه خلاصة {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:50] {وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:51].

ثم قال -جل وعلا- {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}[الذاريات:52] {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}[الذاريات:53]، كذلك يعني الشأن في ما أُرسِلَ وما قوبِلَ به النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-؛ هو تمامًا ما قوبِلَ به الرُسُل قبل النبي -صل الله عليه وسلم-، قال -جل وعلا- {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ ........}[الذاريات:52]، كل الأمم التي أرسل الله -تبارك وتعالى- فيهم رُسُل قبل -صل الله عليه وسلم-؛ كل رسول أتى إلى قومه قوبِل بهذه المقالة، {إِلَّا قَالُوا}، يعني هذه الأمم الكافرة، {سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}، نفس الكلام الذي قيل للنبي محمد -صل الله عليه وسلم-؛ قيل له {سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}، فقد جابه مشركوا العرب نبينا محمد -صلوات الله والسلام عليه- بقوله ساحر؛ وهذا الذي اجتمعت عليه كلمتهم عند الموسم، عندما رأوا أن الإسلام بدأ ينتشر ورأوا أن هذا الدين إذا انتشر؛ إذا جاء النبي وعرض القرآن على الناس، سينتشر في العرب ويقبله الناس، فقالوا لابد أن نوحِّد فيه كلمتنا، فالنهاية قالوا نقول شاعر؛ نقول كاهن، اتفقوا بعد ذلك لرأي الوليد ابن المُغيرة، قال أنا أرى أن أنسب القول أن تقولوه فيه أن تقولوا هذا رجل ساحر أتى بكلام سحر؛ يُفرِّق به بين المرء وزوجه، وبين الأخ وأخيه، وبين الابن وأبيه، قالوا اجتمعوا على هذا، وفي هذا يقول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ}[المدثر:18] {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}[المدثر:19] {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}[المدثر:20] {ثُمَّ نَظَرَ}[المدثر:21] {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ}[المدثر:22] {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ}[المدثر:23] {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}[المدثر:24] {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر:25]، إن هذا القرآن إلا سحر يؤثَر، {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر:25]، قال -جل وعلا- {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}[المدثر:26] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ}[المدثر:27]، فقد اتهموا النبي بأنه ساحر؛ جاء بهذا الكلام الذي هو نوع من السحر، واستطاع أن يُفرِّق به جماعتهم؛ يُفرِّق به بين الأخ وأخيه، وبين الابن وأبيه، وبين الزوجة وزوجها.

{أَوْ مَجْنُونٌ}، فقد اتهموه بالجنون، وقد علموا أن المجنون لا يأتي بهذا الكلام؛ وأن الساحر ليس هذا شأن السحرة، {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ}[الشعراء:221] {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}[الشعراء:222] {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}[الشعراء:223] {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}[الشعراء:224] {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ}[الشعراء:225]، والحال أنه لا يُفلِح الساحر حيث أتى، وقد جرَّبوا هم السحر وعرفوا السحرة، وكذلك رأوا المجانين وعرفوا جنونهم؛ وكيف المجنون يُخنَق ويضرب ويهذي ويقول ما يقول؟ والنبي -صلوات الله والسلام عليه- {........ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ}[الطور:29]، لم يكن مجنونًا ولم يكن ساحرًا -صلوات الله والسلام عليه-، ولكن هؤلاء المجرمون اتفقت كلمتهم على أن يقولوا هذا، قد أخبر -سبحانه وتعالى- أن مَن كان قبلهم من الأمم هذه نفس مقالتهم؛ نفس المقالة التي قالوها لرُسُلهم، ولذلك قال -جل وعلا- لرسوله {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ........}[فصلت:43]، ما يُقال لك في ما اتهموه به من السحر؛ ومن الجنون، ومن فساد النيَّة، ومن أن له مآرب أخرى، ومن نحو ذلك، هو الذي قاله أسلافهم الكفرة لرُسُلهم، {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}[الذاريات:52].

قال -جل وعلا- {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}[الذاريات:53]، سؤال يُراد به التعجُّب من حال هؤلاء المختلفين في الأزمان، مختلفين في الأزمان من قوم نوح إلى قوم النبي -صلوات الله والسلام عليه-؛ إلى كل هذه الأمم، ولكنهم اتفقوا في المقالة؛ متفقين في المقالة التي قالها كلٌ منهم لرسوله، فكأنهم اجتمعوا في مكان واحد واتفقوا على أن كل قوم يأتيهم رسولهم فيقولوا له هذه المقالة، {أَتَوَاصَوْا بِهِ}، يعني هل اجتمع هؤلاء؛ قوم نوح، مع عاد، مع ثمود، مع قوم فرعون، مع مشركين قريش، اجتمعوا كلهم في وقت واحد وتواصوا بهذا الأمر، {أَتَوَاصَوْا بِهِ}، أكانوا متواصين به؟ فحالهم في أن يقول كلٌ منهم نفس المقالة كأنهم وصى بعضهم بعض بهذا، والحال طبعًا أنهم لم يجتمعوا ليتواصوا به، ولكن قد أضلهم مُضِل واحد وهو الشيطان، فالشيطان الذي ألقى لهؤلاء هو الذي ألقى لهؤلاء؛ هو الذي ألقى لهؤلاء، هو الذي ألقى لهؤلاء ...، فجعل كأنه ربطهم بحزام واحد وبمقالة واحدة، فكلٌ منهم لمَّا جاء رسوله جابهوه بنفس الشُبهة، {أَتَوَاصَوْا بِهِ}، قال -جل وعلا- {........ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}[الذاريات:53]، بل الحال أنهم قوم طاغون؛ قوم أهل طغيان، طغيان؛ فقد عرفوا الحق وعرفوا أن رسولهم رسول الله، كلٌ منهم يعلم أن الرسول المُرسَل إليهم رسول من الله -تبارك وتعالى-، ولكنهم كانوا أهل طغيان وتكذيب لأمر الله -تبارك وتعالى-، ولذلك قالوا هذه المقالة الكافر الفاجرة كلٌ في رسوله {سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}.

نقف هنا ونُكمِل -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب.