الأربعاء 08 ذو القعدة 1445 . 15 مايو 2024

الحلقة (673) - سورة القمر 41-55

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده والرسول الأمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

يقول -جل وعلا- {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ}[القمر:41] {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر:42] {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}[القمر:43] {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ}[القمر:44] {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:45] {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}[القمر:46] {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ}[القمر:47] {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}[القمر:48] {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49] {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}[القمر:50] {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:51] {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}[القمر:52] {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ}[القمر:53] {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}[القمر:54] {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر:55]، يخبر -سبحانه وتعالى- أن آل فرعون قد جائهم النُذُر وأنهم كذَّبوا كذلك؛ شأن الأمم التي كذَّبت قبلهم، فقد ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة قوائم هؤلاء المُكذِّبين فقال {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ}، أي قبل قريش وقبل العرب، {قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا}، اللي هو نوح -عليه السلام-، {وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر:10]، ثم كان إنجاء الله -تبارك وتعالى- له وإهلاك هؤلاء.

وكذلك قال -جل وعلا- بعد ذلك {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:18] {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ}[القمر:19]، وقال -جل وعلا- {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ}[القمر:23]، انظر ماذا كان من شأن الله -تبارك وتعالى- معهم، وكذلك قوم لوط الذين قال الله -تبارك وتعالى- فيهم {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ}[القمر:33] {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}[القمر:34] {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ}[القمر:35]، وهنا يُبيِّن الله -تبارك وتعالى- في سياق هؤلاء؛ قوم فرعون، قال {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ}[القمر:41]، جائهم النُذُر؛ النِذارات الكثيرة، أولًا على لسان رسولهم موسى -عليه السلام- فقد أنذرهم عقوبة الله -تبارك وتعالى- إن هم استمروا على الكفر والعناد، كقول الله -تبارك وتعالى- أن موسى قال لهم {........ وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}[طه:61]، وكذلك قال موسى لفرعون {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}، إذا ظل على كفره وعناده على هذا النحو، والنُذُر التي أتتهم نُذُر بتحذير موسى وكذلك بهذه النُذُر؛ العقوبات الجزئية التي جائتهم في الدنيا، كما قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}[الأعراف:130]، اللي هو القحط، {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ}، من الخِصب والنماء، {قَالُوا لَنَا هَذِهِ}، نحن نستحقها، {........ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[الأعراف:131]، ولمَّا استمروا في عنادهم الله يقول {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}[الأعراف:133]، أتتهم هذه النُذُر من الله -تبارك وتعالى- حتى يرجعوا وأن يعودوا إلى الله -تبارك وتعالى-، وكانوا كلما تقع عليهم نِذارة من هذه النُذُر يُظهِروا العودة في وقتها، ثم بعد ذلك إذا أزالها الله -تبارك وتعالى- عنهم عادوا، {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}[الزخرف:49] {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ}[الزخرف:50]، يرجعوا مرة ثانية إلى عنادهم.

قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ}[القمر:41] {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا}، بكل آيات الله -تبارك وتعالى-، سواء كانت آيات المتلوة المُنزَلة؛ والتي يتلوها عليهم موسى -عليه السلام-، أو آيات الله -تبارك وتعالى- هذه؛ عقوباته هذه آية، أمور خارقة للعادة، الضفادع التي تملأ السهل والجبل وتدخل في بيوتهم حتى في أفواههم وهم يتكلمون، الدم الذي يدخل عليهم من كل مكان، إذا اغترفوا الماء من النهر وأرسلوه إلى بيوتهم صار دمًا عبيطًا؛ فأمور عظيمة، {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا}، عند ذلك لم يُفلِح فيهم إلا الإهلاك، قال -جل وعلا- {فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ}، غالب لا يغلبه أحد، {مُقْتَدِرٍ}، قادر على أن يفعل ما يشاء، وكان هذا الأخذ كما قصَّ الله -تبارك وتعالى- أخرجهم من بيوتهم في إثر موسى عندما خرج بقومه، ثم إن الله -تبارك وتعالى- أنجى موسى ومَن معه، ثم أدخلهم إلى البحر وأغرقهم فيه، {........ فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر:42].

ثم وجَّه الله -تبارك وتعالى- إلى الكفار؛ كفار العرب، قال {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}[القمر:43]، أكفاركم أيها العرب المُكذِّبون بهذه الرسالة؛ الذين كفروا بهذه، {خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ}، خير من قوم نوح الذين كفروا وكذَّبوا وعاقبهم الله، وعاد الذي عاقبهم الله -تبارك وتعالى-، وثمود، وقوم لوط، وقوم فرعون، هل هم خير منهم؟ خير منهم أي مكانًا؛ أو مكانة، أو قوة، {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ}، فلا يُصيبكم ما أصابهم بجامع الكفر بين هؤلاء وهؤلاء، فإذا استووا في الكفر فإذن ينتظروا عقوبة الله -تبارك وتعالى-، {........ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}[القمر:43]، أم أن الله -تبارك وتعالى- قد كتَبَ برائتكم من العقاب في الزُبُر، في الكتابة عند الله -تبارك وتعالى- في اللوح المحفوظ وفي مقاديره -سبحانه وتعالى-، هل أخذتم براءة من الله -تبارك وتعالى- ألا يُعاقِبكم، {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}[القمر:43] {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ}[القمر:44]، {أَمْ يَقُولُونَ}، يقول هؤلاء الكفار، {نَحْنُ جَمِيعٌ}، وهو يرون أنهم أهل قوة، العرب وقريش ومَن حولها والكثرة كانت ضد هذا الإسلام، والنبي -صل الله عليه وسلم- في هذا الوقت الذي نزلت فيه هذه السورة لم يكن معه إلا العدد القليل، فيقولون نحن جميعًا مُنتصِر؛ سننتصر على محمد ومَن معه ونُزيل هذا الدين، فكانوا يظنون في أنفسهم هذا، {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ}[القمر:44]، فبشَّرهم الله بالهزيمة فقال {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:45]، سيُهزَم الجمع؛ جمع المُشركين، ويوَلّون الدُبُر؛ يوَلّون أدبارهم ركضًا، وقد كان هذا كما أخبر الله -تبارك وتعالى- في بدر، فإنهم جمعوا جموعهم في بدر لمُلاقاة النبي -صلوات الله والسلام عليه- وكانوا أكثر من ألف، وكان المسلمون قِلَّة قليلة؛ كانوا حتى ذاهبين لغير معركة، وإنما ذاهبين للعير؛ عير أبي سُفيان، ولكنهم مع ذلك لمَّا التقوا بهم أعطوا الكفار ظهورهم للمسلمين وولّوا الأدبار، فأُسِرَ من الكفار سبعون وقُتِلَ منهم سبعون والباقون ولّوا الأدبار إلى مكة هاربين، قال -جل وعلا- {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ........}[القمر:45]، جمع الكفار، {........ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:45]، هروبًا، وهذا كان لا شك أن هذا إخبار بالغيب وهو من علامات نبوَّة النبي -صلوات الله والسلام عليه-، فمَن كان يتصوَّر أن جمع الكفار هذا القوي العظيم والمسلمين لم يكن لهم في هذا الوقت سيف قائم يحميهم، كون الله -تبارك وتعالى- يُنزِل هذا في هذا الوقت وحال ضعف المسلمين في مكة، ثم يقع الأمر تمامًا كما أخبر الله -تبارك وتعالى- دليل على أن هذا القرآن من عند الله -سبحانه وتعالى-، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:45].

ثم قال -جل وعلا- {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}[القمر:46]، بل؛ العقوبة الشديدة، الحقيقية، الطويلة، الساعة؛ يوم القيامة، موعِدهم؛ موعِدهم لتنزل بهم عقوبة الرب -تبارك وتعالى-، {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ........}[القمر:46]، يوم القيامة سُميَ بالساعة لأن له ساعة محددة سيأتي فيها، موعِدهم؛ الذي يتوعَّدهم الله -تبارك وتعالى- فيه، ثم قال -جل وعلا- {........ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}[القمر:46]، الساعة داهية أكبر وأمر علقم، يعني أن عقوبتها شديدة جدًا؛ أمر من هزيمة بدر، أين هزيمة بدر والعقوبة فيها؟ وهي شديدة ولا شك على الكفار؛ في قتل مَن قُتِل، وأسر مَن أُسِر، وكسر نفوسهم، لكن العقوبة التي تنتظرهم في الآخرة أشد من هذا؛ أدهى وأمر من عقوبة بدر، {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}[القمر:46]، ثم بيَّن -سبحانه وتعالى- عقوبة كل هذه الأمم المُكذِّبة من هؤلاء المجرمين فقال {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ}[القمر:47]، هذا حُكم من الله -تبارك وتعالى- وبيان، {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ}، كل فاعلي الإجرام، الإجرام؛ الذنب العظيم، والكفر أعظم هذه الذنوب، {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ}، في كل أمة، في كل عصر ومصر، {فِي ضَلالٍ}، عن الحق، ضلوا عن الحق وعن الصراط المستقيم، {وَسُعُرٍ}، في الآخرة، سعير؛ نار مُسعَرَة مؤججة لهم، {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}[القمر:48]، هذه عقوبتهم يوم القيامة، {يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ}، تسحبهم الملائكة على وجوههم وهم مُكبَّلون الأيدي والأرجل، ثم يُسحَب بهذه الصورة المهينة على وجهه -عياذًا بالله- وفي النار، {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}[القمر:48]، وهنا هذا قول يتأتى لهم من الملائكة أو من مَن يتولَّى عذابهم، ذوقوا يعني أيها المجرمون مس سَقَر؛ ومسَّها أعظم مسيس، وسَقَر إسم من أسماء النار، قيل أن سَقَر هي حفرة النار ودركها الأسفل، ذوقو هذا {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}، يعني عذابها الشديد لأنه لا يمسهم مسيس ولكنهم يغوصون فيها -عياذًا بالله-، {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}.

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49]، إنَّا؛ الله -سبحانه وتعالى-، مُنزِّل هذا القرآن على عبده ورسوله محمد -صل الله عليه وسلم- يتكلم عن نفسه -جل وعلا-، {........ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49]، كل شيء خلَقَه الله من الذرَّة الصغيرة إلى المجرة الكبيرة؛ إلى أعمال العباد كلهم، كل شيء إنما هو بقَدَر مُقدَّر وقتًا؛ وزمانًا، ومِقدارًا، وكيفية، وعملًا، واستمرارًا، كل هذا إنما قد قدَّره الله -تبارك وتعال-، فإن الله قبل أن يخلُق الخلْق كتب مقادير الخلْق عنده -سبحانه وتعالى-، فلا حركة، ولا سكون، ولا وجود لمخلوق، ولا انعدام له، كل شيء قد كتَبَه الله -تبارك وتعالى- وحَسَبَه، فمن هذا كل هذه المقادير التي يخبر الله -تبارك وتعالى- عنها بأن هؤلاء سيُهزَم الدمع ويوَلّون الدُبُر؛ وأن الساعة موعِدهم، وأن الناس تقوم، وأنهم سيُعذَّبون، كل هذا قد قدَّره الله -تبارك وتعالى- وكتَبَه فليس هناك أمر ليُفعَل هكذا، بل كل شيء قد أحكمه الله -تبارك وتعالى- وقدَّره -جل وعلا-، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49] {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}[القمر:50]، {وَمَا أَمْرُنَا}، في قيام الساعة، وكذلك أمرنا؛ أمر الله -تبارك وتعالى- لأي شيء يُريده -سبحانه وتعالى-، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس:82]، بمجرد أن يقول له -جل وعلا-، يعني بالكَينونة؛ كُن فيكون مباشرة، ويوم القيامة إنما سيكون بأمر الله -تبارك وتعالى-؛ وأمر واحد، يعني عندما يؤمَر إسرافيل بالنفخ في الصور يؤمَر أمر واحد فقط فينفخ فيه، وهذا الأمر يكون ويأتي كلمح البصر، وكذلك وقوع الساعة تقع كأنها لمح بصر، {وَمَا أَمْرُنَا}، بقيام الساعة الذي يتهددهم الله -تبارك وتعالى- فيه، {إِلَّا وَاحِدَةٌ}، كُن على طول الأمر، {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}، لا يأخذ وقتًا، ولمحة البصر هي خطفة العين، يعني خطفة النظر هذه هي سرعة قيام ما يُريد الله -تبارك وتعالى- قيامه، {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ ........}[القمر:50]، يعني لا تتكرر، كما قال -جل وعلا- {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}[الحاقة:14] {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الحاقة:15] {وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ}[الحاقة:16] {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة:17]، {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}[القمر:50].

ثم قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:51]، {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ ........}[القمر:51]، أشباهكم وأمثالكم في الكفر والعناد أهلكهم الله -تبارك وتعالى-، وهم هؤلاء الذين ذكَرَهم الله -تبارك وتعالى-؛ قوم نوح، وعاد، وثمود، والمؤتفكات؛ قرى لوط، وقوم فرعون، وسُموا هؤلاء أشياعهم أنهم مُشايعون لهم؛ يعني مُناصِرون لهم، لأن هؤلاء كلهم وإن افترقوا زمانًا وافترقوا مكانًا إلا أنهم مُجتمِعون على الكفر؛ مُجمِعون عليه، فكلهم من أهل الكفر والعناد؛ قد أجمعوا على هذا الأمر، فلذلك الله يخبر -سبحانه وتعالى- بأن اتعظوا من مصير هؤلاء، {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:51]، يعني هل هناك مَن يتذكر منكم ويُدرِك قيمة وخطورة هذا التحذير من الله -تبارك وتعالى-؟ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}، سؤال يُراد به حث هؤلاء على أن يُعمِلوا عقولهم وأن يتذكروا ما يعظهم الله -تبارك وتعالى- به؛ وما يتهددهم به ويتوعَّدهم به -سبحانه وتعالى-، {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:51] {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}[القمر:52]، كل شيء فعلوه؛ فعلته هذه الأمة، في الزُبُر؛ يعني أنه مُسطَّر، أن كل أمر مما فعلته هذه الأمم وهؤلاء المُكذِّبين قد سطَّره الله -تبارك وتعالى-، {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}[القمر:52]، وهو في كتابة الملائكة وكذلك قبل هذا في اللوح المحفوظ، فإن الله -تبارك وتعالى- كتب في اللوح المحفوظ كل شيء كما قال -صل الله عليه وسلم- عندما سُئِلَ عند بدء هذا الأمر، قال «كان الله ولا شيء معه، وكان عرشه على الماء وكتب في الذِّكر كل شيء»، وكتب في الذِّكر كل شيء يعني قبل أن يخلق الخلْق -سبحانه وتعالى-، وكما قال -جل وعلا- {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:59]، {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، كتاب مبين عند الله -تبارك وتعالى- وهو هذا اللوح المحفوظ، والكتابة الثانية بعد ذلك هي كتابة الملائكة التي تُحصي على كل فاعلٍ عمله، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4]، نفس مؤمنة أو كافرة إلا عليها حافظ يعني حافظ؛ مُحصي، يُحصي أعمالها ويكتبها، وقال -جل وعلا- {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:16] {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}[ق:17] {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18]، ما يلفظ من قول؛ ما يُخرِج لسانه من قول، {........ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18]، يُسجِّل كل هذا، والتسجيل كذلك لا شك أنه حتى بخطرات القلوب، كما قال -سبحانه وتعالى- {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:284]، وقد جاء أيضًا أن العبد إذا همَّ بحسنة فلم يعملها قال الله -تبارك وتعالى- اكتبوها لعبدي حسنة كاملة، فإذا همَّ مجرد الهم بالحسنة وهي النيَّة والقصد فإن الله -تبارك وتعالى- يأمر الملائكة أن يكتبوها له حسنة كاملة، فإذا عمِلها كُتِبَت له عشر حسنات، الشاهد من كل هذا أن أعمال كل أحد مُسطَّرَة خيرًا أو شرًا.

{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}[القمر:52] {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ}[القمر:53]، كل وصغير وكبير مما هو من فعل الأناسي مُستَطَر؛ مُسطَّر، ولذلك يوم القيامة يقول الكافر {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}، قال -جل وعلا- {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، ووجدوا ما عملوا حاضرًا؛ أي في الكتاب كله مكتوب، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}[الحاقة:19] {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة:20] {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}[الحاقة:21] {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ}[الحاقة:22] {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ}[الحاقة:23] {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة:24] {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}[الحاقة:25] {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}[الحاقة:26] {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}[الحاقة:27] {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة:28] {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}[الحاقة:29] {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}[الحاقة:30] {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ}[الحاقة:31]، {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}[القمر:52] {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ}[القمر:53]، قد سطَّره الله -تبارك وتعالى- وكتَبَه وأحصاه، هذه هي صفحة المُعاندين؛ المجرمين، المُكذِّبين.

ثم ختم الله -تبارك وتعالى- السورة بما أعد لأوليائه وعباده المؤمنين، فقال -جل وعلا- {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}[القمر:54]، المتقون في مقابل المجرمين؛ هناك المجرمين وهنا المتقون، وهذا الوصْف والتسمية وصْف الله -تبارك وتعالى-، والله يُسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية -سبحانه وتعالى-، أما إذا سمَّى الناس هذه المُسميات بغير أسمائها فلا وزن لذلك عند الله، وإنما حقائق التسمية هي ما يُسميه الله -تبارك وتعالى- حقيقًا -سبحانه وتعالى-، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ}، عباد الله -تبارك وتعالى- المؤمنين، سمَّاهم الله -تبارك وتعالى- المتقين لأنهم خائفون من الله -تبارك وتعالى-، وحقيقة التقوى هي مَن جعل بينه وبين عقوبة الله -تبارك وتعالى- ...، حمى نفسه من عقوبة الله واتقاها؛ اتقى العقوبة، واتقاء عقوبة الله -تبارك وتعالى- لا يكون إلا بالإيمان به وطاعته -سبحانه وتعالى-، الإيمان؛ الدين، الدين إيمان وطاعة؛ فبالإيمان والطاعة، سُئِلَ أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن التقوى، قال له هل سِرت بأرض فيها شوك؟ قال للسائل هل سِرت بأرض شائكة؟ قال نعم، قال وماذا صنعت عندما سِرت في هذه الأرض؟ قال رفعت ثيابي واحترست، يعني احترست أن تضربني شوكة من هنا أو شوكة من هنا، قال له هذه هي التقوى، قال له هذه هي التقوى؛ الاحتراز، الاحتراز من المعاصي التي بسببها تكون عقوبة الرب -تبارك وتعالى-، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ}، الخائفين من الله -تبارك وتعالى-، الذي جعلوا بينهم وبين عقوبة الله -تبارك وتعالى- حماية لهم من عقوبة الله، {فِي جَنَّاتٍ}، بساتين، جمع جنة، والجنة هي البستان الذي التفَّت أغصانه وتشابكت فروع أشجاره، {........ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}[القمر:54]، أنهار جارية، وهذه الأنهار أخبر -سبحانه وتعالى- أنها مختلفة الأنواع، كما قال -جل وعلا- {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}[محمد:15]، {........ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}[القمر:54]، أنهار.

{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ........}[القمر:55]، مقعد صدق؛ الجنة، مقعد؛ مكان قعود، صِدْق؛ أنه قائم، موجود، صادق، وَعْد من الله -تبارك وتعالى- أكيد، فالجنة لا شك مخلوقة؛ موجودة، يعني عندما يتكلم الله -تبارك وتعالى- عنها فإن هي حق؛ صِدْق، موجود، قائم، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر:55]، المليك؛ الملِك -سبحانه وتعالى-، الله -سبحانه وتعالى- الملِك؛ وهو الملِك على الحقيقة -جل وعلا-، وغيره ممَن يُطلَق عليه لفظ الملِك إنما هو عاري؛ مُلك عاري، وأما المُلك الحقيقي فهو لله -تبارك وتعالى-، فالله هو الذي يملِك الأشياء مُلك حقيقي لأنه خالقها، وبارئها، والمُتصرِّف فيها -سبحانه وتعالى-، وهو الموكَّل بها، وأما مُلك غيره فعاري؛ مُستعار، يُعطيه الله -تبارك وتعالى- وينزِعه منه وقت ما شاء، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:26] {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:27]، ومُلك الله -تبارك وتعالى- مُلك دائم؛ لا ينقطع، فهو الذي له الدين واصبًا، خضوع العباد له خضوع دائم وأما غيره فإن مُلكَه مُلك محدود قد يكون في فترة؛ في ساعات، في أيام، في شهور، في سنين وينتهي، فهو عاري وهو مُنتهي، {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}[مريم:40]، فهو المليك -سبحانه وتعالى-؛ الملك -جل وعلا- على الحقيقة، مُقتدِر؛ قادر، قادر على كل شيء -سبحانه وتعالى-، {اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وما ذُكِر هنا في هذه السورة إيقاع عقوبته بأعدائه -سبحانه وتعالى-، فالله -تبارك وتعالى- له القُدرة، انظر قدرته -سبحانه وتعالى- على قوم نوح؛ عاد، ثمود، بقدرته -سبحانه وتعالى- أنزل هذا وبقدرته أنجى عباده المؤمنين -سبحانه وتعالى-، كذلك ما يتهدد الله -تبارك وتعالى- به هنا ويتوعَّد به الكفار؛ الله مُقتدِر عليه، قادر على أن يُنفِذ وعيده في أعدائه -سبحانه وتعالى-، كما أنه قادر -سبحانه وتعالى- على إنفاذ وَعْدِه -سبحانه وتعالى- في عباده المؤمنين، وَعْد الله -تبارك وتعالى- بعباده المؤمنين أن يُدخِلهم الجنة؛ أن يُسكِنهم إياها، أن تكون على هذا النحو الذي أخبر الله -تبارك وتعالى- فالله مُقتدِر، وقول الله -تبارك وتعالى- في الجنة أنها عنده -سبحانه وتعالى- وذلك أن الجنة في السماء؛ وأن سقف أعلى الجنة هو عرش الرحمن -سبحانه وتعالى-، كما في قول النبي -صلوات الله والسلام عليه- «إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنها أعلى الجنة ووسطها، وسقفها عرش الرحمن ومن تفجَّر أنهار الجنة»، فأنهار الجنة تتفجَّر من وسطها؛ من الفردوس، والفردوس أخبر النبي بأنه أعلى الجنة؛ وأنه وسطها، وأن سقف الجنة هو عرش الرحمن -سبحانه وتعالى-، فلذلك هنا قال -سبحانه وتعالى- {........ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر:55]، العِندية عِندية مكان؛ في السماء عنده -سبحانه وتعالى-، وحسبك بهذا كرامة من الله -تبارك وتعالى- أن يكون عباده المتقون عنده -سبحانه وتعالى-، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}[القمر:54] {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر:55]، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلنا من هؤلاء وأن يُجنِّبنا الذلل في القول والعمل، بهذا تتم هذه السورة العظيمة؛ سورة القمر، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يكون قد نفعنا بما فيها من الذِّكر الحكيم، والحمد لله رب العالمين.