الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحديد:1] {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الحديد:2] {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الحديد:3] {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد:4] {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}[الحديد:5] {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الحديد:6]، هذه الآيات هي مقدمة سورة الحديد، وسورة الحديد سورة مدينة؛ من القرآن المدني.
وهذه الآيات السِت في بدء سورة الحديد كلها في بيان أسماء الله -تبارك وتعالى- وصفاته -جل وعلا-، وهذا في القرآن موجود كثير كآية الكرسي فإن موضوعها بيان أسماء الله -تبارك وتعالى- وصفاته، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}، إلى آخر هذه الآية، وهذه مقدمة سورة الحديد وخواتيم سورة الحشر وستأتي، اللي هي قول الله -تبارك وتعالى- {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[الحشر:22] {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الحشر:23] {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحشر:24]، ومثلها {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1]، هذه سورة كاملة في بيان صفات الله -تبارك وتعالى-؛ سورة الإخلاص، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1] {اللَّهُ الصَّمَدُ}[الإخلاص:2] {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص:3] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:4]، وفضل آية الكرسي و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1] معلوم من كلام النبي -صلوات الله والسلام عليه-، فآية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله كما في الحديث أن النبي قال لأُبي ابن كعب -رضي الله تعالى عنه-، قال له «ما أعظم آية في كتاب الله؟ فسكت هُنينة وكان أُبي هو أقرأ الصحابة»، أحفظ الصحابة للقرآن، «فقال الله لا إله إلا هو الحي القيوم، قال فضرب النبي في صدري وقال لي ليهنِكَ العِلم أبا المُنذِر»، أنه عرف جواب هذا وهو أن أعظم آية في القرى، هي التي اشتملت على صفة الرب -تبارك وتعالى-، كذلك قول النبي في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1]، قال «والذي نفس محمد بيده إنها لتعدِل ثلث القرآن»، وليس فيها إلا صفة الرب -تبارك وتعالى-، وفي فضلها أحاديث كثيرة ومنها قول النبي لذلك الرجل الذي كان يقرأها دائمًا في صلاته وقالوا لِما تفعل؟ قال يا رسول الله أحبها، فقال حبك إياها أدخلك الجنة، القرآن كله كلام الله -تبارك وتعالى- لكن ما يتضمن بيان صفة الله -تبارك وتعالى- هو أفضل آية للقرآن، أي أن الذِّكر الحكيم هو الذي يتضمن صفة الرب -تبارك وتعالى-.
هذه الآيات السِت في أول سورة الحديد هي من هذا الباب؛ كلها في بيان صفة الرب –تبارك وتعالى-، وقد جمعت مجموعة عظيمة من بيان أسماء الله -تبارك وتعالى- وصفاته، بدأ الله -تبارك وتعالى- هذا بقوله {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحديد:1]، مشهد عظيم جدًا، إخبار بمشهد عظيم من أن كل ما في السماوات والأرض؛ السماوات نفسها، والأرض وكل ما فيها من خلْق إنما يُسبِّح لله -تبارك وتعالى-؛ تسبيح بلسان المقال وبلسان الحال، أما التسبيح فهو التنزيه والإبعاد، الله -تبارك وتعالى- هو المُسبَّح؛ هو المُنزَّه، سبُّحٌ قُدُّوس رب الملائكة والروح، هو المُسبَّح عن كل نقص وعن كل آفة، فأول ما يُسبَّح عنه الرب -تبارك وتعالى- ويجب على العباد كلها أن يُقِروا بهذا وأن يعلموا هذا أنه مُسبَّحٌ أن يكون له نظير؛ أو كُفء، أو مثيل، ليست له زوجة، ليس له ابن، ليس له شريك في المُلك، لا يوجد له مُنادد ومُضاد؛ يستحيل، بل كل ما سِواه خلْقُه وهو القاهر فوق عباده -سبحانه وتعالى-، فلا نِد له، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا مثيل له -سبحانه وتعالى-، فكل مَن اعتقد بأن لله نِد؛ أو نظير، أو شبيه، أو مُضاد، أو حقيق يستحق حقًا لله -تبارك وتعالى- مع الله فهذا هو الشرك، فهذا هو الشرك وقد وقع كثير من البشر في هذا الأمر، فالذين جعلوا لله ولد شتموا الله -تبارك وتعالى-؛ ولم يُقدِّسوه، ولم يُنزِّهوه، ولم يُسبِّحوه لأنهم جعلوا له نظير؛ الولد نظير للأب فيكون مثله؛ يخلُق، رزق، يُحيي، يُميت، كما هي مقالة النصارى في عيسى ابن مريم، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، الذين جعلوا لله -تبارك وتعالى- نِد في الحقوق؛ في أي يُعطى من الحق الذي يُعطى لله -تبارك وتعالى-، فالله بأنه خالق الخلْق وهو رب العباد -سبحانه وتعالى- فهو المستحِق وحده بعبادة العباد بكل أنواع العبادة، فإذا عُبِدَ غيره وأُعطيَ من أنواع العبادة من التي لا يجوز إلا أن تُعطى لله -تبارك وتعالى-؛ كالقيام، والسجود، والركوع، والدعاء، والذبح، والنذر، أصناف هذه العبادة إذا أُعطيَت لغيره فهذا قد اتخذ نِدًا لله وشريكًا لله في هذا، وقد وقع البشر في هذا بأوهام عظيمة جدًا؛ فقد عبدوا الأشجار، والأحجار، والأصنام، عُبِدَت الملائكة، عُبِدَت الرُسُل، ما في شيء من الموجودات إلا وجد له تقريبًا ما يعبده حتى المخلوقات الدنيا والحقيرة؛ من البقر، والقرود، والثعابين، والطيور، وجِدَ لها من البشر مَن يُقدِّسها، بل بعد ذلك مما هو دون هذا؛ مما هو دون الأحياء من الجمادات، فقد عُبِدَت الأحجار، والأنهار، والثمار، وِجدَ لها كذلك مَن يُقدِّسها ويعبدها من دون الله -تبارك وتعالى-.
فأول معنى من معاني التسبيح تسبيح الله -تبارك وتعالى- عن الشبيه؛ والنظير، والحقيق الذي هو يستحق ما يستحق الرب -تبارك وتعالى-، تعالى الله عن ذلك، كذلك كل صفات البشر اللي هي صفات نقص، فأولًا صفات الخلْق؛ كل صفات الخلْق، الخلْق فيهم صفة جِبِلِّيَّة أساسية وهي الاحتياج والافتقار إلى الغير، كل شيء فالسماوات مُحتاجة ومُفتقِرة إلى مَن يضعها في مكانها؛ وأن يُخرِجها، وأن يُبرِزها من العدم إلى الوجود، وأن يُسيِّرها، الشمس فقيرة؛ فقيرة إلى مَن نتقها ووضعها في مكانها، القمر فقير، الأرض فقيرة، المخلوقات كلها فقراء بمعنى أنهم مُحتاجون احتياج جِبِلِّي إلى مَن يوجِدهُم من العدم؛ أن يُسيِّرهم، يجعلهم في أماكنهم، فهذا افتقار جِبِلِّي أما الله -تبارك وتعالى- إنما هو الغني بذاته -سبحانه وتعالى-؛ لا يفتقر لشيء، ليس فقيرًا إلى شيء دونه، لا يفتقر إلى عرش، إلى كرسي، إلى سماوات، إلى أرض، هو الغني بذاته؛ القائم بنفسه -سبحانه وتعالى- والمقيم لغيره، فهو الحي القيوم، هو لا يحتاج في حياته إلى ما يُحييه -سبحانه وتعالى- بل هو الحي بذاته -سبحانه وتعالى-، المخلوق حي بما يُحييه يعني حياته مُفتقِرة إلى طعام، وشراب، وطقس يعيش فيه، ونحو ذلك، فقر المخلوق فقر جِبِلِّي، والله -تبارك وتعالى- هو الغني بذاته -سبحانه وتعالى- عن كل ما سِواه، هو الغني لا يحتاج ملَك، ولا عرش، ولا كرسي، ولا يحتاج إلى سِواه -سبحانه وتعالى-، بل ما يخلُقُه الله -تبارك وتعالى- هو في حاجة إليه، كل مخلوقات الله في حاجة إليه، فالله -سبحانه وتعالى- هو الأحد الصمد؛ الذي تصمد كل المخلوقات إليه، وهو -سبحانه وتعالى- لا يحتاج إلى شيء؛ غير فقير لشيء، فالله مُنزَّه عن الاحتياج الذي هو شيء أساسي في المخلوق؛ لا يحتاج إلى أحد -سبحانه وتعالى-، الغني عمَن سِواه -سبحانه وتعالى-، كذلك ما يعتري المخلوقات؛ كل المخلوقات يعتريها النقص، انظر هذه الشمس العظيمة يعتريها النقص؛ تُشرِق وتغيب، الإنسان فيه نقص؛ يموت والموت أكبر نقص، يمرَض، يغفل، ينسى، يظلَم، يظلِم، يجهَل، كل هذا من النقص، الله مُنزَّه عن النقص كله -سبحانه وتعالى- فهو {الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}، -سبحانه وتعالى-، فكل ما يعتري المخلوقات من نقص الله مُنزَّه عنه.
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ........}[الحديد:1]، وما في السماوات والأرض أمور عظيمة الله -تبارك وتعالى- أعلَمَنا ببعضها وهناك مخلوقات لا نعلمها، فقد أعلَمَنا الله -تبارك وتعالى- أنه جعل الملائكة في السماوات؛ الجنة في السماوات، الحور في السماوات، حَمَلَة العرش في السماوات، والإرض علِمنا فيها من الموجود فيها؛ موجود فيها الإنس، موجود فيها الجِن، لقول الله -تبارك وتعالى- للإنس والجِن {........ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[البقرة:36]، وفيها ما ذرأ الله -تبارك وتعالى- من هذه الدواب؛ منهم مَ، يمشي على بطنه، منهم مَن يمشي على رِجليه، منهم مَن يمشي على أربع، ومن هذه الطيور، هذه ذرأ الله -تبارك وتعالى- فيها من هذه الموجودات ومن هذه النباتات والجمادات، كل ما في السماوات وما في الأرض يُسبِّح لله، إما تسبيح لساني وقولي وهذه العاقلات المؤمنة الله -تبارك وتعالى- أخبر أنها تُسبِّح، فالملائكة {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء:20]، وهم من سكان السماء؛ هم ممَن يسكن السماوات العُلا، {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}، الله يقول {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ}، وهم أعلى وأشرف الملائكة، ومَن حوله؛ أي من الملائكة، {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}، فهي تُسبِّح بلسان مقالها؛ الملائكة يُسبِّحون بلسان المقال، وكذلك أهل الإيمان في هذه الأرض يُسبِّحون بلسان مقالهم؛ فهم قائمون مُصلُّون مُسبِّحون لله -تبارك وتعالى-، أمور أخرى تُسبِّح بلسان المقال لكن لا نعرف لسان مقالها؛ لها مقال لا نعرفه، كما قال -تبارك وتعالى- {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، فهذه الموجودات المخلوقات من الشمس، والقمر، والنجوم، هذه تسجد لله وتُسبِّح الله -تبارك وتعالى- بلسان لكنه غير معلوم لنا، كما قال -جل وعلا- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ........}[الحج:18]، فهذه تسجد لله وتُسبِّح الله -تبارك وتعالى- بلسان لا نعرفه.
ممكن أن هذا اللسان يخرج أحيانًا ليظهر كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- يكون هذا معجزة من المعجزات أن نسمع تسبيح الجماد، كما كان النبي -صل الله عليه وسلم- يقول «إن لأعلم حجرًا كان يُسلِّم علي وأن بمكة»، كان يمشي عليه فيقول له السلام عليكم يا محمد، حجر يُنطِقه الله -تبارك وتعالى- هذا من جملة المعجزات التي أظهرها الله -تبارك وتعالى- لنبيه، كان النبي يأخذ الحصى بيده فيسمع الصحابة تسبيح الحصى بيد النبي -صل الله عليه وسلم- بلسان عربي؛ بلسان عربي يُسبِّحوا الله -تبارك وتعالى-، يُسمِعهم الله -تبارك وتعالى- تسبيح الحصى لله -تبارك وتعالى-، كذلك الطعام؛ كان النبي يأخذ الطعام فيسمعون تسبيح الطعام في يد النبي -صلوات الله والسلام عليه-، فهذا إنطاق؛ أنطق الله -تبارك وتعالى- هذا الجماد، كذلك الجِذع الذي كان النبي -صلوات الله والسلام عليه- يخطُبُ إليه؛ مُستندًا إليه، كان النبي في أول الأمر في المدينة عندما يخطُب كان مُستنِد إلى جذع نخلة موجود؛ فيستند إليه ليخطُب -صلوات الله والسلام عليه-، ثم قيل للنبي -صل الله عليه وسلم- ألا نصنع لك منبرًا -يعني لمَّا كَثُرَ الناس- تصعد عليه؟ فصُنِعَ للنبي هذا المنبر من ثلاث درجات، ثم النبي ترك الجِذع وأتى إلى المنبر، لمَّا جاء إلى المنبر ليصعد عليه سمع الناس وهم في المسجد؛ الصحابة وهم في المسجد، الجلوس سمعوا أنين شديد وصراخ للجِذع، حتى أن النبي نزل من على منبره -صل الله عليه وسلم- وأتى إلى الجِذع واحتضنه وظل يُهدهِده ويسكت شيئًا فشيئًا، كما يُهدهِد الإنسان الطفل إذا كان يبكي ويصرخ بأمه فيُهَدهَد حتى يسكت، حتى سكت وهذا وبمحضر الصحابة -رضوان الله عليهم-، هذا جِذع وسمعوا صراخه فهذا له إدراك.
للجمادات إدراكات وهذا الإدراك ممكن أن يُرينا الله -تبارك وتعالى- إياه -جل وعلا- كما حصل هنا وكما سيكون في يوم القيامة، في يوم القيامة لا يبقى جماد إلا ويُنطَق، كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- في معنى قول الله -تبارك وتعالى- {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[الزلزلة:4] {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة:5]، الأرض، {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}[الزلزلة:1] {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا}[الزلزلة:2] {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا}[الزلزلة:3] {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[الزلزلة:4] {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة:5]، تُحدِّث أخبارها يقول النبي «تقول كل بقعة من الأرض صُنِعَ عليَّ كذا وكذا في يوم كذا وكذا»، تشهد وتقول في اليوم الفلاني فلان الفلاني فعل عليَّ كذا وكذا؛ فتشهد، كذلك تشهد الأيدي؛ الكافر تشهد عليه كل أعضائه، كما قال -تبارك وتعالى- {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النور:24]، كذلك الجلد يشهد كما قال -تبارك وتعالى- للكفار {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ}، يعني في الدنيا، {........ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت:22] {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[فصلت:23]، فالكافر يشهد عليه حتى جلده، ويقولون لجلودهم لِما شهِدتم علينا؟ الإنسان يُخاطِب جلده يوم القيامة ويُخاطِب أعظائه؛ يقول لِما شهِدتم علينا؟ يقولون {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}، كل شيء ممكن أن ينطق؛ يُنطِقه الله -تبارك وتعالى-، {........ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[فصلت:21]، فهذه الجمادات التي لا لسان لها للمقال؛ لها لسان للمقال إذا أراد الله -تبارك وتعالى- أن يُنطِقها أنطقها، وهي تنطق لكن الآن بلسان لا نسمعه ولا نعيه، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، فهذه الجمادات الموجودة تُسبِّح الله -تبارك وتعالى- بلسان المقال؛ لسان لا نُدرِكه، إن أراد الله -تبارك وتعالى- أن يُخرِج هذا الإدراك في الدنيا أخرجه كما سمعنا مما ظهر على يد النبي -صلوات الله والسلام عليه-، وفي الآخرة ينطق؛ كل شيء ينطق بأمر الله -تبارك وتعالى-، الله يقول ليده اشهدي عليه؛ تشهد، ورجله اشهدي عليه؛ تشهد، تشهد بما فعل صاحبها، {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}.
يبقى الكافر وهو من الأشياء، الكافر بلسانه لا يُسبِّح الله -تبارك وتعالى- بل يشتم الله ويسبُّه، فالذي يقول لله ولد سبَّ الله، والذي يكفر بالله -تبارك وتعالى- جاحد لله -تبارك وتعالى-، كيف يكون هذا مُسبِّحًا لله -تبارك وتعالى-؟ هذا هذا يدخل في عموم هذه الآية؟ {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحديد:1]، الكافر يدخل في تسبيحه لله -تبارك وتعالى- من باب الحال؛ يُسبِّح بحاله، بمعنى أن حال هذا الكافر هو في تسبيح لله، بمعنى أن حاله هكذا؛ خلْقه آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، فالله من آياته كل الخلْق، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62]، فالله كل هذه المخلوقات هي خلْقُه، فالكافر خلْقُه؛ هو خالقه –سبحانه وتعالى-، {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ}[البلد:8] {وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ}[البلد:9] {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد:10]، هذا خلْق الإنسان، الله يُخاطِ الكافر يقول له {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار:6] {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}[الانفطار:7] {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:8]، فهذا الكافر هو خلْق الله؛ الله خلَقَه، وهو الذي ركَّبَه، هو الذي ركَّب له العينين، هو الذي ركَّب له الأُذُنين، هو الذي ركَّب فَمَه، هو الذي ركَّب أعضائه، بل هو الذي يُدير ويُنظِّم كل أعضائه، ما هو من صناعة الكافر هذا؛ هذا صنعة الله -تبارك وتعالى-، فهذا الكافر يشهد لله -تبارك وتعالى- ويُسبِّح الله بمعنى أنه يُسبِّح الله بلسان الحال، فهو تسبيح لله بأنه لا يمكن أن يكون هذا خلْق غير خلْق الله -تبارك وتعالى-، فهو مُسبِّح لله بلسان الحال وإن كان جاحد هذا بلسان المقال، طبعًا هذا لا يُفيده، يعني هذا التسبيح لا يُفيده، الذي يُفيد العبد أن يُسبِّح الله -تبارك وتعالى- اختيارًا بلسان مقاله؛ هذا الذي يُفيده، وهذا الذي ينفع عند الله -تبارك وتعالى-.
فهذا شأن الله -تبارك وتعالى- أنه الرب المُسبَّح الذي سبَّح له كل مَن في السماوات ومَن في الأرض، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ ........}[الحديد:1]، الغالب الذي لا يغلبه أحد، كل خلْقه في قهره؛ وفي قبضته، وطَوْع أمره -سبحانه وتعالى-، ولا يخرج عن أمره الكوني القدري في كل خلْقِه شيء، ما في شيء يخرج عن أمره -سبحانه وتعالى-، فهو الغالب الذي ينفذ أمره وتسير مشيئته، ولا يستطيع أحدًا أن يُضاد حُكمُه وامره -سبحانه وتعالى-؛ أمره الكوني القدري خلاص، {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[النحل:40]، فأمره نافذ في خلْقِه كلهم -سبحانه وتعالى-؛ مؤمنهم وكافرهم، بارهم وفاجرهم، أمره الكوني القدري، {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}[آل عمران:83]، فالله -تبارك وتعالى- هو العزيز؛ الغالب، العِزَّة في لغة العرب هي الغلَبَة، ومنه قول العرب ((مَن عَزَّ بز))، مَن عَزَّ بز يعني مَن غلَبَ استلَب، اللي يغلب غيره يقوم يأخذ ماله؛ يسلب ماله، ((مَن عَزَّ بز))، فالعِزَّة هل الغلَبَة في لغة العرب، فالله هو العزيز؛ هو الغالب، الذي لا يغلبه أحدٌ -سبحانه وتعالى-، الحكيم؛ الذي يضع كل أمر في نِصابه، فكل أمر، وكل خلْق، وكل تصريف؛ موضوع في مكانه الصحيح تمامًا، ما في شيء من أمر الله -تبارك وتعالى- الكوني القدري أو الشرعي الديني إلا وهو في نِصابه، ما في شيء يخرج عن نطاق الحكمة التي هي مُقتضى العِلم الكامل -سبحانه وتعالى- بالخلْق، فالله عليم عِلمًا كاملًا بالخلْق وقد وضع كل شيء من خلْقه -سبحانه وتعالى- في نِصابه، خلقًا وتقديرًا كله لله -تبارك وتعالى-، فالهُدى والضلال، الغِنى والفقر، الصحة والمرض، الحياة والموت، وبعد ذلك الحظوظ التي يُعطيها الله -تبارك وتعالى- لخلْقِه، كل هذا بمقتضى حِكمَتِه -سبحانه وتعالى-، ما في شيء من عمله خارج عن مُقتضى الحكمة؛ يعني أنه بسَفَه، أو بطيش، أو بجهل... لا، تعالى الله -تبارك وتعالى- أن يكون شيء من أعماله خارج عن مُقتضى الحكمة، بل كل أعماله وكل أفعاله -سبحانه وتعالى- إنما هي واقعة موقع الحكمة لأنه العليم الذي عِلمه محيط بكل مخلوقاته -سبحانه وتعالى-، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحديد:1]، آية عظيمة وستتكرر في هذه المجموعة من السور بعد هذه؛ يعني السور التي تبدأ بتسبيح الرب -تبارك وتعالى-.
{لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الحديد:2]، هذا من صفته -سبحانه وتعالى-، بعد أن بيَّن أن كل هذا الموجودات في السماوات والأرض مُسبِّحة له -جل وعلا- قال {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، السماوات والأرض التي هي كل الموجودات الله له مُلكُها؛ يعني يملكها الله -سبحانه وتعالى-، ومُلك الله -تبارك وتعالى- لها مُلك ذات ومُلك كذلك صفات وتصريف؛ يملِك ذاتها ويملِك تصريفها، فيملِك ذاتها فهو الذي أنشأها من العدم -سبحانه وتعالى-؛ هو الذي أخرجها من العدم إلى الوجود، فهو فاطر السماوات والأرض -سبحانه وتعالى- وهو الذي مُبدِعُها، {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، وهو الذي أحسن خلْقها، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ}[السجدة:7]، وهو لمَّا خلَقَ هذا الخلْق يملِك تصريفه، بمعنى أن تصريف المخلوق أي تصريف بيده -سبحانه وتعالى-، فحركة الشمس، حركة القمر، حركة النجوم، بقاء السماوات، هذه الحركة الموجودة والسكون، كل حركة وتسكين في الكون هي بيده -سبحانه وتعالى-، هي بأمره الكوني القدري -سبحانه وتعالى؛ سيري تسير، قِفي تقف، كذلك ما يعتوِر المخلوق من الأحوال كلها لله -تبارك وتعالى-، فهذه الأحوال التي تعتري المخلوق؛ صحة، مرض، حياة، موت، غِنى، فقر، هداية، ضلال، ضحك، بكاء، كل شيء، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}[النجم:42] {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}[النجم:43] {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}[النجم:44]، التنوّع كذلك؛ تنوّع المخلوقات، التنوّع الذي يدل على قدرة الخالق، فانظر أنواع النبات؛ كيف نوَّعها؟ أنواع الحيوان؛ كيف نوَّعَه -سبحانه وتعالى-؟ جعل هذا ذكر وأنثى، فهذا التنويع كله له -سبحانه وتعالى-.
هذا ومن مُقتضى مُلكِه -سبحانه وتعالى- تصريفه، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:26] {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:27]، فكل أنواع التصريف هذه إنما هي له -سبحانه وتعالى-، فالله له مُلك السماوات والأرض رقبة؛ ذاتًا، وكذلك تصريفًا بيده -سبحانه وتعالى-، ما في مخلوق من المخلوقات يقع له تصريف بدون إذن ومشيئة مولاه -سبحانه وتعالى-، حركة وسكون؛ هذه رفعة اليد وخفضها إنما هي لله -تبارك وتعالى-، أن يقول الإنسان أنا رفعت يدي؛ أن خفضت يدي، هذا في ظاهر الأمر لكن هذا بأمر الله الكوني القدري، فأمر الله الكوني القدري بالخير والشر، كل شيء من هذا إنما هو واقع بأمر الله -تبارك وتعالى- الكوني القدري، فالشر الذي يقع أشر الشر اللي هو شر الكفر كله واقع بمشيئة الله -تبارك وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}، {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ}، فكله واقع بمشيئة الله -تبارك وتعالى- الكونية القدرية، {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}.
ثم قال -جل وعلا- {........ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الحديد:2]، من فعله -سبحانه وتعالى- في خلْقِه أنه يُحيي ويُميت؛ وهذا من أعظم النُقلَة والتصريف في الخلْق، إحيائهم؛ إخراجهم من العدم ليكونوا أحياء وإماتتهم أعظم نُقلَة، أعظم نُقلَة في حياة الموجود هو أن ينتقل من حالة الموت إلى حالة الحياة، ثم ينقله الله -تبارك وتعالى- من حالة الحياة إلى حالة الموت؛ وهذه بيد الله -تبارك وتعالى-، فلا حياة إلا به؛ هو الذي يُحيي، ولا موت إلا به؛ هو الذي يقضي على النفس أن تموت، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}، حتى النوم بيده -سبحانه وتعالى-؛ بسمك اللهم أموت وأحيا، {........ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الزمر:42]، فهذه النُقلَة العظيمة في حياة المخلوق الموجود وهي أن ينتقل من العدم؛ لم يكن شيء، ثم ينتقل ويبرز إلى الوجود هذه لله، ثم نُقلَته كذلك الثانية وهو أن يخرج، كان موجودًا قائمًا فإذا به يموت؛ وينتهي، ويذهب من وجه هذه الأرض إلى بطن هذه الأرض؛ هذا فعل الله -تبارك وتعالى-، هذا لا يفعله إلا الله، {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ ........}[الحديد:2]، طبعًا الحياة والموت هذه جارية على الإنسان، وجارية على الحيوان، وجارية على النبات، النبات يحيى ثم يموت، الحيوان يحيى ثم يموت، كل هذا لله -تبارك وتعالى-، وهو؛ الله -سبحانه وتعالى-، {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، كل شيء الله قدير عليه، وهذه قدرته -سبحانه وتعالى- على الحياة والموت اللي هي أعظم نُقلَة، أعظم نُقلَة؛ نُقلَة من العدم إلى الوجود، ونُقلَة من الوجود إلى العدم والموت، كلها لله -تبارك وتعالى-، فالله لا يُعجِزه شيء -سبحانه وتعالى-.
نقف هنا وأُصلِّي وأُسلِّم على عبد الله ورسوله محمد.