الأربعاء 08 ذو القعدة 1445 . 15 مايو 2024

الحلقة (672) - سورة القمر 18-40

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:18] {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ}[القمر:19] {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}[القمر:20] {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:21] {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:22] {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ}[القمر:23] {فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ}[القمر:24] {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ}[القمر:25] {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ}[القمر:26] {إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ}[القمر:27] {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}[القمر:28] {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ}[القمر:29] {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:30] {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}[القمر:31] {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:32]، يذكر الله -تبارك وتعالى- هنا كيف أهلك قوم عاد ثم ثمود، وذلك بعد أن ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة؛ سورة القمر، كيف كان إهلاك قوم نوح، وكل هذا جاء في معرِض النِذارة لهؤلاء المُكذِّبين من العرب الذين أتتهم هذه الآيات.

بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة؛ سورة القمر، قال {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:1]، آية من آيات الله -تبارك وتعالى- أراهم الله إياها في مكة، قال -جل وعلا- {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}[القمر:2]، أي أن النبي محمد دائمًا سحَرَنا بسِحره المستمر، {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ........}[القمر:3]، قال -جل وعلا- {........ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ}[القمر:3]، لابد أن ما توعَّدَهم الله -تبارك وتعالى- به لابد أن يأتي؛ هذا أمر مستقر، كل خبر من أخبار الله -تبارك وتعالى- لابد أن له وقت يأتي فيه وينتهي فيه، {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ}[القمر:4] {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}[القمر:5] {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ}[القمر:6]، يوم القيامة، {........ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ}[القمر:7] {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}[القمر:8]، ثم ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- مصارع الغابرين؛ أولًا قوم نوح، قال -جل وعلا- {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ}[القمر:9] {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر:10] {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}[القمر:11] {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}[القمر:12] {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}[القمر:13]، سفينة خشبية من الألواح والدُسُر لكن حملها الله -تبارك وتعالى- في وسط هذه اللُّجَّة، {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ}[القمر:14]، هذا الغرق، {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:15] {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:16] {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:17]، وتتكرر هذه الفاصلة {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ........}[القمر:17]، مع إهلاك الله -تبارك وتعالى- لكل قوم من المعاندين المُكذِّبين، وكل هذا تبصِرة للعرب الذين يُخاطِبهم الله -تبارك وتعالى- بهذا القرآن.

قال -جل وعلا- {كَذَّبَتْ عَادٌ}، قبيلة عاد العربية التي كانت تسكن في الأحقاف في جنوب الجزيرة؛ ما يسمى الآن بالربع الخالي، {........ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:18]، كيف كان عذاب الله -تبارك وتعالى- وإنذاره لهم الذي جاء على لسان نبيهم هود -عليه السلام-، قال -جل وعلا- {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا ........}[القمر:19]، لمَّا استكبروا وعاندوا الرب -تبارك وتعالى- وقالوا يا هود {........ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الأحقاف:22]، وفي الآية الأخرى إن كنت من المُرسَلين، جائتهم عقوبة الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا ........}[القمر:19]، صرصرًا؛ لها صوت، يعني عندما تمر تُصرصِر فتُعطي صوت؛ صوت الريح في جريانها، {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ}، ويوم النحس هذا استمر عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام حُسومًا، شؤم عليهم لأنه كان في هذا اليوم دمارهم وخراب ديارهم، {مُسْتَمِرٍّ}، تسفي عليهم هذه الرياح سبع ليالٍ كما قال الله وثمانية أيامٍ حُسومًا، {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}[القمر:20]، تنزعهم من أماكنهم، تنزع أرواحهم منهم وتجعلهم صرعى في الأرض، {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ}، عَجِز النخل هو ساقها، مُنقعِر يعني خاوي، النخلة إذا سقط جِذعها وماتت بعد مدة يتهاوى ما بداخلها وتصبح مُجوَّفة، مُنقعِر يعني لا قعر له، يعني أصبحت الناس على هذا النحو كأنها جذوع النخل الخاوية؛ الهشَّة، المُلقاة في الأرض، {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}[القمر:20].

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:21]، سؤال يُراد به التقرير، أن عذاب الله قد كان شديد على هذه الأمة الباغية العاتية؛ عاد، الذين تجبَّروا يومًا في الأرض وقالوا مَن أشد مِنَّا قوة، كما قال -جل وعلا- {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}، سؤال للتقرير، أنه لا أحد في ما يرونه ممَن حولهم أشد منهم قوة، {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}، فانظر كيف صنع الله -تبارك وتعالى- فيهم، {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}[القمر:20] {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:21]، ثم قال -جل وعلا- بهذه الفاصلة {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:22]، في تيسير أكثر من هذا؟ انظر نِذارة الله -تبارك وتعالى- للعالمين، وإطلاع الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء المتأخرين عما مضى من حال الأولين وكيف عاقبهم الله -تبارك وتعالى-؛ فأمر واضح بيِّن، فالرسالة التي جاء بها الرُسُل؛ ما دعوا إليه، ماذا كان من أمرهم، كل هذا يسَّره الله -تبارك وتعالى- في القرآن، يسَّر الله -تبارك وتعالى- أمر هذه النِذارة وبيَّنها لكل ذي عقل ولكل ذي سمع، مَن يسمع ويعقل يفهم عن الله -تبارك وتعالى-، لكن هؤلاء الذين يُخاطَبون في عماية، {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:21] {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:22]، دعوة من الله -تبارك وتعالى- لعباده لأن يتذكَّروا وأن يرجِعوا إلى ربهم -سبحانه وتعالى-، هذي صفحة من صفحات هذا الكتاب؛ كتاب النبوَّات.

ثم قال -جل وعلا- {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ}[القمر:23]، كذلك قبيلة ثمود قبيلة عربية كانت في الشمال في الحِجر؛ حِجر ثمود، كذَّبوا بالنُذُر؛ ما أنذرهم به رسولهم من عقوبة الله -تبارك وتعالى- ولكنهم كذَّبوا بكل ذلك، كل ما خوَّفهم منه نبيهم من أثر معصية الله -تبارك وتعالى- كلها كذَّبوه؛ يعني أنهم ردوا هذا وقالوا أن هذا كذب، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ}[القمر:23] {فَقَالُوا}، من تكذيبهم، {........ أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ}[القمر:24]، قالوا هذا مستعجبين، يقولون هذا السؤال للاستغراب، والاستعجاب، والاستبعاد، أبشرً مِنَّا واحدِ وهو صالح؛ نتَّبِعه كل القبيلة، وكل الأمة تتَّبِع رجلًا واحدًا يختاره الله هو وحده ونتَّبِعه، {........ أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ}[القمر:24]، يعني لو اتَّبعناه، فانظر كيف طُمِسَت أبصارهم وعَميَت قلوبهم وجعلوا اتِّباع الرسول في ما دعاهم به إلى الله -تبارك وتعالى- ضلال؛ قالوا نكون ضالين، وسُعُر من السعير؛ من العذاب، يعني أننا نُعذِّب انفسنا ونضِل لو أننا اتَّبعنا صالح فقط، هذا رجل واحد يأمرنا وننساق ورائه، {........ أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ}[القمر:24].

{أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا ........}[القمر:25]، يعني في كل هذه الأمة لم يختار الله -تبارك وتعالى- إلا هو؛ ولِما؟ فاستكثروا أن يختار الله -تبارك وتعالى- منهم رجل يُنزِل عليه -تبارك وتعالى- وحيه؛ ويؤيِّده بالمعجزات، ويُرسِله إليهم ليدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-، استكثروا هذا الأمر وردوا اختيار الله -تبارك وتعالى- ورأوا أن هذا ما في الحكمة والمعقول؛ أن هذا خارج العقل يقولون، {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ}[القمر:25]، هذا حُكمهم على رسولهم الصادق الأمين، قالوا بل؛ إضراب لكل ما سبق، هو؛ يعني صالح، {كَذَّابٌ أَشِرٌ}، عَميَت قلوبهم، وانظر هؤلاء الأغبياء السفاء؛ بل المجرمين العاتين، كيف حكموا على رسولهم بأنه كذَّاب أشِر؛ يعني ظاهر الكذب ولا خفاء فيه، لا خفاء في شأن صالح أنه كذَّاب أشِر، قال -جل وعلا- تعقيبًا على هذا الكلام في اتهام رسولهم بأنه كذَّاب، قال {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ}[القمر:26]، بكرة هيعرفوا، غدًا في المستقبل عندما يُنزِل الله -تبارك وتعالى- بهم عقوبته سيعلمون مَن الكذَّاب الأشِر؛ هم أم صالح -عليه السلام-؟ والحال أنهم هم الكذَّابون، يعني ظاهر كذبهم وواضح لكل ذي عين وليس صالح رسول الله، فإن رُسُل الله -تبارك وتعالى- كلهم من أهل الصدق؛ ومن أهل الأمانة، ومن أهل النُصْح لقومهم، وليس فيهم مَن يكذب على الله -تبارك وتعالى-، {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ}[القمر:26]، هم أم رسولهم -صلوات الله والسلام عليه-؟.

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ}[القمر:27]، طلب هؤلاء المجرمين من رسولهم أن يأتيهم بآية؛ والآية هم الذين يقترحونها، وقالوا لن نؤمن لك حتى تأتي لنا بآية، ما هي الآية؟ ما الذي يُريدون؟ يُريدون أن تخرج لهم ناقة من الجبل وتكون عُشراء في بطنها، وأخذ عليهم العهد أنهم إن جائتهم هذه الناقة يؤمنوا، وأخرج الله -تبارك وتعالى- لهم الناقة كما اقتروحوا من الصخرة وأمامهم، فكانت كما قال -جل وعلا- {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا}، فثمود جائتهم الآية مُبصِرة يعني أنها لا خفاء فيها، فقد رأوها بأعينهم؛ كيف يُشَق الصخر وتخرج لهم ناقة أمامهم كما اقترحوها، ولكنهم ظلموا بها  وجحدوها، هذه الناقة أخبر الله -تبارك وتعالى- أنه مُرسِلها فتنة لهم، فتنة لهم؛ اختبار لهم، يعني أنهم إن كذَّبوا بعد هذا أن يُهلِكهم الله -تبارك وتعالى-، وكذلك الله -تبارك وتعالى- جعلها اختبار أنه اختبرهم بصورة من صور المعاملة لهذه الناقة، {فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ}، ارتقبهم على هذا واصطبر عليهم، لا تتعجَّل بالعذاب فإن العذاب يأتيهم إذا أنكروا وجحدوا في الوقت الذي يختاره الله -تبارك وتعالى-، {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}[القمر:28]، نبِّئهم؛ أخبرهم، النبأ؛ هو الخبر العظيم، {أَنَّ الْمَاءَ}، مائهم، وكان عندهم بئر يستقون فيه، البئر العذب الذي يستقون فيه؛ بئر عظيم، إن الماء؛ ماء البئر هذا، {........ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}[القمر:28]، يوم للناقة ويوم لهم يستقون منه، وكل شِربٍ مُحتَضَر يعني كلٌ لا يحضر البئر إلا يوم شِربِه، فإذا جائت الناقة في يوم حضورها للشرب غابوا عن السُقية؛ وإذا غابت حضروا، فإذا غابت الناقة في اليوم الذي لا تأتي فيهم حضروا هم، ولا يشربون من البئر في يوم واحد وإنما يكون يوم للناقة كما جاء مُفصَّلًا الآيات الأخرى {........ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[الشعراء:155] {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الشعراء:156]، فأخبرهم بأن لها يوم ولهم يوم، وقال كذلك إن غابت حضروا للشرب، وإن حضرت جائوا لكن ليس لاستقاء الماء وإنما لحلبها، فيكون هذا أيضًا تفضُّل من الله -تبارك وتعالى- وإكرام لهم، آية وفيها هذه المنفعة العظيمة لهم في أنهم يحلبونها؛ يحلبونها في يوم ورودها الماء، في يوم ورودها الماء يأتون لحلبها، وفي يوم ذهابها لترعى كما قال لهم رسولهم {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ........}[هود:64]، لن تُكلِّفكم بطعامها، {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}، فإذا غابت الناقة في هذا اليوم الذي تذهب فيه لترعى يأتون البئر ليستقوا؛ وإذا حضرت يأتون كذلك ليحلبوها، {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}[القمر:28].

قال -جل وعلا- {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ}[القمر:29]، يعني كذلك هم لم يصبروا كذلك ولم يتركوا هذه الناقة، بل إنها آية من آيات الله -تبارك وتعالى-؛ أولًا مُبصِرة، ثم آية نافعة لهم فإنهم يشربون من لبنها وهي بينهم، هذه ناقة الله ومع هذا من العناد أنهم بلغ بهم العناد، والفجور، وقسوة القلب، وظلم النفس، أنهم يعتدوا على هذه الناقة، ويقول لهم هذه ناقة الله منسوبة إلى الله -تبارك وتعالى- فلا تمسوها بسوء، فناقة أولًا منسوبة إلى الله -تبارك وتعالى-؛ هم الذين اقترحوها وخرجت لهم، آية من آيات الله -تبارك وتعالى- نافعة لهم بهذا النفع العظيم، وهو كذلك نفع دنيوي في أنهم يحلبونها وينتفعون من لبنها، لكن كل هذا مع ظُلمة النفس ما أرادوها؛ فقط عناد لله -تبارك وتعالى-، وعناد لرسوله، وتكذيب له، كما أقسم -سبحانه وتعالى- عن ظُلمة النفس فقال {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}[الشمس:7] {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:8] {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[الشمس:9] {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[ الشمس:10] {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}[الشمس:11]، طغوى االنفس، {إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}[الشمس:12] {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}[الشمس:13]، يعني حذَّرهم ومع هذا إلا أنه إنبعث أشقى القبيلة يعني أشقى ثمود ليقتل الناقة، فقط ليُريد أن يُسكِت صالح وأن يوقِفَ دعوته إلى الله -تبارك وتعالى-، ولا يُطيقون أن يُقال أن هذه آية من آيات الله -تبارك وتعالى- بين أظهرهم، والذي خرج لها ليقتل هذه الناقة ويعقِرها النبي يقول رجل عارم؛ منيع في قومه كالأسود ابن زمعة، يعني كما كان الأسود ابن زمعة رجل عارم وقوي جدًا؛ قوي البدن، ومنيع في قومه، خرج لها أشقى ثمود رجل منيع في قومه؛ يعني له عصَبَة كبيرة يحمونه، وهو شديد القوة، وقال ما تقعد هذه الناقة؛ لابد من قتلها، وذهب لها فعقرها، فلمَّا عقَرَها عدوانًا وظُلمًا على هذا النحو واعتدى على آية من آيات الله -تبارك وتعالى-؛ ناقة منسوبة إلى الله -تبارك وتعالى-، عند ذلك أخبر الله رسوله بأن هؤلاء لا يمكثون في مكانهم هذا وفي ديارهم إلا ثلاث أيام، فقال لهم رسولهم صالح -عليه السلام- {........ فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود:65]، فقط مُهلتكم في البقاء في دياركم، ودوركم، ورزاعاتكم، وثماركم، مُهلتكم ثلاث أيام ثم لابد أن يأتيكم العذاب.

قال -جل وعلا- {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ ........}[القمر:29]، المجرم الذي قام بقتل هذه الناقة؛ هذا الرجل، {........ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ}[القمر:29]، تعاطى سكينًا أو أخذ شيئًا من هذه وعقَرَ الناقة، كما قال -تبارك وتعالى- {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف:77]، يعني تحدي على هذا النحو، عقَروا الناقة وقالوا هات العذاب الذي تعِدُنا به، فقال لهم {........ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود:65]، {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ}[القمر:29]، قال –جل وعلا- {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:30]، كيف رد الله -تبارك وتعالى- على تحديهم هذا؟ وكيف كان عذاب الله -تبارك وتعالى- وإنذاره لهم؟ لا شك أنه كان شديدًا والله، قال -جل وعلا- {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}[القمر:31]، انظر شدة العقوبة وفُجائتِها بعد هذا، أمهلهم الله ثلاث أيام وقال -جل وعلا- {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً ........}[القمر:31]، صرخة ملَك واحدة؛ ما هي اثنين وإنما واحدة، صرخ فيهم ملَك من ملائكة الله -تبارك وتعالى- مرة واحدة، {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}، الهشيم المُحتَظِر هو العُشب الذي يُحظَر ويوضَع في الحظيرة مدة سنة؛ يعني يُخزَّن، فإن العُشب إذا خُزِّن الأول بعد ما يُقَص من الأرض يكون فيه يبوسة وتماسك، ثم إذا بقي سنة فإنه بعد ذلك يتساقد ويتهرَّى ويصبح خلاص؛ يُهشَّم ويتكسَّر، شبَّه الله -تبارك وتعالى- أجسادهم بعد أن صرخ فيهم وصاح فيهم الملَك هذه الصيحة أنهم أصبحوا على هذا النحو؛ أصبحوا كالهشيم، يعني كالعُشب الذي تهشَّم من طول مُكثِه في حظيرته، {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}، ثم قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:32]، يسَّر الله -تبارك وتعالى- القرآن بهذه اللغة العربية؛ السهلة، الواضحة، وبهذا البيان، {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}، هل هناك مَن يتذكر ويدَّكِر فتُصيبه هذه الذكرى في قلبه؟ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق:37].

ثم ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- أيضًا أمة من الأمم التي أهلكها الله -تبارك وتعالى- بعد هؤلاء، فقال {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ}[القمر:33]، قوم لوط وهم الذين كانوا يسكنون في وادي الأردن، قرى عامرة في أرض زراعية وأهلها ما أهلها في عِزهم وتمكُّنهم، ولكنهم كانوا قوم سوء؛ فاسقين، انتشرت فيهم فاحشة لم تكن في الأمم التي سبقتهم وهي إتيان الذكران من العالمين، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ}[القمر:33]، نُذُر الله -تبارك وتعالى- السابقة يعني تحذير رسولهم لهم وما سبقهم من إهلاك الأمم السابقة وإخبار الله -تبارك وتعالى- لهذا؛ كل هذا كذَّبوه، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ}[القمر:33]، قال -جل وعلا- {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}[القمر:34]، طوى الله -تبارك وتعالى- صفحتهم، وهنا ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- العقوبة مباشرة، ولم يأت هنا استرسال في القصة لأن القصد هنا في سياق هذه السورة؛ سورة القمر، هو بيان عقوبة الله -تبارك وتعالى- وكيف أن الله -تبارك وتعالى- يُعاقِب المُكذِّبين؛ وخاصة بعد أن تأتي الآيات، وهذا إنذار لقريش الذي رأوا هذه الآية؛ آية انشقاق القمر، ولكنهم كذَّبوا بعد ذلك، فلينظروا أن كل أمة من الأمم السابقة أتتها الآية من الله -تبارك وتعالى- والنِذارة وكذَّبوا جائهم العذاب بعد ذلك؛ فكان هذا إنذار، فلذلك جائت السورة تطوي هذه الصفحات ويذكر الله -تبارك وتعالى- الرسول ثم هلاك الأمة المُكذِّبة من أمته، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ}[القمر:33]، قال -جل وعلا- مباشرة {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}[القمر:34]، الحاصب هو الحصباء التي حصَبَتهم؛ وهي حجارة الطين التي أصابت كل أحد منهم، كما في قول الله -تبارك وتعالى- {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ}[الذاريات:33] {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}[الذاريات:34]، فهي حجارة أصلها من الطين ولكنها حجارة من طين خبيث؛ فيها سمُّهم وفيها قتلهم، حصَبَهم الله -تبارك وتعالى- بها فأصابت كل أحدٍ منهم فأهلكته.

{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ ........}[القمر:34]، لوط وابنتاه فقط ها دول بيت واحد المؤمن، {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}، قال -جل وعلا- نجيناهم من العذاب بسحر؛ في وقت السَحَر، في وقت السحر وقت الهدئة هذه أمرهم الملائكة بأن يخرجوا من هذه القرى خارجًا؛ فإن الله -تبارك وتعالى- مُهلِكُها، فقد قالوا {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ}، {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}[الحجر:65] {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}[الحجر:66]، هذا قضاء الله -تبارك وتعالى- فيهم، فقالوا له أنت اخرج أنت وأهلك ولا تأخذ امرأتك؛ وأنت تكون في ظهرهم، لا تنظروا خلفكم، ثم امضوا حيث تؤمَرون؛ حيث يأمركم الله -تبارك وتعالى-، وقالوا له إن دابر هؤلاء؛ دابرهم يعني آخرهم، فدابر القوم هو مَن يأتي في آخرهم، مقطوع؛ ومعنى هذا سيُستأصلوا جميعًا، لأنه إذا قُطِعَ دابر القوم فإنهم قد هَلَكوا جميعًا، {........ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}[الحجر:66]، فقال -جل وعلا- هؤلاء أهلكناهم {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}[القمر:34].

{نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا}، نعمة من عندنا على المؤمنين، انظر عناية الله -تبارك وتعالى- بهؤلاء القوم، ما جعل الله -تبارك وتعالى- العذاب يعُم الجميع؛ مؤمنهم وكافرهم، وإن كان سيُنجي المؤمنين يوم القيامة لكن من لُطفه وإحسانه وبره -سبحانه وتعالى- بعباده المؤمنين؛ فإن الله أخرج هؤلاء المؤمنين خارجًا ثم دمَّر الأخرين -سبحانه وتعالى-، {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}[القمر:34] {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا}، أي لآل لوط، {........ كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ}[القمر:35]، كذلك؛ كهذا الجزاء، في أن الله -تبارك وتعالى- أنقذهم وأخرجهم من هذا العذاب؛ عذاب الدنيا هذا، {نَجْزِي مَنْ شَكَرَ}، لوط -عليه السلام- وأهله الذين كانوا شاكرين لله -تبارك وتعالى-، ثم قال -جل وعلا- عن لوط {وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ}[القمر:36]، أنذر لوط قومه بطشتنا، البطش هو إنزال القوة بهم، يعني قوة الله -تبارك وتعالى- وإنزاله عقوبته بالقوم الظالمين، {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ}، تماروا؛ شكُّوا، بالنُذُر يعني بنُذُر الله -تبارك وتعالى-، يعني أن لوط لم يُقصِّر معهم بل أخبرهم بأن الله -تبارك وتعالى- إذا لم يؤمنوا به يُنزِل عقوبتهم؛ انظروا مصارع الغابرين، لكنه شكُّوا في كل هذا، {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ}.

قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:37]، يعني أن هذا عذاب قبل العذاب، فإنه لمَّا جائه الملائكة الذين أرسلهم الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء القرى؛ وجائوهم في صورة فِتيان، وكانوا هؤلاء القوم المجرمون يعتدون على كل عابر سبيل عندهم، فظنوا أن هذا صيد ثمين وجائوا وفي ظنهم أن يفعلوا بهم الفاحشة، وحماهم لوط ووقف سدًّا لهم ومنعهم، {قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ}[الحجر:68]، وجادلوه {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ}[الحجر:70]، نحن نهيناك أن تُجير أحدًا أو تُدخِلَ أحدًا في بيتك وأنك تعلم ما نُريد؛ وأرادوا أن يُخلِّي بينهم وبين هؤلاء، {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ}، راودوه يعني أنه جادلوه وناقشوه وأحبوا أن يُفسِحَ لهم المجال ليعتدي عليهم، عن ضيفه؛ ضيوفه وهم ملائكة الله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ}، طمسنا أعينهم؛ ضربهم الله -تبارك وتعالى- بالعمى، كل الذين جائوا يركضون حول بيت لوط -عليه السلام- يُريدون هذه الفاحشة ضربهم الله -تبارك وتعالى- بالعمى، {........ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:37]، ذوقوا؛ قاسوا هذا العذاب، ذوقوه الآن بكل الأحاسيس وليس ذَوق فقط باللسان؛ بكل إحساسهم، ذوقوا عذابي؛ عذاب الله -تبارك وتعالى-، ونُذُر؛ ونِذارته، أن نِذارته ليست تهويشًا وليست مجرد تخويف وإنما أمر لابد أن يقع، {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ}[القمر:38]، هذا العذاب جائهم في الليل؛ وهو أن الله -تبارك وتعالى- ضرب أعينهم، كما قال -جل وعلا- {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}[هود:78]، وعند ذلك لمَّا اشتكى إلى أضيافه وقال {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}[هود:80] {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}، {........ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}[الحجر:65] {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}[الحجر:66]، الشاهد هنا أن الله -تبارك وتعالى- قال {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:37] {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ}، أي في الصباح، بُكرةً؛ أي في البكور، عذاب مستقر؛ عذاب باقي لا ينقطع، وذلك أن الله أهلكهم وأُدخِلوا إلى النار رأسًا، فإن كل الأمم التي أهلكها الله -تبارك وتعالى- العذاب يُصيبها في الدنيا وكذلك يُصيبها في الآخرة، كما وقف النبي -صل الله عليه وسلم- على أهل بدر وقال «يا فلان، يا فلان، يا فلان، من الذين قُتِلوا، هل وجدتم ما وَعَدَ ربكم حقًا؟ فإني وجدت ما وَعَدَني ربي حقًا»، فقال الله {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ}[القمر:38] {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:39] {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:40].

نقف هنا وأُصلي وأُسلِّم على عبد الله ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.