{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}[الواقعة:75] {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}[الواقعة:76] {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}[الواقعة:77] {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ}[الواقعة:78] {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة:79] {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الواقعة:80] {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ}[الواقعة:81] {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}[الواقعة:82] {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ}[الواقعة:83] {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ}[الواقعة:84] {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ}[الواقعة:85] {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ}[الواقعة:86] {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الواقعة:87] {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[الواقعة:88] {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}[الواقعة:89] {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}[الواقعة:90] {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}[الواقعة:91] {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ}[الواقعة:92] {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ}[الواقعة:93] {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}[الواقعة:94] {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}[الواقعة:95] {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الواقعة:96]، هذا ختام هذه السورة؛ سورة الواقعة، والله -تبارك وتعالى- بعد أن ذكَرَ أصناف الناس ومآلهم يوم القيامة وذكَرَ من أدلة آياته وقدرته -سبحانه وتعالى- تصديقًا لهذا الحديث؛ وتأكيدًا لعباده أن هذا حق، ثم أقسَم لهم -سبحانه وتعالى- قال {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}[الواقعة:75]، وعظَّم هذا القسَم قال {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}[الواقعة:76]، فإن مواقع النجوم شيء هائل لا تُدرِكه عقول البشر ليومنا هذا، فلا يعرف البشر آخر نجم في خلْق الله -تبارك وتعالى- في السماء، وقد عَلِمَ البشر أن كل نجم من هذه النجوم مع كِبَر حجمة ومع عظَمَته هو في مدار لا يتعدَّاه زمانًا ولا مكانًا، {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[الرحمن:5]، فهذا الرب العظيم الذي خلَقَ هذا الخلْق المُتَسِع الذي لا تُدرِكه ولا تسَعَه العقول، يُقسِم الله -تبارك وتعالى- بمواقع النجوم ويقول {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}[الواقعة:75] {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ}، هذا القَسَم، {........ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}[الواقعة:76]، والله يُقسِم بالعظيم ليُعظِّم نفسه -سبحانه وتعالى-، فهو العظيم الذي خلَقَ هذا الخلْق العظيم وهو الإله العظيم.
{إِنَّهُ}، هذا القرآن المُنزَل إليكم الذي يخبركم الله -تبارك وتعالى- فيه بيوم القيامة، {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الواقعة:1] {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}[الواقعة:2]، أن هذا أمر لابد كائن، وكنتم أنتم أزواجًا ثلاثة، أنتم أيها المُخاطَبون ستكونوا على هذا النحو، وشتَّان بين السابقين وأصحاب اليمين وبين أصحاب الشِمال؛ فرق هائل جدًا، أين هؤلاء في النعيم المُقيم وهؤلاء في العذاب الدائم المُقيم -عياذًا بالله-، فالله -تبارك وتعالى- يقول للعباد بعد أن يُقسِم لهم هذا؛ يقول هذا الكلام نازل في قرآن، {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}[الواقعة:77] {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ}[الواقعة:78]، كتَبَه الله -تبارك وتعالى- في كتاب مكنون؛ محفوظ كل الحفظ، {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة:79]، لا يصِل إلى هذا القرآن ويقرأه ويتناول صحائفه إلا المُطَهَّرون، ملائكة الله -تبارك وتعالى- المُطَهَّرون من كل العيوب؛ لا عيب حِسِّي كبول أو خائط ونحو ذلك، ولا كذلك عيب معنوي؛ من كذب، أو افتراء، أو تزيُّد، أو تنقُّص... لا، بل هم كما قال الله -تبارك وتعالى- {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}[عبس:15] {كِرَامٍ بَرَرَةٍ}[عبس:16]، الذين يقرأون هذا القرآن.
ثم هذا القرآن نزل على رسول الله -تبارك وتعالى- {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الواقعة:80]، أنزله رب العالمين -سبحانه وتعالى- على رسوله بواسطة المَلَك الكريم جبريل، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193]، هذا وحي الله، {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء:194] {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء:195]، فهو {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الواقعة:80]، ثم قال -جل وعلا- {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ}[الواقعة:81]، {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ ........}[الواقعة:81]، حديث الله -تبارك وتعالى- المُنزَل منه؛ والمُنزَل من هذا الكتاب المكنون، والذي يُحذِّركم الله -تبارك وتعالى- فيه هذا التحذير، ويقول أنتم بعد الموت صائرون إلى هذا المصير ولابد؛ أهل جنة هذه صفاتها، وأهل نار هذه صفاتها، مثل هذا الحديث الذي يقرعك على هذا النحو ويقول لك أنت ستكون في أحد هذه المنازل؛ إما من السابقين، أو من أهل اليمين، أو إذا كنت مُكذِّبًا فأنت من أهل الشِمال؛ وهذه هي العقوبة، يقوم مثل هذا الحديث أنتم به مُدهِنون؛ تُداهِنون فيه، تخافون أن تُظهِروا حقيقة مُعتقَدِكم للناس، تُظهِر أنك مؤمن به ولست بمؤمن، لا تتخذ منه الموقف الحق؛ أين أنت في هذا؟ هل في هذا أمر أن تأخذ الأمر كما يُقال تأخذ العصا من وسَطِها؟ تمشي شيئًا مع هذا وشيئًا مع هذا، {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ}[الواقعة:81]، المُداهنة؛ أن يُظهِر الإنسان خِلاف ما يُبطِن.
{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}[الواقعة:82]، تجعل رزقك أنك تُكذِّب، يعني أنك لو آمنت بالله -تبارك وتعالى- وصدَّقته حُرِمت الرزق، وتخاف على معاشك وعلى حياتك إذا صدَّقت، والحال أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي بيده رزق عباده -سبحانه وتعالى-، ثم خلَّي كل ما بيدك يذهب وتتعرَّض مع هذا الدين للموت، هذا اختيار لا شك أنك تختار الموت ولا تختار هذه الحياة إذا كان فيها نجاتك يوم القيامة؛ وكان فيها هذا المصير، فتجعل رزقك أنك تُكذِّب والحال أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي بيده الرزق كله؛ والعطاء كله، وهو صاحب الدنيا والآخرة -جل وعلا-، كما قال الكفار للنبي -صلوات الله والسلام عليه- {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}، يعني إذا اتَّبعنا نُتَخطَّف من أرضنا؛ تتكالب علينا قبائل العرب وتُحاربنا ونُقتَل، قال -جل وعلا- {........ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[القصص:57]، فكيف أنت يا أيها الإنسان الذي تُخاطَب بهذا الخطاب تجعل رزقك ...؟ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}[الواقعة:82]، قال -جل وعلا- {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ}[الواقعة:83] {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ}[الواقعة:84] {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ}[الواقعة:85]، آية جديدة وتحدِّي جديد من الله -تبارك وتعالى-؛ وبيان أن الأمر كله بيده -سبحانه وتعالى-، يقول {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ}[الواقعة:83]، هلَّا إذا بلغت الروح الحلقوم، {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ}[الواقعة:84]، إلى هذا المُحتَضَر والروح تُنزَع منه، {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ}[الواقعة:84] {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ}[الواقعة:85]، نحن؛ الله -سبحانه وتعالى-، وهنا مع الله -تبارك وتعالى- مَلَك الموت وملائكة العذاب الحاضرين الذين ينزِعون روح هذا الميت؛ ويُكفِّنونها بعد ذلك بهذا الكفن من النار إذا كان من أهل النار، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ}[الواقعة:85]، {وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ}، لا تُبصرون ملائكة الرب -سبحانه وتعالى-؛ ملَك الموت وهو ينزِع روحه، وملائكة العذاب وهم يأخذون هذه الروح منه، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ}[الواقعة:85].
{فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ}[الواقعة:86]، يعني كما تزعمون، {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الواقعة:87]، فلولا؛ فهلَّا، {........ إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ}[الواقعة:86]، غير مجزيين بعملكم في الآخرة، {تَرْجِعُونَهَا}، تستطيعوا أن تنزِعوا هذه الروح من ملَك الموت وتُعيدوها مرة ثانية في هذا الجسد الذي فقدها، فتُرجِعون الحياة إلى الميت مرة ثانية إن كنتم كما تزعمون غير مدينين؛ غير مجزيين بعملكم، والحال أنكم ستُجزَون بعملكم وأن الروح تُنزَع من أحدكم رغمًا عنه، ثم سترجع له روحه رغمًا عنه؛ ويحيا رغمًا عنه، ويُجازى بين يدي الله -تبارك وتعالى-، {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ}[الواقعة:86] {تَرْجِعُونَهَا}، أي تُرجِعون هذه الروح مرة ثانية إلى الجسد، {........ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الواقعة:87].
ثم قال -سبحانه وتعالى- وختم هذه السورة بما بدأها به -سبحانه وتعالى-، وأن الناس مُنصرِفون إلى ثلاثة أزواج ما رابع لها؛ هذه قِسمة نهائية، قال -جل وعلا- {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[الواقعة:88]، هذا الميت الذي أُنتُزِعَت روحه إن كان من المُقرَّبين، والمُقرَّبين من الله -تبارك وتعالى- هم السابقون، كما قال -جل وعلا- {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}[الواقعة:10] {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[الواقعة:11]، وهم مُقرَّبون من الله -تبارك وتعالى-، مُقرَّبون مكانًا؛ فإن مكانهم في أعلى عِلِّيين من الجنة والتي فوقها عرش الرحمن -سبحانه وتعالى-، ومُقرَّبون قُربة محبة ورضوان من الله -تبارك وتعالى-، فهم أقرب عباده المؤمنين إليه -سبحانه وتعالى- لأنهم صفوة خلْقِه -جل وعلا-، {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[الواقعة:88]، من ربه -سبحانه وتعالى- رضوانًا، ومحبةً، وخُلِّةً، ومكانًا في الجنة، {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}[الواقعة:89]، {فَرَوْحٌ}، الرَّوْح؛ كل ما يُريح وكل ما يُدخِل الراحة والسرور والبهجة، فالله -تبارك وتعالى- جعل حياة هؤلاء كمال وتمام الحياة في الجنة؛ الحيوان الكامل بالسرور الكامل، {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ........}[الواقعة:89]، والريحان؛ كل ما له رائحة طيبة مما يُشَم، يعني أن جنتهم جنة الراحة، والسرور، والحبور، والريحان؛ العِطر والشذى المُنتشِر في كل مكان، {........ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}[الواقعة:89]، جنة نعيم؛ بستان التنعُّم من كل ما هو من النعيم، وقد ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- من نعيم هؤلاء السابقين فقال -سبحانه وتعالى- {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}[الواقعة:10] {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[الواقعة:11] {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}[الواقعة:12] {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ}[الواقعة:13] {وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ}[الواقعة:14] {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ}[الواقعة:15] {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ}[الواقعة:16] {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}[الواقعة:17] {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}[الواقعة:18]، هذا شراب الخمر، يصِف الله -تبارك وتعالى- مجلسهم لشربهم خمر الآخرة، {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}[الواقعة:17] {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}[الواقعة:18] {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ}[الواقعة:19]، لا يُصَدَّعون عنها يعني امتلاءً، ولا يُنزِفون؛ يُخرِجون ما في بطونهم كما خمر الدنيا، {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ}[الواقعة:20] {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ}[الواقعة:21] {وَحُورٌ عِينٌ}[الواقعة:22] {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ}[الواقعة:23] {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الواقعة:24]، فهؤلاء هم السابقون، الله -تبارك وتعالى- قال {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}[الواقعة:89]، إن هذه كما وصَفَها -تبارك وتعالى-.
{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}[الواقعة:90]، وهي الجنة التي هي دون جنة المُقرَّبين، جنة المُقرَّبين العليا وجنة أصحاب اليمين التي دونها، {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}[الواقعة:91]، إجمال عظيم جدًا، {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}[الواقعة:91]، أنهم يُسلِّمون على النبي -صلوات الله والسلام عليه- لأن حياتهم قد سلُمَت وسلِمَت من كل آفة ومن كل شر؛ حياتهم في الجنة، {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}[الواقعة:91]، وقد وصَفَ الله -تبارك وتعالى- نعيم أصحاب اليمين فقال {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ}[الواقعة:27] {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ}[الواقعة:28]، سِدر لا شوك فيه، {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ}[الواقعة:29]، طلْح لكنه نُضِّددت فروعه بالثمار، {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}[الواقعة:30] {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ}[الواقعة:31] {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ}[الواقعة:32] {لا مَقْطُوعَةٍ ........}[الواقعة:33]، تأتي فصلًا وتغيب فصلًا من الزمان؛ بل لا تُقطَع، {........ وَلا مَمْنُوعَةٍ}[الواقعة:33]، ما في حارس عليها، لا حُرَّاس، ولا أسوار، ولا موانع، وإنما هي مبذولة؛ موجودة، مُذلَّلة لأهلها، {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}[الواقعة:34] {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً}[الواقعة:35]، أزواج أهل الجنة؛ أهل اليمين، {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا}[الواقعة:36]، دائمًا، {عُرُبًا ........}[الواقعة:37]، مُتحببات، {........ أَتْرَابًا}[الواقعة:37] {لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ}[الواقعة:38] {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ}[الواقعة:39] {وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ}[الواقعة:40]، فهؤلاء هم أصحاب اليمين، في النهاية الله يقول {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}[الواقعة:91].
{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ}[الواقعة:92]، المُكذِّبين؛ الذي ردوا هذا الحق وقالوا كذب، قالوا أن ما جاء به النبي كذب؛ ما في يوم قيامة، لن يكون هذا، فكذِّبوا هذا الحق الذي جائهم، الضالين عن الصراط؛ ضلوا وذهبوا عن صراط الله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ}[الواقعة:93]، نُزُل؛ ضيافة، يعني ضيافتهم الحميم، والحميم؛ الماء الذي قد حموا وبلغ حدَّه، أصبح في الحمو حميم آن؛ وهذا يُصَب عليه، ويُقال له {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}[الدخان:49]، فهذه ضيافتهم، ضيافتهم -عياذًا بالله- {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ}[الواقعة:93] {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}[الواقعة:94]، التصلية يعني الحرق؛ يعني أنه يُشوى، فصلي الشيء تقول صليت هذه الشاه على النار؛ يعني شويتها، {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}[الواقعة:94]، أنهم يُصلَون النار -عياذًا بالله-؛ يعني يُشوون فيها، {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}[الواقعة:94]، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}، هذا إجمال لِما وصَفَه الله -تبارك وتعالى- حيث قال {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ}[الواقعة:41] {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ}[الواقعة:42]، الهواء الذي يمر على هذه النار يلفح وجوههم مع النار كذلك، وحميم؛ ماء مغلي يُصَب عليهم، {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ}[الواقعة:43]، ظِل دخان؛ شواظ، {لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ}[الواقعة:44] {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}[الواقعة:45] {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ}[الواقعة:46] {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}[الواقعة:47] {أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ}[الواقعة:48]، هذا تكذيبهم، {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ}[الواقعة:49] {لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[الواقعة:50] {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ}[الواقعة:51] {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ}[الواقعة:52] {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الواقعة:53] {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ}[الواقعة:54] {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}[الواقعة:55] {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ}[الواقعة:56]، هذا نُزُلُهم؛ هذه ضيافتهم، يوم الدين؛ يوم القيامة، فالله -تبارك وتعالى- أجمل هذا مرة ثانية في آخر السورة وقال {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ}[الواقعة:92] {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ}[الواقعة:93]، ضيافة؛ ضيافته الحميم، {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}[الواقعة:94].
ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}[الواقعة:95]، إن هذا الذي يذكُرُه الله -تبارك وتعالى- بهذا التفصيل لهو حق اليقين، اليقين هو نهاية العِلم، والذي يوقِن بالأمر هو الذي قد عَلِمَه عِلمًا لا يتطرَّق إليه أي نوع من الشك والخلل، فهذا حق اليقين يعني أن هذا من العِلم اليقيني الذي لا يتطرَّق إليه شك وخلل؛ هذا كلام الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}[الواقعة:95]، ثم قال -جل وعلا- {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الواقعة:96]، أمر بعد ذلك في نهاية هذه السورة وهذه للمرة الثانية قال {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الواقعة:96]، وتسبيح الله -تبارك وتعالى-؛ تنزيهه -جل وعلا- عن كل ما لا يليق، فأول ما يُنزَّه عنه الرب -تبارك وتعالى- هو النِد والشريك، الله -تبارك وتعالى- لا نِد له؛ ولا شريك له، ولا مثيل له، ولا ظهير له؛ مُعِين له، وهو المُتفرِّد وحده بخلْق كل ما سواه، كل ما سوى الله قد خلَقَه الله -تبارك وتعالى-، فعرشه، وكرسيه، وملائكته، وسماواته، وأرضه، وكل ما سِواه -سبحانه وتعالى- هذا خلْقه؛ قد خلَقَه من الذرَّة الصغيرة إلى المجرة الكبيرة، والله -تبارك وتعالى- لم يساعده أحد في الخلْق؛ ولم يجعل أحدًا من عباده يستقل بالخلْق، فلا يستقل بالخلْق إلى هو -سبحانه وتعالى-؛ فهو الخالق وحده، لا خالق إلا الله -جل وعلا-، وكذلك هو المُتصرِّف وحده -سبحانه وتعالى-، فلم يجعل الله لمخلوق تصرُّفًا؛ بل التصرُّف كله له، فالله هو الذي يُميت ويُحيي؛ فالإحياء والإماتة له، ثم هو الذي يُغني ويُفقِر، الفقر والغِنى {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}، يهدي ويُضِل؛ فالهُدى والضلال من عنده -سبحانه وتعالى-، لا هُدى وضلال إلا به، يهدي مَن يشاء -سبحانه وتعالى- ويُضِل مَن يشاء -جل وعلا-، الفرح والبكاء كله له، فكل تصريف للمخلوق؛ حركة، وسكونًا، غمًّا، همًّا، هو الذي أضحك وأبكى -سبحانه وتعالى-.
كل تصريف المخلوق له سواء كانت من هذه الجمادات كالسماوات والأرض فإن تصريفها لله -تبارك وتعالى-؛ لا تتصرَّف إلا بأمر الله -تبارك وتعالى-، الشمس لا تخرج عن مدارها ومسارها؛ تسير حيث أمرها الله -تبارك وتعالى- أن تسير، وتقف حيث يأمرها الله أن تقف، وتعود من حيث أتت بأمر الله -تبارك وتعالى-، كما جاء في الحديث «الله -تبارك وتعالى- يقول للشمس في آخر الزمان ارجعي من حيث جئتي؛ فترجع كما كانت»، تُطيع أمر الله -تبارك وتعالى-، {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ}[الانشقاق:1] {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:2] {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ}[الانشقاق:3] {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}[الانشقاق:4] {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:5]، كل هذه هي مسلمة لله، {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}[آل عمران:83]، فكل مَن في السماوات والأرض مُسلِمون لله، إما طوع لله كالملائكة الذين يُطيعونه ولا يعصون أمره -سبحانه وتعالى-، وإما كره؛ يعني رغمًا عنه كإسلام الكافر، فالكافر مُسلِم لله بمعنى أنه لا يخرج عن أمره الكوني القدري، أمر الله -تبارك وتعالى- الكوني القدري سائر فيه رغمًا عنه، {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، يخلُقُه كما قال -تبارك وتعالى- {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}[عبس:17] {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}[عبس:18] {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}[عبس:19] {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}[عبس:20] {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}[عبس:21] {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}[عبس:22]، فهذا كله بأمر الله، {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ}[الانشقاق:16] {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ}[الانشقاق:17] {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}[الانشقاق:18] {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}[الانشقاق:19]، لتركَبُنَّ أيها المُخاطَبون هنا، {........ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}[الانشقاق:19]، تسير في حالة بعد حالة إليه، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- لهذا الذي أتى بعظْم فتَّه ونفَخَه في وجه النبي -صل الله عليه وسلم-، وقال له يا محمد أتزعم أن يُعيدنا الله وقد صَرنا مثل هذه؟ فقال له نعم؛ يُميتك، ثم يُحييك، ثم يُدخِلك النار، فهذا يسير بأمر الله -تبارك وتعالى- الكوني القدري، قال له نعم يُميتك الله -تبارك وتعالى- وتكون هكذا، ثم يُحيك، ثم يُدخِلك النار.
فالله -تبارك وتعالى- من صفته أنه المُتوَلِّي، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62]، فيجب تسبيح الله -تبارك وتعالى-؛ تسبيحه عن النِد، والنظير، والشريك، والظهير؛ أنه لا ظهير له، لا مُعين له، هو الخالق وحده، هو المُتصرِّف وحده، لا زوجة له، ولا ولد له، لأنه لو كان له ولد لكان مثله؛ لكان يُحيي، ويخلُق، ويرزق، ويُميت، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[المؤمنون:90] {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[المؤمنون:91]، فكل الخلْق بأمره ولا أحد مهما بلغ شأنه وبلغت منزلته يملِك لنفسه نفع ولا ضر، فجبريل لا يملِك لنفسه نفعًا ولا ضَرًّا إلا ما شاء الله، ورُسُل الله لا يملِلك أحدًا لنفسه منهم نفع ولا ضر؛ ولا عِلم له إلا ما علَّمَه الله، ما أحدًا له من العِلم إلا ما علَّمَه له الله -تبارك وتعالى-، ولا يُرزَق من الرزق إلا ما أعطاه الله، ولا يأخذ حظ ونصيب؛ كل حظ ونصيب لأي عبد من العباد إنما هو من الله -تبارك وتعالى-، فالله هو الذي قسَّم على الناس أرزاقهم وحياتهم وكل الأمر بيده -سبحانه وتعالى-.
{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الواقعة:96]، الله -تبارك وتعالى- العظيم؛ خالق هذا الخلْق، مُدبِّر هذا الكون، الذي جعل يوم القيامة يوم لعباده، {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الواقعة:1] {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}[الواقعة:2] {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ}[الواقعة:3] {إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا}[الواقعة:4] {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}[الواقعة:5] {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا}[الواقعة:6] {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً}[الواقعة:7]، والله -تبارك وتعالى- يقول وكنتم ما قال ستكونون لأنه هنا يخبر بالماضي عن المستقبل لأن هذا أمر كائن لا محالة، {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً}[الواقعة:7] {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}[الواقعة:8] {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ}[الواقعة:9] {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}[الواقعة:10] {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[الواقعة:11]، {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الواقعة:96]، أنه -سبحانه وتعالى- الرب العظيم القادر على أن يوجِد ما أخبر به -سبحانه وتعالى-، فكل ما أخبر الله -تبارك وتعالى- به صِدق وحق، والله -تبارك وتعالى- سيوجِده كما يشاء -سبحانه وتعالى-؛ لا يمكن أن يُخلِف الله -تبارك وتعالى- وعْدَه.
هذه السورة العظيمة يجب أن يتدبَّرها كل مسلم في الحقيقة، لأن الله -تبارك وتعالى- خاطَب العباد فيها هذا الخطاب وأقسَم لهم هذه الأقسام في قوله {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}[الواقعة:75] {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}[الواقعة:76]، وضرب هذه الأمثلة على قدرته -سبحانه وتعالى-، وخاطب المُكذِّبين والمُعاندين خطاب رحمة عظيم، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ}[الواقعة:58] {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}[الواقعة:59] {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}[الواقعة:60] {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ}[الواقعة:61] {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ}[الواقعة:62] {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ}[الواقعة:63] {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}[الواقعة:64] {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}[الواقعة:65] {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ}[الواقعة:66] {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}[الواقعة:67] {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ}[الواقعة:68] {أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ}[الواقعة:69] {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ}[الواقعة:70] {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ}[الواقعة:71] {أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ}[الواقعة:72] {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ}[الواقعة:73] {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الواقعة:74]، بقيت إضافة في هذا الأمر وهو قول الله -تبارك وتعالى- {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة:79]، وأن هذا في الكتاب المكنون؛ المحفوظ عند الله -تبارك وتعالى-، القرآن المكتوب بين أيدينا هل لا يمسُّه إلا المُطَهَّرون؟ لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر؟ نعم، ليس أخذًا من هذه الآية وإنما أخذًا من حديث النبي -صل الله عليه وسلم- ألا يمس القرآن إلا طاهر، والذي يؤخَذ من هذه الآية أن الله -تبارك وتعالى- كرَّم هذا القرآن وحَفِظَه في السماء؛ ويجب أن يُحفَظ في الأرض فلا يُهان، لا يجوز إهانة كتاب الله بل يجب العناية به ورعايته، فلا يمسه المؤمن ولا يمس أوراقه إلا إذا كان على طهارة كاملة، وقد قال مَن قال من أهل العِلم أنه يمسُّه غير المُتوضِّئ مما يتعذَّر عليه وممَن يشق عليه هذا كالأولاد عند تعلُّمهم، لكن البالغ القادر ينبغي ألا يمَس كتاب الله -تبارك وتعالى-؛ القرآن، هذا القرآن الذي في الأرض الذي نزل وكُتِب إلا إذا كان مُتوضِّئًا.
استغر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين، بهذا تنتهي هذه السورة العظيمة؛ سورة الواقعة، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا بما فيها من الآيات والذِّكر الحكيم.