الثلاثاء 07 ذو القعدة 1445 . 14 مايو 2024

الحلقة (690) - سورة الحديد 28-29

الحمدالله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وعمل بستنه إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله تبارك وتعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" (الحديد 26) "ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" (الحديد 27) "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الحديد 28) "لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (الحديد 29).

جاءت هذه الآيات من آخر سورة الحديد، وفيها بين الله تاريخ الرسالات، فيخبر سبحانه وتعالى أنه أرسل عبد ورسوله نوح وإبراهيم،  قال: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ" ذكر الله أولا نوح وهو أول رسول أرسله الله تبارك وتعالى إلى أهل الأرض، وكل الرسل الذين جاءوا من بعده من نسله، من نسل نوح عليه السلام، وإبراهيم أبو الأنبياء بعد ذلك، إبراهيم من نسل نوح، وقد جعل الله كذلك بعد إبراهيم كل الذين أتو بعد ذلك من الرسل إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) كلهم من نسله من الفرعين، من إسماعيل رسول وكان في العرب وجاء في آخر الرسالات محمد بن عبد الله (صلوات الله ووالسلام عليه)، إسحاق ابنه الثاني، ابن ابراهيم ومنه جاء اسرائيل، وجاءت أنبياء بنو اسرائيل كلهم من هذا النسل إلى آخرهم عيسى بن مريم عليه السلام،

قال جل وعلا: "وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ" في ذرية نوح وإبراهيم، "فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ" من أولاد هؤلاء، من أولاد الأنبياء نوح وإبراهيم الرسل، "وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ"، وقول الله تبارك وتعالى "وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" هذا للعموم دائما الكثيرة إلى ضلال من كل الأمور، "ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا" وراء نوح وإبراهيم، "وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ" آخر نبي من بني اسرائيل قبل نبينا محمد (صلوات الله ووالسلام عليه) "وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ" لما ذكر الله عيسى أخبر بأنه آتاه الإنجيل منزل عليه وجعلنا قال جل وعلا "وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً" هذا من إفضال الله وإحسانه في هؤلاء. ثم قال جل وعلا: "وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا" الرهبانية تعني ترك التزوج رجال ونساء، وقال جل وعلا: "مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ" فيه على الوقوف هنا، أن تكون موصوفة بأن هذه الرهبانية ما كتبها الله عليهم، وإنما هم الذين ابتدعوها وفرضوها على أنفسهم. "إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ" تكون متعلق "إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ" "ابتدعوها" ابتدعوها هم في أنفسهم ابتغاء رضوان الله، ولكنهم لم يراعوها حق رعايتها فيكون هذه الجمل، قول الله تبارك وتعالى: "مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ" يصير هذي وصف أنها هذه الرهبانية، أنها بدعة وأن الله تبارك وتعالى ما هو الذي فرضها عليهم بالأساس وإنما هم ابتدعوها وابتغوا بذلك وجه الله فيها، ولكنهم لم يراعوها حق رعايتها، وقد كان من فساد نظام الرهبنة، فساد عظيم حصل في الكنائس وفي الأديرة من هذا، وعرف بعد ذلك سواء قبل نزول الوحي على نبينا محمد (صلوات الله ووالسلام عليه) وكذلك في ذلك التاريخ الطويل إلى يومنا، المفاسد الهائلة التي كانت تعيش عليها الكنيسة بداخل نظام الرهبنة هذا، كم من الفساد وكم من الأطفال الذين وجودوا بجوار الأديرة قد دفنوا من أولاد  الصفاح. قال جل وعلا: "فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" يعني الذي فعل هذا الأمر ودخل في الرهبة يريد بها وجه الله، أخذ أجره لأنه ألزم نفسه بأمر أراد به الله تبارك وتعالى فلم يحرمه الله من أجرهم هذا "فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" (الحديد 27) او “فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ " وهم الذين صدقوا وساروا فيما شرع الله تبارك وتعالى، أعطاهم الله أجرهم لكن كثير منهم فاسقون يعني خارجون عن طاعة الله تبارك وتعالى، ثم جاء هذا النص الأخير في السورة، لعباد الله المؤمن،

قال جل وعلا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "(الحديد 28)

أولا قيل بأن "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" أن هذا نداء إلى الذين آمنوا من أهل الكتاب، أن هذا نداء إلى المؤمنين الذين آمنوا بنبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" أي من أهل الكتاب "اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ" محمد (صلوات الله ووالسلام عليه) "يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ"

يعني يضاعف لكم الأجر، وقد قال وفي هذا يقول النبي (صلوات الله ووالسلام عليه): (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين)، ذكر النبي منهم قال: (رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي) فهذا يعطيه الله أجرين، الأجر الأول لإيمانه بنبيه، يعني مثلا آمن بموسى ثم آمن بمحمد هذا من اليهود يأخذ أجره مرتين، والذي آمن بعيسى عبدا لله ورسولا قبل أن يدخل في الإسلام ثم أسلم ودخل في الإسلام وآمن بمحمد فإنه يأخذ أجرهم مرتين، هذا قول النبي: (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، قال: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي، ورجل كانت عنده أمة، فأدبها وأحسن تأديبها، فأعتقها وتزوجها، فيعطى أجرها مرتين، وعبد أو رجل مولى عبد أحسن مع مواليه وأحسن في عبادة ربه، يعني أنه كان صالحا في عبادة ربه، وكذلك كان قد أحسن في مواليه فيؤتى أجره مرتين.

هذا قاله بن عباس رضي الله عنه وبعض السلف أن الخطاب هنا "يا أيها الذين آمنوا" أي من أهل الكتاب "اتقوا الله" وهذه وصلة الله تبارك وتعالى لعباده بتقوى الله خافوه سبحانه وتعالى "وآمنوا برسوله" محمد صلى الله عليه وسلم "يؤتكم كفلين من رحمته" لا يضيع إيمانكم السابق، بل يعطكم أجر عليه وأجر على ايمانكم بالنبي محمد (صلوات الله ووالسلام عليه) "ويجعل لكم نورا تمشون به" هذا القرآن، هذا القرآن "نور تمشون به" كانت الكتب السابقة كتب في الأوراق، وكانت لا تحفظ، وأما هذا الكتاب فإن الله تبارك وتعالى جعله "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" جعله الله نور، ويحفظ في الصدور ويسره الله تعالى للذكر بحيث أن المؤمن يسير فيه، أيمنا يسير فهو معه، هذا النور يسير به يضيء له الطريق، وهذا نور قد كشف الله به وأبان به كل شيء، سبحانه وتعالى وهذا كقول الله تبارك وتعالى:

"يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ" (المائدة 15) "يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (المائدة 16).

هذا خطاب من الله إلى أهل الكتاب، أنهم إن آمنوا ودخلوا في هذا الدين، هذا النور الذي جاءهم من الله، "يا أهل الكتاب" "قد جاءكم من الله نور" "قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ" (المائدة 15) "يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ.."(المائدة 16)  فيجعل لكم نورا بهذا القرآن، يجعله في قلوبكم تسيرون به حيث تسيرون، "تمشون به" تمشون به في طريقكم، هذا الصراط المستقيم ينير لكم صراط الله المستقيم، ويغفر لكم ما سلف، "وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (آل عمران 31).

القول الثاني في هذه الآية آن هذا خطاب للمؤمنين، من الذين آمنوا بالنبي محمد (صلوات الله ووالسلام عليه) من عموم المؤمنين وليس الخطاب خاص بأهل الكتاب، "يا أيها الذين آمنوا" أي بالله ورسوله محمد، هذا خطاب للمؤمنين مع النبي (صلوات الله ووالسلام عليه) كل من آمن به "اتقوا الله" خافوه، هذه وصية الله. خافوا الله، اجعلوا لكم وقاية وحماية من عذاب الله، وذلك أن عذاب الله شديد وأن الله يؤاخذ بالذنب وأن الله يأمر ليطاع سبحانه وتعالى. "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّه..." (النساء 64). ومعنى أنه يطاع يعني أن من نكل عن طاعته فإنه يتعرض للعقوبة الإلهية، فلا يمكن للعبد أن ينجو من هذا العقاب إلا بأن يجعل لنفسه حماية، أن يحمي نفسه من الله من عذابه "اتقوا الله" خافوه، اجعلوا لكم وقاية وحماية من الله سبحانه وتعالى. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ." (الحديد 28). أمر للمؤمنين بالإيمان وذلك بالثبات عليه، إذا كان إنسان عنده إيمان وأمر به، فيعني أثبت على هذا، وكذلك تجديده وملازمته ملازمة الإيمان أبدا حتى تموت، "اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ" (الحديد 28) "يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ". يعني أن الله يضاعف أجر هذه الأمة التي آمنت بالنبي محمد (صلوات الله ووالسلام عليه) على الأمم السابقة على أهل الكتاب، وقد بين النبي هذا فقال: (إن مثلكم) يقول النبي للمؤمنين أتباعه (صلى الله عليه وسلم) يقول: (إن مثلكم ومثل اليهود النصارى، كمثل رجل كان له عمل، فقال من يعمل لي من الصبح إلى الظهر على قيراط..) القيراط وحدة من الأجر يعني وحدة نقدية، وهي من أصغر، كالفلس، من أصغر الوحدة نقول: فلس، درهم، دينار، قراريط يعني فلوس.

(من يعمل لي من الصبح إلى الظهر على قيراطا قيراطا) قال: (فعملت اليهود فأخذوا القيراط)، فقال: (من يعمل لي من الظهر إلى العصر على قيراط)، يقول: (فعملت النصارى فأخذوا قيراطا قيراطا)، ثم قال: (من يعمل لي من العصر إلى المغرب على قيراطين قيراطين)، يقول النبي: (فعملتهم فأخذتم قيراطين، فاحتجت اليهود والنصارى عند الله، فقالوا يا ربنا نحن أكثر عملا وأقل أجرا) إحنا عملنا أكثر وأقل في الأجر فقال الله تبارك وتعالى لهم: (هل نقصتكم من أجركم شيئا؟ قالوا: لا) يعني هل الأجر الذي أخذتموه من الله، هل كان ناقص؟ نقصكم الله من حقكم شيئا، (قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أؤتيه من أشاء، قال: فذلك فضلي) هذا إحسان وزيادة منه سبحانه وتعالى، يؤتيه من يشاء، سبحانه وتعالى، ليس هذا بظلم، كون أن الله يتفضل على بعض عباده بزيادة في العطاء، هذا من عطائه "والله ذو الفضل العظيم" وهذا ظاهر في كل الأعمال التي يعملها أهل الاسلام، فإن الله جعل لهذه الأمة أجور عظيمة على أعمال قليلة مقارنة بمن سبقهم من اليهود والنصارى، فمثلا ليلة القدر، هذه ليلة واحدة، ولأنها ناسبت نزول هذا القرآن الكريم، كتاب الله على رسوله، أول نزول القرآن كان في هذه الليلة.

"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ" (الدخان 3) "فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" (الدخان4) جعل الله تبارك وتعالى قيام هذه الليلة قياما في الصلاة كمن قام ليالي شهر في شهر كامل، قال تبارك وتعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر" (القدر1) "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ" (القدر2) "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" (القدر3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ..." (القدر4) قول الله: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" قيامها، قيامها، قيامها خير من أن يقوم العبد ألف شهر فيما سواها "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ" (القدر4) "سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر" (القدر5).

فهذا أمر عظيم، أمر عظيم من رحمة الله أن يعطي هذه الأمة قيام مثل هذه الليلة، كذلك فضائل أخذتها هذه الأمة أنها وفقت إلى يوم الجمعة الذي هو يوم الله تبارك وتعالى، أفضل أيام الأسبوع وقفت له هذه الأمة، هذا اليوم الذي كانت تبحث عنه اليهود والنصارى ولكن هدى هذه الأمة إليه، آمين. يقول النبي ما حسدتكم اليهود على شي ما حسدتكم على السلام وآمين. هذا أمر اختصت به هذه الأمة أن تكون تحيتهم السلام، وفيها ما فيه من الأجر والدعاء العظيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكذلك قول آمين بعد قراءة الفاتحة وفيها هذا الدعاء العظيم. "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ" (الفاتحة 6) "صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ" (الفاتحة 7). آمين.

ثم هذه الأمة مع قصر أعمارها بالنسبة لأعمار السابقية إلا أنها أعظم اجرا ولذلك يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة) فهذه الأمة هي آخر الأمم، لكنها أسبق الأمم وأعلاها وأشرفها يوم القيامة، فإذا الخطاب هنا القول الثاني من أقوال السلف في تفسير هذه الآية بأن الخطاب هنا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ" يعني يا أيها الذين آمنوا بالنبي، كل من آمن بالنبي (صلوات الله ووالسلام عليه) "اتقوا الله" خافوه "وآمنوا برسوله".

محمد (صلوات الله ووالسلام عليه) وأن هذا رسوله، هذا تأكيد أن النبي محمد المنزل عليه هذا القرآن هو رسول الله، "يؤتكم كفلين من رحمته" "كفلين" مرتين، أجرين، أجر مكفول مرتين وقول الله أنه يسمى هذا الأجر كفل، أنه مكفول يعني حتم على الله والله قد ضمنه، حتمه وكفل وسبحانه وتعالى، من رحمته سبحان وتعالى، ثواب عظيم منه جل وعلا.

"وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ"، هذا القرآن "وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ".

في قلوبكم، وهذا القرآن هو النور الذي يجعله معكم، مع هذا القرآن بالنسبة للمؤمن الذي يأخذ هذا القرآن وينور الله به صدره ويشرح به صدره فيسير به، فيصبح كأنه النور الذي يلقى على الأشياء أمامه فيضيء له، هذا حلال، هذا حرام، هذا طريق الله، فيسير في طريق الله وكأن معه المصباح الهادي الذي يهديه الطريق، فهذه رحمة من الله، هذه رحمة من الله أن يجعل هذا النور في قلوب عباده المؤمنين

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (الأنفال 29) "إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا".

فرقان يعني أمر تفرقون به بين الحق والباطل بين الهدى والضلال، بين السنة والبدعة، فهذا هداية من الله وتوفيق والله جعل هذا القرآن هدى للمتقين، كما قال تبارك وتعالى: "الم" (البقرة 1) "ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ" (البقرة 2) هداية للمتقين، فهذا بشرى من الله لعباده المتقين المؤمنين، الذين آمنوا واتبعوا رسوله محمد (صلوات الله ووالسلام عليه) أنهم إن آمنوا بالرسول واتقوا الله، يجعل لهم كفلين من الأجر، أجر مضاعف عما كان يأخذه من سبقنا. "وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الحديد 28) فضل آخر "ويغفر لكم" أي ذنوبكم سبحانه وتعالى، فما تفعلونه من سوء وشر، فإن الله تبارك وتعالى، تجاوز عنه، وقد بين الله في آيات كثيرة كيف يتجاوزها، فبين أنه مع التمسك باجتناب الكبائر يكفر الله الصغائر، كما في قول الله تبارك وتعالى: "مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا" (النساء 31).

فالمؤمن المتقي الذي ترك عظائم الذنوب فإن الله يكفر سيئاته، كذلك يكفر الله الكبائر بالتوبة والرجوع إلى الله والاستغفار، كذلك جعل الله الأعمال الصالحة كفارة. كما قال النبي (صلوات الله ووالسلام عليه): (العمرة للعمرة ورمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينها)، فاجتنبت الكبائر، فإذا اجتنب العبد الكبائر تابع بين عمرة وعمرة، عمل عمرة ثم تابع إلى عمرة فما بينهما يكفره الله تبارك وتعالى، صلى الجمعة وصلى الجمعة التي بعدها فما بينها يكفره الله تبارك وتعالى، كذلك الصلاة إلى الصلاة، صلى هذه الصلاة، صلى صلاة الظهر ثم صلى صلاة العصر في وقتها، كفر الله تبارك وتعالى ما بينها، هذا من إنعام الله تبارك وتعالى وإفضاله. "ويغفر لكم والله غفور رحيم" من صفته أنه غفور، مسامح، كريم، يستر الذنب، يستر ذنب عبد بهذه الشروط الذي ذكرها الله تبارك وتعالى، والمنين إليه الراجع إليه المستغفر له، فإنه يزيد هذا ولا يحاسبه به ولا يفضحه به ولا يعاقبه عليه. "والله غفور رحيم" ثم قال الله تبارك وتعالى، يعني لم يعطي أهل الإيمان هذا العطاء ويجزم لهم هذا الأمر ويرفهم هذه الرفعة ويعطيهم أجرين، أكثر مما كان لأهل الكتاب السابقين. قال: "لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (الحديد 29) يعني صنيع الله هذا بعباده المؤمنين من أتباع محمد (صلوات الله ووالسلام عليه) حتى "يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ".

ظن أهل الكتاب من اليهود والنصارى أنهم شعب الله المختار، اليهود قالوا: نحن شعب الله المختار، واختارنا الله بالهداية وحدها وخصنا بالرسالة والنبوة، ولا تخرج إلى غيرنا ويظل فينا، وأما غيرنا فإنهم رأوا أنه غير جديرين برحمة الله، غير جديرين بالرسالة، بل إنهم غالوا حتى قالوا بأن الله ما خلقهم على صورتنا إلا ليسهل استخدامهم، فإنهم يصيروا مثل العبيد والخدم لنا، فالله تبارك وتعالى جعلهم على صورة الآدميين ليكون هذا كلهم عقول فيسهل استخدامهم، وإلا فالأساس أنهم ليسوا جديرين حتى أن يكونوا على صورة الآدميين، وقالوا نحن شعب الله المختار والرسالة لنا والهداية لنا. لذلك لما الله أرسل عبده ورسوله محمد (صلوات الله ووالسلام عليه) في العرب كثر عليهم هذا، وعظم عليهم الأمر، وكانوا يرون أن هذا شعب هذا الأميين كيف تأتيهم رسالة ويكون فيهم الحكم ويكون في الهداية، هذا أمر. لذلك شرقوا بهذا وغصوا به وكرهوه وحسدوا هذا الأمر إذا أن دفعهم هذا الحسد إلى الكفر، وأنه وإن كان الحق فلن يؤمنوا. كما قال تبارك وتعالى: "وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ" (البقرة 89) "بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا..." "بغيا" حسدا. "أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ..." (البقرة 90).

كيف تنزل رسالة يقول عند العرب، ونحن أهل الرسالة وشعب الله المختار، لا. فجحدوا هذا الأمر وكرهوه وأبغضوه وقالوا: لا يكون له منا إلا الحرب، وإلا الكره وإلا الكفر به أبدا. قال جل وعلا: "بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ" (البقرة 90) فهذا شأنهم، ثم يخبر الله بأنهم تحولوا، تركوا الدين الهادي المنزل على عبد الله ورسوله والذين فيه هذه الهداية والإنقاذ والفوز العظيم، وراحوا اتبعوا السحر. كما قال جل وعلا: "لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ .." (البقرة101) يصدق ما معهم من الحق الذين عندهم في التوراة.

الله يقول: "لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (البقرة 101) "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ..." (البقرة 102) ".

علموا" أي اليهود. "لمن اشتراه" لمن أخذ السحر دينا، وعملا وكسبا. "ماله في الآخرة من خلاق" من أي نصيب في الآخرة فانتظر الذي استبدلوا به، استبدلوا عن رسالة الله التي تكفل لهم السعادة في الدنيا والآخرة، استبدلوا عنها السحر وأخذوه كتجارة وصناعة وعمل وتركوا هذا، وكان كل داعيهم إلى هذا الانتكاس والبعد هو كره أن تكون الرسالة في غيرهم. فالله أخبر اختار رسوله من العرب وهو من نسل إبراهيم (عليه السلام) يرجع إلى محمد إلى اسماعيل فإبراهيم، وأن هذا فضله سبحان وتعالى وأن الله أعطي هذه الأمر أجر أكثر من الأجر الذي ناله اليهود والنصارى. قال: "لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ..." هذا فضل الله تبارك وتعالى "وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ" الفضل والعطاء والمن هو عند الله، ما جعل الله هؤلاء هم الموكلون والمستحفظون على أمر الله ونعمته يوزعها ولو كان عندهم فضل الله ما أعطوا منه شيء "أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا" (53) يقول الله تبارك وتعالى: "أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا" (النساء 53).

لو كان لهم نصيب من ملك الله تبارك وتعالى يوزعونه، فإنهم لا يعطون غيرهم نقير، نقير يعني مقدار منقار الطير من المال أو الخير أو الفضل، فهؤلاء أهل شخ وبخل، ولا يرون النفع إلا لأنفسهم ويرون أنهم لا بد أن يستعبدوا الآخرين وأن يكونوا هم، قالوا: نحن شعب الله المختار وغيرنا ما يستحق الهداية ولا يستحق الفضل. "لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ..." يعطي الله فضله من يشاء، وقد شاء الله أن يعطيه للعرب، يعطيه نبيه محمد يعطيه الرسالة الخاتمة التي تكون رسالة للعالمين لكل الأمم ولكل الشعوب ويدخل فيها الناس سواء وليسوا خاصة بالعرب، فإن الله أخرج هذه الأمة وإن كانت من العرب ولكن أخرجها للناس كلها تدعوا جميع الناس إلى دين الله، لذلك اتسعت دائرة هذا الاسلام وشملت كل الأمم وكل الشعوب هذا فضل الله تبارك وتعالى: "وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (الحديد 29) "ذو" صاحب، الله صاحب الفضل العظيم، الفضل العظيم الذي لا حد له ولا نهاية له، لا نهاية لعطائه ولا حد لفضله سبحانه وتعالى، فهو الرب الغني الذي يعطي، يعطي العطاء العظيم لا حد، ليست هناك حدود يمكن أن تقال بأن الله تبارك وتعالى ينتهي عندها عطاؤه ومنه وإحسانه.

نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أن يشملنا بفضله وإحسانه، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب والحمدالله رب العالمين.