الأربعاء 08 ذو القعدة 1445 . 15 مايو 2024

الحلقة (712) - سورة الجمعة 1-2

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا وبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الجمعة:1] {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الجمعة:2] {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الجمعة:3] {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الجمعة:4] {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الجمعة:5]، هذه الآيات من سورة الجمعة؛ وسورة الجمعة سورة مدنية.

بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بقوله -جل وعلا- {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الجمعة:1]، التسبيح هو التنزيه والتقديس، والله هو سُبُّوح قدُّوس؛ المُقدَّس، المُنزَّه -سبحانه وتعالى- عن كل عيب ونقص، فهو مُنزَّه عن الولد؛ لا ولد له -سبحانه وتعالى-، سبحانه أن يكون له ولد، {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ}، هو الغني،  {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، فالله يُقدَّس ويُنزَّه ويُسبَّح؛ أن يكون له ولد، أن تكون له زوجة، أن يكون له نِد مُنادِد، شريك، ظهير، مُعين، كُفء، كل هذا يُنزَّه الله -تبارك وتعالى- عنه، هو الواحد الأحد؛ الفرد الصمد، الذي لم يلِد، ولم يولَد، ولم يكن له كفوًا أحد -سبحانه وتعالى-، يُنزَّه الله -تبارك وتعالى- عن كل صفات المخلوقين؛ صفات النقص في المخلوق، فإنه لا مخلوق تكمُل صفته بكل معاني الكمال مهما كان، ففي العِلم لا يوجد مخلوق يعلم كل المعلومات؛ يعلم ما في السماوات وما في الأرض، وإنما لا عِلم للمخلوق إلا ما علَّمَه الله -تبارك وتعالى-، تقول الملائكة {........ سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة:32]، وتقول الرُسُل عندما يقول الله -تبارك وتعالى- لهم {........ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:109]، فلا أحد يعلم من العِلم إلا ما علَّمه الله -تبارك وتعالى-، ولا يوجد مَن يعلم الأمور ويعلم كل الموجود، فلا يعلم كل الموجود إلا الله -سبحانه وتعالى-؛ فهو الذي وسِعَ عِلمه كل شيء، قد أحاط بكل شيء عِلمًا -سبحانه وتعالى-، أما الموجود والمخلوق فإنه عِلمَه بقدْر ما يُعطيه الله -تبارك وتعالى-، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:85]، والسمْع صفة يتصِف بها المخلوق، لكن سمْع كل مخلوق مناسب لحاله؛ على قدْر حاله، يسمع في حدود السمْع الذي جعله الله له، وأما الذي وسِعَ سمعَه الأصوات كلها فهو الله وحده -سبحانه وتعالى-، سبحان مَن وسِعَ سمعه الأصوات، فسمْع الله -تبارك وتعالى- يسَع كل صوت، لا يغيب عنه دبيب نملة سوداء على صفاة ملساء في ليلة ظلماء؛ لا تغيب عن الله ولا تغيب عن سمعِه -سبحانه وتعالى-، فنملة تسير بقدمها هذه الصغيرة الرقيقة على صخرة ملساء؛ لا تصطدم بشيء، في ليلة ظلماء، يسمعها الله -تبارك وتعالى- ويراها الله -تبارك وتعالى-.

كذلك الله -تبارك وتعالى- لا يغيب عن بصره شيء في كل الوجود -سبحانه وتعالى-، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة:7]، {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[يونس:61]، فلا يوجد مَن يُحيط بصره بكل الوجود، بل الذي يُحيط بصره ويعلم بكل الوجود هو الله وحده -سبحانه وتعالى-، وكذلك قد يتصِف المخلوق بالرحمة؛ لكن رحمته محدودة، وأما الذي وسِعَت رحمته كل الوجود فهو الله -سبحانه وتعالى-، {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}، ثم ما يعتري المخلوق من صفات الكمال؛ صفات الكمال التي في المخلوق مناسبة لحاله، وأما صفات الكمال التي لله -تبارك وتعالى- فهي لائقة بذاته؛ ليس فيها نقص بأي وجه من الوجوه، فالله لا يعتري عِلمَه نقص؛ ما في شيء يخرج عن عِلمِه، ولا قطرة، ولا مجرد سقوط ورقة من شجرة؛ هذي لا يمكن أن تسقط من عِلم الله -تبارك وتعالى-، فلا تسقط إلا بعِلمه، لا يمكن أن تسقط ورقة من شجرة في أي مكان في هذا الوجود إلا وهذا بعِلم الله -تبارك وتعالى-، {........ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:59]، أحصى الله -تبارك وتعالى- ودوَّنَه، وأما صفات النقص التي في المخلوق فإن الله مُنزَّه عنها؛ فالمخلوق له بداية وله نهاية، الله -سبحانه وتعالى- هو الأول الذي ليس قبل شيء والآخر الذي ليس بعده شيء، المخلوق يموت؛ الجِن والإنس يموتون، والله -سبحانه وتعالى- هو الحي الذي لا يموت، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ}، العبد يمرَض لا تُصيبه آفة، العبد ينام والمخلوق ينام؛ الإنسان ينام، والجِن ينامون، والشجر ينام، والله -سبحانه وتعالى- الحي القيّوم الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم -سبحانه وتعالى-، الظلم؛ الله مُنزَّه عنه -سبحانه وتعالى-، العبد يظلم؛ الإنسان ظلوم جهول، أما الله -تبارك وتعالى- لا، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}، -سبحانه وتعالى- كل هذا من تنزيهه -تبارك وتعالى-؛ تسبيحه.

الله يشهد له يعني يُسبِّحه -سبحانه وتعالى- كل مَن في سماواته وكل مَن في أرضه، والملائكة أعظم خلْق الله -تبارك وتعالى- تسبيحًا له، كما قال -جل وعلا- عنهم {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء:20]، الملائكة يُسبِّحون الله؛ يعني يُنزِّهون الله -تبارك وتعالى- عن كل هذا النقص والمعايب ليلًا ونهارًا، كل الوقت لا يفترون؛ والفتور يُشير إلى الضعف، يعني لا يُصيبهم أي نوع من الضعف عن قيامهم بتسبيح الله -تبارك وتعالى- وتنزيهه -سبحانه وتعالى-، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ}[الصافات:180]، يُنزَّه الله -تبارك وتعالى- عن كل ما وصَفَه به الجاهلون؛ هذه الأمم الكافرة، والجاهلة، والفاسقة، الجِن الكافر، الإنس الكافر، قد قالوا على الله -تبارك وتعالى- أقوال عظيمة، والجِن قالوا {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[الجن:5]، قد قالوا، فكل ما قاله المُفتَرون عن الله -تبارك وتعالى- ممَن أنكروه وجحدوه؛ كالذين قالوا {........ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}[الأنعام:29]، والذين اتخذوا آلهة معه فقالوا له ولد؛ كمشركي العرب الذين قالوا الملائكة بنات الله، أو النصارى الذين قالوا عيسى ابن الله، أو اليهود الذين قالوا عُزير ابن الله، أو الذين نسبوا الأُلوهية وقالوا إن الله يحُل في مخلوقاته، هذه الأمم الجاهلة، المُشركة، الكافرة، قالت على الله -تبارك وتعالى- مقالات عظيمة جدًا؛ وأعظم هذا قولهم قولهم اتخذ الله ولدًا، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا}[مريم:88] {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا}[مريم:89] {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}[مريم:90] {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}[مريم:91] {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}[مريم:92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم:93] {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا}[مريم:94] {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم:95].

انظر تصوّرات الأمم الجاهلة منذ وجِدَ الجهل ووجِدَ الشرك؛ كم كتبوا؟ كم ألَّفوا؟ كم اعتقدوا؟ كم قالوا؟ تسبيح الله؛ تنزيهه عن كل هذه المقالات، تنزيه الله -تبارك وتعالى- عن كل ما قال فيه الظالمون وقال فيه الجاهلون، كما قال -جل وعلا- {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ}[الصافات:180]، يصفه هؤلاء المجرمون، {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ}[الصافات:181]، فهؤلاء الذين هم وصفهم هو الوصف الصحيح، لأن المُرسَلين هم الذين أتوا بالخبر اليقين والصفة الصحيحة عن الله -تبارك وتعالى-، وصفوا الله -تبارك وتعالى- بما وصَفَ به نفسه وبما أخبرهم -سبحانه وتعالى- به، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ}[الصافات:180] {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ}[الصافات:181] {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصافات:182]، الحمْد؛ بالألف واللام الاستغراقية، كل معاني الحمْد لله -تبارك وتعالى-؛ لصفاته ولأفعاله، كل أسمائه حُسنى وكل صفاته خير وكل أعماله خير -سبحانه وتعالى-؛ فلا يقضي إلا بخير -سبحانه وتعالى-، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ}، يُنزِّهه -سبحانه وتعالى- ويُبعِده عن كل هذه المعاني التي ذكرناها من معاني النقص، {مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}، ما في السماوات من الخلْق وما في الأرض من الخلْق يُسبِّحون الله -تبارك وتعالى-؛ أهل الإيمان بلسان مقالهم، وهذا لسان المقال ممكن أن نعلم بعضه ولا نعلم؛ فنحن نعلم مقالة الإنس، والجِن سبَّحَت الله -تبارك وتعالى- بمقالة تُعلَم، وهناك هذه الجمادات التي تُسبِّح الله والطير الذي يُسبِّح الله -تبارك وتعالى- بلغتهم التي يعلمها الله -تبارك وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، لا يفقه العباد كي تُسبِّح هذه الجمادات وهذه النباتات وهذه الموجودات لله -تبارك وتعالى-؛ وكيف تسجد له؟ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ........}[النور:41]، كلٌ من هذه الموجودات قد عَلِمَ كيف يُصلّي ويُسبِّح لله -تبارك وتعالى-، وكذلك قد عَلِمَ الله كيف يُصلّي له هذا المخلوق وكيف يُسبِّح له.

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ........}[الجمعة:1]، بلسان القال وبلسان الحال؛ أما بلسان الحال فإن وجود الموجودات هو تسبيح لله –تبارك وتعالى-، لأن وجود الموجود على هذا النحو في الخلْق الدقيق؛ فالله قد أحسن كل شيء خلَقَه، ما في مخلوق من النملة الصغيرة إلا وهو خلْق مُحكَم؛ إلى الفيل الكبير، إلى المجرة، من الذرَّة إلى المجرة الكبيرة كله في خلْق مُحكَم غاية الإحكام، فالله هو {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ}[السجدة:7]، هذا الخلْق الذي قد أُحسِنَ خلْقُه على هذا النحو هو يُسبِّح الله -تبارك وتعالى- بحاله وبوجوده، لأنه خلْقَه على هذا النحو المُتقَن وارتباطه مع بقية الخلْق على هذا النحو المترابط كالوحدة الواحدة؛ هذا دليل على أن الله -تبارك وتعالى- هو الإله الواحد الذي لا إله إلا هو، فيُسبِّحه بلسان حاله؛ أن يكون لله شريك، أن يكون له ولد، لأنه لو كان له ولد ولو كان له شريك لفسَدَ هذا الكون؛ لفسَدَ الخلْق، {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا}[الإسراء:42]، ليُغالِبوه، وقال {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[المؤمنون:90] {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[المؤمنون:91]، وقال أيضًا -سبحانه وتعالى- {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الأنبياء:22]، {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ........}[الأنبياء:22]، يفسُد هذا الكون ولا يمكن أن يكون هكذا، فصلاح هذا الكون وبقائه على إتقانه وإحكامه بدلالة الحال مُسبِّح لله -تبارك وتعالى-.

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ ........}[الجمعة:1]، إسم وصفة، فالله الملك؛ هذا اسمه ومن أسمائه -سبحانه وتعالى- الحُسنى، وهو صفة من صفاته -سبحانه وتعالى-؛ يعني معناه، فهو اسم له معنى مشتق من المُلك فهو يملك؛ وهو الملِك على الحقيقة، لا ملِك على الحقيقة إلا الله وكل غيره مُلكُه عاري؛ مُلك استعارة، أخذه من غيره؛ أخذه من الله -تبارك وتعالى-، الله هو الذي يُعطيه المُلك ويسلبُه وقت ما يشاء، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ}، كل المُلك؛ كل ما سِوى الله يملِكُه الله -تبارك وتعالى-، يملِكُه ذاتًا؛ يملِك رقبته، فهو الذي أوجدَه -سبحانه وتعالى-، ويملِكُه تصريفًا؛ فهو الذي يُصرِّفه، لا يستطيع مخلوق ولا ذرَّة صغيرة أن يتصرَّف أي تصرُّف إلا في الإطار والقرار والقضاء الذي قضاه الله -تبارك وتعالى- عليه، فبقائه؛ الله هو الذي أبقاه هذه المدة، وفرحه، وسروره، وضعفه، وقوته، ومرضه، وصحته، وضلاله، وهدايته، كل هذا بيد الله -سبحانه وتعالى-، فالتصريف في المخلوقات كلها بيد الله -سبحانه وتعالى-، مالِك المُلك ذاتًا وتصريفًا -سبحانه وتعالى-؛ فالمُلك كله له، {الْمَلِكِ}، الملك على الحقيقة وأما غيره فمُلكُه عاري، كما قال -جل وعلا- {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:26] {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:27]، فهو الملِك على الحقيقة -سبحانه وتعالى-.

{الْقُدُّوسِ}، صفة مبالغة من القداسة؛ والقداسة هي النزاهة، فهو الرب القدُّوس؛ المُقدَّس، المُنزَّه -سبحانه وتعالى- عن كل صفات النقص التي تعتري المخلوق؛ وأن يعتري صفة من صفاته نقص، صفات كماله كمال لا يعتريه نقص؛ فعِلمه يَسَع الموجودات كلها -سبحانه وتعالى-، ورحمته تسَع كل موجود، وسمعه سبحانه مَن وسِعَ سمعه الأصوات -سبحانه وتعالى-، لا يوجد صارخ، ولا مُصوِّت، ولا مُتكلِّم، ولا مُناجي لا يسمع الله -تبارك وتعالى- نجواه أيًا كان هذا المُتناجي الذي يتكلَّم سِرًّا، {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}، فالله -سبحانه وتعالى- هو القدُّوس؛ المُقدَّس عن كل نقص وعيب -سبحانه وتعالى-، لا تعتريه آفة من الآفات -سبحانه وتعالى-، {الْعَزِيزِ}، الغالب؛ الغالب الذي لا يغلبه أحد، فلا غالب له -سبحانه وتعالى- من خلْقِه قط؛ لا يوجد هناك مَن يغلب الله -تبارك وتعالى- ويسلبه مهما كان، لو كان مخلوق أعطاه الله -تبارك وتعالى- من القوة والقدرة ما يكون لا يفوت الله ولا يغلبه لأن الله هو الذي خلَقَه، فالملائكة الذين هم أعظم الخلْق خلْقًا هم كذلك يخافونه -سبحانه وتعالى-، {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:27] {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:28]، {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الشورى:5]، فالله هو العزيز؛ الغالب، الذي لا يغلبه أحد، {الْحَكِيمِ}، الذي يضع كل أمر في نَصابه، الحكيم يعني أن أعماله -سبحانه وتعالى- بمُقتضى العِلم الكامل، فكل أمر يعمله ويقضي به إنما هو في مكانه الصحيح؛ هدايةً، وإضلالًا، خلْقًا -سبحانه وتعالى-، تصريفًا، كل أعماله بمُقتضى الحكمة؛ فكل أمر من أمور إنما هو واقع في الموقع الصحيح -سبحانه وتعالى-؛ وليس هناك أمر طائش، ولا خارج عن الحكمة، ولا لعب... لا، تعالى الله -تبارك وتعالى- أن يكون في أعماله لعب، أو هُزُءٌ، أو سخرية، أو أن أمرًا خارج عن مُقتضى الحكمة، بل الله -تبارك وتعالى- هو الحكيم؛ الذي يضع كل أمر في نِصابه -سبحانه وتعالى-.

ثم ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- من أثر هذه الصفات فقال -جل وعلا- {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الجمعة:2]، هذه من حكمته، ومن رحمته، ومن إحسانه، ومن تقديسه -سبحانه وتعالى-، قال هو؛ الله، الموصوف بهذه الصفة؛ الذي تٌسبِّح له {........ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الجمعة:1]، هو؛ الله الموصوف بهذه الصفات، {الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ}، الأميين هم العرب، قيل سمّوا أميين لأنهم معظم لم يكن يُحسِن القراءة والكتابة، قيل لمَّا نزل هذا القرآن كان الذي يعرفون القراءة والكتابة في الجزيرة لا يتعدون بِضع وعشرين شخص فقط، كما قال النبي «إنَّا أمة أُميَّة؛ لا نقرأ ولا نحسب»، لا يعرفون القراءة ولا الحساب، فإن بعضهم كان آخر عدُّه إلى الألف ويقول والله لا أعلم بعد شيء، يقول لا أعرف أن أعُدَّ شيئًا بعد الألف، وكان النبي يقول «إنَّا أمة أُميَّة؛ لا نقرأ ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا، أو هكذا وهكذا وهكذا»، وقبض الأصبُع الثالث حتى يُبيِّن تسعة وعشرين وثلاثين، لأن بعض الناس لم يكن يعرف مدلول تسعة وعشرين وثلاثين، فالشاهد قول النبي «إنَّا أمة أُميَّة»، فهم الأُميُّون؛ العرب الأُميُّون، قيل أن نسبة مَن لا يقرأ ولا يكتب إلى أنه أُمِّي نِسبة إلى أمه؛ أن كان لازَمَ أمه، والذي يُلازِم أمه ولا يخرج لطلب العلم ونحو ذلك فيبقى على حاله، الله أعلم بسر اشتقاق الجاهل بالقراءة والكتابة؛ لماذا سُمّيَ أُميًّا.

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ}، العرب الذين لا يُحسِنون القراءة والكتابة؛ وكانت أمة على هذا النحو، {........ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الجمعة:2]، يعني أمر انقلابي؛ في الأمة الأُميَّة يخرج الرسول المُعلِّم، الذي يُعلِّم هذه الأمة الأُميَّة لتكون هي المُعلِّمة لكل الأمم؛ والقائدة لكل الأمم إلى طريق الله -تبارك وتعالى-، فهو أمر مُعجِز؛ أمر لا شك إعجازي، فالله الرب الإله -سبحانه وتعالى-؛ المُسبَّح، المُنزَّه، يختار أمة جاهلة؛ أمة أُميَّة، فيختار رسولًا منهم أُمي كذلك؛ لا يعرف القراءة والكتابة، فيجعله رسولًا إلى العالمين؛ يُعلِّم البشرية كلها، ويُعلِّم هذه الأمة الجاهلة لتكون هذه الأمة الجاهلة؛ الأمة الأُميَّة هي أستاذة العالم، هي مُعلِّمة العالم كله أعظم تعليم وتدعوه إلى أعظم تعليم؛ إلى صراط الله -تبارك وتعالى-، الذي هو العِلم اليقيني العميق؛ العِلم بالله -تبارك وتعالى-، وبرسالاته، وبطريقه، وبتشريعه، والذي يسَع هذه الدنيا كلها، طبعًا دون هذا عِلم الصناعات، والتجارات، والزراعات، فإن هذا من العلوم الحيوانية التي قد تُحسِنها حتى الحشرات؛ النحل وغيره في الهندسة والبناء وغيرها، وإنما هذا العِلم الشريف؛ العِلم العميق، عِلم المعاني، عِلم الدين، فالله -تبارك وتعالى- يجعل هذا العِلم الذي هو أشرف العلوم وأعلاها يُعلِّمه هذه الأمة الأُميَّة، قال {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ}، منهم؛ عربي، من نفس الأمة الأُميَّة، أُمي كذلك؛ لا يُحسِن القراءة والكتابة.

{يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}، يقرأ عليهم آياته، كيف الأُمي يحفظ ثم يقرأ؟ قراءة الأُمي لا شك أن هذا أمر مُعجِز، وأول ما جاء النبي -صل الله عليه وسلم- {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:1] {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[العلق:2] {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}[العلق:3] {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}[العلق:4] {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:5]، والنبي قال أنا لا أقرأ، لكن هذا طُبِعَ في صفحة فؤاده -صلوات الله والسلام عليه-، كانت الصفحات التي يقرأ منها النبي هي هذا القلب، فالله -تبارك وتعالى- يطبع هذه العلوم على صفحة قلب النبي -صل الله عليه وسلم-، قال {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193] {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء:194] {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء:195]، كان النبي يستمع إلى آيات الوحي فتنطبِع في قلبه، قال له الله -تبارك وتعالى- {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}[القيامة:16] {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}[القيامة:17]، جمعه في صدرك وقرآنه بلسانك، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ ........}[القيامة:18]، يعني قرأه الملِك، {........ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}[القيامة:18]، أي بالإنصات إليه، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}[القيامة:19]، كذلك نوحي إليك بيان هذا الأمر وتعليمه، فهذا النبي الذي لم يتعلَّم بالقلم، ولم يتعلَّم بالقراءة والكتابة، ولم يؤتيه الله -تبارك وتعالى- كتابًا يقرأه، وإنما جعل قلبه -سبحانه وتعالى- هو الصفحة والصفحات التي يطبع الله -تبارك وتعالى- عليها كلامه، ثم أخرج الله -تبارك وتعالى- هذا المكتوب في قلب النبي على لسانه -صل الله عليه وسلم-، فقوَّمَ الله -تبارك وتعالى- لسان النبي -صل الله عليه وسلم-، {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}[القيامة:17]، جمعه في صدرك وقرآنه بلسانك، فكان النبي إذا انفصل عنه الوحي -صلوات الله والسلام عليه- تنطبع هذه الآيات في صدره ويُعلِّمها، ويبقى هذا النبي الذي لم يقرأ ولم يكتب مُعلِّم البشرية كلها -صل الله عليه وسلم-؛ مُعلِّم الناس، ويُعلِّم أمة أُميَّة على هذا النحو ويُخرِجهم بعد ذلك من الظلمات إلى النور، ليس فقط تعليم شقشقة؛ يُعلِّمهم فقط في اللسان وفي الفكر، وإنما يُعلِّمهم العِلم الذي يُغيِّر حياتهم؛ يُغيِّر سلوكهم، يُغيِّر قلوبهم، ينقلهم نقلة هائلة جدًا من الظلمات التي كانوا فيها إلى هُدى الإسلام، يكون الشخص قاسي القلب؛ ظلوم، جهول، ثم إذا به يتحوَّل بهذا إلى أن يكون رحيم؛ رقيق العاطفة، عظيم الشعور، عالي الهمَّة، مُتجِه إلى الله -تبارك وتعالى-، بعد أن يكون من الذي يقتل ويدفن ابنته في التراب ظُلمًا وعدوانًا إذا به لا يظلم هِرَّة؛ لا يظلمها، أمر عظيم ونقلة هائلة جدًا من هذه الظلمات العظيمة إلى نور الإسلام.

 {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ}، -صل الله عليه وسلم-، {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}، يقرأ عليهم آياته؛ آيات الرب -سبحانه وتعالى-، قرآنه المُنزَل على صدره -صل الله عليه وسلم-، {وَيُزَكِّيهِمْ}، يُزكِّيهم؛ يُطهِّرهم، هذا الإنسان العربي؛ الجاهلي، الجاهل، القاسي، الظلوم، الجهول، الذي اعتقد الظلم واتخذه بكل معاني الظلم، إذا به يتحوَّل إلى إنسان أخر؛ زكي النفس، طاهر الفؤاد، طاهر الزيل، مستقيم على أمر الله -تبارك وتعالى-، عالي الهِمَّة؛ هِمَّته في السماء، هِمَّته ليُخرِج الناس من الظلمات إلى النور، أن يبذل لهم بلا ثمن؛ يبذل ما يبذل بلا أجرة ولا ثمن، ليس يظلم ليأخذ أموال الناس بل يُنفِقها؛ يُنفِق أمواله في سبيل الله، {وَيُزَكِّيهِمْ}، زكاة؛ طهارة نفوس، {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، يُعلِّمهم الكتاب؛ القرآن المُنزَل من الله -تبارك وتعالى- كتاب مكتوب، والحكمة؛ العِلم الكامل ليضعوا الأمور كلها في نِصابها، {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}، وإن كانوا من قبل؛ من قبل نزول هذا القرآن، لفي ضلال مبين؛ مع هذا الضلال المبين، لكن إرادة الله -تبارك وتعالى- أن يُخرِج هذه الأمة الأُميَّة الجاهلة على هذا النحو؛ ليضعها على صراطه -سبحانه وتعالى-، برسول أُمي كذلك، ما يجيب رسول قد عرف القراءة والكتابة؛ بل برسول أُمي منهم، يختاره الله -تبارك وتعالى- ليكون هذا، فيكون هذا إعجاز منه -سبحانه وتعالى-.

نقف هنا ونُكمِل في الحلقة الآتية -إن شاء الله-، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.