الثلاثاء 07 ذو القعدة 1445 . 14 مايو 2024

الحلقة (694) - سورة المجادلة 20-23

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المجادلة:19] {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}[المجادلة:20] {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[المجادلة:21] {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة:22]، هذه الآيات الأخيرة من سورة المجادلة، وفيها يُبيِّن الله -تعالى- حال المنافقين الذين سمَّاهم الله -تبارك وتعالى- حزب الشيطان، وحال عباده المؤمنين الذين أخلصوا لله -تبارك وتعالى-؛ الذين هم حزب الله، قال -جل وعلا- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[المجادلة:14]، فيُعجِّب الله -تبارك وتعالى- من هؤلاء الذين توَلَّوا قومًا غضِبَ الله عليهم؛ توَلَّوا اليهود، وهذا أمر عجَب أن يأتي من هؤلاء العرب مَن يتوَلَّى اليهود وهم قوم أولًا غير قومهم، ثم إنهم قومًا قد غضِبَ الله -تبارك وتعالى- عليهم، كيف يترك الإنسان ولاية الله -تبارك وتعالى-؛ وولاية رسوله، وولاية المؤمنين؟ وكذلك الذين آمنوا بالنبي -صلوات الله والسلام عليه- هم من بني عشيرته ومن بني عصَبَته، ويتوَلِّى قوم هم ليسوا من العرب؛ وهم بعيدون عنهم، وهم قد غضِبَ الله عليهم، فلا حتى صلة قرابة بينهم وبينهم ولا صلة دين يجمعهم، بل هؤلاء قوم مغضوب عليهم عند الله -تبارك وتعالى-، فكيف يترك الإنسان ولاية الله؛ وولاية رسوله، وولاية المؤمنين، ويتوَلَّى هؤلاء القوم اليهود الذين غضِبَ الله عليهم؟ الله يقول {........ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[المجادلة:14]، يعني أنه كان فعل المنافقين أنهم يحلفون بالكذب أنهم مع أهل الإيمان؛ والحال أنهم مع هؤلاء اليهود.

قال -جل وعلا- {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[المجادلة:15]، بكذبهم وتنقُّلهِم بين معسكر اليهود الذي والوه وبين معسكر النبي -صل الله عليه وسلم- وبين أهل الإيمان؛ الذين ساروا معهم بالخديعة والكذب، {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[المجادلة:15] {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[المجادلة:16]، اتخذوا أيمانهم؛ أقسامهم، حلِفَهم بالله، أيمان مُغلَّظة يحلِفونها أنهم مع أهل الإيمان وأنهم مؤمنون بالرسول؛ والحال أنهم كاذبون، كما قال الله -تبارك وتعالى- في شأنهم {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}، قال -جل وعلا- {........ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون:1] {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[المنافقون:2]، فهنا يقول الله -تبارك وتعالى- {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[المجادلة:16]، قد أعدَّ الله -تبارك وتعالى- لهم عذاب فيه إهانة بكل صنوف الإهانة؛ الحسب، والجَر، والضرب على الرؤوس، وغير ذلك مما ذكَرَه الله -تبارك وتعالى- من كون عذاب الآخرة عذاب يُهينهم، ثم قال -جل وعلا- {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[المجادلة:17]، فما جمَّعوه؛ من الأموال، والأولاد، وما أعطاهم الله -تبارك وتعالى- في هذه الدنيا، كل هذا لا يُغني عنهم يوم القيامة شيء من عذاب الله -تبارك وتعالى-؛ سيدخلون النار وسيكونون خالدين فيها، {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- ضلالهم الذي يستمر معهم إلى يوم القيامة، قال -جل وعلا- {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ........}[المجادلة:18]، انظر ما في قلوبهم من السواد والغفلة حتى أنهم لا يستيقظون من غفلتهم ومن عماهم ليوم القيامة، فيحلفون كذبًا لله -تبارك وتعالى- ويظنون أن أيمانهم الكاذبة ممكن أن تنطلي على الله وفي يوم القيامة؛ وهم أمامهم كل المشاهد، {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ}، أي بالكذب، {........ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[المجادلة:18]، يحلفون كذبًا بأنهم كانوا مع أهل الإيمان؛ وأنهم كانوا مُصدِّقون بالرسول، وأنهم، وأنهم، والحال أن الله -تبارك وتعالى- مُطَّلِع على أعمالهم وسرائرهم، كيف يظنون أن الكذب يمكن أن ينطلي على الله -تبارك وتعالى-؟ قال -جل وعلا- {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ}، استحوذ عليهم؛ مَلَكَهم من كل جوانبهم، ما أصبح لهم تصرُّف إلا وهو نابع من الشيطان، {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ}، أن يذكروا الله -سبحانه وتعالى- كما الله بأسمائه وصفاته؛ أنه ربهم، وخالقهم، والمُطَّلِع عليهم، ويُحاسِبهم، وأن النار مثوى الكافرين، وأن الجنة مثوى المؤمنين، فهؤلاء نسوا كل ذلك.

{........ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المجادلة:19]، وصْف كامل لحزب الشيطان، انظر هذه أعمالهم؛ تركوا طريق الهُدى، وطريق الإيمان، وطريق الخير؛ طريق الله، موالاة الله، وموالاة رسوله، وموالاة أهل الإيمان، والوقوف مع قومهم الذين اختاروا الإيمان، قومهم من العرب؛ من الأَوس والخزرج الذين اختاروا الإيمان يقفوا معهم، تركوا كل هذا وذهبوا لليهود الذين غضِبَ الله -تبارك وتعالى-؛ وهذه سلسلته من الغضب، واليهود يعلمون هذا، فقد ذهب بعض العرب قبل بعثة النبي -صل الله عليه وسلم- يطلبون الدين، يقولون ديينا هذا دين العرب الذي هم عليه دين عبادة الأصنام؛ كيف ذلك؟ فنضرب في الأرض؛ فضربوا في الأرض، ذهبوا إلى اليهود وسألوهم علِّمونا دينكم؛ نُريد أن ندخل فيه، فقال لهم أحبار اليهود إنكم لن تدخلوا في هذا الدين إلا نالكم شيء من غضب الله، يعلمون أنهم أمة مغضوب عليها قبل النبي وازدادوا غضبًا بغضب من الله -تبارك وتعالى- بكفرهم، فهذه أمة غضب؛ يعرف أهلها أنهم مغضوب عليهم، ثم قد أنزل الله -تبارك وتعالى- عقوبته وغضبه، وهؤلاء تركوا طريق أهل الإيمان؛ تركوا النبي الصادق الأمين -صلوات الله عليه وسلم-، الذي طريقه إلى العِز في الدنيا والسعادة في الآخرة، تركوا هذا واتخذوا طريق أهل الغضب، ثم كان حالهم على هذا النحو؛ التنقُّل بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر، يكونون في معسكر الإيمان بظواهِرهم وقلوبهم مع الكفار، ويحلفون لأهل الإيمان بالأيمان المُغلَّظة أنهم منهم ومعهم؛ ولا هم منهم ولا هم معهم، ويظلون يطمس الله أبصارهم على هذا النحو ليظلوا على عنادهم وكفرهم إلى يوم القيامة، فهؤلاء استحوذ عليهم الشيطان؛ مَلَكَهم، مَلَكَ كل أمورهم؛ قلوبهم، وجوارحهم، وساقهم إلى مصيرهم المظلم هذا، فهؤلاء حزبه؛ هؤلاء حزب الشيطان، وهذه صفتهم، وهذا حالهم، بئس هذا الحزب، {........ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المجادلة:19]، إعلام عظيم من الله، ألا الإعلامية؛ يُعلِم الله يا أيها الناس اسمعوا {أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، في الدنيا والآخرة، هذا إعلام وإعلان من الله -تبارك وتعالى- وهو الذي يُعلِن هذا للجميع، اعلموا أن حزب الشيطان الذي والى أعداء الله -تبارك وتعالى- وناصرهم؛ وظن أن العز معهم والنصر معهم، هذا حزب الشيطان وهم الخاسرون؛ هم الذين سيخسرون في الدنيا والآخرة، {........ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المجادلة:19].

ثم أخبر الله -تبارك وتعالى- حُكمَه الثابت؛ الذي لا يتغير، قال {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}[المجادلة:20]، كل مَن حاد الله ورسوله، {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ........}[المجادلة:20]، يُحادّونه؛ يكونوا في حد ضد الرب -تبارك وتعالى-، فكل مَن جعل لنفسه حزب وجماعة وأخذ حدًّا له وأصبح يُحاد الله ورسوله قال -جل وعلا- {أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}، هؤلاء في مَن كتَبَ الله -تبارك وتعالى- لهم الذل، والذل هو الخضوع، والعار، والخِسَّة، يعني لابد أن يُصيبهم العار وينزل بهم القهر ويكونون ذليلين حقيرين في الدنيا والآخرة، {أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}، يعني في مجموعة مَن أذلَّهم الله -تبارك وتعالى- بأن كتَبَ عليه الخِزي، والعار، والشنار في الدنيا والآخرة، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[المجادلة:21]، الكتابة فرض؛ يعني أن الله فرَضَ هذا، وكتَبَه في الأزل -سبحانه وتعالى-، وقضاه وقدَّره، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ........}[المجادلة:21]، وإذا كان الله الذي سيغلِب؛ مَن يغلِب الله -تبارك وتعالى-؟! {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ........}[المجادلة:21]، هذا في الدنيا وكذلك في الآخرة؛ في الآخرة الله -تبارك وتعالى- سيغلِب، في الدنيا الله غالب على أمره ولا يمكن أن يغلِبَه غالب، فالله -تبارك وتعالى- هو الغالب لكل خلْقِه -سبحانه وتعالى-، ما من خلْق الله مَن يغلِب الله -تبارك وتعالى-، لأغلبنَّ أنا؛ وهنا تأكيد، أنا تأكيد للضمير الموجود في أغلِبَنَّ فهذا من تأكيد الأمر؛ وأن الله هو الذي سيغلِب -سبحانه وتعالى-، وأنه كتَبَ لنفسه –سبحانه وتعالى- أن يغلِب، ورُسُلي؛ رُسُل الله -تبارك وتعالى- جعل لهم الغَلَب، كما كان الشأن في كل الرسالات بدءًا من نوح -عليه السلام-؛ غُلِب في أول الأمر، كما قال الله -تبارك وتعالى- {........ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر:10]، مَن كان له النصر؟ الله -تبارك وتعالى- نصر عبده ورسوله نوحًا -عليه السلام- فغَلَب، أنجاه الله -تبارك وتعالى- في السفينة وأهلك كل هؤلاء الذي آذوه وعادوه، وإن كانوا استمروا من محاولة إذلال نوح؛ وسبِّه، وشتمه، {........ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}[هود:27]، وقالوا {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ}[المؤمنون:25]، هذا رجل مجنون فانتظروا عليه فترة من الوقت سينتهي أمره، لكن غَلَب؛ الله -تبارك وتعالى- جعله في النهاية هو الغالب.

كذلك انظر مَن بعد نوح وهو أول رسول إلى أهل الأرض؛ إبراهيم -عليه السلام-، كان وحده وكان في هذه الجموع الهائلة من أهل الدنيا وما في الأرض كلها من مؤمن إلا هو وزوجته سارة، والله -تبارك وتعالى- جعله هو الغالب، حاول قومه بكل محاولة أن يغلبوه {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ}[الصافات:97]، قال -جل وعلا- {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ}[الصافات:98]، أرادوا أن يكيدوه؛ وأن يحرقوه، وأن يعفّوا أثره، وأن ينتهوا منه، الله جعلهم الأسفلين، أنجاه الله -تبارك وتعالى- وجعل دينه هو الباقي وجعل حُجَّته الباقية وهم كانوا في الأسفلين، انظر بعد ذلك موسى -عليه السلام- وعيسى -عليه السلام-، موسى أيضًا هو وقومه كانوا في القهر وتحت طاغية من أكبر طواغي الأرض؛ وقال عن بني إسرائيل {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}، هذه عِزَّة الكافر وهذا صنيعه، وكان موسى يقول لقومه {........ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعراف:128]، وكانت العاقبة كذلك للمتقين، فإن الله -تبارك وتعالى- أهلكه صاغرًا وجعله يسير إلى حتفه بغُلفِه؛ برجلِه سار إلى حتفه، وأغرقه الله -تبارك وتعالى- وأخزاه، ولمَّا ناله الغرق وأيقن بالهَلَكة {........ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس:90]، فقيل له {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس:91] {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ........}[يونس:92]، انظروا الفرعون ميت غرقان، قد غرق، وأذلَّه الله -تبارك وتعالى- وكان على هذا النحو.

هذا الكلام يتنزَّل على نبينا -صل الله عليه وسلم- محمد -صلوات الله والسلام عليه-، ماذا كان قومه من العرب ينظرون إليه؟ ينظرون إليه أنه مجنون؛ قالوا هذا مجنون، كيف يقول أنه سيكون هناك بعث ونشور؟ وأنه سيكون له مُلك؛ وسيكون له دولة، وسيكون له أمة، وسيكون له دين ينتشر في كل مكان، انتظروا به مثل الشعراء الذين سبقوه، شاعر مثل الشعراء الذين سبقوه؛ سيأتيه الموت وينتهي، محمد لا عقِبَ له؛ سيأخذه له يومين ويذهب عن وجه هذه الأرض، وكانوا يعتقدون أنه لن يمر؛ لا يمكن لهذا بتاتًا أن يمر هو ودينه، وأنهم قاهرون عليه؛ ما هو شيء كبير إهلاكه وإذهاب دينه، والله -تبارك وتعالى- يخبر العباد على لسان رسوله {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[ص:87] {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}[ص:88]، وكان الأمر كما أخبر الله -تبارك وتعالى-، هذا النبي -صل الله عليه وسلم- الذي أرسله الله -تبارك وتعالى- ليكون نذيرًا للعالمين؛ ولم يضع تحت يديه كنز من كنوز الأرض، كان يمكن لله -تبارك وتعالى- أن يضع تحته كنوز من كنوز الأرض يُنفِقها ويُجنِّد مَن يشاء من الرجال، والأموال، والسلاح، لكن ما كان عنده شيء، النبي يذهب إلى الطائف في السنة التاسعة من بعثته -صلوات الله والسلام عليه-، مكث في مكة تسع سنوات وهو يدعوا إلى الله -تبارك وتعالى- وهو لا يملك حمارًا يذهب به في سفَراته للدعوة لله -تبارك وتعالى-؛ وفي ذهابه إلى أسواق العرب وتجمُّعاتهم ليدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-، فيذهب إلى الطائف على قدميه -صلوات الله عليه وسلم- ولا يجد من أصحابه مَن هو مُتفرِّغ ليصحبه في رحلته هذه، بل يذهب إلى الطائف وحده -صلوات الله عليه وسلم- وبينها وبين مكة هذه المسافة الطويلة.

يقطع النبي هذه الفيافي وهذه الجبال الشاهقة ويذهب إلى الطائف يقول لهم أنا رجل رسول؛ أُرسِلت من الله -تبارك وتعالى-، احموني حتى أُبلِّغ رسالة ربي، فيقول له أحد أبناء عبد يا ليل ألم يجد الله غيرك ليُرسِلَه؟ قال له ربنا ما حصَّل غيرك من مكة والطائف حتى يُرسِلَه؟ طبعًا وجدوا الرسول قادم بمفرده ولا يركب شيء؛ قَدُمَ سائرًا على رجليه، قال له الله ملِك السماوات والأرض ما وجد أحد غيرك يُرسِلَه إلينا؟ والثاني يقول له والله لا أُكلِّمُك؟ لإن كنت رسول الله حقًا أنت أعظم من أن أُكلِّمَك، وإن كنت كاذبًا في ما تقول وطبعًا هو يعتقد أنه كاذب فأنت أحقر من أن أُكلِّمَك، والثاني يقول له أنت أالله أرسلك؟ يقول له أنا أمرط كساء الكعبة إن كان الله قد أرسلك، يقول له أنا أذهب أشد كساء الكعبة فأنزعه عنها؛ وهذا من أعظم الفجور عندهم، يعني أفعل هذا الأمر الفاجر جدًا إن كان الله -تبارك وتعالى- قد أرسلك، ويمضي النبي ويخرج مهموم، يقول فخرجت من عندهم مهمومًا فلم أستفِق إلا وأنا في قرن الثعالب، وأرسل الله -تبارك وتعالى- له جبريل يقول له إن الله قد سمِعَ مقالتك وما رد به قومك عليك، وإنه قد أرسل معي ملَك الجبال فمُرهُ بما تشاء، قال له مُرهُ بأمرك؛ يعني قدر أرسله الله -تبارك وتعالى- لتأمره بما تُريد، فقال له ملَك الجبال مُرني فلأطبق عليهم الأخشبين؛ جبلَي مكة، فيقول النبي -صل الله عليه وسلم- أرجوا أن يُخرِج الله من أصلابهم مَن يعبد الله لا يُشرِك به شيئًا؛ اصبر.

فأحوال الرُسُل في أول الأمر عند الناس يظن لمَّا يراهم الكفار؛ مَن هؤلاء؟ هؤلاء لا يمكن أن يمروا؛ ولا يمكن أن يكون لهم شأن، ولا يمكن أن يغلِبوا هذا الواقع القائم؛ يستحيل هذا عندهم، والله -تبارك وتعالى- يقول هذا أمر قد كتَبَه الله، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ........}[المجادلة:21]، انظر بعد ذلك الغَلَب والنصر العزيز الذي أيَّدَ الله -تبارك وتعالى- به عبده ورسوله -صلوات الله وسلامه عليه-، لم يمضِ على هذه الحال التي كان فيها النبي -صل الله عليه وسلم- هو والذين آمنوا معه من هذا؛ حال الذل، كما قال -تبارك وتعالى- يُذكِّر عباده المؤمنين بهذا الحال {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران:123]، كانوا بحال الذل هذا وإذا به ما يمر فقط عشر سنوات إلا ويأتي النبي -صل الله عليه وسلم- وفود الجزيرة من أقصاها إلى أقصاها تُعلِن الإسلام؛ تُعلِن الدخول في هذا الدين، كل هذه الجزيرة التي تحتاج حتى تُخضَع إلى جيوش هائلة وأموال طائلة، ولكن لم يجمع النبي هذه الجيوش ولا هذه الأموال الطائلة والله -تبارك وتعالى- نصر رسوله، وهذا أبو سفيان يذهب هرقل عظيم الروم والذي تحت يديه أربعة ملايين جُندي يُجنِّدهم من الروم ومن غيرهم من الشعوب التي تحت حُكمه وقهره، ولكنه يقول لأبي سفيان لإن كان ما تقول صادقًا؛ يعني في هذا الرجل وأبو سفيان كان كافرًا في هذا الوقت، فسيملك موضِع قدَمَي هاتين ولوددت أني أخلُصَ إليه، يقول له أتمنَّى أن أخلُصَ إليه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، لو كنت عند هذا الرجل لغسلت قدميه، حتى يقول أبو سفيان لمَّا خرجنا من عنده لقد أمِرَ أمر بني كبشة؛ لقد يخافه ملِك بني الأصفر، يقول ملِك بني الأصفر؛ ملك الروم يخافه، يقول فمازلت موقِنًا أن أمر النبي سيظهر؛ أن هذا الإسلام لابد أن يظهر.

هذا حُكم؛ الله -تبارك وتعالى- يحكُم حُكم، يقول {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}[المجادلة:20]، لابد أن يُذِلَّهم الله -تبارك وتعالى-، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[المجادلة:21]، فهذه فرض الله -تبارك وتعالى- وكتابته وقَدَره أن رُسُلَه لابد أن يغلِبوا؛ ولابد أن يجعل الله -تبارك وتعالى- لهم النصر، نرجع إلى عيسى الذي يظن الناس أنه قد غُلِب، عيسى لم يُغلَب -عليه السلام-، عيسى قام اليهود عليه من كل مكان وأرادوا أن يقتلوه وأن يُزيلوه؛ وأشاعوا الإشاعات الكاذبة عليه، وقالوا فيه وفي أمه المقالة العظيمة، وألَّبوا عليه الرومان وكانت بنوا إسرائيل تحت الرومان وهو رجل من بني إسرائيل يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-، ورسول إلى بني إسرائيل وقاموا عليه وحاولوا أن يقتلوه بكل سبيل، لكن الله كتَبَ نصره؛ أنجاه الله -سبحانه وتعالى-، كما قال -تبارك وتعالى- {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[آل عمران:54] {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}[آل عمران:55]، هذا الرب -سبحانه وتعالى-، أنجى الله -تبارك وتعالى- عيسى من بين أظهُرهِم، قام بعده بالدعوة رجال نصرهم الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك، أُذِلَ بني إسرائيل بعد ذلك ذُل هائل بمَن اتَّبَعَ عيسى؛ ذلوهم أكبر إذلال، قرون طويلة وهم في هذا الإذلال لأنهم على هذا النحو، ثم جاء النبي محمد -صلوات الله عليه وسلم- وهو ممَن جاء بالرسالة على درب عيسى -عليه السلام-؛ وعيسى مُبشِّر به، فأعز الله هذه الأمة كذلك على هؤلاء بنوا إسرائيل الذين كانوا على هذا النحو وإلى يوم القيامة، يأتي عيسى بعد ذلك رسول من الله -تبارك وتعالى- وحكَم عدل؛ مُقسِط، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويؤذِّن للصلاة، ويقتل اليهود، فأمر الله -تبارك وتعالى- وشأنه -جل وعلا- في أن يغلب ويبقى دينه؛ هذا حُكم الله -تبارك وتعالى-، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[المجادلة:21].

ثم قال -جل وعلا- مبيِّن أهل الإيمان؛ هذا معسكر أهل الإيمان، قال -جل وعلا- {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، مش موجود هذا؛ يعني لا يوجد هذا، لا يمكن أن يوجد إيمان وموادة لِمَن حاد الله ورسوله، فأهل الإيمان لا يمكن أن تجد فيهم مؤمنًا؛ مؤمن حقيقي على الإيمان الحقيقي ويواد مَن حاد الله ورسوله، {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}، إذا وجِدَ هؤلاء فلا يمكن أن يكون بينهم وبين مَن يُحاد الله -تبارك وتعالى- ورسوله مودة، {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ}، المودة؛ الحب، والنُصرة، وأن يكونوا معهم، {مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، وذلك أن مَن حاد الله ورسوله عدو لله وعدو لرسوله، فكيف يوالي المؤمن الذي يؤمن بالله ورسوله عدو الله وروسوله؟ هذا عدو لله ورسوله؛ كيف توادُه وتحبه؟ لا يمكن أن تكون هنا مؤمنًا؛ فهذا لا يجتمع، يعني لا يجتمع في قلب واحد أبدًا حب الله وحب رسوله ومودة الله ومودة رسوله ومودة أعداء الله -تبارك وتعالى- وأعداء رسوله، يستحيل أن يكون هذا لأن هذان ضدان لا يجتمعان، لا يجتمع في قلب واحد إيمان بالله ورسوله وحب لأعداء الله ورسوله، {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ}، لو كان هذا المُحاد لله ورسوله أب.

{أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}، هؤلاء أقرب الناس وقد كان بالفعل، فإن أهل الإيمان من أصحاب النبي -صلوات الله والسلام عليه- تركوا كل هؤلاء، بل منهم مَن قتَلَ أباه كأبو عُبيدة ابن الجرَّاح -رضي الله تعالى عنه- فإنه قد قتَلَ أباه في بدر؛ لمَّا كان في صف الكفار قد قتَلَه، وكذلك أبنائهم؛ هذا أبو بكر الصدِّيق -رضي الله تعالى عنه- يقول لابنه وكان في صف الكفار في بدر والله لو رأيتك لقتلتك يا عبد الرحمن، يعني لو أنه ظفَرَ به لقتَلَه، وإخوانهم؛ كثير من الصحابة قتَلوا إخوانهم، هذا مُصعَب ابن عُمير -رضي الله تعالى عنه- رأى أنصاريًا يشُد وثاق أخيه في بدر؛ مرَّ عليه في الأسرى، فقال له اشدد عليه؛ إن له أمًا تفديه بكثير من المال، هذا ممكن يؤخَذ منه فِدية كبيرة، فتعجَّب أخوه؛ يقول له أعلى أخيك؟ يعني توالي هذا الأنصاري من قبيلة أخرى على أخيك القُرَشي؛ أخيه لأمه وأبيه، فقال له هو أخي دونك، قال له هذا الذي يشُد وثاقك هو أخي دونك أنت، أنت لست أخي؛ الأُخوَّة هذه انتهت بالكفر بالله -تبارك وتعالى-، لمَّا كنت كافرًا بالله -تبارك وتعالى- تصبح هنا خلاص؛ لست أخي، فهؤلاء هم أهل الإيمان؛ هؤلاء هم أهل الإيمان حقًا، {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}، فارق أهل الإيمان عشيرتهم الأقربين من القبيلة والأبعدين من القبيلة؛ فارقوهم في الدين والإيمان.

قال -جل وعلا- {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ}، هؤلاء الذين انضموا إلى حزب الله -تبارك وتعالى-؛ ووالوا الله -تبارك وتعالى- ورسوله، وعادوا أقرب الأقربين إليهم، الله يقول {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ}، جعل الإيمان كأنه مكتوب في القلب، ومعنى أنه مكتوب مجعول، يعني كأن الله -تبارك وتعالى- جعله؛ وأوجَدَه، وفَرَضَه، فأصبح الإيمان بالله -تبارك وتعالى- مُلازِم هذه القلوب، {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}، روح قوة وحياة منه -سبحانه وتعالى-، هذه يقظة كما الروح في البدن، روح منه؛ روح الإيمان التي بثَّها الله -تبارك وتعالى- فيهم وفي قلوبهم فحيوا بها، {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}، بقوة منه -سبحانه وتعالى- قوَّاهم الله -تبارك وتعالى- بها وأحيا قلوبهم، هذا في الدنيا وأما في الآخرة {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}، جنات؛ بساتين أعدَّها الله لهم، تجري من تحتها؛ من تحت قصورها ومن تحت أشجارها الأنهار المختلفة، {خَالِدِينَ فِيهَا}، خلود لا ينقطع، يعني ماكثين فيها مُكثًا لا ينقطع، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، الله... عندما يقول الله -تبارك وتعالى- {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ}، رضي الله عنهم كلمة كبيرة جدًا؛ أن الله رب العالمين ورب السماوات والأرض هو راضٍ عنهم، يعني فعلهم هذا الله رضي عنهم؛ رضي عن هذا الفعل، فرضا الله -تبارك وتعالى- هذا أمر أكبر من كل شيء، أن يكون الله رضي عن فعلهم؛ وعن إيمانهم، وعن مسيرتهم هذه، الحلقة حتى الدقيقة 29.39 وبعد ذلك خطأ وتداخل في الحلقة.....