الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الصف:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}[الصف:2] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}[الصف:3] {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف:4] {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[الصف:5] {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}[الصف:6]، هذه الآيات من سورة الصف؛ صورة مدنية، وقد بدأها الله -تبارك وتعالى- بإعلان تسبيح ما في السماوات وما في الأرض له؛ وأنه هو العزيز الحكيم، قال {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الصف:1]، أن كل هذه الموجودات تُنزَّه ربها -سبحانه وتعالى- عن كل ما لا يليق به -سبحانه وتعالى-؛ تُنزِّهه أن يكون له نِدٌ، أو شبيه، أو شريك، أو نظير، أو ولد، أو زوجة، تُنزِّهه -سبحانه وتعالى- أن يغفل، أو ينسى، أو أن يظلم، كل ما يُنزَّه الله -سبحانه وتعالى- عنه من صفات النقص التي تعتري المخلوق، الله -تبارك وتعالى- هو الكامل في أوساطه؛ الذي لا مثل له، ولا نِد له -سبحانه وتعالى-، فهو الحي الذي لا يموت، وهو الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم -جل وعلا-، وهو الذي لا يعزب عن عِلمه مثقال ذرَّة في السماوات ولا في الأرض -سبحانه وتعالى- العزيز الحكيم، كل الموجودات قائمة لله -تبارك وتعالى- تسبيحًا بلسان مقالها وبلسان حالها لربها -سبحانه وتعالى-.
ثم قال -جل وعلا- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}[الصف:2]، نادى الله -تبارك وتعالى- أهل الإيمان بوصْف الإيمان؛ الذي هو أحسن الأوصاف، وبيَّن لهم أن هذا الفعل؛ أن يقولوا شيء ولا يفعلوه، هذا أمر يمقت الله -تبارك وتعالى- عليه، صفة ذميمة من الصفات يمقت الله -عز وجل- عليها، قيل أن هذا نزل للذين تحرَّقوا للقتال في مكة، ثم لمَّا كُتِبَ عليهم القتال في المدينة كعوا وخافوا، وكذلك في الذين قالوا نُنفِق إذا أعطانا الله -تبارك وتعالى- المال، كبعض المنافقين الذين قالوا كما قال الله -عز وجل- عنهم {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}[التوبة:75] {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}[التوبة:76] {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}[التوبة:77]، فكل مَن نوى وأحب أو قال أنه سيفعل وسيفعل من أمور الخير؛ ثم بعد ذلك تأخر عن ذلك ولم يفعل هذا، فإنه يكون قد تعرَّض لغضب الله -تبارك وتعالى-، وسَخَطه، ومقته، فإن الله -تبارك وتعالى- يمقت على هذا، أما إذا كان ناويًا على الكذب من أول الأمر فهذا أمر كبير جدًا، أما إذا كان ناويًا على الصدق ثم إذا جاء وقد الجِد لم يفعل؛ فكذلك هذا موجِب لغضب الله وسَخَطه.
ثم بيَّن -سبحانه وتعالى- أفضل الأعمال التي يحبها من عباده -جل وعلا- فقال {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف:4]، هذا عمل من الأعمال وهو الجهاد في سبيله -سبحانه وتعالى-؛ أشرف وأعلى أعمال الإسلام، هذا يحبه الله -تبارك وتعالى- من عباده، كما جاء في الحديث «النبي قال لمُعاذ ألا أدلُّك على رأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟ قال قُلت بلى يا رسول الله، قال له رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهادة في سبيل الله»، فالجهاد في سبيل الله أعلى شرائع الدين، يقول النبي «الإيمان بِضع وستون شُعبة؛ أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، والجهاد في سبيل الله من ذروة سنام الإسلام من حيث الأعمال؛ فهذا أشرف عمل من أعمال الدين، وأعلاه، وأكثره أجرًا عند الله -تبارك وتعالى-، فلذلك حبَّبَ الله -تبارك وتعالى- أهل الإيمان فيه وأخبر أنه يحب هؤلاء الذين يُقاتِلون في سبيله، وذلك أنهم يجودون بأنفسهم لله -تبارك وتعالى- التي هي أغلى ما عند الإنسان، أغلى ما عند الإنسان نفسه؛ ثم ماله، ثم أهله وأولاده، والمُجاهِد يبذل هذا كله؛ المُجاهِد في سبيل الله يبذل هذا كله، لأنه يُعرِّض نفسه للقتل؛ وماله للضياع، وأهله؛ تترمَّل الزوجة، وقد يُيتَّم الأولاد، فهذا يُقدِّمه كله ولذلك كان القتال في سبيل الله هذا أصعب الأعمال وأشدها على النفوس، قال الله -عز وجل- {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[البقرة:216]، وكونه صفقة فهو الصفقة الكبرى، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:111]، فالجهاد في سبيل الله وإعطاء النفس والمال لله أعظم صفقة ممكن أن تكون.
يقول الله -تبارك وتعالى- هنا {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا ........}[الصف:4]، يعني حال كونهم يُقاتِلون صفًّا، ومعنى أن الله يحب فهذه صفة من صفة الله -تبارك وتعالى-، أنه الله يحب لا شك أنها صفة قائمة بذاته -سبحانه وتعالى- وأن لهذه الصفة آثارها في الخلْق، فلا تُفسَّر الصفة بآثارها في الخلْق ولا يُقال أن الله لا يقوم بهذه الصفة من صفات ذاته -سبحانه وتعالى-؛ بل هي من صفات ذاته، الله يحب كما أنه يُبغِض ويمقت -سبحانه وتعالى-، فقد جاء في هذه السورة {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}[الصف:3]، وهنا {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف:4]، فهذا المنافق الذي قال سأفعل وسأفعل ولم يفعل فإنه في مقت الله، وهذا المؤمن الذي يُقاتِل في سبيل الله مع إخوانه المؤمنين وكأنهم صف مرصوص هم في محبة الله -تبارك وتعالى-؛ وهذا بعد هذا تمامًا، فهؤلاء هم الذين يحبهم الله، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ ........}[الصف:4]، قتالهم في سبيله وليس لشيء، فالقتال لا يكون في سبيل الله إلا إذا كان لأهداف الدين؛ يعني من أجل الله –تبارك وتعالى-، ولإعلاء كلمة الله في الأرض، قال النبي «مَن قاتَل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، قيل يا رسول الله الرجل يُقاتِل حَمِيَّة، ويُقاتِل شجاعة، ويُقاتِل ليُرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال النبي كلمته الجامعة «مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، فالذي يُقاتِل حَمِيه يعني أنه يحموا لأهله ويغضب لِمَن ينتسب إليهم فيُقاتِل من أجل ذلك فهذا ليس في سبيل الله، ويُقاتِل الرجل شجاعة يعني ليُقال شجاع فهذا ليس في سبيل الله، كما جاء في حديث الثلاثة الذين تُسجَر بهم النار أول ما تُسجَر «رجل مُجاهِد يأتي به الله -تبارك وتعالى- ويُذكِّره نعمته ويقول له ما فعلت بها؟ يقول يا رب قاتلت في سبيلك»، يعني جاهدت الأعداء في سبيلك، «فيُقال كذبت؛ إنما قاتلت ليُقال شجاع، وقد قيل»، يعني كانت نيَّته الشجاعة؛ أنه يُقال عنه أنه شجاع، قال وقد قيل؛ فهذا ليس في سبيل الله، والرجل يُقاتِل المغنم يعني يُقاتِل من أجل أن يحصل على الغنيمة في القتال؛ فهذا ليس في سبيل الله، فهذا كذلك إذا كانت نيَّته ومقصِده فقط الغنيمة فهذا ليس في سبيل الله.
حصَرَ النبي -صل الله عليه وسلم- بأن «مَن قاتَل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، وهذا القتال الذي تكون فيه كلمة الله هي العليا له أهداف عظيمة؛ منها الدفع عن المؤمنين، {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}، وكذلك استنقاذ المؤمنين الضعفاء الذي يُعذِّبهم الكفار، {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا}[النساء:75] {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فالذين آمنوا يُقاتِلون في سبيل الله، والله -تبارك وتعالى- ندب أهل الإيمان هنا ليُقاتِلوا لإنقاذ إخوانهم المستضعفين؛ رجالًا، ونساءً، ووِلدانًا، وأنه يجب عليهم أن يهبّوا لنجدتهم ولاستنقاذهم من الكفار، الله يقول قاتلوا في سبيل الله وفي سبيل هؤلاء؛ وسبيل هؤلاء هو سبيل الله -تبارك وتعالى-، لأن إنقاذ المستضعفين من المؤمنين من الكفار هذا لله؛ يفعله أهل الإيمان لله فيكون في سبيل الله، كذلك من القتال في سبيل الله رد العدوان عن المسلمين، كما قال -تبارك وتعالى- {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:190]، فجعل قتال مَن يُقاتِلنا في سبيل الله، مَن استهدف أهل الإيمان وجَبَ على أهل الإيمان أن يستهدفوه وأن يُقاتِلوه؛ وقتالهم هذا في سبيل الله، قتالهم لرد العدوان عن أنفسهم وعن المؤمنين هذا كله في سبيل الله، كذلك القتال لتكون كلمة الله هي العليا في الأرض كلها ولا يكون هناك فتنة؛ سواء كانت فتنة الشرك، أو أن يكون هناك فتنة بمعنى أن مؤمن يُفتَن عن دينه، كما قال -جل وعلا- {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ........}[البقرة:193]، ويكون الدين كله؛ الخضوع كله، خضوع الناس كلهم لربهم -سبحانه وتعالى-؛ إما طواعية فيدخلوا في الإيمان، وإما بالكره فيُعطوا الجِزية عن يدٍ وهم صاغرون، كما قال -جل وعلا- {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة:29]، فهذا كله قتال في سبيل الله كذلك، القتال في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السُفلى، وقال -جل وعلا- في نصر النبي {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة:40]، فنصر النبي إعلاء لكلمة الله -تبارك وتعالى-، فالقيام مع النبي -صل الله عليه وسلم- ونصره على أعدائه إنما هو نصر لله -تبارك وتعالى-؛ وإعلاء لكلمة الله -تبارك وتعالى- في الأرض.
هذا كله من معاني القتال في سبيل الله، لا يكون القتال في سبيل الله إلا بهذا، هذا كله من معنى أن يكون القتال في سبيل الله، قال -جل وعلا- {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ ........}[الصف:4]، نيَّةً ومقصدًا وفي كل هذه المجالات التي هي من سبيل الله -تبارك وتعالى-؛ نصرًا للمستضعفين، ردًا لعدوان المسلمين عن أنفسهم، طلبًا للكفار في ديارهم من أجل أنهم مشركون؛ سبّوا الله -تبارك وتعالى- وشتموه، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[التوبة:30]، فهؤلاء الذين سبّوا الله وشتموا على هذا النحو أمر الله -تبارك وتعالى- أن يُقاتِلوهم لهذا؛ وأن يجعلوهم خاضعين للا إله إلا الله، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ........}[البقرة:193]، فأمَرَ الله بقتال هؤلاء حتى لا تكون في الأرض فتنة؛ وحتى يخضع هؤلاء لحُكْم الإسلام، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف:4]، وسواء كان هذا في ساحة القتال؛ فيكون قتالهم صف في ساحة القتال، كما كان النبي -صل الله عليه وسلم- قبل المعركة يرُص أصحابه -صل الله عليه وسلم- ويُسوِّيهم؛ كما فعل في بدر، وفعل في أُحُد -صلوات الله والسلام عليه-، وإما أنهم صفًّا بالمعنى؛ بمعنى أنهم كلهم مُتراصون على قلب واحد، وإن كانوا مُتفرِّقين في مواقع القتال لكن كلهم لهم هدف واحد ومقصِد واحد، فيكون حالهم كحال مَن هم في صفٍّ واحد من صفوف القتال؛ فيحب بعضهم بعضًا، مؤتلفين، نيَّتهم واحدة، مقصِدَهم واحد، كما مدح الله -تبارك وتعالى- رسوله المؤمنين فقال {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ ........}[الفتح:29]، فالله يحب الذي يُقاتِلون في سبيله صفًّا؛ في صفوف القتال، وكذلك صفًّا بأنهم مؤتلفين؛ مُتحابين، مُتراصين، إخوة كل منهم يفدي أخاه.
{كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}، كأنهم بُنيان مرصوص في صف القتال، وكذلك كأنه بُنيان مرصوص في ائتلاف قلوبهم واتحادها بعضهم مع بعض وإن اختلفت مواقعهم، كما قال النبي «المؤمن للمؤمن كالبُنيان؛ يشُد بعضه بعضًا»، فهذا وصْف، «المؤمن للمؤمن كالبُنيان؛ يشُد بعضه بعضًا»، وإن كانا غير مُتلاصقين في الأجسام؛ ما هما مُتلاقين في الأجسام، وإن كانوا مفترقين في الأجسام لكنهم كأنهم في هذا البناء؛ بناء الإسلام الواحد، كأنهم بُنيان واحد، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف:4]، بُنيان قد رُصَّت لَبِناته وارتبطت والتحمت كل لَبِنة بالأخرى، والمؤمنون هكذا سواء كانوا في صف القتال عندما يُصفّون، أو أنهم في ائتلافهم واتحادهم وإخوَّتهم كأنهم لُحمةٌ واحدة.
ثم قال -جل وعلا- {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[الصف:5]، هذا مثَل هنا يضربه الله -تبارك وتعالى- لأهل الإيمان من أصحاب النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، ألا يكونوا في صُحبتهم لرسولهم كصُحبة بني إسرائيل لموسى -عليه السلام-؛ فإنهم آذوه أذىً شديدًا جدًا في البدايات وفي النهايات، ومن الأذى الذي آذوه به في النهايات هو أنهم أمرهم بالقتال فكعوا، عِلمًا أن القتال لمصالح دنيوية لهم ستحقق في العاجل القريب، أما في البدايات فإنهم آذوا موسى -عليه السلام-؛ قد أوذيَ من قومه أذىً شديدًا، فأولًا لم يؤمن له من قومه وقد جائهم مُخلِّص يُخلِّصهم مما هم فيه في مصر؛ من الذل، والهوان، وسوء العذاب النازل بهم، لكن لم يؤمن له إلا الذريَّة وكانوا أيضًا خائفين من كبارهم الذي يوشون بهم إلى فرعون وملئه، قال -جل وعلا- {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ........}[يونس:83]، حتى أنهم كانوا خائفين من الملأ أن يوشي بهم، ثم لمَّا استمر البلاء عليهم مع موسى -عليه السلام- آذوه بالكلام، {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}، وكأن مجيئه إليهم قالوا بأنه عديم الفائدة بالنسبة إلينا؛ العذاب مستمر علينا، {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}، أين الخلاص الذي تعِدُنا به؟ فقال لهم {........ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}[الأعراف:129]، ثم لمَّا خرج بهم من أرض مصر لمَّا رأوا فرعون خافوا وقالوا {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}، فقال لهم نبيهم {........ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء:62]، يعني توكَّلوا على الله -تبارك وتعالى-، ثم لمَّا خرجوا وأنجاهم الله -تبارك وتعالى- ما كادوا يخرجوا من البحر إلا ورجعت طائفة منهم إلى عبادة الأصنام، الله يقول {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ........}[الأعراف:138]، كيف تتخذون إله لكم من دون الله -تبارك وتعالى-؟ والله هو ربكم -سبحانه وتعالى- الذي صنع معكم هذه الصنائع العجيبة الكبيرة، فقد ضرب آل فرعون بهذه الآيات الباهرة؛ ضربهم بالطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم، وحُجَّة سحَرَتهم ضربها الله -تبارك وتعالى- بعصا موسى وأيَّدَه بهذه المعجزات الباهرة؛ وكان فلق البحر من أعظم الآيات، الله -تبارك وتعالى- يقول {وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}[الأعراف:141]، {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}[البقرة:50]، الذي فارق بهم البحر على هذا النحو؛ كيف يقولوا بعد أن يخرجوا من هذه؟ والآية لسة مازالت آثارها ماثلة في الأعين والأذهان، يمشوا على ناس بيعبدوا الأصنام فيقولون {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}.
ثم عندما يُغادِرهم موسى -عليه السلام- ويتركهم فقط أربعين ليلة؛ الله -تبارك وتعالى- وَعَدَه أربعين ليلة في الجبل ليُعلِّمه ويُنزِل عليه التوراة، فإذا بهم في هذه الأربعين ليلة يصنعون عِجلًا لهم من ذهب ثم يعكفون عليه، ويطوفون به، ويشربون الخمر، ويفسدون كل الفساد حوله، ويُصفِّقون ويُزمِّرون ويقولوا هذا هو الله الذي أنجانا، {........ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}[طه:88]، نسي موسى أن إلهه ها هنا، كيف عِجل من ذهب؟ الله يقول عن السامري {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}[طه:88]، أذى عظيم وكفر عظيم بالله -تبارك وتعالى- على هذا النحو، وقال لهم {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا}[طه:89]، يعني أفلا يرون أن هذا العِجل لا يرُد لهم قول؟ إذا خاطبوه أو سلَّموا عليه ما يرُد لهم قول ولا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا؛ كيف يكون هذا إله؟ كيف يكون هذا إلهكم؛ خالقكم، ورازقكم، ومتوَلّي شئونكم، وهو الذي أجرى هذه الآيات العظيمة وخلَقَ هذا الخلْق العظيم، فآذوه أذىً عظيم جدًا، ثم إنهم بعد ذلك وبعد ذلك أذى طويل، فإن موسى لمَّا ذهب بهارون ومات هارون في الجبل رجع لهم ليقول لهم إن هارون قد مات؛ قالوا أنت الذي قتلته، فاتهموه بقتله كما جاء عندهم في ما كتبوه في التوراة، وفي النهاية عندما قال لهم {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}[المائدة:21] {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}[المائدة:22]، كيف تقولوا هذا؟ وهذا الأمر الإلهي يأتيكم وموعوده يأتيكم وموعوده حق؛ موعود الله -تبارك وتعالى- حق، ويأتيهم مَن يُشجِّعهم على هذا الدخول، {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[المائدة:23] {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا ........}[المائدة:24]، بهذه الصورة من صور الاستهزاء والسخرية برسولهم، {........ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}[المائدة:24] {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ........}[المائدة:25]، يعني بالنسبة لأمرك هذا لنا بالقتال ما أملك إلا نفسي؛ اللي هو موسى، وأخي؛ اللي هو هارون، {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}، عند ذلك عاقبهم الله -تبارك وتعالى- {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}[المائدة:26]، تأسَ؛ تتأسَّف وتحزَن على هؤلاء القوم الفاسقين.
هذه رحلة موسى وطريقه الطويل قد آذوه أذىً عظيم، وقد أخبر النبي أنهم كذلك مما آذوه به اتهموه في نفسه وفي خلْقِه فقالوا موسى آدر؛ لا يستحِم معنا، يقول النبي كان موسى لا يستحِم مع الناس لأن بنوا إسرائيل كانوا يستحمون عرايا في النهر، فكان موسى إذا أراد أن يغتسل ويستحِم يذهب بعيدًا وحده وينزل في النهر وحده، أمر الله -تبارك وتعالى- الحجر الذي وضع موسى عليه ثيابه أن يفِر بثيابه، فخرج موسى يجري في إثر الحجر الذي أخذ ثيابه فمرَّ على ملأ من بني إسرائيل فرأوه؛ رأوا خلْقَه الكامل، فقالوا والله ما بموسى بنقص بعد أن كانوا يقولون هو رجل آدر، فهذا من الأذى الذي أوذيَ به موسى -عليه السلام-، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ}، أي بني إسرائيل، {يَا قَوْمِ}، قومه لأنهم كلهم من أبناء رجل واحد وهو إسرائيل؛ يعقوب -عليه السلام-، {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ}، سؤال للاستنكار؛ لِمَ تؤذونني؟ وأذى بهذه الصور المتكررة من صور الأذى، {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ}، قد؛ للتحقيق، يعني هم يعلمون أنه رسول الله ومع ذلك يؤذونه؛ وهذا أمر كبير جدًا، فإن أذى الرسول إنما هو أذى لله -تبارك وتعالى-، هذا رسول الله؛ فكيف لا يكون محِل التبجيل والتعظيم؟ كيف يُقدِّم المؤمن أذى لرسول الله؟ وقد قال الله -تبارك وتعالى- في رسولنا محمد -صلوات الله والسلام عليه- {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}[الأحزاب:57]، أذى النبي أذى لله -تبارك وتعالى-، فهذا موسى يقول لقومه ...، أولًا هم يشتركون في النَسَب؛ وكذلك هو مُخلِّصهم، وهو رسول الله، يقول لهم {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ}، هذه الجريمة تكون كبرى في أنهم مع عِلمهم بأنه رسول الله يؤذونه، وبعدين هو رسول الله إليكم، {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ}.
قال -جل وعلا- {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، الزيغ هو الذهاب السريع عن الحق، زاغ عنه؛ ابتعد عنه ومال عنه، فلمَّا زاغوا؛ أي عن الحق، وأن يؤمنوا بالله -تبارك وتعالى-، ويُعظِّموا رسولهم، ويسيروا في الطريق الذي يُبيِّنها لهم امتثالًا للأمر واجتنابًا للنهي، {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، عاقبهم الله -تبارك وتعالى- بأن أزاغ الله قلوبهم عن الحق، قد يرى هذا الذي أزاغ الله قلبه الباطل حق ويرى الحق باطل؛ هذه عقوبة له من الله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، هذه قضية عامة؛ أن الفاسق لا يهديه الله -تبارك وتعالى-، الفاسق الذي خرج عن طاعة الله –تبارك وتعالى- لا يوفِّقه الله؛ بل يجعله على فِسقِه ويُزيغ قلبه -سبحانه وتعالى-، فالله لا يهدي إلا مَن أناب؛ إلا مَن ترك الكفر، وترك الفسق، وخرج عنه، واتجه إلى الله -تبارك وتعالى- عند ذلك تأتيه الهداية، أما مَن عرف الهداية وزاغ عنها؛ والتفت عنها، وسار بعيدًا عنها، فإنه يُعاقَب من الله -تبارك وتعالى-، {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
نقف هنا ونُكمِل -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.