السبت 22 جمادى الأولى 1446 . 23 نوفمبر 2024

الحلقة (67) - سورة البقرة 235-239

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على عبد الله الرسول الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

يقول الله –تبارك وتعالى- {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[البقرة:233] يرشد-سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين أنه يجب على الأم الوالدة أن ترضع ولدها حولين كاملين إذا أرادت أن تتم الرضاعة، والوالدات وهن المطلقات {يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} ومفهوم هذا: أنه يجوز إيقاف الرضاعة قبل الحولين إذا كان هذا باتفاق بين الأب والأم.

 قال-جل وعلا-: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} والمولود له: هو الأب،  وعُبر له هنا بالمولود له أنه كأن  المرأة  إنما ولدت له، وكذلك هو الذي عليه النفقة لابنه لأنه ينسب إليه ولأنه هو الذي أناط الله –تبارك وتعالى- به كفالته والإنفاق عليه والقيام به،  ولم يجعل هذا  في حق المرأة، { وعلى المولود له رزقهن} أي الأم التي تُرضع { وكسوتهن بالمعروف} طعام وكسوة ويدخل في الرزق ذلك السُكنة فنفقة الأم المرضعة تكون على الأب،{  بالمعروف: بما لا يشق على المنفق فلا ينفق كما قال- تبارك وتعالى-: { لينفق ذو سعة من سعته} فإذا كان موثرًا  فينق من يساره وإذا كان رجلًا قد قدر عليه رزقه وفقير فإنما يكلف ما هو في طوق نفسه، فهذا المعروف.

{لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} تفسير للمعروف أنه لا ينبغي أن تكلف نفس إلا وسعها  سواء كان التكليف هنا للأب  أو الأم لا ينبغي أن يكلف أحد  إلا  في ما هو في طوقه وفي سعته،  

{ لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}  لا تضار الوالدة بولدها تضارِر أو تضارَر ،  فإذا كان الطفل لا يقبل إلا  ثديها وهي متعلقة قلبها به فيدعها الأب لذلك أي  الزوج المطلق يدعها لذلك، ولا يجعل لها النفقة نفقه المثل والنفقة الواجبة في مثل ذلك؛ اعتمادا على أنه لا تستغني عن ابنها وأن أبنها لا يستغني عنها ولا يقبل إلا  ثديها فيتركها لذلك،  فهذه قد أضيرت هذه المرأة بسبب ولدها،  أو لا تضارِر المرأة كذلك بولدها بأن يكون لا يقبل إلا  ثديها ولا يأخذ إلا  رضعة منها فتلقيه على الأب المطلق وتثقل  به عليه فيتضرر الأب بابنه،

 {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} كذلك المولود: له والأب لا ينبغي أن يضر ولا يضار والده،

 ثم قال -جل وعلا: { وعلى الوارث مثل ذلك}، الوارث: من إذا مات الأب وأصبح هذا الابن المولود في كفالة هذه الأم فينبغي على الوارث الذي يرث هذا الميت عليه مثل ذلك  عليه أن يقوم مقام الأب في النفقة، وفي هذه أخذ منه أهل العلم وجوب النفقة بين الأقارب،  فالأخ مثلا أخ هذا الطفل أو عمه أو قريبه يجب عليه أن يقوم بالنفقة على الأم المرضعة كما لو كان الأب موجود، {  وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}: فالذين يرثون الذين يرثون هذا الميت وهم عصبة الذين كتب الله لهم الميراث سواء كان بالتعصيب أو بالفرض والتعصيب فعليهم مثل ذلك أن يقوم مقام الميت في النفقة على الأم المرضعة.

ثم قال-جل وعلا-:{........فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} إن أَرَادَا فِصَالًار: فصال الطفل هو فطام له { وعَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا}: تراضي الزوج المطلق وهو أب الولد وأمه عن أن يكتفوا بالرضاعة  في السنة أو في سنة ونصف أو يفصلوه عن الرضاعة فلهم هذا{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ} فيما بينهم فهذا حسم من الله –تبارك وتعالى-  أن يكون هذا الأمر بمشورة بتراضٍ؛  وذلك لأن هذا أصبح هذا الولد  معلق بين أبوين منفصلين؛  فينبغي مراعاة هذه الأطراف الثلاثة الولد أولا ثم الأم والأب،  وهذا الأمر حتي نراعي مصالح الجميع وتُقدم مصلحة الأبناء ينبغي أن هناك تشاور في هذا الأمر،  فقال -جل وعلا- : {........فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} أباح الله -تبارك وتعالى- لهم إذا تراضيا على صورة من هذه الصور فلا بأس به فلا جناح   لا حرج ولا إثم.

  ثم قال الله -جل وعلا-:{........وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} إذا أراد الأب أن يجعل ويخصص مرضعًا لابنه  غير أمه الذي ولدته فلا بأس بهذا إذا كان ذلك بتراضٍ وبأمر لا يشق على الأم فلا ينتزع طفله منها وهي معلقة قلبها به ويدفعه إلي مربية ومرضعة غيرها، إذا كانت راغبة في ذلك، هي ترغب أن ترضعه وأن وتحضن ابنها فلا ينتزع منها ويعطى، لكن إذا كان بتشاور وبتراض فلا بأس {........وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}

ثم قال-جل وعلا-:{.....إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ }[البقرة:233] سلمتم لهذه المرضعة ما آتيتموه: ما فرضتموه له بالمعروف كذلك،  هذا حث منه -سبحانه وتعالى- وتوجبه منه للآباء  أنه ما التزم به من عقود في هذا الأمر الرضاع ينبغي أن يسلموها كذلك بالمعروف.

 ثم قال -جل وعلا-: { وَاتَّقُوا اللَّهَ} ...خافوه -سبحانه وتعالى-لأن هذه حدود وأعمال يتداخل بعضها في بعض وفيها نوازع ويمكن أن يكون فيها شيء  من الرغبة في الإيذاء وهنا ينبغي لكلٍّ أن يتقي الله ويخاف الله -تبارك وتعالى-ويلتزم حدوده.

 {........وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[البقرة:233] تحذير منه -سبحانه وتعالى-  يخوف عباده يقول لهم: اعلموا أن الله بكل عملكم بصير بما تعملون أي عمل من الأعمال  وخاصة هذه التي قد يتهاون فيها الناس هذه رضاعة وهذه حضانة وهذا ما ينبغي ما يفرضه لهذه المطلقة هل يعطيها ابنها لتحضنه أم يعطيه لغيرها،  أمور كثيرة وخيارات متعددة بعضها أباحه الله -تبارك وتعالى- أمور حرمها الله -عز وجل- اعلموا أن الله -تبارك وتعالى-  بصير بكل عملكم الذي تعملون.

 بعد هذا يأتي سياق الآيات إلى  أحكام التي يتوفى عنها زوجه قال -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[البقرة:234] { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} : التوفي  بالموت وأصل الوفاء هو الأخذ وافيًا كاملًا،  وكأن  الإنسان إذا مات قد أخذ وافيا، والذي يتوفاه هو الله -سبحانه وتعالى- بأمره وحكمته والمباشر للوفاء هو الله -تبارك وتعالى- وملائكته ملك الموت والملائكة الذين يأخذون روحه، إن كان من أهل الإيمان فملائكة الرحمة وإن  كان من أهل الكفر والنفاق فملائكة العذاب عياذا  بالله.

 {  وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ}: يتوفاهم الله تبارك وتعالى ويذرون أزواجا تكون زوجه مات وهي مازالت في عصمته{........يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} التربص الانتظار، فيجب عليها أن تنظر أربعة أشهر وعشرة في عدتهن عدة الوفاة لا تتزوج زوجًا آخر إلا بعد أن تنقضي هذه العدة، {  يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا }وهذه الزمن محدود وحد وحكمته إلي الله -تبارك تعالى- لماذا كان أربعة أشهر وعشرة أيام فقط أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام لماذا لم يكن أقل من ذلك ولا أكثر ذلك لحكمة من الله -تبارك وتعالى-،   قال بعض أهل العلم أن هذه هي الفترة التي يمكن أن يتبين الحمل،  ولكن القضية ليست أيضا  هي للحمل فقط؛   فإن عدة الحامل أن تضع حملها وربما وضعت قبل هذه المدة،  ومع ذلك قال بعض أهل العلم أنها ينبغي أن تبقى كما هو قال ابن عباس  إلى أبعد الأجلين،  نقول أن هذا حد حده الله  -تبارك وتعالى-  وأن الله أمر  المرأة التي توفي عنها زوجه أن تحد عليه أربعه أشهر وعشرا،  كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:  "لا يحل لامرأة تومن بالله واليوم الآخر  أن تحد عن ميت فوق ثلاثة إلا  على زوج أربعة أشهر  وعشرا".

   قال -جل وعلا- { فإذا بلغن أجلهن} أي إذا بلغت المرأة هذا الأجل،  ومضى عليها منذ وفاة زوجها أربعة أشهر  وعشرة أيام قال -جل وعلا- { فلا جناح عليكم فيما فعلن بأنفسهن بالمعروف} وفي ما فعلن في أنفسهن  بالمعروف من أن تعود إلى الزينة ولبس ثياب الزينة وأن تتزين وأن تتعرض للخُطّاب تقبل من يخطبها بأن  تعقد النكاح،   وفي هذه الفترة واجب على لمرأة  أن تترك زينتها وأن تخطب خطبة  صريحة وبالطبع أن يعقد عقد النكاح في هذه الفترة وإنما تنتظر،  وأحكام العدة عدة الوفاة هي ألا تمس طيبا وألا تتزين للخطاب أو تتعرض للخطاب.

 {  فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما ما فعلن في أنفسهن بالمعروف} وقول الله -تبارك وتعالى- بالمعروف،  أما إذا كان بغير المعروف فإن  الولي هنا مخاطب بأن  يمنعها من ذلك،  وإنما إذا فعلت بالمعروف فلا يجوز لها أن يمنعها عن أن تخطب أن تتزين لا يقال لها ما زال زوجك جديدا  في قبره وأنت قد تزينت وهكذا، مادام  انتهت العدة فإن  لها أن تخرج من عدتها وتتزين وتتعرض للخطاب وتُخطب وتتجوز.

{ والله بما تعملون خبير }تذكير منه -سبحانه وتعالى-  وبيان أن الله خبير والخبرة هي أدق العلم أنه  عليم علمًا دقيقا بكل ما تعملون،  ولما كانت هذه الأمور بعضها  يكون خفيًّا فإن  الله -تبارك وتعالى-  عبر هنا بالخبرة أنه  عليم بخبايا وخفايا الأمور -سبحانه وتعالى- وهذا تحذير منه -سبحانه وتعالى-  للكل للأولياء وللنساء.

ثم قال جل وعلا {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ[البقرة:235] { لا جُنَاحَ}: لا إثم ولا ضير ولا ضيق عليكم أيها  المؤمنون فيما عرضتم به من خطبة النساء، التعريض  هو ذكر الأمر على صورة  عرضية عارضة وليس صريحًا،  والتعريض بالخطبة أن يذكر الرجل للمرأة كلامًا ليس صريحا في أنه  يخطبها ولكنه فيه تلميح أو إشارة  إلى أنه ممكن أن يكون راغبا في زواجها،  وهنا النساء سواء كان المتوفى عنها زوجها أو التي قد طلقت طلاقا بائنا  والذي طلقت طلاقا بائنا  الآن  هذه بائنة من زوجها فإذا بانت من زوجها وهي مازالت في عدتها لم تخرج منها إلى الطلقة الثالثة طلقت طلاق ثالثا فإنها  بانت من زوجها بينونة  كبرى ولا يمكن أن تعود إلى زوجها إلا  أن تنكح زوجا آخر،

  فهذه الفترة فترة العدة يجوز أن يعرض لها الرجل يكلمها تعريض بالخطبة وليس تصريحا وكذلك المرأة التي توفي عنها زوجها وهي مازالت في العدة فيجوز أن يعرض لها بالخطبة أن تؤخذ لها الخطبة تعريض أن يقول لها: والله عازم على الزواج ولعل الله -تبارك وتعالى - أن ييسر لك بزوج بنحو هذا،  ولا يقول لها عنها أني أخطبك لنفسي أو أخطبك لفلان خطبة  صريحة،  أو أنتِ امرأه فاضلة  وتوفي زوجك أن تجدي الزوج الصالح طيب إن شاء  الله وإذا انتهت العدة فلعل الله تبارك وتعالى يرزقك بزوج صالح،  أو كما قال الله صلوات الله وسلامه عليه لأم  سلمة لما مات زوجها دخل النبي صلى الله وعليه وسلم وقال لها قولي: "اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها" فقالت: يا رسول الله ومن خير من أبي سلمة فكان هذا ثم أن الله تبارك وتعالى خلفها خيرا  لما دعت بهذا الدعاء وهي أنها  خُطبت للنبي تزوجت النبي وأصبحت من أمهات المؤمنين فكان أعظم  خلف له من الله تبارك و تعالى.

{  أو أكننتم في أنفسكم} أكننتم أضمرتم فإذا أضمر الإنسان  في نفسه أن  هذه الزوجة التي  مات عنه زوجها ينوي أن يتزوجها أو عزم على زواجها إذا انتهت عدتها يتقدم لها،  فهذا لا بأس كذلك،  العزم والنية اذا كانت في قلب من يريد الزواج منها بعد انتهاء عدتها فلا بأس بذلك قال جل وعلا أو أكننتم في أنفسكم فلا حرج عليكم في ذلك.

 قال جل وعلا{  عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ}:  أي أن الله تبارك وتعالى قد رفع عنكم الجناح في هذا الأمر التعريض بالخطبة والعزم في القلب على الزواج  بالمطلقة لأن الله علم أنكم ستذكرونهن سيقال أن فلانة قد مات زوجها فيقول الإنسان في نفسي أنا أضمر  في نفسي أن أتزوجها أو يعرّض لها بهذا الأمر.

 قال عز وجل{  وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا}:  أي بين الرجل والمرأة  يقول لها:   أنا سأتقدم لك وأنا عازم على الزواج بك،  فهذه مواعدة على النكاح بالسر بينه وبينها ما أعلنها بالخطبة ولكن ذكرها سرا لها فهذا نهى الله تبارك وتعالى عنه فقال { وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا }ثم قال جل وعلا  إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} ألا أن تقولوا قولا معروفا كذلك بالسر أن يقول لها تعريضا بالنكاح كذلك لا تصريح.

 ثم قال جل وعلا{  ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} ولا تعزموا العزم وهو توثيق الأمر وتأكيده وإبرامه عقدة النكاح وهو هذا العقد عقد الزواج حتى يبلغ الكتاب أجله الكتاب هو هذه العدة الكاملة أربعة أشهر وعشرة أيام الذي كتبه الله فرضه الله تبارك وتعالى على كل من مات عنه زوجها أن تنتظره.

 ثم قال جل وعلا{  وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} تحذير منه سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين انه  يعلم ما في النفس ولما كان هناك بعض الأمور تكون في القلب،  فإن  الله تبارك وتعالى يخبر عباده أنه  مطلع على ما في قلوبهم وما في نفوسهم { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} خافوه الحذر هو أخذ الحيطة،  وأخذ الحيطة هنا من عقوبة الرب تبارك وتعالى أن يعاقبكم في أن تضمروا شيئا مما نهاكم الله تبارك وتعالى عنه ولو في القلب.

{  واعلموا أن الله غفور حليم} اعلموا هذا أن الله تبارك وتعالى يطلع ما في النفس إذا كان ما في النفس شرا يحاسب به،  وأنه  سبحانه وتعالى غفور سامح سبحانه وتعالى حليم لا يعجل العقوبة وهذا من رحمته -سبحانه وتعال- ى ومن آثار مغفرته انه  أباح لكم من خطبة المرأة أو إضمار الزواج بها وهي ما زالت في العدة.

ثم قال جل وعلا مبينا أحكام من تُطلق قبل الدخول بها فقال جل وعلا {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}[البقرة:236] لا جناح لا إثم  ولا حرج ولا ضيق من الله تبارك وتعالى أن يطلق الرجل زوجه التى عقد عليها العقد قبل الدخول،  سواء كان قد كتب المهر وسماه أو كان فوض الأمر ولم يسمِّ المهر،  فالله أخبر أنه لا جناح أن يقع الطلاق قبل المسيس سواء فرض المهر أو لم يفرض المهر لا جناح عليكم إن  طلقتم النساء وطبعا لا يكون طلا ق إلا  بعد عقد النكاح{  ما لم تسموهن} الدخول على المرأة {  أو تفرضوا لهن  فريضة} وتفرضوا لهن فريضة أي تكتبوا يكون العقد على صداق أو مهر مقداره كذا وكذا.

 ثم قال جل وعلا { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:236]ومتعوهن المتعة إنما  هي هدية  للطلاق مبلغ من المال يعطى المرأة  جبرا لهذا الطلاق الذي وقع بعد النكاح ولم يمس الرجل امرأته في هذا النكاح فيكون هذا جبرا لخاطرها،  لأنه بعد  العقد تعلق قلب المرأة بالرجل رما كان يؤملها  في الحياة  يطلق في هذه الفترة هذا كسر للقلوب،  فأمر الله تبارك وتعالى بوجوب إعطاء المرأة متعة  للطلاق؛  لأنه لم يسم مهرا ما يسمى مهرا معين تسمية المهر ما هو الواجب عليه إذا سمى المهر وإنما  عقد على الزواج دون أن يسمى مهر معين،  فهنا لابد من متعة الطلاق قال جل وعلا{  وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } [البقرة:236] تكون هذه المتعة بحسب حال الزوج المطلق فان كان من أهل  اليسار والسعة يجب أن يكون هذا مناسبا مع يساره وسعته،  وإن  كان من أهل الفقر مقدر عليه في رزقه مما لا يشق عليه.

 قال جل وعلا{  متاعا بالمعروف} المعروف كميته وحجمه المعروف كذلك إيصاله وبدون  مشاحة ومساببة ومنَّة  ونحو ذلك.

 ثم قال جل وعلا{  حقا على المحسنين} إن   هذا حق إنه لازم وواجب على المحسنين على أهل الإحسان والمؤمن لابد أن يكون من أهل الإحسان يجب عليه أن يكون محسنا  ولا يكون مسيئا.

ثم قال جل وعلا {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}[البقرة:238] أما اذا وقع الطلاق قبل المسّ ولكن قد كتب مهر  فعند ذلك لابد أن تأخذ المرأة  نصف المهر فإذا كتب مثلا عليَّ الف دينار فللمرأة  خمسة مائة  دينار{  وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ إلى لَهُنَّ فَرِيضَةً }وهي المهر فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} واجب عليكم أن تؤدوا  للمرأة  نصف الذي فرضتم نصف المهر.

 ثم قال جل وعلا { إلا أن يعفون} أن تعفو المرأة إذا كانت هي من أهل العفو كانت مثلا سيدة كبيرة بالغة عاقلة فتقول:  عقد عقده عليّ ولم يدخل بي ولم يحصل بيننا لا أريد شيئا منه وأردُّ له مهره كله، { أو يعفو الذي بيده عقده النكاح } والذي بيده عقدة النكاح هو الرجل ويعفو أي عن نصف المهر الآخر فيعطيها نصف المهر وجوبا ونصف المهر استحبابا وإحسانا.

  ثم وجه الله تبارك وتعالى الأفضل للخير فقال: {   وأن تعفوا فهو أقرب للتقوى} أن تعفوا أيها الأزواج عن النصف الثاني وليس عن النصف الأول فيتنازل الرجل عن المهر كله فيقول المهر كله للزوجة مثلما فرضه الله يقول الله {  فهو أقرب للتقوى}.

 ثم قال -جل وعلا-{   ولا تنسوا الفضل بينكم } هذا تذكير للأزواج ألا ينسى الفضل بينهم،  فإنه قد كان عندما  تقدم لخطبة المرأة  فعقد عقده كان محل ترحيب المحبة به وأنس  به ورضا به لابد أنه  قام بينهما من علاقات المودة والمحبة والرغبة في المصاهرة أمورا  عظيمة، فالله يقول لا تنسوا هذا الفضل بينكم، فلقد كان كل منكم يبذل للآخر لا تنسوا هذا.

{ إن  الله بما تعملون بصير} تذكير منه -سبحانه وتعالى-  أن الله مبصر وخبير وعليم؛  لأن  مقتضى بصره -سبحانه وتعالى- أنه  يرى وانه  يعلم وبالتالي يحاسب  كلا على عمله{  إن  الله بما  تعملون بصيرر وفي هذه الآيات من الإرشاد والبيان والحكم والرحمة من الرب تبارك وتعالى بعباده المؤمنين والإرشاد إلى الإحسان وعلى الأخلاق أمور عظيمة ولا يكون هذا إلا  بتشجيع من الإله الحكيم سبحانه وتعالى

نكتفي بهذا نستغفر الله و صلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد