الثلاثاء 07 ذو القعدة 1445 . 14 مايو 2024

الحلقة (731) - سورة الملك 20-30

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ}[الملك:19] {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}[الملك:20] {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}[الملك:21] {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الملك:22] {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[الملك:23] {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الملك:24] {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الملك:25] {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الملك:26] {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ}[الملك:27] {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الملك:28] {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الملك:29] {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}[الملك:30]، هذي الآيات آخر سورة تبارك، والسياق كله في مناقشة هؤلاء الكفار المُكذِّبين بربهم -سبحانه وتعالى-؛ والرادين لرسالة النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ}[الملك:19]، هذا من آياته المنظورة، الطير مخلوقات ضعيفة ويُمسِكها الله -تبارك وتعالى- في جو السماء تطير هذا الطيران؛ وبعضها طيران بعيد في جو السماء، يكون العصفور صغير ويقطع العشرة آلاف كيلو متر أحيانًا في الدُفعة الواحدة، ما الذي أقدَرَه؟ مَن الذي أعطاه هذه القُدرات العظيمة وأعطاء البوصلة التي توجِّه اتجاهه؟.

{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ}، أجنحتها، {وَيَقْبِضْنَ}، وهو صافٌّ جناحيه يسير، قد تجد الطير قد صفَّ جناحيه في السماء؛ في مستوىً واحد جناحيه، ثم إذا به ينطلق، ما هو هذا الدافع؟ ما هو المُحرِّك الذي في داخله يجعله يشُق الهواء على هذا النحو وينطلق؟ الطير آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ}، يُمسِكهُنَّ في الطيران إلى الرحمن الذي خلَقَ هذه المخلوقات وجعلها آية من آياته -سبحانه وتعالى-، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ}، هو مُبصِر بكل خلْقِه -سبحانه وتعالى-؛ وهو الذي أقام كل خلْق مقامه، {........ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:50]، {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ........}[الملك:20]، تعريض الله -تبارك وتعالى- بآلهتهم الباطلة؛ وقد كانوا يظنون أن هذه الآلهة ناصرة لهم، {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ}[يس:74] {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ}[يس:75]، الكافر إنما هو جندي مُحضَر لصنمه ولإلهه في خدمته وفي عمله، وهذا الصنم لا ينفعه بشيء ولا يستطيع نصره، {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ........}[الملك:20]، هل هذه الآلهة جنود لكم تستطيع أن تنصركم من دون الرحمن؛ من الله -تبارك وتعالى- إن أراد الله أن يوقِع عقوبته بكم؟ {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}، الكافر في غرور كأن هذا الغرور هو ظرف له، والغرور والتغرير هو تعليق الأمل على أمر لا حقيقة له؛ والسير في الكذب وهو يظن أنه صدق، فالكافر يعيش في غرور؛ مُغتَر بنفسه، مُغتَر بقوته، مُغتَر بإلهه، وكل هذا في الكذب وقد غرَّره الغرور؛ الشيطان الذي غرَّره وزيَّن له عمله الباطل، والحال أن عمله الذي يسير فيه باطل، {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}.

ثم قال -جل وعلا- {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}[الملك:21]، {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ}، والذي يرزقهم على الحقيقة هو الله -تبارك وتعالى-؛ وتعليقهم الرزق على غيره إنما هو كذب، ثم قال -جل وعلا- {إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ}، إن أمسك الرزَّاق الذي يرزقكم رزقه؛ الله -سبحانه وتعالى-، ما حالكم؟ كيف يكون حالكم؟ والحال أن الله -تبارك وتعالى- كل رزق ...، والرزق هو ما يُنتفَع به الإنسان؛ من طعام، من شراب، من كِساء، من لباس، من غير ذلك، كل رزق هو من الله -تبارك وتعالى- والحال أن الله -تبارك وتعالى- مُسديه، {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا}[عبس:25] {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا}[عبس:26] {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا}[عبس:27] {وَعِنَبًا وَقَضْبًا}[عبس:28] {وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا}[عبس:29] {وَحَدَائِقَ غُلْبًا}[عبس:30]، هذه كلها صناعة الله -تبارك وتعالى-، {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}[عبس:31] {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}[عبس:32]، رزقنا في السماء والمطر هو أساس الرزق؛ كل الأحياء عليه، ينزل المطر فتخرج هذه النباتات بما فيها؛ من الثمرات، ومن الفواكه، ومن حب الحصيد، ومن كل المملكة النباتية التي هي أكثر من اثنين مليون نوع من النبات يستفيد الإنسان بها ويعيش عليها، أنعامنا تعيش عليها وعلى الأنعام منها نأكل ما نأكل، قال -تبارك وتعالى- {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}[النحل:66] {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[النحل:67] {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}[النحل:68] {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل:69]، ذكَرَ الله اللبن كأشرف الغذاء؛ الحليب، ثم ذكَرَ بعده -سبحانه وتعالى- ثمرات النخيل والأعناب وهي من أعظم الثمرات، ثم ذكَرَ العسل وذكَرَ النحل وأن الله -تبارك وتعالى- هو الذي أوحي للنحل وهو الذي سخَّرها هذا التسخير؛ هذي من جملة أرزاق الله -تبارك وتعالى-.

الله هو الذي يرزقكم بما تطعمون، وما تشربون، وما تلبسون، وكل الرزق منه، وليس هناك من خالق خلَقَ ذرَّة ولا يستطيع أن يخلُقَ ذرَّة، حبة قمح واحدة ليس هناك خالق يستطيع أن يوجِد هذه؛ يوجِد بُرَّة واحدة وحبة واحدة مما تأكلون، فكيف يكون؟ الله يقول {إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ}، يعني إن أمسك الله -تبارك وتعالى- رزقه عنكم؛ هل لكم من إله؟ هل هذه الآلهة التي تعبدونها قادرة على أن ترزقكم وأن تُعينَكم؟ ثم قال -جل وعلا- {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}، بل؛ يعني حقيقة الكفار، لجوا؛ اللجاجة هي المعاندة والسير في ما هم فيه من الباطل، في عتو؛ قسوة، وشدة، وامتناع عن قبول الحق، ونفور؛ كره وابتعاد أن يقبلوا هذا الدين، انظر دعوة الله -تبارك وتعالى- وهو ربهم؛ وإلههم، وخالقهم، ورازقهم، ومتوَلي شئونهم، والذي يدعوهم إلى أن يؤمنوا به -سبحانه وتعالى-، وفي الإيمان ما فيه من خير الدنيا والآخرة، وانظر كيف استجابتهم لهذا الأمر؟ بل كل هذا رفضوه ولجُّوا في ما هم فيه؛ يعني أصروا عليه، واستكبروا به، وساروا في هذه اللجاجة؛ والمعاندة، ودفع الحق، {فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}، بل لجُّوا عن عتو ونفور مع هذا الخطاب الإلهي الذي يُخاطِبهم الله -تبارك وتعالى- به، يقول لهم تعالوا انظروا؛ هل لكم إله غير الله -تبارك وتعالى- الذي يرزقكم ويُعطيكم؟ انظروا آيات الله -تبارك وتعالى- المنظورة؛ انظروا الطير فوقكم، انظروا ما تأكلون وما تشربون، {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ........}[الملك:21]، وجواب الشرط محذوف، يعني إن أمسك رزقه؛ الجواب لن تجدوا مَن يرزقكم بُرَّة ولا حبة، {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}.

ثم قال -جل وعلا- {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الملك:22]، ضرب مثَل وبيان حال للكافر والمؤمن، {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ}، يمشي على أربع ووجهه للأرض هذا هو المُكِب على وجهه؛ كالحمار مثلًا أو هذه الدواب التي تمشي على أربع ووجهها للأرض، {أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا}، سويًّا؛ مُعتدِلًا، السوي؛ المستوي، {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، يعرف طريقه وصراطه ويسير عليه، أيهما أهدى سبيلًا وأحسن حالًا؟ الذي يمشي على أربع ووجهه للأرض لا يرى ما أمامه ولا يعرف طريقه، والذي يسير مستويًّا مُعتدِل القامة وهو سائر على صراط مستقيم، فهذا مثَل ضربه الله -تبارك وتعالى- للمؤمن والكافر، فالمؤمن على الصراط السوي وهو مستوٍ؛ قائم، يعرف طريقه، يعرف أنه يسير على طريق الرب -تبارك وتعالى- وأن هذا الطريق هو الذي وضعه الله؛ هذا صراطه المستقيم، وأن آخره معلوم آخر هذا الطريق؛ وأنه إلى جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه، وأما الكافر أعمى مُنكَّس الرأس؛ يسير ووجهه إلى الأرض، لا يعرف ما حوله، ولا يعرف صراط، ويهيم يمنَة ويسرَة، {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الملك:22].

ثم قال -جل وعلا- {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[الملك:23]، {قُلْ}، خطاب من الله -تبارك وتعالى- لرسوله بأن اخبر هؤلاء الكفار، {قُلْ هُوَ}، الله -سبحانه وتعالى- الذي تجحدونه؛ وتُنكِرونه، وتجحدون أن يُعيد أجسامكم مرة ثانية وأن يُحاسِبكم على أعمالكم، {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ}، إنشاء؛ إخراج، يعني أخرجكم من العدم وجعل لكم هذه النشأة وما كنتم شيء، قبل أن توجَدوا لم تكونوا وهو الذي أنشأكم -سبحانه وتعالى-؛ أنشأ كل نفس من العدم، ثم جعل لها هذه النشأة من هذه النطفة، ثم أنشأ ما أنشأ -سبحانه وتعالى- حتى أصبح هذا الخلْق خلْقًا كاملًا، {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ}، جعل؛ خلَقَ، فأنشأكم وجعل لكم السمْع، والأبصار، والأفئدة، أعظم ما في الإنسان من الجوارح؛ السمْع والذي هو منفذ المعرفة، وكل المعارف والعلوم التي يتعلَّمها الإنسان تدخل عن طريق السمْع؛ ما يسمعه، بدءًا بتعليم الكلام؛ فأول ما تعليم الكلام يكون عن السمْع، يأخذ الإنسان هذه الأصوات ثم كل ما يسمعه بعد ذلك يُترجِمه؛ هذه طريقة العِلم، وهو أنفع آلة للإنسان؛ أنفع أداة للإنسان، ثم البصر وهو الذي يكشف له ويُريه الأشياء، وقدَّم السمْع على البصر لأن السمْع أنفع للإنسان؛ أعظم من البصر كذلك للإنسان، ولذلك كان مَن يسمع أقدَر على التعلُّم ممَن فقد السمْع، فلو فاقد للبصر أو فاقد للسمْع؛ أيها أسهل تعلُّمًا؟ الذي فقد بصره ولكن وجد سمْعَه أسهل تعليمًا، وأما الذي فقد السمْع وإن كان معه البصر فإن تعليمه وإدراكه لِما حوله أقل، والأفئدة؛ القلوب، القلب الذي هو وعاء العِلم ووعاء العقل، فعقل الإنسان وعملية الفهْم والربط بين هذه العلوم والمعارف وتخزينها في القلب، {........ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:46]، فهذه مكونات الإنسان الأساسية، بعد ذلك هناك جوارح الإنسان؛ فيه رجليه، وفيه يديه، وفيه، وفيه ...، لكن هذه أعظم ما في الإنسان؛ سمْعه، وبصره، وقلبه.

{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[الملك:23]، إذن هذه البِنية التي هي بِنية الإنسان الله هو الذي أنشأها -سبحانه وتعالى-؛ هذا الذي تكفرون به وتردون رسالاته، وركَّب وأعطاك في هذه البِنية يا أيها الإنسان سمعك، وبصرك، وقلبك، ثم قال -جل وعلا- {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}، قليلًا أي منكم مَن يشكر، أو قليلًا منكم الشكر، فالشكر لله -تبارك وتعالى- من عباده قليل، كما قال -جل وعلا- {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، فقليل من العباد مَن يشكر الله -تبارك وتعالى- على هذه النِعَم، أول شيء النِعَم الذاتية التي في كيانه؛ فكيانه من الله -تبارك وتعالى-، حواسه وآلاته كلها من الله -تبارك وتعالى-، ولكن قليل مَن يشكره عِلمًا أن العبد لو أنه أخذ نعمة من هذه النِعَم وعبَدَ الله -تبارك وتعالى- بكل ما فَرَضَه من عبادة فإنه لا يؤدي حق نعمة من هذه النِعَم، لا تقوم عبادة الإنسان وعمله في مقابل نعمة واحدة من هذه النِعَم، والله -تبارك وتعالى- إنما طلب من عباده الاعتراف وشكره -سبحانه وتعالى-، ولكن حتى هذا الشكر اللي هو قول باللسان، واعتراف بالقلب، وعمل بالجوارح؛ قليل من العباد مَن يقوم بشكر الله -تبارك وتعالى-، وقليل الشكر كذلك من عباد الله -تبارك وتعالى-، قليل مَن يبلغ أن يكون شاكرًا لأنعُم الله -تبارك وتعالى-؛ يعني كإبراهيم، ومحمد، ورُسُله، كما قال الله -تبارك وتعالى- في إبراهيم {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل:120] {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ}، وقال الله -تبارك وتعالى- عن نوح {........ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}[الإسراء:3]، فقليل من العباد مَن يقوم بشكر الله -تبارك وتعالى-؛ وقليل منهم كذلك الشكر، {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[الملك:23].

{قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الملك:24]، قُل لهم هو الله -سبحانه وتعالى- الذي ذرأكم، ذرأكم؛ نشركم ووزَّعكم في هذه الأرض، {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}، فهذه البسيطة؛ الأرض الممتدة، الله -تبارك وتعالى- هو الذي وزَّع العباد فيها -سبحانه وتعالى- ونشرهم فيها؛ هذا في هذا المكان، وهذا في هذه القارة، وهؤلاء في هذه القارة، فالله -تبارك وتعالى- هو خالق الخلْق كله؛ وهو موزِّعه، وهو ناشره -سبحانه وتعالى-، {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الملك:24]، إليه؛ لا إلى غيره، تُحشَرون؛ تُجمَعون، فإن الله قد كتَبَ على نفسه -سبحانه وتعالى- أن يجمع هؤلاء الخلْق كلهم؛ من أول نسَمَة خلَقَها من آدم إلى آخر نسَمَة، لابد أن يجتمع الجميع ولو سِقْط لابد أن يأتي، {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}، ما قال وتُحشَرون إليه وذلك للحصر، قال {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}، يعني إليه لا إلى غيره -سبحانه وتعالى- تُحشَرون؛ تُجمَعون.

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الملك:25]، يقولون؛ الكفار، على وجه الاستهزاء؛ والسخرية، والاستبعاد، وأنه لا يكون، {........ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الملك:25]، يعني متى هذا الوعْد الذي تعِدُنا به؛ بأن كل الناس يجتمعون في صعيد واحد في يوم القيامة؟ اعطونا تاريخ هذا إن كنتم صادقين أن هذا سيكون، والحال أن الوعْد أكيد ولكن لا يتعلَّق صدقه على العِلم به، فإن الله -تبارك وتعالى- قد جعل عِلم الساعة إليه وحده -سبحانه وتعالى-، {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ}، ولكنها آتية لا محالة وأخبر الله -تبارك وتعالى- بها.

قال {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الملك:26]، {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ}، أي بوقت مجيء الساعة عند الله ولم يعلمها أحد، لم يُعلِم الله -تبارك وتعالى- أحدًا من خلْقِه بالوقت الذي تكون فيه الساعة، قال -جل وعلا- {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15]، وقال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ}، لا يُجلِّيها؛ لا يُظهِرها لوقتها إلا هو -سبحانه وتعالى-، حتى الملَك الذي يكون من نفخته قيام الساعة لا يعلم متى الساعة؛ ولا يعلم متى يأمره الله -تبارك وتعالى- بأن ينفخ في الصور، قال -جل وعلا- {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:68]، النافخ مَلَك من ملائكة الله -تبارك وتعالى- هو إسرافيل، فهذا المَلَك لا يعلم متى ينفخ، ولمَّا جاء جبريل إلى النبي -صل الله عليه وسلم- في صورة رجل؛ ودخل المسجد والصحابة حول النبي -صلوات الله والسلام عليه-، وسأله أسئلة ليُعلِّم الصحابة الدين عن طريق السؤال والجواب، فقال للنبي -صلوات الله والسلام عليه- وطبعًا الصحابة لا يعرفونه، «قال له اخبرني عن الإسلام؟ ثم قال له اخبرني عن الإيمان؟ ثم قال له اخبرني عن الإحسان؟ ثم قال له متى الساعة؟ فقال له النبي -صل الله عليه وسلم- ما المسئول عنها بأعلم من السائل»، المسئول عنها؛ الرسول -صل الله عليه وسلم-، بأعلم من السائل؛ الكل لا يعلمون، «ثم قال له اخبرني عن أماراتها؟ قال أن تلِدَ الأمة ربَّتها، وأن ترى الحُفاة العُراة العالة رُعاة الشاة البُهْم يتطاولون في البُنيان»، فهذه من أماراتها ومن علاماتها، {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ ........}[الملك:26]، أي وقت مجيء الساعة.

{وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}، وإنما؛ بالحصر، أنا؛ الرسول، نذير يعني أنه مُعلِمكم بمجيء هذه الساعة؛ يُنذِركم ويُخوِّفكم مجيء الساعة، لأن إذا جائت هذه الساعة فالأمور كلها مُتغيِّرة؛ أولًا لا قبول لعُذر بعد ذلك، ولا قبول لتوبة، ولا رجوع إلى هذه الدنيا مرة ثانية، فأنا أُنذِركم وأُخوِّفكم أن مَن أتى ربه -سبحانه وتعالى- مجرمًا ومات على الكفر فإنه خالد في النار خلودًا لا ينقطع، وإنما أنا نذير؛ مُخوِّف، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- لقريش في أو خُطبة له «إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»، هناك عذاب شديد ينتظر المُكذِّبين والمعاندين؛ فأنا أُنذِركم هذا العذاب، {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}، مُبين؛ مُظهِر للنذارة، فإنه لم يترك أي شك وأي لبس في بيان الأخطار العظيمة التي تنتظر المُكذِّبين بالبعث؛ بيَّن هذا أتم البيان، وقاله النبي -صل الله عليه وسلم- وأنزل الله -تبارك وتعالى- في هذا القرآن النذارة الكاملة؛ بوصف النار، وما فيها، وما أعدَّ فيها، وأنه لا يقبل منهم شفاعة ولا عُذْر، فهو أمر قد بُيِّنَ لهم البيان الكامل، {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}، وكذلك مُبين؛ بيِّن واضح، النذارة في أقواله، وفي أفعاله، وفي حاله -صلوات الله والسلام عليه-، فنِذارة النبي وأن هذا مُنذِر ظاهرة لكل أحد لأن هذا كان من عمله الأساس، أرسله الله -تبارك وتعالى- نذيرًا للناس؛ فكانت نِذارته في خُطَبِه، في مواعظه، في خروجه، في دخوله، يُنذِر الناس هذا العذاب؛ ويُخوِّفهم به، ويُذكِّرهم التذكير الدائم به، {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}.

قال -جل وعلا- {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ........}[الملك:27]، هنا نقلنا الله -تبارك وتعالى- إلى هذا العذاب الذي يُكذِّب به المُكذِّبون على طول، نقلة من هذه الدنيا ومن النقاش مع الكفار إلى كيف سيكون حالهم يوم القيامة، {فَلَمَّا رَأَوْهُ}، وجاء رأوه بالفعل الماضي أن هذا خلاص، لمَّا رأوه يعني رأوا العذاب والنار التي يوعَدونها والعذاب الذي يُكذِّبون به، قال -جل وعلا- {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وسيئَت يعني أنها اسودَّت وعلها الغيظ والكَمَد، أصبحت وجوههم سيئة بكل معاني السوء، كما قال -تبارك وتعالى- {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا}، وجائهم الكَمَد، والغيظ، والرعب، والذي لم يكونوا يحسبونه عندما رأوا السجن الذي سيُسجَنون فيه؛ جهنم والنار، {فَلَمَّا رَأَوْهُ}، ما قال الله -تبارك وتعالى- فلمَّا سيرونه أو عندما سيُشاهِدونه... لا؛ وإنما قال بالماضي كأنه مُتحقق أمامنا ويراه الكل، {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً}، زُلفة؛ قريب، {........ سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ}[الملك:27]، وقيل أي قالت ملائكة العذاب لهؤلاء المُكذِّبين، هذا؛ العذاب، هذا السجن الأكبر، هذه جهنم؛ نار الله -تبارك وتعالى- الموقدة، {هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ}، كنتم به تدَّعون يعني تُلقون دعاوى كاذبة؛ تُكذِّبونه، وتقولون كيف؟ ويقول قائلهم أنا أستطيع أن أُطفئ النار، النار عليها تسعة عشر؛ أنا أكفيكم عشرة وعليكم الباقين التسعة، فتكذيب به واستهزاء به وهذه ادِّعاءاتهم التي كانوا يدَّعونها في النار؛ وأنها لا تكون، أو يستهزئون بها، فيقول لهم هذا العذاب وهذه النار هي التي كنتم بها تدَّعون.

ثم قال -جل وعلا- {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الملك:28]، كان الكفار يتمنَون هلاك الرسول؛ وأن يذهب، وألا يبقى، وأنهم لا يرونَه هم والمؤمنون، قيل لهم لو أنه حصل هذا ...، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ}، يعني اخبروني، {........ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الملك:28]، انظروا إلى أحوالكم أنتم؛ مَن الذي سيُجير مَن كفر بالله -تبارك وتعالى- من العذاب الأليم؟ والحال لا أحد، فمجرد تطلُّعهم وتشوُّفهم إلى إهلاك النبي، وإهلاك المؤمنين، وإبقاء الساحة لهم وحدهم؛ إذن ما الذي يُخلِّصكم من عذاب الله -تبارك وتعالى-؟ {فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا}، قُل لهم الرحمن؛ الذي نؤمن به، ونوحِّده، ونعبُده -سبحانه وتعالى-، والذي وسِعَت رحمته كل شيء، آمنَّا به؛ صدَّقنا وعمِلنا بمُقتضى هذا التصديق، وعليه توكَّلنا؛ سلَّمنا أمورنا له -سبحانه وتعالى- ونعلم أن ما يقوله الله -تبارك وتعالى- حق، ونحن نسير متوكِّلين عليه -سبحانه وتعالى- في كل أمورنا؛ في حربكم لنا، وفي ما تقابِلونا به، نحن مُتوكِّلون على الله وعالمون بأن وعْدَه حق -سبحانه وتعالى- في المؤمنين، {........ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الملك:29]، فستعلمون؛ أيها الكفار، مَن هو؛ نحن أم أنتم، الذي هو في ضلال مبين؛ ضلال بيِّن واضح.

ثم في ختام السورة ختَمَ لهم بأمر عظيم فقال {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}[الملك:30]، قُل أرأيتم؛ اخبروني، {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا}، الماء الذي تشربونه وتستنبطونه ويجري عيون غائرًا؛ والله قادر على هذا -سبحانه وتعالى-، كما قال -تبارك وتعالى- {........ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ}[المؤمنون:18]، أذهب الله -تبارك وتعالى- ماء هذه الأرض وغوَّره، {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}، ماء خالص، عين الماء الخالص هذا؛ مَن يأتيكم به؟ فإن الله -تبارك وتعالى- هو الذي خلَقَ هذا؛ هو الذي يُنزِل المطر من السماء، يُسكِن الماء في الأرض في بِرَكه وأحواضه العظيمة، ثم يدفعه عيونًا، هذا كله فعل الله -تبارك وتعالى- ودورة الماء هذه كلها لله -تبارك وتعالى-، فإذا غوَّر الله -تبارك وتعالى- الماء من الأرض؛ فلا عيون تجري، ولا ماء يُستنبَط، {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}، الله -سبحانه وتعالى- هو مالِك المُلك، وقد بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بقوله -جل وعلا- {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الملك:1]، وختَمَها بهذا الأمر -سبحانه وتعالى- فهو الذي بيده المُلك؛ وهو على كل شيء قدير -سبحانه وتعالى-.

بهذا تنتهي هذه السورة العظيمة؛ سورة تبارك، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.