الأحد 20 شوّال 1445 . 28 أبريل 2024

الحلقة (68) - سورة البقرة 240-247

إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

أما بعد فإن خير الكلام كلام الله -تبارك وتعالى- وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبعد.....

يقول الله –تبارك وتعالى- {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:238]،  {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[البقرة:239]،  يأمر الله -تبارك وتعالى- عباده أن يحافظوا على الصلوات،  وخص  بعد ذلك بعد العموم الصلاة الوسطى، ومعنى الحفاظ على الصلوات أن يؤديها في أوقاتها، أن يقوم بأركانها وواجباتها، أن يصليها كما فصّل النبي -صلى الله عليه وسلم-، أن يكون خاشعا فيها قلبه حاضرا فيها، أن يحقق شروطها من الطهارة واستقباله القبلة وستر العورة ودخول الوقت، شروط قد جعلها الله- تبارك وتعالى-للصلاة لا تصح إلا بها، فكل هذا من معاني الحفاظ على الصلاة، وأهم ذلك أن تقع في مواقعها وفي مواقيتها التي جعلها الله -تبارك وتعالى-مواقيتً لها.{........إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:103] ،كتاب مؤقت بوقت صلاة الفجر تبدأ من وقت وتنتهي إلى وقت صلاة الظهر كذلك صلاة العصر كذلك المغرب والعشاء،  وهذا توقيت من الله-تبارك وتعالى-،  فإن جبريل نزل بعد أن فرضت الصلوات الخمسة نزل في ظهر اليوم الثاني بعد المعراج، وصلى بالنبي في أول الوقت صلى به الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر في أول الوقت،  ثم جاءهم في اليوم الثاني فصلى الظهر في آخر وقتها، والعصر في آخر وقتها والمغرب والعشاء والفجر وقال له يا محمد الصلاة بين هذين الوقتين، فهذا أهم ما في المحافظة على الصلاة أن تقع في مواقيتها التي وقتها الله -تبارك وتعالى- له.

ولا شك أن الحفاظ على الصلوات من أجلِّ الأعمال ثم في حديث مسعود -رضى الله تعالى عنه- « قلت يا رسول الله أي العمل أفضل قال الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال جهاد في سبيل الله»،  الصلاة على وقتها أي على أول وقتها، فأداء الصلاة في أول وقتها هذا فضل، وأما في الوسط وسط الوقت فهذا إباحة  وحسن، وأما في آخر وقتها فمكروه، فأما إذا كان في آخر دقائق الوقت فإن النبي قال:  «تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتي إذا كانت بين قرني الشيطان قام فركع ركعتين لا يذكر الله فيهم إلا قليلا" ،  وأما اذا لم يوقع ركعة من الصلاة قبل أن ينتهي الوقت فقد ضاعت منه الصلاة،  كما في قول النبي -صلوات الله وسلامه عليه-: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» ،  مفهوم هذا إ،  لم يدرك أنه لم من لم يدرك ركعة كاملة فقد ضاعت منه الصلاة، وكذلك قال أيضا  -صلى الله عليه وسلم-: «من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر»  وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «من ترك  صلاة العصر فقد حبط عمله»، فحافظوا على الصلوات بمعنى أدوها في أوقاتها التي قضاها شرعا، ويدخل كذلك يعني كل ما سوى ذلك من معنى الحفاظ على الصلاة الحفاظ على شروطها على أركانها على خشوعها، كل هذا داخل في معني الحفاظ على الصلاة.

{  والصلاة الوسطى}: والصلاة الوسطى عطف  للخاص بعد العام حافظوا على الصلوات كلها بوجه عام والصلاة الوسطى بوجه خاص، الصلاة الوسطى جاء عن سلف الأمة كثير من الأقوال أنها الفجر،  وقال بعضهم: إنها  الظهر وذلك لأنها تأتي في الهاجرة، قال بعضهم: الفجر لأنها أفضل صلاة وهي بعد النوم،  وبعضهم قال: هي العشاء لأنها صلاة متأخرة،  وقال بعضهم: إنها  صلاة العصر والصحيح أنها صلاة العصر، أولا الحديث الثابت في هذا إن النبي -صلوات الله وسلامه عليه- قال: يوم الخندق وهو يدعو على المشركين « حبسونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا »،  فدعا عليهم -صلى الله عليه وسلم- لأنهم حبسوا المؤمنين،  وهذا قبل أن تنزل صلاة الخوف حتى ضاع وقت العصر لم يصلِّها بعض المسلمين إلا بعد غروب الشمس،

 فالنبي سمى صلاة العصر الصلاة الوسطى؛ قيل أنها الوسطى من باب الفضلى لأن أوسط يأتي الوسط بمعنى الأفضل والأحسن،  وكذلك هي وسطى في الصلوات لأنها هي متوسطةً بين صلاتي النهار الفجر والظهر وصلاتين في الليل المغرب والعشاء صلاة الليل أي المغرب بعد غروب الشمس من صلاة الليل  والعشاء من صلاة الليل وأما الفجر والظهر فهي من صلاة النهار فجاءت صلاة العصر متوسطة بين الصلوات صلاتين في النهار وصلاتين في الليل وكذلك هي صلاة فضلى قد جاءت في فضلها أحاديث كثيرة منها وحدها ومنها وهي مجتمعة مع صلاة الصبح فمما جاء من فضلها مع صلاة الصبح قول النبي -صلوات الله وسلامه عليه- : «من صلى البردين دخل الجنة».

 والبردان هذا من باب التغليب هي الفجر والعصر ،وكذلك قول النبي -صلوات الله وسلامه عليه- : «أنكم سترون ربكم كما ترون الشمس ليس دونها سحاب فإن استطعتم ألا  تغلبوا على صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل طلوعها فافعلوا»  وكأنه أرشد -صلوات الله وسلامه عليه- لأن الذي  يحافظ على هاتين الصلاتين  صلاة الفجر وصلاة العصر،  فصلاة الفجر هذه صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة العصر قبل غروب الشمس،  فإن الذي  يحافظ على هاتين الصلاتين هو أسعد الناس حظا برؤية الرب -تبارك وتعالى- التي هي أعلى درجات النعيم في الجنة لأهل الجنة وهي رؤيتهم ربهم -سبحانه وتعالى-، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: « يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون في صلاة العصر وفي صلاة الصبح فيصعد الذين باتوا فيكم أو فيعرجوا الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أي ربي أتيناهم وهم يصلون- أي صلاة العصر- وتركناهم وهم يصلون -أي صلاة الصبح-»،  فتعاقب الملائكة واجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في هاتين الصلاتين هذا كذلك مما يدل على فضل يعني هاتين الصلاتين العصر والفجر معا.

 كذلك التحذير الشديد من تخصيص النبي صلاة العصر بأن من ضيعها فكأنما أوتر أهله وماله قال: «من ترك صلاة العصر فكأنما أوتر أهله وماله»  ومعنى أوتر أهله وماله بقي وترا،  وقال: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله»،  فهذه النصوص كلها تبين فضل صلاة العصر وأهميتها.

 فالله يقول: {  حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} كلها  وصلاة العصر: يعني{ الصَّلاةِ الْوُسْطَى} هذه على وجه الخصوص.

 { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} :يعني قوموا في الصلاة لله -سبحانه وتعالى- وهذا القيام قيام الصلاة ، وهذا ركن عبادة،  القيام ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة  إلا  به، فلا تصح صلاة الجالس القادر على القيام عليه صلاة الفرض لا يصح  للقادر على القيام أن يصلي جالس.

 قول الله: { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فهذا ركن من أركانها : {  وَقُومُوا لِلَّهِ }:أي اجعلوا  قيامكم لله -سبحانه وتعالى- وقيامكم في الصلاة لله أيضا توجيه إلى إخلاص  النية وأن يكون صلاة العبد إنما هي من أجل الرب -سبحانه وتعالى- { قَانِتِينَ}: يعني خاشعين القنوت هو الخشوع والاجتماع على الأمر قال على ما اجتمع عليه ومنه أيضا القنوت يأتي بمعني الدعاء؛  وذلك لأن الذي يدعو يجمع أمره عليه يعني على هذا الأمر،  معنى يجمع أمره يجمع فِكرَهُ وتوجهه نحو هذا الأمر فقوموا لله قانتين: أي خاشعين قاصدين ليلين متجمعين على الصلاة،  فيجمع الإنسان فكره وقلبه ووجهته للصلاة فلا يكون مشتتا هنا وهناك وقوموا لله قانتين فهذه صورة الصلاة الصحيحة أن يكون العبد محافظا عليها قائما لله -سبحانه وتعالى- قانتا خاشا فيها.

ثم قال-جل وعلا-: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[البقرة:239]، {  فَإِنْ خِفْتُمْ: أي من العدو يكون في وقت الحرب وقت الخوف { فَرِجَالًا}: يعني صلوا رجالا ومعني رجالا يعني على أرجلكم وأنتم ماشين،  فيصلي الإنسان إذا خاف وهو ماشٍ لا يقف هنا،  كما حدث لبعض الصحابة فقد كان النبي قد أرسله في إثر عدو،  فخشي جاء وقت الصلاة فخشي أن يفوته فصلى وهو سار،  و أنزل الله -تبارك وتعالى- هذا تصديق لهذا الفعل وهذا رخصة منه ورفع للحرج وذلك لأنه في وقت الحرب ظرف يختلف عن وقت الأمن والسلم

 قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا} يعني سائرين على أرجلكم {أَوْ رُكْبَانًا}: راكبين يصلى الإنسان كذلك المسلم راكب على فرسه على بعيره أو على آلته التي يركبها أي صورة من صور الركوب {أَوْ رُكْبَانًا}:والراكب طبعًا إذا كان راكب على مثل البعير أو الفرس فإنه لا يستطيع أن يقف،  لا يكون قائما وإنما يكون جالسا عليها،  أما أن كان الآلة التي يركب عليها كالسفينة مثلا الواسعة أو الطائرة أو السيارة الواسعة يستطيع أن يقف فهنا الوقوف يصبح واجبا،  أما إذا كان الآلة التي يركب عليها لا مجال لأن يقف فيها كأن تكون سفينة صغيرة وإذا تتحرك في الماء ربما سقط،  فهذا يصلى جالسا{  فإن خفتم فرجالا أو ركبانا }وهذا تخفيف وتسهيل لركن القيام إلى أن يكون جالسا أو ماشيا.

 {فَإِذَا أَمِنتُمْ} ليس ثم خوف أمنتم من عدوكم في وقت الأمن والسلم. {........ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} يعني اذكروا لله في الصلاة كما علمكم مالم تكونوا تعلمون،  وجاء هذا تعليم النبي علمنا كيف نصلى بالتفصيل -صلوات الله وسلامه عليه- بقوله وبفعله،  وقوله:  "صلوا كما رأيتموني أصلي"،  وصلى للناس والناس علمهم -صلوات الله وسلامه عليه- صفة الركوع صفه السجود وصفة القيام وكذلك القراءة وما يقوله في كل ركن من هذه الأركان وجوبا واستحبابا كله بينه النبي. فالله يقول: { فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} وكذلك اذكروا الله بمعنى استحضروا كبرياءه وعظمته -سبحانه وتعالى- اذكروه بكل أنواع الذكر { كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}: بأنه علمكم مالم تكونوا تعلمون فقوموا بحق ذكره وشكره -سبحانه وتعالى- أن يعلمكم على هذا النحو وأن يرشدكم إلى عبادته التي تنالون به القرب عنده,  وكذلك يضع لكم الرخص المناسبة للحالة المناسبة فيه فإن خفتم فرجالا أو ركبانا.

 جاءت هذه الآية متوسطة بين الآيات التي أنزلها الله -تبارك وتعالى- في أحكام الطلاق وحكم الرضاعة وحكم الـمُتَوفَى عنها زوجها،  ومازالت الأحكام خاصة بالنساء موجودة فبعد هذه الآية مباشرة{ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجكم متاع غير إخراج فإن خرجن فلا جناح والله عزيز حكيم}

قال: أهل العلم إن وضع هنا { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} ىبين  قوله -سبحانه وتعالى-{  والذين يتوفون منكم ويزرون أزواجا} وبين الآيات التي جاءت في شأن الطلاق { لا جناح عليكم أن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة.. } إلى آخر الآية أن اتذكير بالصلاة في هذا المقام والحفاظ عليها مناسب،  وذلك أن هذه مشكلات مشكلة الطلاق مشكلة الوفاة من المصائب والمصاعب التي تحل بالمسلم، وفي وقت المصائب والمصاعب ينبغي ألا  يضيع الإنسان الصلاة، قد ينساها قد يؤخرها عن وقتها فجاء التوجيه هنا التوجيه على أن يجب على المؤمن أن يكون محا فظا على الصلاة في كل أحواله،  سواء كان أحوال أمن أو أحوال خوف أحوال مشكلات تنتابه وغير مشكلات ،  فيجب أن يكون مراعيًا للصلاة لأن الصلاة هي خير موضوع خير ما وضع الله -تبارك وتعالى- لأهل الأرض هي الصلاة، وهي العبادة التي لا ينفك المسلم عنها.

 فهي ليست عبادة موسمية كصوم موسم في سنة شهر في العام ،الحج الذي هو مرة في العمر وجوبا، والعمرة الزكاة التي قد يؤديها البعض ولا يؤديها الآخرون لفقرهم فإن الزكاة لا تجب إلا مع النصاب،  أما الصلاة فإنها ركن الإسلام الذي لا ينفك من المسلم فهي تجب على الفقير والغني والقادر على القيام ومن ليس عنده قدرة على القيام، فتجب على المريض وعلى السليم وعلى المسافر وعلى المقيم،  وتلتزم الإنسان منذ البلوغ إلى الوفاة، لا تسقط عنه بحال إلا  بسقوط مناط التكليف وهو العقل،  فإذا سقط مناط التكليف وهو العقل تسقط الصلاة،  وبغير سقوط مناط التكليف فإنه تبقى الصلاة يعني موجودة،  صلِّ قائما فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب،  وجدت شروطها أو لم توجد أي  وجد شرط الطهارة ما وجد الماء الطهارة المائية فعليه بالطهارة الترابية التي هي موجودة في كل مكان, فإن فقد الطهارتين يعني فقد أن يتطهر بالماء أو أن يجد ترابا كالمسجون مثلا  في غرفة لا يصل إلى أي صعيد طيب ، فإنه كذلك فافقد الطهورين يصلي ما يمنعه من الصلاة كذلك،  إذا فقد جهة القبلة فيصلي يجتهد ويصلي،  من  فقد ستر العورة كأن  يكون الناس ألقاهم  البحر عراة وليس عندهم ما يسترون به عوراتهم يصلون على حالهم ليس لأنهم فقدوا ستر العورة فتترك الصلاة تسقط،  لا تسقط الصلاة بحال فلما كان هذا شأن الصلاة فإنه جاء فيها التذكير بين آيات الأحكام في أحكام الطلاق والطلاق زعزعة ومشاكل، كذلك الوفاة والوفاة: يعني مصيبة فهنا جاء الأمر داخل هذه الآيات قال -جل وعلا-: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:238] { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[البقرة:239) فيكون هذا أيضا تذكير حتى في الخوف الشديد عدو ويقاتل فإنه يجب على المسلم أن يصلى ولو في حال المسايفة يعني السيوف متشابكة،  فكذلك يصلى في هذا الوقت فهنا الصلاة تكون بغير ركوع وبغير سجود ويغير توجيه إلى القبلة ؛ وذلك لأنه في الحرب فإنما يصلى على حسب قدرته على الصلاة فغذا  كان الإنسان يجب عليه أن يصلى في وقت المعركة والموت حاضر، فكيف إذا كانت ثمة مشكلا ت لا ينبغي أن تصرف المؤمن عن الصلاة فيجب أن يكون محافظا على الصلاة.

 ثم قال -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخراج فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة:240]

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا.....} الرجال الذين يتوفاهم الله -تبارك وتعالى- ويتركون زوجات قال -جل وعلا-:{  وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ }يوصينا الله -تبارك وتعالى-  بأن على هؤلاء أن يوصوا وصية لأزواجهم اللاتي يموتون عنهن،  { متاعا إلى الحول} أن تتمتع إلى الحول من سكنة وطعام وشراب في بيت زوجها متاعا إلى الحول،  والحول أن تدور السنة من ميعاد الوفاة إلى نفس هذا الميعاد،  فهذا الحول سنة كاملة { غير إخراج} من بيت الزوج فإن خرج قبل نهاية هذا الحول {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} أي ليتزوج ما فعلن من انفسهن من معروف من أن تتزين أن تتعرض للخطاب أن تخطب أن تتزوج{  والله عزيز حكيم }عزيز غالب -سبحانه وتعالى- حكيم يضع الأمور في نصابها.

 قال أكثر أهل العلم بأن هذه الآية منسوخة بقول الله -تبارك وتعالى-{  وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا }[البقرة:234] اللآية التي قبلها فعدة المتوفي عنها زوجها هي أربعة أشهر وعشرة أيام,  وأن الآية الأولى ناسخة لهذه الآية التى أمر الله تبارك وتعالى فيها الأزواج أن يكتبوا أن يجعلوا هن وصية لزوجاتهم  أن لا يخرجن من بيوتهنّ قبل سنة وأن تمكث سنة حتى تخرج من البيت، وأن هذا نسخ بأنها أربعة أشهر وعشرة، والصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه الآية بقيت على الاستحباب وليست على الإيجاب،  فإنه من باب الإحسان أنه  يوصي بأن زوجته لا تخرج من بيته فيكون لها السكنة وهذا يكون من الميراث من ماله ولها البقاء في بيته سنة كاملة إلا اذا اختارت هي أن  تخرج قبل هذه السنة  بعد الأربعة أشهر والعشرة أيام فلها ذلك،   فيكون الأمر مخيرا لها البقاء لمدة سنة أو الخروج قبل ذلك قال جل وعلا { فَإِنْ خَرَجْنَ }:أي في أثناء هذه السنة طبعا بعد نهاية هذه العدة{  فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة:240] غالب سبحانه وتعالى حكيم يضع الأمور في نصابها ومن حكمته أن شرع هذا التشريع سبحانه وتعالى.

ثم قال جل وعلا: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة:241] للمطلقات كل أنواع المطلقات سواء كانت مطلقة بعد الدخول أو قبل الدخول بها وسواء كان فرض لها مهر،  وهي طلقت قبل الدخول أو لم يفرض لها مهر داخل فيها كل أنواع المطلقات {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} هذا المتاع متعة الطلاق وهي عبارة عن نوع من الهدية الواجبة التي يجب أن يهديها الزوج لزوجه جبرًا لأمر طلاقها وذلك لأن الله تبارك وتعالى قد أعطاه يعني عقدة النكاح بيده أمره هنا رجل بأن  عطي امرأته التي طلقها متعة الطلاق وقال تبارك وتعالى بالمعروف طبعا هذه متعة الطلاق هي زيادة عن حقها الذي لها حق السكنة في وقت العدة النفقة كلها في وقت عدتها بحسب والعدة بحسبها كما هي سواء كانت ثلاثة شهورا أو ثلاثة قروء ومدة الحمل حتى تضع،  هذه أنواع العدة،  فلها هذه النفقة ولها بعد ذلك ما أعطاها إذا كان قد وهبها مالا في أثناء الزواج أو اشترط شرطا على نفسه أن يعطيها فهذا كله غير متعة الطلاق،  متعة الطلاق أمر  فيعطيها كل الحقوق التي لها عنده ثم يعطيها هدية فوق هذه وهذه الهدية لم يحددها الله  تبارك وتعالى وإنما قال متاعا بالمعروف ثم قال -جل وعلا-: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} ثم قال- جل وعلا-: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[البقرة:242]كذلك يعني كهذا البيان المفصل الواضح يبين الله تبارك وتعالى آياته ما بين هنا في آيات الطلاق بيان وتفصيل لعلكم تعقلون بعد هذا التفصيل تعقل عن الله تبارك وتعالى وتتخذ طريقكم إلى الله وتلتزم أحكامه  سبحانه وتعالى.

نكتفي بهذا الحمد لله رب العالمين واصلى وأسلم على عبده الرسول الأمين