الجمعة 10 ذو القعدة 1445 . 17 مايو 2024

الحلقة (696) - سورة الحشر 3-6

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحشر:1] {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}[الحشر:2] {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ}[الحشر:3] {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:4]، سورة الحشر سورة مدينة وقد نزلت بشأن عزوة بني النضير، وقد مضى في الحلقة الماضية ما ذكَرَه أهل السيَّر بشأن هذه الغزوة، بدأ الله -تبارك وتعالى- بإعلان تسبيح ما في السماوات وما في الأرض له -سبحانه وتعالى-، قال -جل وعلا- {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ........}[الحشر:1]، تسبيح الله -تبارك وتعالى-؛ تنزيهه وإبعاده عن كل سوء مع إثبات محامِده -سبحانه وتعالى-، فكل هذه المخلوقات في السماوات وفي الأرض مُسبِّحة لله بلسان حالها وبلسان مقالها، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، تنزيه الله -تبارك وتعالى- عن الولد، والشبيه، والنِد، والنظير، الله -تبارك وتعالى- هو الذي لا نِد له؛ ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا كفء له -سبحانه وتعالى-، وكذلك تنزيهه عن كل صفات النقص التي تعتري الخلق؛ كالموت، والنوم، والغفلة، والنسيان، والظلم، فالله -تبارك وتعالى- هو الحي القيّوم؛ الذي لا تأخذه سِنَة ولا نوم -سبحانه وتعالى-، القائم على كل نفس بما كسبت، المُقيم لهذا الكون كله، {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ........}[فاطر:41].

كل هذه المخلوقات؛ من العرش، والكرسي، والسماوات، والأرض، وما في هذه السماوات من الملائكة حملة العرش، كما قال الله -تبارك وتعالى- عنهم {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}، فهم يُسبِّحون بحمْد ربهم، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران:18]، فالملائكة في السماوات وما يوجد فيها من خلْقٍ يعلمه الله -تبارك وتعالى-؛ كلها السماوات وما فيها مُسبِّحة لله -تبارك وتعالى-، والأرض وما فيها مُسبِّحة لله -تبارك وتعالى-، فما من ذرَّة في هذه الأرض إلا وهي مُسبِّحة بحمْده -سبحانه وتعالى-، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}[الحج:18]، {وَهُوَ الْعَزِيزُ}، الغالب الذي لا يغلبه أحد، {الْحَكِيمُ}، الذي يضع كل أمر في نِصابه -سبحانه وتعالى-، فكل خلْقِه وكل قَدَرِه كله قائم بمُقتضى الحكمة -سبحانه وتعالى-.

فمن عِزَّته ومن حِكمته -سبحانه وتعالى- قال {الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ}، هو -سبحانه وتعالى-؛ الله -سبحانه وتعالى-، بقائه، وقدَرِه، ومقاديره، وأسبابه، هو فاعل هذا الأمر، {الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}، وهم يهود بني النضير، وهم من أهل الكتاب لأنهم منسوبون إلى التوراة؛ الكتاب المُنزَل على موسى -عليه السلام-، {مِنْ دِيَارِهِمْ}، التي سكنوها في المدينة؛ يثرب، وكانوا قد سكنوها قبل الأَوس والخزرج بزمان، {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ}، قال أهل العِلم لأول الحشر؛ بلاد الشام التي سافروا إليها هي أرض المحشَر، أول لأول الحشَر؛ أن هؤلاء أول ناس حُشِروا من اليهود وأُبعِدوا، وإن كان قد أُبعِدَ قبلهم عن المدينة بنوا قين قاع، قال -جل وعلا- {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا}، يعني أن المؤمنين ما ظنوا أن هؤلاء اليهود المُتمكِّنين في أرضهم؛ البانين لهذه الحصون العظيمة، المُتدرِّبين على فنون القتال، أن هؤلاء ما ظن أحد أن يخرجوا من أرضهم ويقلعهم الله -تبارك وتعالى- من هذه الأرض، {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ}، يعني ظن هؤلاء اليهود أنهم مانِعتهم حصونهم من الله، حصونهم التي بنوها أنها تمنعهم غضب الله -تبارك وتعالى-؛ ونقمَتَه، وعقوبته لهم، فقد اغتروا بها ورأوا أنهم مُتمكِّنون في هذه الأرض، ومُتمكِّنون بما بنوه من حصون مُشيَّدة يستطيعون الدخول فيها، وكانت بعض هذه الحصون يملأونها بالمؤن وهي مليئة بالسلاح، وكان بعضها لو أنهم حُصِروا سنة فإنهم يكفيهم ما عندهم، وكانوا يظنون أنهم آمنين من أعواد الأيام، وأنه لن يُصيبهم ضرر من غيرهم.

قال -جل وعلا- {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}، جائهم الله -تبارك وتعالى- بالأمر الذي لم يجعلوه في حسابهم قط، والأمر الذي أتاهم الله -تبارك وتعالى- به من حيث لم يحتسبوا هو إقامة هذا الدين؛ مجيء هذا النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، إيمان مَن آمن به، أن تكون المدينة هي قاعدة مُلكِه ودعوته -صل الله عليه وسلم-؛ فهذا أمر لم يحسِب له هؤلاء حساب، كانوا قد بنوا هذه الحصون في وجه العرب الذين قد يُناوِرونهم وقد يُحارِبونهم، لكن أتاهم الله -تبارك وتعالى- من أمر لم يحسبوا له حساب، {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}، فهذا كذلك عدو سلَّطَه الله -تبارك وتعالى- عليهم من أنفسهم وهو الرعب؛ جيش من جيوش الله -تبارك وتعالى-، وهذا من أعظم جيوشه -سبحانه وتعالى- لأن المُقاتِل إذا دخل الرعب والخوف في قلبه فإنه خلاص؛ يفقد كل أمر، لا ينفع سلاحه بيده، ولا ينفع ثباته، لا يبقى له ثبات، ولا يبقى له شأن، قال -جل وعلا- {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}، وكون هذا الرعب يدخل القلب ويبقى القلب خائف مُرتَجِف فإن هذا لا فائدة فيه خلاص، سقطت قوتهم وسقط أمرهم عندما ضربهم الله -تبارك وتعالى- وقذف في قلوبهم الرعب، قال -جل وعلا- {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}، يُخرِبون بيوتهم وذلك أنهم لمَّا نزلوا وعرضوا على النبي -صلوات الله والسلام عليه- أن يخرجوا من هذه الأرض، وأن لهم ما حمَلَت دوابهم فقط من المتاع دون الحلقة؛ حلقة الحرب، ودون الذهب والفضة؛ أنه يتركوه ويُظهِروه ويُعطوه للمسلمين، ويخرجوا فقط والسلاح كذلك يتركوه ويأخذوا فقط ما حمَلَت دوابهم من متاعهم، فكان بعضهم ينقض سيفه ويُخرِج نافذة البيت منه وبابه؛ ونحو ذلك من الأثاث الذي يمكن أن يأخذه، وينقله، ويحمله على دوابه ويخرج به.

{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ}، الذين سلَّطهم الله -تبارك وتعالى- عليهم، قال -جل وعلا- {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}، اعتبروا من هذا الأمر العظيم ومن هذا القضاء الكبير لله -تبارك وتعالى-، والاعتبار هو النظر في عواقب الأمور، يعني أن يعبُر الإنسان بنظره وفكره إلى ما بعد الحدَث، انظروا هذا الحدَث؛ لا تقف عند هذا الحدَث وإنما اعتبر بهذا الحدَث، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}، أولًا من العِبَر في هذا انظر أن الله -تبارك وتعالى- لا يُعانِده أحد -سبحانه وتعالى- إلا أذلَّه، فهذا لمَّا هؤلاء عاندوا الله –تبارك وتعالى- وشاقوا الله ورسوله انظر كيف سلَّط الله -تبارك وتعالى- عليهم؟ وكيف فعله بهم -سبحانه وتعالى-؟ كذلك من الاعتبار أنه إياكم أيها المسلمون أن تقعوا في ما وقع فيه عدوكم فيُسلِّط الله -تبارك وتعالى- عليكم، اعلموا أن الله -تبارك وتعالى- يُعاقِب؛ وأنه يُعاقِب بهذه الأسباب، لمَّا خرج هؤلاء عن أمر الله -تبارك وتعالى- وعاندوا أمره فإن الله -تبارك وتعالى- سلَّط عليهم، فكذلك ممكن أيها المسلم أن يُسلِّط الله -تبارك وتعالى- عليك إذا عاندت أمر الله -تبارك وتعالى- وشاققت الله ورسوله، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}، أمة كانت منتمية إلى الله -تبارك وتعالى-؛ قائمة بالدين، كانت في عِز وتمكين، انظر لمَّا غيرت ما بها غيَّر الله -تبارك وتعالى- الأمر عليهم، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}، يا أولي؛ يا أصحاب، الأبصار؛ بصر القلب، فالبصر يُطلَق على بصر العين؛ العين تُبصِر، والقلب يُبصِر، {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، فالإنسان الذي لا يرى بقلبه الحقائق وتتبيَّن له هذا هو أعمى القلب؛ وعمى القلب أشد من عمى العين، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}، يا مَن ينظر ويتعِظ؛ فيُبصِر بعينه ويبصر قلبه كذلك، فاعتبروا بهذا وليكُن لكم عِبرة وموعظة من هذا الأمر العظيم.

قال -جل وعلا- {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ}[الحشر:3]، يعني  أن هذه العقوبة التي أنزلها الله -تبارك وتعالى- عليهم هذا اختيار؛ وممكن أن يُعذِّبهم الله -تبارك وتعالى- بغيره -سبحانه وتعالى-، {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ}، أي من المدينة، والجلاء هو الخروج من المدينة، أجلاهم النبي -صلوات الله والسلام عليه-، فمنهم مَن خرج إلى أذرعات في الشام ومنهم مَن ذهب ودخل مع بعض إخوانه في خيبر، ولولا أن كتب الله -تبارك وتعالى- عليهم الجلاء وهذه الكتابة ليست كتابة شرعية وإنما كتابة كونية قدرية، يعني كتَبَه؛ فرَضَه -سبحانه وتعالى-، يعني قضاءً وقدرًا قضاه الله عليهم، قال -جل وعلا- {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}، بذنوبهم، بصورة من صور العذاب التي ينتقم الله -تبارك وتعالى- بها من المُعاندين المُكذِّبين، {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}، ثم قال -جل وعلا- {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ}، فالكافر يُعذَّب عذابين؛ عذاب مُستعجَل قد يُنزِله الله -تبارك وتعالى- به، ويُدَّخَر له عذابه في الآخرة، كما قال -جل وعلا- {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}، وحتى يأتي وَعْد الله في القيامة فيكون هناك عذاب الآخرة، وعذاب الآخرة قال فيه الله -تبارك وتعالى- {........ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}[الرعد:34]، قال هذا -سبحانه وتعالى- في مَن أنزَل فيهم عقوبته في هذه الدنيا، {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}[غافر:21]، ما لهم مَن يقيهم عذاب الله -تبارك وتعالى- في الدنيا، وهذا العذاب مُعجَّل ثم العذاب الآخر منتظِر لهم، {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا}[نوح:25]، هؤلاء قوم نوح، وقال الله -تبارك وتعالى- في شأن قوم فرعون، {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}[هود:98]، وقال {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}، هذا بعد غرقهم، {........ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر:46]، والنبي -صل الله عليه وسلم- قال لقتلى بدر الذي عاقبهم الله -تبارك وتعالى- في الدنيا بالقتل على يد النبي -صل الله عليه وسلم- والمؤمنين في بدر، قال لهم «يا فلان، يا فلان، يا فلان، يُناديهم وهم في البئر الذي جُمِعوا فيه، هل وجدتم ما وَعَدَ ربكم حقً؟ فإني وجدت ما وَعَدَني ربي حقًا»، ما وَعَدَهم ربهم حقًا وهو العذاب الذي يُعذَّبون فيه الدنيا، ثم ينتقلوا بعد ذلك إلى عذاب أشد -عياذًا بالله سبحانه وتعالى-، قال -جل وعلا- {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ}، هذه عقوبة لهم من الله -تبارك وتعالى-، {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}، بصورة من صور العذاب التي يُنزِلها الله -تبارك وتعالى- في المُكذِّبين المُعاندين، {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ}.

ثم قال -جل وعلا- ذلك؛ يعني هذه العقوبة التي كتَبَها الله -تبارك وتعالى- عليهم في الدنيا والآخرة، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، شاقوه يعني جعلوا أنفسهم في شِق عن حِزب الله -تبارك وتعالى- وحِزب رسوله؛ أنهم انشقوا عن الطاعة، وخرجوا عن أمر الله -تبارك وتعالى- وأمر رسوله، وعادوا الله -تبارك وتعالى- ورسوله، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، قال -جل وعلا- {........ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:4]، مَن للعموم؛ يهودًا كانوا أو غيرهم، {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ}، يجعله نفسه في شِق ويُعادي الله -تبارك وتعالى- ويُشاقِقه؛ ويُحارب أمره، ويُحارب رُسُلَه، {........ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:4]، هذا من صفة الرب -تبارك وتعالى- فإنه شديد العقاب، أي لِمَن شاقه، وعانده، وعاند رُسُلَه -سبحانه وتعالى-، وشدة عقوبته أولًا في الدنيا هذه قد تمثَّلَت أمام الأعيُن؛ فلننظر مصارع الغابرين، انظر كيف عاقب الله -تبارك وتعالى- أمم الكفر أمةً أمة؟ {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا ........}[المؤمنون:44]، أتبَع الله -تبارك وتعالى- بعضهم بعضًا في الهلاك، وقال {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[العنكبوت:40]، هذا في الدنيا وفي الآخرة ما هو أشد، فهناك هذه النار التي جعلها الله -تبارك وتعالى- سجن أبدي لا ينقطع ولا يفنى للكفار، {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ}، فإذا استغاثوا؛ طلبوا الرحمة وطلبوا الغوث، ماء، أو رحمة، أو تخفيف، يقوم يُزادوا من العذاب، {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}، هذا غياثهم، فغياثهم ماء ليشربوه أو ليُطفِئوا شيئًا من الحرارة التي فيهم، لكن يُعطَوا غياثهم أشر من النار، {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ}، كالمعدن المُذاب يشوي الوجوه قبل أن يُشرَب، {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}، ساء هذا رِفق بهم، فهذا هو الرفق بهم؛ شدة عذاب -عياذًا بالله-، فالله -تبارك وتعالى- إنما هو شديد العقاب، لا عقوبة كعقوبة الله -تبارك وتعالى-، الله إذا عاقب الكافر فما في عقوبة يمكن أن تكون كعقوبة الرب -تبارك وتعالى-، {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}[الفجر:25] {وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:26].

ثم قال -جل وعلا- للمسلمين {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}[الحشر:5]، لينة؛ نخلة، وكان المؤمنون عندما حاصروا بني النضير؛ حصونهم ومزارعهم خلف هذه الحصون، فإنهم حرَّقوا بعض نخلهم وقطعوه نِكاية فيهم وإذلال لهم، فقامت قيامة اليهود وقالوا يا محمد أنت تنهى عن الفساد؛ وما ذنب النخل؟ لِما تقطعون النخل ولِما تُحرِّقوه؟ فأخبر -سبحانه وتعالى- أن الفعل الذي فعله المؤمنون هذا وتركهم لِما تركوه من التحريق كله بأمر الله، قال {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ........}[الحشر:5]، أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي شاء هذا وهو الذي أذِنَ به وسمَحَ به للمسلمين -سبحانه وتعالى-، قال -جل وعلا- {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}، وليُخزي هذا من الخِزي الفاسقين، يعني أن يُدمَّر ويُحرَّق نخيلهم وهم ينظرون فيُخزَون بهذا ويذوقون مرارة الذل ومرارة الهزيمة، قال {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}[الحشر:5].

ثم قال -جل وعلا- {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الحشر:6]، {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ}، فاء بمعنى رجع، ومنه الفيء اللي هو الظِل عندما يرجع، الظِل يبدأ بشروق الشمس فيبدأ من جهة الغرب عندما يسقد عليه شعاع الشمس من الشرق، ثم إذا انتقلت الشمس بعد الظهيرة إلى جهة الغرب فإن الظِل يفيء بعد ذلك ويرجع إلى الجهة الأخرى فيُسمَّى فيء، فاء بمعنى رجع، فسمَّى الله -تبارك وتعالى- ما غَنِمَه المسلمون من أموال بني النضير التي تركوها؛ وهي أرضهم، وديارهم، وأموالهم؛ الذهب والفضة، سمَّى الله -تبارك وتعالى- هذا فيء، فيء بمعنى أنه مال رجع إلى مُستحِقِه وصاحبه فإن الأرض لله ورسوله، الأرض لله والمُلك لله -تبارك وتعالى-، والله -جل وعلا- يُعطي هذا المُلك مَن يشاء وينزِعه ممَن يشاء -سبحانه وتعالى-، والأرض لله ولرسوله؛ الرسول جعله الله -تبارك وتعالى- خليفة في الأرض وملَّكَه -سبحانه وتعالى- هذا المُلك، ومُلك مَن يملِك إنما هو بأمر الله -تبارك وتعالى-، والكافر يرفع الله -تبارك وتعالى- يده عن هذا المُلك لأنه لا يستحِق لأنه كافر، فالله يُسلِّط رُسُلَه على مَن يشاء -سبحانه وتعالى- ليُزيل يد الكافر عن هذا المُلك الذي يكون تحت يده على طريق الغصب، لأنه لا يحِل له أن يأكل من رزق الله -تبارك وتعالى- ويعصى ويكفر بالله -تبارك وتعالى-، الأرض لله ولرسوله وهؤلاء لمَّا حاربوا الله وشاقوا الله -تبارك وتعالى- ورسوله فإن الله أزال يدهم عن هذا المُلك ورده إلى مالِكه الحقيقي؛ إلى الله ورسوله -سبحانه وتعالى-.

قال {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}، الله هو الذي أرجع هذا المال لأن هذا ماله -سبحانه وتعالى- وكان هؤلاء يأخذونه على وجه الغصب، كما قال -تبارك وتعالى- {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ........}[الأعراف:32]، هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا؛ خلَقَها الله -تبارك وتعالى- لهم، وملَّكها لهم، لكن يشرَكَهم الكفار فيها على وجه العدوان ووجه الغصب، فإن الله –تبارك وتعالى- لا يُحِل للكافر أن يأكل من رزقه وأن يعصاه -سبحانه وتعالى-، ولذلك قال -جل وعلا- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[البقرة:168]، ولا يكون حلالًا إلا بالإيمان بالله -تبارك وتعالى-، المؤمن هو الذي يُحِل الله –تبارك وتعالى- له هذا وأما الكافر فلا، ولذلك يُحاسَب يوم القيامة على كل هذه النِعَم التي تنعَّم بها في الدنيا على وجه الغصب؛ ولم ينسبها لربها، ولم يشكر الله -تبارك وتعالى-، ولم يقم بأمر الله -جل وعلا-، قال -جل وعلا- {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}، فجعل هذا الفيء على رسول الله منهم، قال -جل وعلا- {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ}، الإيجاف؛ التحريك، يعني لم تُحرِّكوا الخيل والرِكاب عليه، والغنيمة التي تكون على هذا النحو لم يُحرَّك لها خيل ولا رِكاب فإن الله -تبارك وتعالى- جعلها خاصة برسوله ولم يُعطِ المُحارِبين منها، وإنما المحاربين جعل الله -تبارك وتعالى- لهم أربعة أخماس الغنيمة في ما تحرَّكوا إليه؛ حرَّكوا الجيوش إليه، وحرَّكوا الرِكاب إليه، فعند ذلك الله -تبارك وتعالى- يُعطيهم أربعة أخماس الغنيمة وكان النبي يقسِم الغنيمة بينهم.

أباح الله -تبارك وتعالى- للمسلمين الغنائم؛ وهذه الأمة فقط هي التي أُبيح لهذا هذا، ولم تُبَح لرسول قبل نبينا محمد -صلوات الله والسلام عليه-، كما قال -صل الله عليه وسلم- «فُضِّلت على الأنبياء بسِت»، وذكَرَ النبي -صل الله عليه وسلم- من هذه السِت قال «وأُحِلَّت لي الغنائم ولم تحِل لأحدٍ قبلي»، فلم تحِل الغنائم لأحد من الرُسُل قبل النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- وإنما أحلَّها الله له، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ........}[الأنفال:1]، ثم قال -تبارك وتعالى- {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}، وقال الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:67] {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[الأنفال:68] {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا ........}[الأنفال:69]، فكلوا أيها المؤمنون مما غنِمتم حلالًا طيبًا، {........ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنفال:69]، فهذا من رحمة الله -تبارك وتعالى- كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- «ولكن الله عَلِمَ ضعفنا وحاجتنا فأحلَّ لنا الغنائم»، فأحل الله -تبارك وتعالى- الغنائم للمسلمين.

الشاهد أن ما يؤخَذ من الكفار له طريقان؛ الطريق الأول وهو ما يؤخَذ منهم دون حرب، كأن يكون مال للكفار ثم يهربوا ويتركونه، أو دون تحريك للجيوش إليه وتحريك الرِكاب فهذا يكون للرسول -صلوات الله والسلام عليه-، وهذا قد جعله الله -تبارك وتعالى- في خمس مصارف معروفة كما قال -تبارك وتعالى- {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، فكان النبي يُعطي نفقة سنة منه لأهله ويجعل الباقي في القلاع وفي السلاح -صلوات الله والسلام عليه-؛ وكذلك في مصالح المسلمين، فهذا أول قِسم اللي هو الفيء، القِسم الثاني اللي هو الغنيمة وهو ما يأخذوه المسلمون عنوة من الكفار؛ ويأخذوه بالقوة، ويُحرِّكوا الجيوش إليه، فهذا يُقسَّم إلى قِسمين؛ أربعة أخماس هذه الغنيمة للمُحارِبين، والخُمس كذلك يُصرَف في مصارف الفيء؛ لله تشريفًا، {وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، قال -جل وعلا- {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ........}[الحشر:6]، الله -تبارك وتعالى- يُسلِّط تسليط؛ بمعنى أنه يوجِّه رُسُلَه على مَن يشاء من الكفار، يوجِّههم بحربهم وقتالهم ورفع يدهم عن هذه الأموال لتعود إلى إلى مالِكها الحقيقي، {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، فهذه كانت أمور عظيمة؛ أين كان المسلمون من حال ضعفهم؟ وأين كان هؤلاء من حال قوتهم وشدتهم؟ انظر كيف أقدَرَ الله -تبارك وتعالى- هؤلاء على هؤلاء؛ وسلَّط هؤلاء على هؤلاء، ودبَّر الأمر بمشيئته وقدرته -سبحانه وتعالى-، فإنه الرب العظيم الذي لا يُعجِزَه شيء ولا يقف أمامه أمر -سبحانه وتعالى-، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، -سبحانه وتعالى-.

نقف هنا ونُكمِل -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.