السبت 22 جمادى الأولى 1446 . 23 نوفمبر 2024

الحلقة (73) - سورة البقرة 255-256

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين وبعده.

أيها الأخوات الكرام يقول الله تبارك وتعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:255] هذه الآية آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله –عز وجل- وقد جاء في فضلها أن من قرأها في ليلة كان له من الله تبارك وتعالى حارس حتي يصبح ولا يقربه في هذه الليلة شيطان.

هذه الآية ذكرنا في الحلقة الماضية أنه ليس فيها إلا صفة الرب تبارك وتعالى فيها عشر جمل كل جملة منها تبين صفة من صفات الرب تبارك وتعالى، انتهينا عند قول الله تبارك وتعالى: عن مخلوقاته كلها الملائكة والجن والإنس أنهم لا يحيطون بشيء من علمه من علم الله -عز وجل-  إلا بما شاء، كما قالت الملائكة للرب تبارك وتعالى: لما قال: {........أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة:31] {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة:32]{قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ........}[البقرة:33] وذلك أن الله علمه  الأسماء كما قال: {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} فالملائكة لا يعلمون من علم الله إلا ما علمهم الله –عز وجل- إياه والبشر لا يعلمون من علم الله إلا ما علمهم الله تبارك وتعالى إياه سواء كانت هذه العلوم هي ما يتعلق بصفة الرب تبارك وتعالى بأخبار سابقة أخبار مستقبلة كذلك أمور هذه الدنيا وتفاصيل هذه الحياة وأسرار هذا الكون وعجائب الخلق فيه وطرق المعاش كل هذا لا يصل البشر فيه علومهم مخترعاتهم إلا ما شاء الله تبارك وتعالى أن يعلمهم إياه وما شاء الله تبارك وتعالى أن يعلم البشر إياه قليل جداً بالنسبة لعلم الله تبارك وتعالى، كما في قول الله تبارك وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي........}[الإسراء:85] فهذا نوع من العلم الذي استأثر الله تبارك وتعالى به لا يطلع عليه أحدًا من خلقه –سبحانه وتعالى- {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} الأمر هنا بمعني الشأن {........وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:85] فلم يعطنا الله –تبارك وتعالى- أن نعرف حقيقة الروح (كيف هي؟ - ما هي؟ - مكوناتها؟ – كيف تدخل الجسم فيحيي به؟ - كيف تنزع منه أين مستقرُها؟ - ما شكلها؟) هذا كله إلى الله –سبحانه وتعالى- هو خالق الروح، وهو العليم بها –سبحانه وتعالى- ولم يعط علمها لأحد من خلقها –جلَّ وعلا- {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} والشاهد {........وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:85] وعلم كل بالنسبة لعلم الله فلا شيء، كما جاء في حديث الخضر: «أنه قال لموسى: يا موسى أنت على علم من علم الله علمك ولا أعلمه أنا وأنا على علم من علم الله علمني لا تعلمه أنت، وقال له: ما نقص علمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر» وكان هناك عصفور يشرب من النهر فقال له: إذا كان هذا العصفور الذي يشرب من هذا البحر نقص منه، فكذلك علمي وعلمك ينقص من علم الله تبارك وتعالى.

فلا أحد من مخلوقات الله –عز وجل- يحيط علماً بشيء تعلم شيئا ويصل إلي علمه شيء من كل هذه الموجودات إلا بأن يكون الله تبارك وتعالى هو الذي أراد هذا وأطلعه عليه وهداه إلى هذا فهذا من صفته –جلَّ وعلا- أنه علم كل شيء إليه ولا يخفي عن الله شيء ولا يطلع من خلقه على شيء من العلم ولا يطلع أحد من خلقه على شيء من العلم إلا بأمره ومشيئته –سبحانه وتعالى- وإذنه، وسماحه، وتعليه، ثم قال: -جلَّ وعلا- {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} هذا من صفة الرب الإله العظيم –سبحانه وتعالى- وهنا يصف الله تبارك وتعالى لنا مخلوق من مخلوقاته وكيف سعة الكرسي والعرش لاشك أن الكرسي مخلوق من هذه المخلوقات وهو كرسي منسوب إلى الله { كُرْسِيُّهُ} وهو كرسي الرب والعرش عرش الرب –سبحانه وتعالى- الكرسي معروف يعني في لغتنا، { والْعَرْشِ} معروف والعرش سرير الملك وأما بالنسبة للرب –سبحانه وتعالى- فإنه غيره يعني معلوم لنا، الله أعلمنا بأن العرش هو سبق هذه المخلوقات وقد منح الله تبارك وتعالى نفسه بأنه خلق السموات والأرض وأنه { اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} في سبع آيات من كتابه كقوله في –سبحانه وتعالى- {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ........}[يونس:3] استواء يليق بذاته ويليق بجلاله –سبحانه وتعالى- الكرسي دون العرش وهذا الكرسي يخبر الله تبارك وتعالى بأن السموات كلها والأراضين كلها  إنما هي جزء في الكرسي {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} وَسِعَ يعني أن كلها كما جاء في الحديث: «ما السموات السبع»  يعني والأراضين في العرش في الكرسي إلا كحلقة في فناء يعني بالنسبة إلا سعة هذا الكرسي بالنسبة إلي السموات والأرض أن السموات والأرض كحجم بالنسبة للكرسي كحلقة في فناء وكذلك الكرسي في عرش الله كحلقة في فناء والعرش لا يقدر قدره إلا الله –سبحانه وتعالى- لا يقدر قدره من القدر المقدار وقدره من القدر و هو التعظيم القيمة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر:1] يعني الليلة التي لها قيمة عظيمة ومنزلة عظيمة فلا يقدر قدر العرش إلا الله كقيمة ولا كذلك يقدر قدره كمقدار وسعة إلا الله يعني لا مكن أن تصل عقول المخلوقات مهما كانت (الملائكة، الجن، الإنس) هذه السعة فيقدرون فهي فوق تصورهم وإدراكهم فلا يقدر قدر ذلك إلا الله –سبحانه وتعالى- فالله يخبر هنا عن الكرسي بأنه { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} كرسي الرب –جلَّ وعلا- { السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَر كل السموات الأرض هي جرم صغير بالنسبة لكرسي الرب –جلَّ وعلا-، ثم قال: -جلَّ وعلا- { وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} هذا إذا تصورنا هذه الصورة من السعة سعة الكرسي وأن السموات والأرض كلها جزء صغير فيه فإذن الأمر يصبح متسع عندنا لا يمكن أن يتخيل العقل المخاطب بهذا القرآن سعة السموات والأرض فإذن هنا يبين الرب تبارك وتعالى أن السموات بهذه السعة الهائلة لا تتعب الرب، ولا يكرثه، ولا يعني يشق عليه –سبحانه وتعالى- أن يحفظها علي ما هي عليه { وَلا يَئُودُهُ }يتعبه، يكرثه يعني لا يكترث بأن يحفظها علي ما هي عليه، كما قال –جلَّ وعلا-  {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67] فالله أكبر وأعظم من كل مخلوقاته –سبحانه وتعالى- الله أكبر كل مخلوقات الله تبارك وتعالى الله أكبر منها لا أكبر من الله –جلَّ وعلا- وقد جاء من كلام ابن عباس وهو من الحكمة: «ما السموات السبع والأراضين؟» يعني إلا كخردلة في كف الرحمن –سبحانه وتعالى- شيء صغير بالنسبة إلي لذات الرب –جلَّ وعلا- والله لا يتعبه حفظ السموات والأرض، لا يكرثه، { وَلا يَئُودُهُ (لا يكرثه، ولا يتعبه، ولا يشغله –سبحانه وتعالى-) ولا يهتم بأن يحفظ السموات والأرض علي ما هي عليه (الشمس في مدارها والقمر في مساره، وهذه المجرات في أماكنها، والأرض في جريانها) {........كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[الأنبياء:33] ولا يتعب الرب تبارك وتعالى في حفظ هذا {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ........}[فاطر:41] لا يمكسهما أحداً بعد الله تبارك وتعالى فليس ثم (كفء، ولا ند، ولا شبيه، ولا شريك لله أن يكون مثله) وهذه الكون لا يحفظه إلا الرب الإله الذي خلقه –سبحانه وتعالى- وأقامه حيث أقامه فيه، وهو الرب تبارك وتعالى { الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }العلى على كل خلقه –سبحانه وتعالى- فكل هذه المخلوقات هي تحت الرب –سبحانه وتعالى- والله فوق الجميع قهر الجميع –سبحانه وتعالى- فالله مستوي على عرشه فوق عرشه، وعرشه فوق سبع سموات –سبحانه وتعالى- فهذا يجب الإيمان به أن العرش فوق السموات وأن الله تبارك وتعالى بذاته فوق عرشه –سبحانه وتعالى- ومع ذلك فإنه لا يغيب عنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في أطباق الأرض السفلي {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:59] فالله هو العلي –سبحانه وتعالى- العلي؛ مكاناً ومكانة فالله –سبحانه وتعالى- فوق عباده –سبحانه وتعالى- كما قال –جلَّ وعلا- {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ........}[الأنعام:18] السميع البصير، وقال –جلَّ وعلا- {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11] وقال: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}[المعارج:1] {لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ}[المعارج:2] {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ}[المعارج:3] والمعارج العروج هو الصعود إلي أعلى، ثم قال: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ........}[المعارج:4] تعرج والعروج أي تصعد في السماء{تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ........}[المعارج:4] جبريل عليه السلام والروح كذلك روح التي تقبض من الناس{تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ........}[المعارج:4] ثم قال:  {........فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}[المعارج:4] أي العذاب.

الأدلة على أن الله تبارك وتعالى فوق عباده أدلة لا تنحصر في كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه ولذلك يجب أن يعتقد بأن الله تبارك وتعالى في السماء فوق عباده فوق كل خلقه –سبحانه وتعالى- كما في حديث مسلم الحديث الجارية حديث معاوية  بن أبى الحكم السلمي لما جاء بالجارية فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم  يا جارية أين الله؟ فقالت في السماء فرفعت أصبعها، ثم قال لها من أنا؟ فقالت له أنت رسول الله أنت رسول من في السماء، فقال له النبي اعتقها فإنها مؤمنة» فالنبي عقد يعني اختباراً ليعرف يعني إيمان هذه الجارية وهل هي تستحق الحرية وتعتق أم لا فسألها هذين السؤالين؛

قال لها: يا جارية أين الله؟فقالت في السماء، ثم قال لها من أنا؟فقالت له: أنت رسول من في السماء.فقال له النبي: اعتقها فأنها مؤمنة.

فهذا الاعتقاد اعتقاد أن الله تبارك وتعالى فوق عرشه وأن عرشه –سبحانه وتعالى- هو سقف كل هذه المخلوقات وأن –سبحانه وتعالى- لا يغيب عنه شيء من خلقه بل مع عباده كلهم بسمعه وبصره لا يعزب عنه شيء، كما قال: -جلَّ وعلا- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة:7] فالله تبارك وتعالى عليم بكل شيء حاضر فيه بعلمه وسمعه وبصره لا يغيب عنه شيء من المخلوقين ولا ذرة صغيرة.

أثني الله تبارك وتعالى علي عبد من عباده يعلم ابنه الدين والتوحيد فيقول له: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}[لقمان:16] من كلام لقمان لابنه وهو يعظه ويبن له التوحيد يقول له: يا بني اعلم علم الله هذا علم الله { إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ }حبة الخردل نبات الخردل نبات معروف وبذرته صغيرة كحبة الرمل الصغيرة{  يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} داخل صخرة { أَوْ فِي السَّمَوَاتِ}ملقاه في هذه السموات {  أَوْ فِي الأَرْضِ} باطن الأرض  {........يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}[لقمان:16] فالله –سبحانه وتعالى- هو العلي فوق عباده –سبحانه وتعالى- فوق خلقه مستوٍ على عرشه على النحو الذي يليق بذاته وبجلاله –سبحانه وتعالى- وهو الرب العظيم المعظم –سبحانه وتعالى- { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} العظيم الذي لا يمكن الإحاطة بعظمته والعلم به علي الحقيقة إلا هو –سبحانه وتعالى- فالرب لا يعلمه على الحقيقة إلا الله –سبحانه وتعالى- الله لا يعلم على الحقيقة إلا الله وأما كل مخلوقات الله فإنهم لا يحيطون بالله علما، كما قال –جلَّ وعلا- عن الملائكة {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} لا يحيط أحداً علمًا بالله إلا الله –سبحانه وتعالى- فالله لا يعلم على الحقيقة إلا الله وهذه الصفات التي أخبرنا الله تبارك وتعالى عن نفسه –سبحانه وتعالى- في هذه الآية العظيمة آية الكرسي إنما يعني لا شك نؤمن بمعانيها لكن لا يمكن لنا أن نصل إلي نهاية معانيها وحقيقة معانيها علي الحقيقة وكيفيات هذا المعني فكون الله تبارك وتعالى أنه هو الحي القيوم كيفية حياته، وكفية إقامته، وأنه –سبحانه وتعالى- يعني يحيط علماً بكل شيء كيف لا يمكن لنا أن تستوعب عقولنا الكيفية لكن نعلم الصفات ولا نعلم كيفيات لأن ذات الله تبارك وتعالى يعني غير معلومة لدينا فنؤمن بصفاته كما أخبرنا –سبحانه وتعالى- {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:255] بعد أن بين الله تبارك وتعالى من صفاته ما بين في هذه الآيات العظيمة.

 قال –جلَّ وعلا- {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:256] { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} الإكراه هو الإجبار وإدخال الغير في الدين رغما عنه وبكراهية منه والدين هنا مقصود به الإسلام لا تكره أحداً، والنفي هنا إنما هو للنهي لا إكراه في الدين هذا نفي والمقصود هو (النهي) يعني لا تكره أحدًا علي أن يدخل في دين الإسلام، قال –جلَّ وعلا-{  قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} فإن طريق الحق قد تبين من طريق الغواية فأصبح طريق الحق واضحا لكل ذي عينين فمن لم يتخذ بعد هذا الطريق فقد انطمست بصيرته وعميت عينه قفلت قفل سمعه فهذا يكون من ضلاله ومن جحوده ومن كفره {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} والرشد ضد الغي والرشد هو الطريق السليم الموصل إلى السعادة؛ كل طريق يوصلك إلى السعادة فهذا هو طريق رشيد وكل ما كان عنده من العقل الذي يدله صاحبه علي طرق السلامة والعافية فهذا الذي قد رشد، وأما الذي يكون عقله يدفعه إلي الهاوية فهذا هو صاحب الغواية، { قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} قال: –جلَّ وعلا- {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} الطاغوت هذا اسم فاعل فيه مبالغة من الطاغي يقال: (طاغي، وطاغية، وطاغوت) طغي بمعني جاوز الحد فلما طغى الماء إنا لما طغي الماء حملناكم في الجارية، طغى يعني جاوز حده، طغى ماء النهر أي أنه كان يسير بمستوى معين فزاد  عن حده وخرج من أسواره فكل من جاوز حده نقول طغى اسم الفاعل طاغي مبالغة في نقول طاغية بزيادة تاء التأنيث مبالغة أكثر نقول طاغوت، فالطاغوت هو الذي قد جاوز حده يعني من كل رؤوس الطواغيت أول شيء: رأس الطواغيت كلها إبليس عليه لعنة الله فهذا طاغوت أكبر طاغوت لأنه تجاوز حده بدلاً من أن يكون عبدا لله تبارك وتعالى مستجيبا لأمره –جلَّ وعلا- علا على  أمر الله وقال لا أسجد كما أمرتني وقال أنا أفضل من هذا الذي تأمرني أن أسجد له، ثم إني لا بد أن أعمل  لإفساد هذا الإنسان والإضلال صرفه عن دينك وعن طريقك فهذا رأس الطواغيت، ثم تطلق الطاغوت كذلك على كل ما عُبد من دون الله وهو راض أو عبد وهو لا يستحق العبادة ولا شك أن كل ما عبد لا يستحق العبادة من (شجراً، وحجراً، وأوثان) فهذه الأصنام طواغيت وكل من دعا الناس إلي عبادة نفسه فهو طاغوت جاوز حده لأنه لا يستحق العبادة إلا الله تبارك وتعالى.

فكل ما عبد من دون الله تبارك وتعالى فهو طاغوت لكن من عبد من دون الله وهو لا يرضى بهذه العبادة هذا لا يكون طاغوت بهذا وإنما يكون الناس هم الذين جعلوه منه اعتقدوا فيه هذا وهو ليس كذلك، فإن عيسى بن مريم عبد من دون الله وهو كثير من الصالحين والأنبياء عبدوا بغير رضاهم لا يرضون هذا، كما يكون يوم القيامة الله تبارك وتعالى يقول: {........أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:116]{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة:117] {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:118] فناس عبدوه وهو يرضي بذلك فهذا {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}[الأنبياء:101] مبعدون عن النار.

فهذا هذه هي رؤوس الطواغيت الشيطان ما عبد من دون الله كل من دعا إلى عبادة نفسه من عبد من دون الله تبارك وتعالى وهو راضي هذه (الأصنام، والأوثان).

فمن يكفر لهذه الطواغيت ويؤمن بالله أنه الإله الحق الذي لا إله إلا هو –سبحانه وتعالى- هو الذي يستحق العبادة لغيره، قال -جلَّ وعلا-{فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}وهذا مثال الاستمساك يعني المسك الشديد بقوة و{ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} هي طرف الحبل إذا جعل علي شكل دائرة هذه عروة إذا كان الحبل متين وعروته وثقى يعني موثقة ومحكمة والإنسان  تمسك بها فإن هذا يكون أعظم سبب للنجاة، فإذا الإنسان وقع في مهلكة في بئر مثلا ثم دليَ له حبل متين وعروته موثقة وتمسك بهذا الحبل ثم سحب فإنه ينجو من هذه المهلكة التي وقع فيها فهذا مثال يضرب لمن يكفر بالطواغيت ويؤمن بالله تبارك وتعالى وهذا لقد نجا فهذا مثاله كمن تمسك بعروة حبل موثقة هو هذا الحبل يكون أشد لإنقاذه من المهلكة التي يكون فيها.

{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ} لا تنفصم {........وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:256] –سبحانه وتعالى- الله سميع عليم سميع لأقوال عباده –سبحانه وتعالى- عليم بهم فكأنما من تمسك بالله تبارك وتعالى وترك ما يعبد من دونه الله سميع به عليم به لا يمكن أن يخليه يعني لا يمكن أن يذهب إلي الهاوية بل لابد أن ينجيه الله تبارك وتعالى فهذا الذي ينجو فهذا الذي ينجو، لهذا يعني إن شاء الله إضافة في بعض معانيها.

اسأل الله تبارك وتعالى أن وفقنا وإياكم إلى ما يحبه ويرضى أستغفر الله ليّ ولكم من كل ذنب وصلى الله وسلم علي عبده ورسوله محمد.