الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}[الرحمن:14] {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ}[الرحمن:15] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:16] {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}[الرحمن:17] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:18] {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}[الرحمن:19] {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ}[الرحمن:20] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:21] {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن:22] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:23] {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ}[الرحمن:24] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:25]، هذه الآيات من سورة الرحمن وقد مضى أن هذه السورة سورة مكية، بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بذِكر إسمه؛ الرحمن، وهو من الأسماء الخاصة بالله -تبارك وتعالى- كإسم الله، الله عَلَم على ذات الرب -تبارك وتعالى-، والرحمن عَلَم على ذات الرب -تبارك وتعالى-، الله مُشتَق من الإلهة؛ العبودية، العبادة، فكل ما سِواه عبد له -سبحانه وتعالى- وهو إله كل العالمين -سبحانه وتعالى-، والرحمن لأن رحمته -سبحانه وتعالى- وسِعَت كل خلْقِه، فكل مخلوقاته قد نال كل جزء منها رحمة من رحمته -سبحانه وتعالى-، فالخلْق رحمة؛ إبراز أي مخلوق من العدم إلى الوجود برحمة الله -تبارك وتعالى-، وتربية هذا المخلوق والعناية به وتسييره كله من رحمة الله -تبارك وتعالى-، كلام الملائكة {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}، فكما أن عِلم الله -تبارك وتعالى- محيط بكل الأشياء فكذلك رحمته -سبحانه وتعالى- محيطة بكل الأشياء، ويقول النبي «إن الله –تبارك وتعالى- خلَقَ مائة رحمة أنزل واحدة منها في الأرض يتراحم بها الناس»، هذي رحمة واحدة من رحمات الله -تبارك وتعالى- يتراحم بها الناس، «فمنا ما ترفع به الفرس رِجلِها عن ابنها مخافة أن تقتله»، يعني الرحمة التي جعلها الله في قلب هذا الحيوان الأعجم على ولده هذا من رحمة الله -تبارك وتعالى-، {الرَّحْمَنُ}[الرحمن:1].
ثم ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة صنوفًا من رحماته -سبحانه وتعالى-، فبدأ هذا بأعظم رحماته -سبحانه وتعالى- على أهل الأرض فقال {عَلَّمَ الْقُرْآنَ}[الرحمن:2]، القرآن؛ كلامه -سبحانه وتعالى-، هذا الكتاب الذي هو رحمة من الله -تبارك وتعالى- لعباده، كتاب مبارك يهدي به الله -تبارك وتعالى- مَن اتَّبَعَ طريقه سُبُلَ السلام؛ ويُخرِجهم به -بهذا الكتاب- من الظلمات إلى النور، كتاب هدىً للمتقين، كتاب بيان للناس جميعًا، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]، نذير للعالمين، كتاب مُحكَم؛ مبارك بكل معاني البركة، أخرج الله -تبارك وتعالى- مَن شاء وكتب له الرحمة الكبرى؛ الرحمة الأبدية، رحمته في الجنة، أخرجهم به من الظلمات إلى النور؛ بهذا القرآن، النبي -صلوات الله والسلام عليه- محمد هو أثر من آثار رحمة الله -تبارك وتعالى- بالقرآن، فقد كان النبي قبل نزول هذا القرآن على غير الطريق وعلى غير الصراط، {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}[الضحى:6] {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}[الضحى:7]، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52].
أنشأ الله -تبارك وتعالى- رسوله محمدًا -صلوات الله والسلام عليه-؛ الذي هو خير البشر وسيد البشر -صلوات الله عليه وسلم-، والذي هو رحمة الله -تبارك وتعالى- للعالمين، أنشأه بهذا القرآن؛ فالقرأن هو الذي أنشأ النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، ثم كانت نشأة كل هذه الأمة المرحومة؛ أمة محمد -صلوات الله والسلام عليه- بهذا القرآن، لا أعظم بركة في الأرض ولأهل الأرض من إنزال الله -تبارك وتعالى- كتابه، ثم إنه علَّمَه -سبحانه وتعالى- لعباده، فأول التعليم كان لعبد الله ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-، كما قال الله -تبارك وتعالى- فيه {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}[النجم:5] {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى}[النجم:6] {وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى}[النجم:7] {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى}[النجم:8] {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}[النجم:9]، فأول مُعلَّم لهذا القرآن محمد ابن عبد الله -صلوات الله والسلام عليه-؛ وعلَّمَه جبريل، جبريل رسول الله إلى النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-؛ حفَّظَه هذا القرآن، أسمَعَه إياه أولًا ثم علَّمَه الله -تبارك وتعالى- بيانه، {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}[القيامة:16] {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ ........}[القيامة:17]، أي في صدرك، {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}[القيامة:17] {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}[القيامة:18] {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}[القيامة:19]، ثم هدى الله -تبارك وتعالى- رسوله أن يقوم بهذا القرآن فكان مثال للعالمين بهذا القرآن؛ كان خُلُقُه القرآن -صلوات الله والسلام عليه-، {الرَّحْمَنُ}[الرحمن:1] {عَلَّمَ الْقُرْآنَ}[الرحمن:2]، هذه أول رحمة ذكَرَها الله -تبارك وتعالى- من رحمته -جل وعلا- بعباده.
ثم {خَلَقَ الإِنسَانَ}[الرحمن:3] {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}[الرحمن:4]، تعليم الإنسان البيان أن يُبيِّن عن الأشياء ويُبيِّن حتى عن دقائق الأمور؛ هذا من رحمة الله -تبارك وتعالى- بهذا الإنسان، {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[الرحمن:5]، وعليها تتوقَّف هذه الحياة كلها وهي من رحمة الله -تبارك وتعالى-، {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}[الرحمن:6] {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ}[الرحمن:7]، وَضْع الميزان وهو قوانين العدل من رحمة الله -تبارك وتعالى-، {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ}[الرحمن:8]، الميزان الذي يوزَن به الأشياء مقياس؛ هذا أيضًا من رحمة الله -تبارك وتعالى- في الأرض، {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[الرحمن:9] {وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ}[الرحمن:10] {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ}[الرحمن:11] {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ}[الرحمن:12] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:13]، خطاب الله -تبارك وتعالى- للجِن والإنس المُخاطَبين بهذا القرآن، بأي نعمة من نِعَم الله -تبارك وتعالى- التي تُذكَر تُكذِّب أيها الإنس والجِن؟ لمَّ سمِعَ مؤمنوا الجِن هذا قالوا لا بأي شيء من آلاء ربنا نُكذِّب؛ اللهم فَلَكَ الحمْد، ثم قال -جل وعلا- {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}[الرحمن:14]، هذا آدم أبو البشر -صلوات الله والسلام عليه-، صلصال؛ طين له صلصلة وهي صوت عندما يجِف، كالفخار يعني كما أن الفخار إذا جَف ووضِع في النار فإن يكون له صوت، فهذا طين الصلصال جفَّ وصنع الله -تبارك وتعالى- منه آدم -عليه السلام-، {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ}[الرحمن:15]، من المُتَموِّج من النار؛ صافي النار، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:16]، هذا من رحمته ومن جلائل وجليل قُدرته وعظمته -سبحانه وتعالى-، خلَقَ هذا الجنس من خلْقِه وهو الإنسان من الطين، وخلَقَ هذا الجنس من النار، والله له القُدرة على كل شيء، وهذه الأجناس الثلاثة؛ الملائكة، والإنس، والجِن، كلٌ مخلوق من عنصر يختلف عن العنصر الأخر، كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- «خُلِقَت الملائكة من نور، وخُلِقَت الجِن من مارجٍ من نار، وخُلِقَ آدم مما وصِفَ لكم»، وقد وصف الله لنا خلْق آدم من أنه من طين هذه الأرض، فبأي آلاء ربكما أيها الجِن والإنس تُكذِّبان.
ثم قال -جل وعلا- {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}[الرحمن:17]، قيل في المشرقين هنا ثنَّاهم الله -تبارك وتعالى- وهي مشارق ومغارب؛ وهو مشرق ومغرب، فالله -تبارك وتعالى- رب المشرق والمغرب أو رب المشارق والمغارب، جاء في قول الله -تبارك وتعالى- {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}[الرحمن:17]، المشرق والمغرب بحسب الجهتين، والمشارق والمغارب وذلك قيل لأن كل نجم من هذه النجوم له مشرق وله مغرب يختلف عن الأخر مع تباعد هذه النجوم، فالله -تبارك وتعالى- هو رب المشارق كلها، كل نجم يُشرِق من موضع الله ربه -سبحانه وتعالى-، وهو رب المغارب باعتبار كثرة النجوم التي تشرُق وتغرُب، والمشرقين والمغربين لأن كل نجم مثل الشمس مثلًا عندما تُشرِق على الأرض فإن لها مشارق متعدده بحسب بدء السنة الشمسية ونهاية السنة الشمسية؛ لها 360 مشرِق وكذلك 360 مغرِب، فتصل إلى حد مُعيَّن كما هو بالنسبة للأرض نصل إلى مدار الذي يُسمّونه مدار السرطان، ثم إلى مدار الجدي في النهاية، هذي في نهاية الشتاء وهذي في نهاية الصيف، فهذا حد نهاية كل نجم في فصل الصيف وفصل الشتاء؛ أو في أول دورته وفي آخر دورته، فالله -تبارك وتعالى- هو رب المشرقين ورب المغربين، وهذا إذا قيل {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}[الرحمن:17]، رب الوجود لأن الوجود إنما هو ما بين الشرق والغرب؛ ما بين المشارق والمغارب هو الوجود، فالله -تبارك وتعالى- هو رب هذا الوجود وسيد هذا الوجود كله -سبحانه وتعالى-، هو الرب؛ السيد، المالِك، المُتصرِّف -سبحانه وتعالى-، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:18]، بأي نعمة من نِعَم ربكما يعني يا معشر الجِن والإنس تُكذِّبان؟ الله يخبر بهذا؛ هل هناك أن نعمة من هذه النِعَم هي ممكن أن تُنسَب إلى غيره؟ تعالى الله -تبارك وتعالى-، فإن هذا كله فعله، وهذا كله إحسانه، وإفضاله، ورحمته -سبحانه وتعالى- على خلْقِه.
ثم قال -جل وعلا- {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}[الرحمن:19]، المرج؛ الخلط بشدة وقوة، والبحرين فُسِّر بأنه البحر العذب والبحر المالح، الأنهار العذبة والبحار الملحة يأتي وقت عند حافة المصب يلتقي فيها الأنهار بالبحار، كما قال -جل وعلا- {........ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا}[الفرقان:53]، فالله مرَج البحرين عند التقائهما، هذا عذب فرات؛ وهذه هي الأنهار العذبة التي هي نتيجة للأمطار النازلة ثم السيول الجارية، وهذا ملح أُجاج؛ ملح شديد الملوحة وهي مياه البحر، قال -جل وعلا- {يَلْتَقِيَانِ} {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ ........}[الرحمن:20]، حاجز، {........ لا يَبْغِيَانِ}[الرحمن:20]، لا يبغي الماء العذب على الماء المالح فيُحيله عذبًا، مع كثرة صب المياة العذبة في البحر إلا أنه يبقى البحر المالح على ملوحته وعلى خصائصه، وتبقى البحار العذبة تصُب عذبًا أبدًا، فهذا لا يبغي مع كثرة هطول الأمطار وصب المياة بالملايين الملايين المملينة من هذه الأمتار الهائلة من المياه العذبة تصُب في البحر، لكن يبقى البحر المالح على حاله لا يتغير، كذلك بالنسبة للبحر الأخر البحر المالح لا يطغى ويعلوا على الماء الحلو ويدخل إليه؛ ولو فعل هذا لفسدت، فلو طغى الماء العذب على الماء المالح لفسدت الأرض ولَما قامت هناك حياة، ولو طغى الماء المالح على الماء العذب ودخلت البحار إلى الأنهار لأفسدت كذلك حياة الناس وزروعهم، {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}[الرحمن:19] {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ ........}[الرحمن:20]، البرزخ؛ الحاجز، حاجز يحجُز هذا عن هذا وهذا عن هذا، {........ لا يَبْغِيَانِ}[الرحمن:20]، لا يبغي هذا على هذا ولا يبغي هذا على هذا لا في العلو عليه ولا في الخصائص بل يبقى.
كذلك قيل {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}[الرحمن:19]، البحرين؛ المِلحَين، فإن البحار المِلحة تلتقي بعضها مع بعض عند المضايق وعند الحواف؛ هذا بحر وهذا بحر، هذا محيط وهذا محيط، لكن يبقى لكل بحر من هذه البحار المالحة كذلك خصائصه؛ في نسبة الملوحة، في الكائنات الحية الموجودة، في نِسَب كثيرة من خصائص هذا الماء تخصُّه وهذا الماء تخصُّه، ومع أنه يحصل المَرج بالمد والحزر والأمواج إلا أنه يبقى هذا البحر بخصائصه وهذا البحر بخصائصه، وهذه آية قد سببت إيمان بعض الناس من أهل العِلم بالبحار عندما رأى هذه الآية، عندما رأى البحار المِلحة تختلط وتمتزج ويخُض بعضها في بعض ولكن لهذا خصائص ولهذا خصائص، {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}[الرحمن:19] {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ ........}[الرحمن:20]، حاجز يحجُز هذا في الصفات، هذا الحاجز إما أمر مُشاهَد كما يشاهد نسبة عُلوّ المياه العذبة على مستوى سطح البحر، وإما حاجز غير مُشاهَد كهذا الحاجز الذي يحجُز مياه هذا البحر المحيط عن البحر الأخر، عِلمًا أنهما في مستوى واحد من مستوى الماء المالح كله لكنه مع ذلك يبقى لهذا خصائصه ولهذا خصائصه، {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ}[الرحمن:20]، قال -جل وعلا- {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:21]، هذي نعمة عظيمة في هذا، ولو لم يكن هناك هذا الحاجز ولم يكن هناك بحار مِلحة وبحار عذبة لفسدت الأرض ولَما قامت حياة، بدون مياه عذبة لا تقوم حياة، وبدون هذا البحر المالح المتسع لا تبقى حياة، فإن هذا البحر المالح مخزون الناس من الغذاء، ثم هو غسالة تغسل هذه الأرض؛ تبلغ قاذورات الناس وتهضمها، ثم تُنقِّي هوائها، لو كانت مياه هذه البحار كلها لفسد الهواء؛ وأسَنَ الماء، وانتهت الحياة، وانتهى الوجود، فهذا كله من نِعَم الله -تبارك وتعالى-؛ ومن حكمته، ومن تصريفه، ومن رحمته -سبحانه وتعالى-.
ثم قال -جل وعلا- {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن:22]، يخرج منهما؛ من البحرين، {....... اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن:22]، على القوم الثاني بأن مرَجَ البحرين؛ البحرين يعني الملحين، يلتقيان ومع ذلك بينها برزخ لا تبغي خصائص هذا الماء المالح على هذا الماء؛ هذا البحر على هذا البحر، فلا يكون هناك إشكال في سياق الآية {يَخْرُجُ مِنْهُمَا ........}[الرحمن:22]، من كلا البحرين، {........ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن:22]، يستخرج الناس اللؤلؤ والمرجان؛ حجران، هذه الأحجار الكريمة للزينة والتجمُّل، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن:22]، وقيل هنا {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن:22]، منهما جاء على أنه بحار عذبة وبحار مِلحة إنما هو على التغليب، والمقصود أنه يخرج من أحدهما وهو من البحار المِلحة فقط، فهي التي فيها اللؤلؤ والمرجان لأن البحار العذبة ليست فيها لؤلؤ ولا مرجان، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن:22] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:23]، بأي نعمة من نِعَم ربكم أيها الإنس والجِن تُكذِّبان؟ لا بأي نعمة من نِعَم ربنا نُكذِّب؛ اللهم فَلَكَ الحمْد.
{وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ}[الرحمن:24] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:25]، له؛ لله -سبحانه وتعالى-، الجواري؛ السُفُن التي تجري على صفحة هذا الماء، المُنشآت في البحر؛ التي تُنشأ في البحر، كالأعلام؛ كالجبال، يُنشئ الناس السفينة وكأنها جبل قائم؛ بعضها إلى العشرين والثلاثين والأربعين طبقة من الطبقات، فتصبح ظاهرة وكأنها جبل عالٍ، هذه لله -تبارك وتعالى-؛ فالله هو مُنشِئها -سبحانه وتعالى-، فإن الله -تبارك وتعالى- هو الذي سخَّر البحر على هذا النحو ليحمل هذه السُفُن بهذا الطفو، ثم إن الله -تبارك وتعالى- هو الذي خلَقَ مادة السُفُن؛ هو الذي خلَقَ هذا الإنسان، هو الذي هداه إلى أن يصنع هذه الصناعة؛ فهي له -سبحانه وتعالى-، وهذا من تيسير الرب -تبارك وتعالى- وهدايته لعباده، ومن رحمته -سبحانه وتعالى- أن يسَّرَ لهم هذا الأمر وأن أرشدهم إلى هذا الفعل؛ فهذا من رحمة الله -تبارك وتعالى-، وله؛ لله -سبحانه وتعالى-، {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ}[الرحمن:24] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:25]، بأي نِعَم ربكما أيها الإنس والجِن تُكذِّبان؟.
ثم قال -جل وعلا- {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن:26]، بعد بيان نعمته -سبحانه وتعالى- على عباده في هذه الدنيا بيَّن الحد الذي ينتهي إليه هذا، وأخبر -سبحانه وتعالى- أن كل مَن عليها؛ على هذه الأرض، فانٍ؛ يفنى ويموت، فالجِن والإنس يموتون والله -تبارك وتعالى- هو الحي الذي لا يموت -سبحانه وتعالى-، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن:26]، يفنى، فكل هذه الأمور التي أخبر الله -تبارك وتعالى- عنها من الشمس؛ والقمر، والأشجار، وهذه الدنيا كلها وما عليها من الإنس والجِن فإنها يأتي وقت تفنى؛ وتزول، وتضمحِل، وهذا يوم القيامة؛ اليوم الذي حدَّه الله -تبارك وتعالى- لهذا، {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ}، هذا يوم القيامة، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}[الحاقة:13] {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}[الحاقة:14] {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الحاقة:15] {وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ}[الحاقة:16] {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة:17]، فهذه نهاية العالم، هذا إخبار من الله -تبارك وتعالى- بأن هذا العالم الذي يعيشون فيه ...، هذه الأرض التي يحيَون عليها والتي زخرها الله بما زخرها به من هذه النِعَم العظيمة لتقوم معايش الناس لها وقت خلاص وتنتهي؛ لها وقت تنتهي فيه، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن:26]، {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ}[الانفطار:1] {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ}[الانفطار:2] {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ}[الانفطار:3] {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}[الانفطار:4] {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}[الانفطار:5]، هذي النهاية، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير:1] {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}[التكوير:2] {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}[التكوير:3] {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}[التكوير:4] {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}[التكوير:5] {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير:6]، هذا خلاص؛ هذا الوقت الذي تنتهي فيه هذه الحياة، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن:26].
قال -جل وعلا- {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:27]، لا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام، وجه ربك -سبحانه وتعالى- هذا من باب يعني لا يبقى إلا الله، فالله هو الحي الذي لا يموت؛ الذي لا يُدرِكه فناء، ولا يُدرِكه أي نقص مما يعتري المخلوق، فهو الله -تبارك وتعالى- الحي القيوم، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}، فالله -تبارك وتعالى- هو الحي الباقي، كما جاء في الحديث «الإنس والجِن يموتون والله هو الذي لا يموت -سبحانه وتعالى-»، قال {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ........}[الفرقان:58]، فالله -جل وعلا- هو الباقي؛ الحي الباقي، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:27]، ذو؛ صاحب، الجلال؛ القوة والعَظَمَة، والإكرام؛ الإنعام والإفضال، والله -تبارك وتعالى- هو صاحب هذا وهذا، فمن جلاله -سبحانه وتعالى- خلْق العقوبة الشديدة لأعدائه، فتدمير هذا العالم من جلاله -جل وعلا-؛ يُدمِّره على هذا النحو، ومن جلاله -سبحانه وتعالى- خلْق ما أعده لأعدائه -سبحانه وتعالى-، كما قال -سبحانه وتعالى- {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}[الإنسان:1] {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[الإنسان:2] {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[الإنسان:3] {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا}[الإنسان:4]، أعتدنا؛ هيَّأنا وحضَّرنا، للكافرين سلاسل؛ للعذاب بسلسلتهم، وأغلالًا؛ قيود، وسعيرًا؛ نار، فهذا من جلاله -سبحانه وتعالى-؛ النار وما أعد فيها هذا من جلاله، هو ذو الجلال ثم هو ذو الإكرام -سبحانه وتعالى-، الإكرام؛ الرحمة، والعناية، والفضل، والإحسان، فخلْق هذه الدنيا وخلْق ما فيها هذا من إكرامه، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء:70]، كل هذه النِعَم التي ذكَرَها الله من إكرامه، ثم من أثر إكرامه ما أعدَّه الله لأوليائه في الآخرة من جنته، ورضوانه، وإحسانه -سبحانه وتعالى-، والله هو صاحب هذا وهذا؛ هو ذو الجلال وذو الإكرام -سبحانه وتعالى-، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ ........}[الرحمن:27]، القوة، والقهر، والعَظَمَة، وأثر هذا، والإكرام؛ الرحمة، والفضل، والإحسان -سبحانه وتعالى-، وهذه السورة هي لبيان هذا وهذا؛ لبيان آيات جلاله -سبحانه وتعالى- وآيات إكرامه -جل وعلا-، فهذه آيات إكرامه وهذه آيات جلاله، يُبيِّن الله هذا وهذا في الدنيا والآخرة، يُبيِّنه لعباده -سبحانه وتعالى- في الدنيا والآخرة، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:28]، أيها الإنس والجِن، بأي نعمة من نِعَم الله -تبارك وتعالى- تُكذِّبان أيها الإنس والجِن؟.
ثم قال -جل وعلا- {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29]، مَن في السماوات والأرض يسألونه لأنه ربهم وإلههم؛ ليس لهم رب سواه، فإما أنهم يسألونه قالًا؛ بمقالاتهم، وإما أنهم يسألونه حالًا؛ بحالهم فيُعطيهم، فالله -تبارك وتعالى- هو المُتفضِّل بالإنعام على أهل سماواته وأهل أرضه وكل مَن في السماوات والأرض هم في حاجة إليه؛ هم مُفتقِرون إليه فقر جِبِلِّي بخلْقِهم، كل مخلوق خلَقَه الله -تبارك وتعالى- مُفتقِر إلى الله فقر جِبِلِّي خلْقي، بالجبِلَّة والخلْق مُفتقِر إلى الله؛ أولاً في وجوده، ثم في بقائه واستمراره، ثم في كل ما يقوم بهذا المخلوق؛ ويُقيمه، ويُبقيه، كل هذا إلى الله -تبارك وتعالى-، فأهل السماوات والأرض يسألونه، يسألونه؛ يطلبون منه بلسان مقالهم، وكذلك يطلبون منه بلسان حالهم؛ كلما احتاجوا إلى شيء بحالهم، كما قال -تبارك وتعالى- {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم:34]، {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}، كل ما طلبتم من ربكم -سبحانه وتعالى- فإنه أعطاكم؛ بألسنتكم أو بأحوالكم، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29]، كل يوم من الأيام هو في شأن من شئون خلْقِه -سبحانه وتعالى-، فانظر شئون الله {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:26] {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:27]، فالإحياء، والإماتة، والإعزاز، والإذلال، والهداية، والإضلال، كلها له؛ هذه من شئونه -سبحانه وتعالى-، فشئون الخلْق كلها بيده -سبحانه وتعالى-؛ يشفي مريضًا -سبحانه وتعالى-، يفُكُّ عانيًا، يُعطي فقيرًا، يُطعِم جائعًا، كل هذا من شئونه -سبحانه وتعالى-، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}[النجم:42] {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}[النجم:43] {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}[النجم:44] {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}[النجم:45] {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}[النجم:46] {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى}[النجم:47] {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}[النجم:48] {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}[النجم:49] {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى}[النجم:50] {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى}[النجم:51] {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى}[النجم:52] {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى}[النجم:53] {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}[النجم:54] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}[النجم:55]، بأي نعمة من نِعَم ربك تتمارى أيها الكافر وتشُكُّ في نِعَم الله -عز وجل-؟ هذا فعله -سبحانه وتعالى-.
{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29]، كل يوم وليس كما يقول اليهود أنه استراح في اليوم السابع من عمله الذي عَمِلَ خالقًا، أنه يعمل خالق ثم في يوم السبت استراح من هذا العمل وترك العمل فيه... لا، بل الله -تبارك وتعالى- لا شك أنه كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يُرفَع إليه عمل النهار قبل عمل الليل؛ وعمل الليل قبل عمل النهار، يخفِض القِسط ويرفعه»، كل شئون العباد بيده -سبحانه وتعالى-، كل شئون الخلْق كلهم له، كل يوم من الأيام هو في شأن -سبحانه وتعالى-، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:30]، بأي نعمة من نِعَم ربكم أيها الإنس والجِن تُكذِّبان؟ لا بأي آلاء ربنا نُكذِّب؛ ربنا فَلَكَ الحمْد.
نقف هنا ونُكمِل مع هذه السورة في الحلقة الآتية -إن شاء الله-.