الأربعاء 08 ذو القعدة 1445 . 15 مايو 2024

الحلقة (665) - سورة الطور 39-49

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور:35] {أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ}[الطور:36] {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ}[الطور:37] {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[الطور:38] {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}[الطور:39] {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ}[الطور:40] {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}[الطور:41] {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور:42] {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الطور:43] {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ}[الطور:44] {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ}[الطور:45] {يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[الطور:46] {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[الطور:47] {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}[الطور:48] {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}[الطور:49]، آخر سورة الطور، وفي هذا الفاصل الأخير الله -تبارك وتعالى- قد عرض الأدلة البرهانية التي تُبطِل كل باطل تعلَّق به هؤلاء الكفار؛ في دفعهم للحق الذي جاء به النبي -صلوات الله والسلام عليه-، من هذه الأدلة قول الله -تبارك وتعالى- {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور:35]، هذه القسمة، يعني هل هم خُلِقوا من غير شيء؟ صدفة هكذا كما يقولون، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ والحال أنه ليس هذا وهذا، إذن تعيَّن الفرض الثالث الحتمي أنه خلَقَهم إليه حكيم؛ قدير، هذا الخلْق دليل على حكمته؛ وقدرته، وقوته، وعظمته -سبحانه وتعالى-.

{أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ........}[الطور:36]، هل يدَّعي أحد بأنه هو خالق لهذه السماوات والأرض بهذا الخلْق المتين العظيم؟ قال -جل وعلا- {بَل لا يُوقِنُونَ}، هذا هو الوصف الحقيقي لهؤلاء الكفار أنهم لا يوقنون مع أن هذه أدلة يقينية؛ أدلة تؤدي إلى اليقين حتمًا، لكن هؤلاء مع قيام الأدلة اليقينية لا يوقنون بها فدل هذا على جحودهم وإنكارهم، {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ ........}[الطور:37]، وهذا الأمر متجدد، مَن يعيش على هذه الأرض يجد أن الأمر متجدد، خزائن الله -تبارك وتعالى- متجددة؛ أمطاره النازلة، خيراته الصاعدة من الأرض التي عليها حياة الناس، فهذه حياة النبات المتجدد بما يُخرِج من الزروع ومن الثمار، الحيوانات المتجددة هذه حياة، وكل هذه من خزائن الله -تبارك وتعالى- التي لا تنفذ، «يد الله ملئى سحَّاء الليل والنهار، ألم تروا ما أنفق منذ خلَقَ السماوات والأرض؛ فإنها لم تغِض ما في يمينه -سبحانه وتعالى-»، فهل يدَّعي إنسان أن هذه الخزائن هو يملكها؟ هو الذي يملك خزائن الأمطار، هو الذي يملك خزائن إخراج هذه الزروع، هو الذي يملك إنتاج هذه الملايين المملينة من بهيمة الأنعام التي هي عمل متواصل، هل يدَّعي أحد أن خزائن الخيرات هذه بيده؟ {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ}[الطور:37]، على هذا الكون، والذي ضبط كل صغير وكبير في هذا الكون بهذا الضابط.

{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ........}[الطور:38]، إلى الأمر، فإن هذا الكون مُدبَّر بأمر إلهي، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[السجدة:5]، هذا مقدار الرب -سبحانه وتعالى- الذي أحكم كل شيء؛ كل أمر عنده مُحكَم -سبحانه وتعالى-، فالله -سبحانه وتعالى- فوق سبع سماواته وقد أحكم الخلْق كله وضبطه بكل معاني الضبط؛ فلا تخرج ذرَّة عن أمره الكوني القهري -سبحانه وتعالى-، وكل أمر عنده -سبحانه وتعالى-، فالله هو يُدبِّر الأمر؛ أمر من الصغير للكبير، {مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ}، كل شئون الخلْق -سبحانه وتعالى- تُعرَض إليه بما فيهم أعمال العباد، كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يُرفَع إليه عمل الليل قبل عمل النهار؛ وعمل النهار قبل عمل الليل»، وإن كان هو -سبحانه وتعالى- أعلم بشئون عباده لكن هذا أمر منضبط، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ ........}[ق:18]، هذا الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض الصغيرة في مُلك الله -تبارك وتعالى-؛ قطرة في بحر، هباءة، ذرَّة، حبة رمل في صحراء هذه الأرض، ومع ذلك كل شيء عليها مضبوط، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ ........}[ق:18]، هذا الإنسان، {........ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18]، موكَّل به، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4]، مُحصي لكل أعمالها، فأمر مُنبط، {أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[الطور:38].

ثم قال -جل وعلا- {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}[الطور:39]، كما تدَّعون، {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ ........}[الطور:39]، كان العرب من جهلهم ومن فساد أذواقهم وحُكْمهم يقولون بأن الملائكة بنات؛ وأنهم ولِدوا لله -تبارك وتعالى- لأن الله له نسب بالجِن، كما قال -جل وعلا- {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ}، أي بين الله، {وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}، قال -جل وعلا- {........ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}[الصافات:158]، أي للعذاب، فجعلوا هذا النسب وقالوا أن الملائكة بنات، فربنا -سبحانه وتعالى- يُبيِّن لهم فساد اعتقادهم وقِسمَتهِم مع الله –تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}[الطور:39]، يعني سؤال يُراد به التعجُّب من هذه القِسمة الظالمة وهذا الاعتقاد السخيف عند هؤلاء السخفاء، {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ ........}[الطور:39]، فاختارهم من خلْقِه، {وَلَكُمُ الْبَنُونَ}، البنون وهم الذكور لكم أنتم؛ اختصصتم أنفسكم بهم، وأن الله -تبارك وتعالى- قد خصَّكم بهذا وجعلتم البنات لله -تبارك وتعالى-، والحال أنها مقالة تدل على الكذب وتدل كذلك على فساد ليس فساد العقل فقط؛ بل فساد الحُكم، كيف يحكم هذا؟ كيف تحكم على الله -تبارك وتعالى- بأن يختص نفسه بأمر أنت تكرهه لنفسك؟.

{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ}[الطور:40]، يعني أن يكون الذي دفعهم وأبعدهم عن قبول هذا الدين هو أن الرسول طلب منهم أجر؛ جِزية على أن يُبلِّغهم هذا الدين، قال لا أُبلِّغكم هذا الدين ولا أُبيِّنه لكم إلا بأن تدفعوا لي كذا وكذا، {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ}، من هذا الغُرم الذي عليهم، {مُثْقَلُونَ}، يعني أثقل كاهلهم بالإتاوة؛ أو بالجِزية، أو بالضريبة التي ضربها عليهم من أجل ذلك، والحال أن النبي -صلوات الله والسلام عليه- قد أتاهم بهذه الرسالة العظيمة التي بها سعادتهم في الدنيا والآخرة مجانًا؛ دون أن يطلب منهم شيء، ما طلب من أحد فلس على أن يُبلِّغه هذا الدين ويرشده إلى طريق الرُّشد وطريق الفلاح في الدنيا والآخرة، {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ}[الطور:40] {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}[الطور:41]، الغيب؛ ما غاب، والغيب غيبان؛ غيب إضافي يعني غيب بالنسبة للمخلوق، كل مخلوق خلَقَه الله -تبارك وتعالى- يعلم في حدود ما علَّمه الله -تبارك وتعالى-؛ ووراء ما لم يُعلِّمه الله -تبارك وتعالى- لا يعلمه، كما قال الملائكة {........ سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة:32]، فهم يعلمون من الأمر ما علَّمهم الله -تبارك وتعالى- إياه، فلمَّا لم يُعلِمهم الله -تبارك وتعالى- أسماء كل شيء وعرض الأسماء عليهم، {........ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة:31] {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ........}[البقرة:32]، لكن لمَّا كان الله -تبارك وتعالى- قد علَّم آدم عَلِمَ هذه، وأمور أخرى لا يعلمها آدم وهكذا، فالغيب الإضافي هو الموجود الذي يعلمه بعض خلْق الله ولا يعلمه البعض الآخر، وكلٌ من خلْق الله -تبارك وتعالى- يعلم في حدود ما علَّمه الله –عز وجل-.

بالنسبة لهذا الغيب الإضافي عند الخلْق لا غيب عند الله، كل شيء عند الله شهادة، فالله شهيد على كل شيء؛ ما في غيب عنده، الله لا يعزُب عنه ولا يغيب عنه مثقال ذرَّة في كل الوجود -سبحانه وتعالى-، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:59]، فكل موجود عند الله -تبارك وتعالى- شهادة؛ ليس عنده غيب، ثم هناك غيب اللي هو الغيب الذي استأثر الله -تبارك وتعالى- به وهو المستقبل، ما يكون في المستقبل هذا إلى الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}، هذي واحدة، {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}، متى يأتي الغيث بعد ذلك؟ أمر مستقبل، {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ}، من سيكون في هذه الأرحام من ذكر أو أنثى أو غير ذلك؛ خداج أو تمام، ينزل قبل وقته، يُكمِل المدة التي جعلها الله -تبارك وتعالى- للمولود، كل هذا إلى الله -تبارك وتعالى-، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}، أن يكون هناك أي نفس تعلم ما تكسبه غدًا، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}، كلها تتعلق بالأمور المُستقبَلَة، فعِلم المستقبل إلى الله -تبارك وتعالى- قد احتفظ به وحجبه عن سائر خلْقِه؛ ما أحد يعمل ماذا سيكون، هذا رسول الله يقول «والله إني لرسول الله ما أدري ما يُفعَل بي غدًا»، {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}، فالله {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا}[الجن:26] {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}[الجن:27]، فالله -تبارك وتعالى- هو عالم الغيب وحده -سبحانه وتعالى-.

الله يُبيِّن لهؤلاء الكفار الجاحدين؛ هل عندهم شيء من عِلم الغيب؟ وبالتالي هم يعرفون مصائرهم ومنتهى الأمر ويقولون لا قيامة؛ عندهم هذا؟ قد علِموا هذا؟ قد علِموا هذا الأمر أم أنهم يقولون عن كل شيء مستقبل بالظن؛ والحدْث، والتخمين، وبأنهم جعلوه عقيدة، لكن لا دليل عندهم ولا أي برهان عندهم على ما يقولونه، {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}[الطور:41]، يكتبون هذا الذي سيكون وهذه المقادير مكتوبة عندهم يُسجِّلونها، أم أنهم في هذا الأمر المستقبل يخبطون فيه خبط عشوائي؛ يقولون فيه بالظنون، فإنهم قد قالوا عن غيوب كثيرة سواء كانت غيوب في وقت هذه الدنيا كأن يقولوا بأن النبي سينقطع أثره؛ وسينمحي دينه، ولن يكون، ولن، ولن ...، أمور مُستقبَلَة، وكذلك كذَّبوا بيوم القيامة وبالبعث والنشور وقالوا لن يكون، فهذا هذا الذي يقولونه عن هذا الأمر المستقبلي؛ هذه الأمور المستقبلية عندهم؟ نظروا في هذا الغيب المستقبلي وقالوه أم أنهم كذَّابون؛ يتكلمون بالإفك والكذب، {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}[الطور:41].

ثم قال -جل وعلا- {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور:42]، {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا}، بالرسول، يكيدون له بمعنى أنهم يُدبِّرون تدبير شرير بالخفاء، الله يقول {........ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور:42]، هم الذي سيقع بهم نتيجة كيدهم ويُدالون ويُكادون بكيد فوق كيدهم، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا}[الطارق:15] {وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق:16]، هم يُبدبِّرون في الخفاء لقتل النبي؛ وإهلاكه، وإذهاب هذا الدين، والله -تبارك وتعالى- يُدبِّر لهم كذلك في الخفاء تدبير، فأي تدبير هو الذي سيقع؟ لا شك أنه تدبير الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا}[الطارق:15] {وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق:16] {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}[الطارق:17]، خليهم شوية ليروا النتيجة، هل تدبير الله -تبارك وتعالى- بهم هو الذي سيقع أم تدبيرهم هم؟ {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور:42]، هم الذين سيقع بهم الكيد الحقيقي ويُصيبهم لأن الذي سيصيبهم به هو الله -سبحانه وتعالى-، {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور:42]، وهذا جاء كثيرًا في القرآن كقول الله -تبارك وتعالى- {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:30]، هم يمكروا بالرسول لكن الله -تبارك وتعالى- يُدبِّر لهم -سبحانه وتعالى- تدبير في الخفاء من غير ما يعلمون، ولا شك أن مكر الله -تبارك وتعالى- بهم سيكون هو الواقع، ومكرهم هم وكيدهم هم سيذهب إلى ضلال، كما قال -جل وعلا- {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}، أي كافر يكيد ويُدبِّر في الخفاء لكنه لابد أن يكون إلى ضلال، {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}، {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور:42]، وكما قال -سبحانه وتعالى- في شأن عيسى -عليه السلام- {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[آل عمران:54] {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}[آل عمران:55]، فهذا تدبير الله -تبارك وتعالى- لرسوله؛ انظر كيف كان، وكيف كان تدبير الكفار إذ انقلب كيدهم وتدبيرهم على أنفسهم، وكما قال -تبارك وتعالى- في أصحاب صالح {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}[النمل:48] {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[النمل:49]، فقال -جل وعلا-  {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[النمل:50] {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}[النمل:51] {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[النمل:52]، فهذا أمر الله -تبارك وتعالى-، {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور:42]، الذين كفروا في كل عصر ومِصر مع كل رسول لابد وأن يجعل الله -تبارك وتعالى- تدميرهم في ما دبَّروه، {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور:42].

ثم قال -جل وعلا- {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الطور:43]، هذا تعجيب كذلك من حالهم، هل لهم إله غير الله؟ إله يستحق العبادة حقيقة غير الله، والحال أنه ليس في الوجود إله حقيقي يستحق العبادة إلا الله -تبارك وتعالى-، أما إذا اتخذ مجموعة من الكفار لهم إله؛ اتخذوا لهم صنم، حجر، اتخذوا الشمس؛ القمر، أي شيء في الوجود، مخلوق من هذه المخلوقات اتخذوه إليه فهو ليس إله على الحقيقة، هذا كذب؛ سمُّوه إليه وهو ليس بإله، فالله -سبحانه وتعالى- يقول {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ}، عندهم آلهة باطلة لكن هذا ليس إله، عندهم اللات؛ والعُزَّى، ومناة، كان المشركون في كل بيت يصنعون صنم عندهم يعبدونه من دون الله -تبارك وتعالى-، وكان كل مسافر إذا سافر لابد أن يأخذ صنمه معه؛ معبوده معه، وكان أهل مكة يأخذون أي شيء من مكة حتى حجر يأخذونه من أحجارها؛ ينصبونه ويطوفون به، وإذا ما وجدوا شيء يعبدونه يأتوا بكومة من التراب ثم يحلبون عليها شاه، ثم يتعبَّدون لها ويعبدونها من دون الله -تبارك وتعالى-، فالآلهة التي اتخذوها كثيرة لكن هذه الآلهة هل هي آلهة على الحقيقة؛ هل هو إله على الحقيقة؟ الإله على الحقيقة هو مَن يملك نفع عابده وضُره، هذا يملك ضره؛ يملك نفعه، خلَقَه، سوَّاه، {........ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ}[الشعراء:75] {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ}[الشعراء:76] {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77] {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78] {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:79] {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء:80] {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}[الشعراء:81] {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء:82]، هذا الإله هو الذي يستحق أن يُعبَد، أما ما دون الله -تبارك وتعالى- فلا يملك لِمَن يعبده أي شيء، ماذا تملك الشمس لِمَن يعبدها والقمر لِمَن يعبده؟ الشمس ماذا تملك؟ عبدها مَن عبدها أو لم يعبدها؛ فإذا سجد لها عند مشرقها، أو استقبلها ببوله وغائطه، ماذا تملك لهذا ولهذا؟ لا تملك نفعًا لهذا ولا ضرًا لهذا، ما تملك شيء، فالذي يملك النفع والضر لعابده هو الرب الإله -سبحانه وتعالى-؛ خالق السماوات والأرض، {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الطور:43].

قال -جل وعلا- {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ}[الطور:44]، يعني هؤلاء المُكذِّبين من المشركين لو رأوا العذاب؛ الله -تبارك وتعالى- أنزل عليهم كِسف من العذاب من السماء، الكِسف؛ طبقة، صخور ملتهبة تنزل عليهم من السماء، {كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا}، هذا نازل بالعذاب، هو يكون موجود ويرونه بأعينهم، لكن من جهلهم وعدم عِلمهم بالغيب يقولوا سحاب مركوم، عندما يكون قادم يظنوا أن هذا سحاب مركوم، يعني طبقات من السحاب جائت بعضها فوق بعض فتظهر باللون الأسود الداكن أو الرمادي الداكن، يروه فيقولوا هذه طبقات من السحاب آتية مما يدل على جهل هذا الإنسان، يكون عذاب الله -تبارك وتعالى- على رأسه؛ باقي له ثواني أو دقائق وينزل على رأسه، ولكنه لو رآه يظن أنه رحمة نازلة من السماء، فإذا كان إنسان بهذا الجهل وإلى هذا الحد بعد ذلك يكفر بالله -تبارك وتعالى-؛ ويرد أمر الله -تبارك وتعالى-، {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ}[الطور:44].

قال -جل وعلا- {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ}[الطور:45]، ذرهم؛ اتركهم، اترك عقوبتهم على ما يقولونه من الكفر والعناد، أو اتركهم على ما هم فيه، قد بلَّغتهم بالأمر وقد قمت بالذي عليك، ولينتظروا بعد ذلك العقوبة الإلهية، {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ}[الطور:45]، وهذا عند نفخ الصور، عند قيام الساعة تأتيهم الصاعقة فيُصعَقون فيها فيقعون لوجوههم، {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ}[الطور:45] {يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[الطور:46]، في هذا اليوم؛ يوم القيامة، {لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}، كل تدبيرهم الذي دبَّروه في الخفاء لإزالة هذا الدين؛ وإزاحته، واستئصاله من الوجود، كل هذا عندما يأتيهم هذا الأمر خلاص؛ يكون قد سقط في أيديهم ورأوا عذاب الله -تبارك وتعالى-، {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ}[الطور:45] {يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[الطور:46]، {وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}، من الله -تبارك وتعالى-، يقع عليهم العذاب رغمًا عنهم، يُخرَجون من قبورهم، يُدَعُّون إلى نار جهنم، تسقوهم الملائكة وتضربهم على وجوههم وأدبارهم وهم في غاية الاستخزاء والاستسلام، كما قال –تبارك وتعالى- {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[الصافات:24] {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ}[الصافات:25] {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}[الصافات:26]، بل هم اليوم؛ يوم القيامة، مُستسلِمون يعني في غاية الذل والخضوع، وحيث أمرهم الداعي يسيرون؛ يسيرون، {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ}، يقول له امشي إلى هذا الطريق يسير ما يقدر يلف يمين ولا يلف شِمال، {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ}، الذي يدعوهم ويوجِّههم، {........ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}[طه:108]، فهؤلاء المتكبرون الآن الذين يردون رسالة الرب -تبارك وتعالى- انظر هذه حالهم يوم القيامة، {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ}[الطور:45] {يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[الطور:46].

ثم قال -جل وعلا- {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ ........}[الطور:47]، وإن؛ بالتأكيد، يؤكِّد الله -تبارك وتعالى-، {لِلَّذِينَ ظَلَمُوا}، ظلموا أنفسهم، وظلموا بفعل الظلم، والشرك هو أعظم الظلم، وما دون الظلم؛ من الصد عن سبيل الله، ومناوئة أمر الله -تبارك وتعالى-، {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ ........}[الطور:47]، {عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ}، دون هذا العذاب اللي هو عذاب الأخذ يوم القيامة والعذاب الأكبر، {عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ}، أي في الدنيا، عذاب دونه؛ دونه أي في الزمن قبله، ودونه كذلك في المقدار والكيفية، فإن ما يُنزِله الله -تبارك وتعالى- من العذاب على مَن يُنزِله عليه في الدنيا لا يمكن أن يكون مثل عذاب الآخرة مهما كان؛ يعني بغرَق، بصعق، بصيحة ملَك، بريح عقيم، كل العذاب الذي يؤخذ به في الدنيا حتى لو كان بنار فهي ليست مثل نار الآخرة، فهو عذاب دون العذاب الأكبر كما قال –جل وعلا- {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[السجدة:21]، فهذا عذاب أدنى، أدنى يعني في إيلامه وفي عظَمَته ليس كالعذاب الأكبر اللي هو عذاب يوم القيامة -عياذًا بالله من هذا وهذا-، {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ ........}[الطور:47]، في الزمان في هذه الدنيا، وكذلك هو دونه في كميته وحاله؛ دون العذاب الأكبر، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}، ولكن أكثرهم لا يعلمون بما يُخبِّئه الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء الظالمين من العذاب في الدنيا والآخرة.

ثم قال -جل وعلا- لرسوله {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}[الطور:48]، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}، لِحُكْم الله -تبارك وتعالى-، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- له حُكْم؛ حُكْمه الكوني القدري -سبحانه وتعالى-، وحُكْمه الشرعي الديني، فقُم بما أمرك الله -تبارك وتعالى- به كما أمرك، واصبر على هؤلاء المشركين والكفار كما أمرك الله -تبارك وتعالى- وبلِّغهم هذه الرسالة، فإن الله -تبارك وتعالى- قد كلَّف نبيه بهذا التكليف العظيم وهو أن يحمل هذه الرسالة للعالمين؛ وأن يُبلِّغها -صلوات الله والسلام عليه-، وأن يتحمَّل في سبيلها ما يتحمَّل؛ فهذا حُكْم الله -تبارك وتعالى- له، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}، ثم إن الله -تبارك وتعالى- واسى نبيه -صل الله عليه وسلم- ووضعه في المكانة العظمة فقال {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، أي أنه تحت سمع الله -تبارك وتعالى- وبصره، وأنه في عناية الرب العناية العظمة، {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، يعني أنه تحت عناية الله -تبارك وتعالى-؛ يسمعه الله -تبارك وتعالى-، يُبصِره –جل وعلا- فلا يغيب عنه -سبحانه وتعالى-، وكذلك {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، يعني صونًا وحِفظًا فإننا نحفظك، كما يقول شخص لِمَن يحبه أنت بعيني؛ وهذا عيني، هذا إنما رفع له هذه، وهذا تكريم عظيم من الله -تبارك وتعالى- لرسوله -صلوات الله والسلام عليه- وبيان أنه بعين الله -تبارك وتعالى-؛ بحفظه، ورعايته، وصَونِه، وتحت بصره -سبحانه وتعالى- لا يفارقه؛ فلا يغيب عن عين الله -تبارك وتعالى-، ومادام أنه تحت عين الله -تبارك وتعالى- فكيف يضيع؟ لا ضياع له ولا ذهاب له، انظر مكانته ومكانة هؤلاء الكفار من الله -تبارك وتعالى-.

{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}[الطور:48]، سبِّح بحمده؛ سبحان الله وبحمده، تسبيح الله؛ تنزيهه عن ما لا يليق به، وأكبر شيء الشرك به -سبحانه وتعالى-؛ أن يكون له نِد، وأنه يكون له شبيه أو نظير، وكذلك يُسبَّح الله -تبارك وتعالى- عن كل عيب ونقص، بحمده؛ حال كونك ملتزمًا بحمده، فحمْد الله أنه الرب الرحمن الرحيم -سبحانه وتعالى- والأسماء الحُسنى؛ كل إسم يحمل صفة ومعنى لله -تبارك وتعالى-، حين تقوم؛ كل قيام، حين تقوم في الصلاة، فكان النبي إذا قام في الصلاة يقول «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك»، تُسبِّحه حين تقوم إلى الصلاة وحين تقوم من النوم، كما في الحديث «مَن تعارَّ من النوم فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أو قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»، ثم رتَّب النبي على هذا أجر عظيم، كذلك كان النبي يأمر بأن الإنسان إذا كان في مجلس كثُرَ لغطه يقول النبي «مَن جلس في مجلس كثُرَ لغطه قال سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك، كان هذا كفارة للمجلس الذي يكون فيه»، {حِينَ تَقُومُ}، في صلاتك، من نومك، من مجلسك، في كل قيام، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}[الطور:49]، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ........}[الطور:49]، صلاة الليل، {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}، إذا أدبرت النجوم وأقبل وقت الصبح صلي اللي هي صلاة الصبح، صلاة الصبح هي أعظم صلاة، وكان النبي يُسبِّح سُبحة الصبح اللي هي ركعتي الفجر ويقول «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها».

أدركنا الوقت وبهذا الحمد لله تنتهي هذه السورة العظيمة؛ سورة الطور، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.