{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحديد:1] {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الحديد:2] {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الحديد:3] {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد:4] {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}[الحديد:5] {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الحديد:6]، سورة الحديد سورة من القرآن المدني، وقد بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بهذه الآيات السِت التي استمعناها؛ وهي كلها في صفات الله -تبارك وتعالى، ونحوًا من هذه الآيات آخر سورة الحشر؛ آية الكرسي، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1].
بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بقوله –جل وعلا- {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحديد:1]، يُرينا الله -تبارك وتعالى- سورة هذا الكون العظيم الذي خلَقَه الله -تبارك وتعالى- وكله مُسبِّح لله؛ مُنزِّه لله -تبارك وتعالى-، أولًا أن يكون لله شبيه، أو شريك، أو نِد، بل هو إله واحد، فإن وحدة هذا الخلْق وتناسقه وقيامه وارتباط بعض أجزائه ببعض كلها دليل على أن لها إله رب واحد -سبحانه وتعالى-؛ هو الذي خلَقَها ونظَّم هذه الأمور، هذا كله الكون المشاهد من السماوات والأرض عبارة عن وحدة واحدة، كل جزئية فيه في مكانها الصحيح تمامًا؛ الأرض في موضعها الصحيح، الشمس في موضعها الصحيح، كل شيء في موضعه الصحيح، {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[البقرة:163] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[البقرة:164].
كل هذه الشواهد والوحدة المتناسقة المتينة لهذا الخلْق دليل على وحدة الخالق -سبحانه وتعالى-؛ فهو الإله الخالق -سبحانه وتعالى-، كل هذه المخلوقات تُسبِّح لله -تبارك وتعالى- إما بلسان مقالها المعلوم لنا أو المجهول لنا والمعلوم لله -تبارك وتعالى-، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ........}[النور:41]، كلٌ قد عَلِمَ الله صلاته وتسبيحه؛ الله يعلم كيف يُصلِّي وكيف يُسبِّح، أو كلٌ قد عَلِمَ صلاته وتسبيحه قد علَّمه الله -تبارك وتعالى- كيف يُصلِّي ويُسبِّح لله -تبارك وتعالى-، فكل ما في السماوات والأرض يُسبِّح الله بلسان المقال أو بلسان الحال، كما هو تسبيح الكافر لأن حاله هذا خلْق الله -تبارك وتعالى-، الكافر من خلْق الله ما خلَقَ نفسه، فهو بقيامه هذا فيه تسبيح لله -تبارك وتعالى-؛ أن له رب، وله إله، وله مولَّى -سبحانه وتعالى-، وإن كان هو الكافر خارج عن هذا؛ يُنكِر هذا، لكن حاله وقيامه شاهد أن له إلهًا وربًّا -سبحانه وتعالى-، يقول الله للكافر {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار:6] {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}[الانفطار:7] {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:8]، تُنكِر بلسانك وأنت بحالك شاهد على أن لك ربًّا وإلهًا -سبحانه وتعالى-، فالله هو الذي يُسبِّح له كل ما في سماواته وأرضه -سبحانه وتعالى- وهو العزيز؛ الغالب الذي لا يغلبه أحد، الحكيم؛ الذي يضع كل أمرٍ في نِصابه، ما في شيء موضوع في غير مكانه قط، {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، مُلك ذات، ومُلك صفات، ومُلك تصريف، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62]، {يُحْيِي وَيُمِيتُ}، أعظم نُقلَة في حياة الموجود أنه ينقله الله -تبارك وتعالى- من العدم فيُحييه، ثم ينقله الله -تبارك وتعالى- من الحياة إلى الموت، فأعظم نُقلَة هذه بيد الله -تبارك وتعالى-، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، إذا كان قادر على هذه النُقلَة لا يُعجِزه شيء -سبحانه وتعالى-.
ثم قال -جل وعلا- {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الحديد:3]، هو الأول في الوجود؛ لا هو الموجود الأول -سبحانه وتعالى-، ولا أولية لوجوده؛ لم يسبقه عدم، كما كان يقول النبي «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء»، فالله هو الأول؛ أول بلا ابتداء، يعني لا بداية لوجوده -سبحانه وتعالى-، بل هو الأول -سبحانه وتعالى- بلا بدء، الله هو الأول -سبحانه وتعالى-، عقولنا تعرف هذا ولا تتصوَّر هذا، ومَن يحيط بالله عِلمًا؟ لا أحد يحيط عِلمًا بالله إلا الله -سبحانه وتعالى-، كما قال الله في الملائكة {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه:110]، لا يحيط عِلمًا بالله يعني لا يعرف الله ويعلم الله على الحقيقة إلا الله -سبحانه وتعالى-، فهو الأول -سبحانه وتعالى- كما في الحديث جاء النبي وفد من بني تميم -هذا في عام الوفود- أهل نجد، وجائه وفد من اليمن، «قال النبي لوفد بني تميم اقبلوا البُشرى يا بني تميم»، بشَّرهم بُشرى عامة لم يذكُرها النبي -صلوات الله عليه وسلم-؛ وبِشارة النبي خير، إما بُشرى بشيء في الدنيا أو الآخرة؛ وبُشرى الآخرة أعظم شيء، «فقالوا يا رسول الله بشَّرتنا فأعطِنا»، يُريدون شيء حاضر من الدنيا، فغضب النبي -صل الله عليه وسلم- ربما كان هنا سيُبشِّرهم بأمر أكبر من هذه، «فقال لوفد اليمن يا أهل اليمن إذا لم يقبل البُشرى بني تميم فاقبلوا البُشرى أنتم، قالوا قبِلنا يا رسول الله، ثم قدِموا على النبي -صل الله عليه وسلم- يسألونه؛ فقالوا يا رسول الله نسألك عن بدء هذا الأمر؟ فقال لهم النبي -صل الله عليه وسلم- كان الله ولا شيء معه؛ وكان عرشه على الماء، وكتَبَ في الذِّكر كل شيء»، كان الله قبل خلْقِه كلهم -سبحانه وتعالى-، «وكان عرشه على الماء، وكتَبَ في الذِّكر كل شيء».
فالله -سبحانه وتعالى- بهذا المعنى هو الأول، «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء»، وهو الآخر؛ ليس بعد الله -تبارك وتعالى- شيء -سبحانه وتعالى-، هو الآخر؛ ما في بعد الله –تبارك وتعالى- شيء، وهو الظاهر فوق عباده -سبحانه وتعالى-؛ ظهور ذات وظهور صفات -سبحانه وتعالى-، فذاته فوق الذوات كلها إذ هو الرحمن -سبحانه وتعالى-؛ المستوي على العرش –سبحانه وتعالى-، وصفاته كلها فوق الصفات، ما في كل هذه المخلوقات من آثار صفاته -سبحانه وتعالى-؛ فهو خالق كل شيء، فظهور المخلوقات إنما ظهور أثر صفاته –سبحانه وتعالى-؛ فالخالق صفة من صفات الله -تبارك وتعالى-، كل ما تقع عليه العين؛ أمامك، خلفك، يمينك، شِمالك، فوقك، تحتك، هذا من خلْق الله -تبارك وتعالى-؛ هذا خلْق الله، فظهور الله ظهوره بظهور الخلْق، ظهور الخلْق وهذا الخلْق دال على أنه الرب الإله -سبحانه وتعالى-، على خلْقه؛ فخلْقُه أثر من آثار صفاته -سبحانه وتعالى-، وفي كل ذرَّة من ذرَّات الخلْق في آية تدل عليه -سبحانه وتعالى-، كما قيل ((وفي كل شيء آية تدل على أنه واحد))، فهذه الذرَّة تدل على عظَمَة خالقها -سبحانه وتعالى-، كما المجرة العظيمة كذلك تدل على عظَمَة خالقها -سبحانه وتعالى-.
فالله -تبارك وتعالى- هو الظاهر، ظهور ذاته -سبحانه وتعالى- فوق عباده كما قال -جل وعلا- {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ........}[الأنعام:18]، وقال {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11] {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12]، قال -سبحانه وتعالى- {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:5]، فالله -سبحانه وتعالى- استوى على عرش؛ وعرشه فوق سبع مخلوقاته، فهو الظاهر فوق عباده -سبحانه وتعالى- بمعنى أنه المُستوي على العرش، وهو الظاهر بمخلوقاته -سبحانه وتعالى-، كل مخلوقات الله دالة عليه -سبحانه وتعالى-؛ أنه ربها، وأنه إلهها، وأنه الواحد -سبحانه وتعالى-، وهي أثر من آثار صفاته -جل وعلا-، {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ........}[الحديد:3]، الباطن بمعنى أنه العليم بكل شيء، كما كان يقول النبي -صل الله عليه وسلم- «وأنت الباطن فليس دونك شيء»، ليس دون الله -تبارك وتعالى- شيء، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- بعِلمه وسمعه وبصره مع كل مخلوقاته، كما قال -جل وعلا- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}، في ثلاثة جالسين يتكلَّموا نجوى؛ الله معهم -سبحانه وتعالى-، {وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ}، الله، {مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، فالله مع كل أحد؛ مع قلبك، مع عينك، مع بصرك، أينما قلبك يتحرَّك الله -سبحانه وتعالى- معه، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:19]، فهذه اللمحة الخائنة من العين قد تكون إشارة بالقتل؛ افعلوا كذا اقتلوه، قد تكون إشارة للفاحشة، وقد تكون إشارة للاستهزاء والاستنقاص، فهذه عين خائنة؛ تفعل هذا من الخيانة، وقد قال النبي «ليس لنبي أن يكون له خائنة الأعين»، لمَّا أراد النبي أن يقتلوا شخص من المشركين وجاء للنبي ليُبايعه على الإسلام ويعفوا عنه بعد فتح مكة، فالنبي أعرض عنه، وجاء؛ فأعرض عنه، النبي عاتب المسلمين الذين حوله وقال لهم ألم تروا أني قد أعرضت عنه؟ ألا كان ينبغي أن يقول إليه أحدٌ منكم فيقتله؟ مادام أعرض النبي عنه ولم يقبل توبته وهو مجرم؛ كان مُحارِبًا لله ولرسوله، وكان لسانه سليط، شاعر مجرم يُعادي الله ورسوله، قال ما كان ينبغي أن يقوم منكم أحدٌ فيقتله وقد رأيتم أني أعرضت عنه؟ أعرض النبي عنه ثلاث مرات، فقالوا يا رسول الله لو أشرت لنا إشارة بعينك يعني؛ غمزت لنا بغمزة، كُنَّ قُمنا قتلناه، فقال لهم النبي -صل الله عليه وسلم- «ما كان لنبي أن يكون له خائنة الأعين»، يعني ما كان لنبي أن يُشير إشارة هكذا بهذه الناحية عِلمًا أن هذا حق؛ يكون أمر النبي حق، لكن النبي قال لا.
الشاهد نرجع إلى أن الله -تبارك وتعالى- مع كل أحد، لا أحد يتكلَّم بكلمة أو يختفي في مكان، {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}[الرعد:10]، سارب؛ سَرَب، داخل في سَرَبه، السَرَب؛ الجُحر مُنجحِر فيه، كله سواء عند الله -تبارك وتعالى-، كله أمام عين الله -تبارك وتعالى-؛ لا يخفي عليه شيء -سبحانه وتعالى-، فالله مع قلب كل أحد، أنت تتحرَّك بقلبك، القلب من التقلُّب؛ كل ثانية وكل وقت له فكرة، وله كذا، ويُفكِّر في شيء، ويقلب، يقلب، يقلب ...، وكم يتقلَّب القلب؟ لو الإنسان يكتب ما يتقلَّب فيه قلبه ويطبع على طول؛ يُحوِّله مثلًا إلى طابعة، يعني هذه أحاسيس القلب ووساوسه يُحوِّلها الإنسان إلى طابعة ممكن تطبع لكانت تطبع عنده كل يوم مجموعة من المجلدات؛ وكل هذا عند الله، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ........}[ق:16]، وسواس النفس هذا نعلمه، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}[ق:17]، هذا الكَتَبَة، ولكن الله أقرب لعبده -سبحانه وتعالى- من الكَتَبَة، فالكَتَبَة قد يخفى عليهم أشياء كثيرة مما يفعله الإنسان ويخبرهم الله -تبارك وتعالى- بها، ما الذي قصَدَه بهذا؟ الله يقول انتظروا لعله أن يتوب، فالله -تبارك وتعالى- أقرب إلى عبده -سبحانه وتعالى- حتى من الكَتَبَة الذين هم عنده ويكتبون أعماله، الله أقرب منهم -سبحانه وتعالى- إلى العبد، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، يعلم -سبحانه وتعالى- بعِلمه؛ وسمعه، وبصره، فهو الباطن الذي ليس دونه شيء، حتى المَلَك الذي معك الله -تبارك وتعالى- هو أقرب إليك من المَلَك، يعلم كل أمر أنت تفعله وتوسوس به، وين وسواس النفس؛ الله -سبحانه وتعالى يعلمه.
فالله -سبحانه وتعالى- هو الأول، والآخر، والظاهر، العالي فوق خلْقِه -سبحانه وتعالى-؛ لا أعلى منه -سبحانه وتعالى-، والذي كل خلْقِه تحته -سبحانه وتعالى-، والباطن؛ ليس دون الله شيء -سبحانه وتعالى-، {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، لا يوجد شيء إلا والله -تبارك وتعالى- يعلمه؛ يعلم ذاته ويعلم تصريفه، كيف يتصرُّف هذا؟ يعني أنت أيها الإنسان تصريفك اليومي وعمل قلبك لو أنه كما ذكرنا أنه ممكن يصير في عُمر الإنسان مئات بل آلاف الآلاف من المجلدات؛ من الوساوس التي وردت على قلبه في الليل والنهار، بل إن الإنسان قد يكون في صلاته ويأخذه وسواسه بعيدًا بعيدًا عن الصلاة، العمل الذي كان في الصلاة كان عمل والعمل الذي في الوسواس اللي هو عمل القلب ممكن أن يكون أكبر من عمل الصلاة عشر مرات؛ عشرين مرة، ومع هذا كله مكتوب وكله محسوب؛ الله معه، ولا يغيب عن الله -تبارك وتعالى- شيء، ما يغيب عن الله شيء -سبحانه وتعالى-، {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، -سبحانه وتعالى- لا يخفى عليه من شئون خلْقِه شيء -سبحانه وتعالى-، سبحانك ربي؛ ما أعظمك وأعظم شأنك، {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الحديد:3].
{هُوَ}، الله -سبحانه وتعالى-، {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}، هذا إخبار منه -سبحانه وتعالى-، حيث لم يكن أحد موجود؛ لا كانت الملائكة موجودة، ولا كان شيء موجود، هذا إخبار من الله لعباده -سبحانه وتعالى- بشيء هو الذي فعله -سبحانه وتعالى-، فخلَقَ السماوات والأرض في ستة أيام يوم لم يكن أحد مع الله -سبحانه وتعالى-، وهذه الآيات السِت تبدأ بالأحد؛ الأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة، انتهى الله -تبارك وتعالى- من خلْق عباده في يوم الجمعة -سبحانه وتعالى-، وفيه خُلِقَ آدم؛ يوم الجمعة، وهذا يوم البعث كذلك، وهو أشرف أيام الأسبوع، ادخره الله -تبارك وتعالى- لهذه الأمة، هذا أحسن يوم في الأسبوع الله -تبارك وتعالى- ادخره لهذه الأمة المرحومة؛ أمة محمد -صلوات الله والسلام عليه-، ليكون هو يوم الأسبوع أشرف أيامها وأحسن أيامها عند الله -تبارك وتعالى-، أراده اليهود فضلوا عنه، فراحوا ليوم السبت وظنوا أن هذا هو اليوم المُكرَّم والمُشرَّف، وأنه في زعمهم أن الله -تبارك وتعالى- بعد أن فرَغَ الخلْق استراح في هذا اليوم السابع، فأرادوا أن يسبتوا فيه ويظلوا فيه للعبادة فضلوا فيه، وجاء النصارى خالفوهم فأخذوا يوم الأحد اللي هو أول أيام الخلْق، والله -تبارك وتعالى- هدى هذه الأمة إلى اليوم الحقيقي؛ يوم الجمعة، ويقول النبي -صل الله عليه وسلم- «الناس لنا فيه تَبَع، اليهود غدًا»، اللي هو السبت؛ بعد الجمعة السبت، «والنصارى بعد غد».
{خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}، هل هذه الأيام هي نفس أيام الأرض؛ أيام الأسبوع في الأرض؟ وهي بطول أيام الأرض؛ اللي هو هذه الأربع وعشرين ساعة؟ أم أنها أيام من أيام الله -تبارك وتعالى-؟ هذا في الحقيقة لم يأتي فيه بيان، هل طول هذه الأيام هو نفس هذا الطول؟ هذا أمر قد خلَقَه الله –تبارك وتعالى- في ذلك الوقت لا نعلمه، وهل كان طول اليوم مثل هذا أم أنها أيام من أيام الله -تبارك وتعالى-؟ كما قال -جل وعلا- {........ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[الحج:47]، ألف سنة مما تجري على الأرض، نقول الله -تعالى- أعلم، نقول هنا الله -تعالى- أعلم بطول هذه الأيام، هل هي طول كطول أيام الأرض؟ أم أن طولها هي أطوال أخرى من الأيام التي عند الله -تبارك وتعالى-؟ نقول الله -تعالى- أعلم، هذه أيام لكن نؤمن بأن الله خلَقَ السماوات والأرض في سِتة أيام كما أخبرنا -سبحانه وتعالى-، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، أي أن بعد خلْق السماوات والأرض استوى على العرش، وهذا العرش الذي هو سقف هذه المخلوقات؛ الذي لا يقدِر قدرَه إلا الله -تبارك وتعالى-، فلا يعلم سِعَته، وقدرَه، وعظَمَتَه، وزِنتَه، إلا الذي خلَقَه -سبحانه وتعالى-، فإن كل هذه المخلوقات من الأرض ومن السماوات السبع في عرش الله -تبارك وتعالى- كخردلة؛ مثل حلقة في فلاة، كأنها حلقة من حديد في فلاة مُلقاة، فإن أعظم أنواع الخلْق ظاهري مما خلَقَ الله -تبارك وتعالى- عرش الرحمن -سبحانه وتعالى-، لا أعظم في الخلْق من عرش الله -تبارك وتعالى-.
والله -تبارك وتعالى- استوى عليه بمعنى أنه علا عليه وارتفع عليه -سبحانه وتعالى- كما هو تفسير ابن عباس، لكن هذا الاستواء الظهور والعلو على عرش الله -تبارك وتعالى- إنما هو أمر لا يقوم بذات الله -تبارك وتعالى-، استواء المخلوق على المخلوق معلوم، فنحن مخلوق؛ الإنسان، والأنعام مخلوقة، عندما نقول أن والله المخلوق يستوي على الأنعام؛ على ظهور الأنعام، أو يستوي على السفينة، أو يستوي على ظهر البيت، استوى على ظهر بيته، استوى على السفينة، هذا كله معلوم؛ كيف يرتفع الإنسان على هذه المخلوقات، كما في قول الله -تبارك وتعالى- في معنى الاستواء قال {........ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ}[الزخرف:12] {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:13] {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}[الزخرف:14]، إذا استويتم عليه؛ أنتم، فاستواء المخلوق على المخلوق معلوم، لكن استواء الخالق على المخلوقات غير معلوم لنا، كيف يستوي الله -تبارك وتعالى- على عرشه -سبحانه وتعالى-؟ هذا أمر ما هو معلوم لنا لأن ذات الله -تبارك وتعالى- غير معلومة للعباد، لا يُعلَم ذات الله فبالتالي لا يُعلَم حقيقة صفاته، وهذا كله باب واحد؛ يعني باب الصفات باب واحد، كل باب واحد بمعنى أنه لا يُقال كيف استوى؟ ولا كيف يتكلَّم؟ ولا كيف يرى؟ ولا كيف يسمع؟ ولا كيف يُبصِر؟ ولا كيف يكون مع عباده في كل الأوقات؟ لا يُسأل عن الكيفية في صفات الله -تبارك وتعالى-، فنؤمن بالصفة إذا أخبر الله -تبارك وتعالى- أنه يتصِف بهذه الصفة نُثبِتُها لله، لكن ننفي الكيفية؛ كيف؟ فإذا قيل أن الله -تبارك وتعالى- هو السميع البصير لا يُقال كيف يسمع الله؟ وكيف يُبصِر الله؟ نعلم كيف يسمع المخلوق وكيف يُبصِر لكن كيف يسمع الله وكيف يُبصِر؛ هذا أمر غير معلوم لنا، وكذلك كيف يتكلَّم وكيف يستوي كل هذا بمعنىً واحد، فالكلام في الصفات هو على نسَقٍ واحد؛ نؤمن بما أخبر الله -تبارك وتعالى- به عن نفسه وننفي الكيفية.
كما قيل للإمام مالك هذا أصبح من المشهور، جائه رجل فقال له {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:5]، كيف استوى؟ فقال له الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة، يعني بدعة أن يُسأل عن كيفية اتصاف الرب -سبحانه وتعالى- بالصفات؛ فإن هذا لم يسأل عنه أصحاب النبي، ما قالوا كيف يتكلَّم ربنا؟ لا؛ ما أحد سأل عن كيفية كلام الله ولا كيفية استماعه ولا كيفية مجيئة يوم القيامة، {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:22]، ما قال أحد كيف يجيئ الرب -سبحانه وتعالى-؟ فلا يُسأل عن الكيفية وإنما نقول نؤمن بالصفة التي وصَفَ الله -تبارك وتعالى- بها نفسه -سبحانه وتعالى- دون معرفة هذه الكيفية؛ ودون السؤال أصلًا عن الكيفية، قال -جل وعلا- {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد:4].
فمع استوائه -سبحانه وتعالى- على عرشه قال {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ}، الولوج؛ الدخول، والأرض يلِج فيها أشياء كثيرة، المطر ينزل من السماء ويأخذ طريقه إلى باطن الأرض ويستقر في خزَّانات عظيمة خلَقَها الله -تبارك وتعالى- في باطن الأرض؛ تحفظ هذا الماء ولا يتسرَّب نهائيًا، فلا يستطيع البشر إخراجه، كما قال -تبارك وتعالى- {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ}، أسكن الله -تبارك وتعالى- هذا الماء في الأرض، فهذا من أعظم ما يلِج في الأرض مما ينفع الناس، هذا المطر النازل من السماء الذي يحفظه الله -تبارك وتعالى- في هذه الخزَّانات العظيمة أو في هذه المجاري العظيمة؛ في قنوات عظيمة في باطن الأرض تسير، ثم بعد ذلك تنفجر ينابيع أن تخرج من شقوق بعد ذلك كهذه الينابيع، أنهار تجري ثم تنبع بعد ذلك وتخرج إلى ظاهر الأرض، فهذا أعظم ما يلِج في الأرض؛ المطر النازل من السماء، كذلك يلِج في الأرض أمور عظيمة؛ النبات الذي نضعه إما بأيدينا وإما بفعل الرب -سبحانه وتعالى-، فقد عُلِم أن بعض البذور تطير من أكمامها بعد ما تنتهي دورة النبات، تصير البذور تطير وتذهب إلى المكان وهي تحفِر لنفسها؛ عندها آلة في نفسها تحفرِ تحفِر، تحفِر داخل التربة وتأتي إلى المكان اللي هو المناسب لها تمامًا؛ الذي به تخرج وتستقر في هذا المكان، ثم إذا جاء وقت نموِّها تنموا، فهذا من عِلم الله -تبارك وتعالى-، هذه البذرة التي تذهب بنفسها إلى المكان ثم تنغرِس هي بنفسها؛ لها شيء تغرِس نفسها حتى تصِل إلى المستوى الذي تنبت فيه، وكل بذور لها مستوى مُعيَّن إذا كانت فيه تكون صالحة للنبات هنا وتنبُت؛ هذا من الله -تبارك وتعالى-، يلِج في الأرض كثير من خشاشها ومن مخلوقات كثيرة هذه سُكناها تلِج في الأرض؛ من الديدان، من الحيَّات، من غيرها، من حيوانات الزواحف، تلِج في الأرض وتنخَش فيها، فكل هذه الدواب عِلمها عند الله -تبارك وتعالى-؛ هو الذي يعلم إيش هذا موجود فيها، كذلك ما يلِج في الأرض مما زخَرَه الله -تبارك وتعالى- من أنواع المعادن وأنواع الكنوز، الله -تبارك وتعالى- كنَزَها وزَخَرَها في الأرض -سبحانه وتعالى- فهو العليم بها، فهو {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ}.
{وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا}، ما الذي يخرج من الأرض؟ يخرج أشياء كثيرة جدًا من الأرض، يخرج من الأرض ما نستنبطه من هذا الماء، يخرج من الأرض هذا النبات الذي يُخرِجه الله -تبارك وتعالى- من باطن الأرض، يخرج من الأرض ما يُخرِجه الإنسان من أنواع المعادن الشتَّى؛ فالأرض مخزون هائل جدًا، معادننا التي هي أساسنا كلها زخَرَها الله -تبارك وتعالى- في باطن الأرض، فالله يعلم -سبحانه وتعالى- ما يخرج من هذه الأرض، ثم قال -جل وعلا- {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ}، وينزل من السماء أمور عظيمة جدًا، ينزل المطر الذي يُنزِله الله -تبارك وتعالى- من السماء، تنزِل رحمته -سبحانه وتعالى-، ومن أعظم ما ينزل من السماء كتابه -سبحانه وتعالى-؛ وحيه إلى رُسُلِه -سبحانه وتعالى-، {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا}، الملائكة الذين يعرجون، فالله -تبارك وتعالى- هو ذا المعارج، {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}، فأمره -سبحانه وتعالى- نازل من السماء إلى الأرض، ينزل أمره -سبحانه وتعالى-؛ تنزل به الملائكة، تصعد به، كما قال -تبارك وتعالى- {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر:1] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}[القدر:2] {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر:3] {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}[القدر:4] {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر:5]، ويقول النبي «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار»، يتعاقبون فيكم يعني أن هذا يستلم من هذا؛ هؤلاء ملائكة الليل يستلموا من ملائكة النهار، وملائكة النهار يستلمون عملهم بعد الليل، «يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، فيصعد الذين باتوا فيكم»، ها دول أهل الليل يصعدون، «فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادي؟»، وهو أعلم بهم -سبحانه وتعالى-؛ أعلم بالعباد، «يقولون يا رب أتيناهم وهم يُصلّون وتركناهم وهم يُصلّون».
فكل هذا الذي ينزل من السماء؛ من أمره، من ملائكته، من رحمته -سبحانه وتعالى-، ومن رحمته المطر النازل من السماء، ومن عقوباته؛ فعقوبات يُنزِلها الله -تبارك وتعالى- من السماء، {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}[الملك:16] {أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}[الملك:17]، وقال الله -تبارك وتعالى- عن قوم شُعَيب {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ}، {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ........}[الأنعام:65]، فكل هذا -سبحانه وتعالى- النازل من السماء من رحمته ومن عقوبته هو عليم به -سبحانه وتعالى-، {........ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد:4]، هو معكم أيها العباد أين ما كنتم؛ في أي مكان تكونون، لو في بطن جبل، لو في أعلى قُنَّة جبل، لو في أبعد سرداب، كله الله -تبارك وتعالى- معكم أين ما كنتم، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، مُبصِر بعملكم، لا يخفى عليه شيء من أعمال خلْقِه -سبحانه وتعالى-.
نقف هنا وأُصلِّي وأُسلِّم على عبد الله ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.