الخميس 20 جمادى الأولى 1446 . 21 نوفمبر 2024

الحلقة (738) - سورة الحاقة 34-52

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}[الحاقة:25] {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}[الحاقة:26] {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}[الحاقة:27] {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة:28] {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}[الحاقة:29] {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}[الحاقة:30] {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ}[الحاقة:31] {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ}[الحاقة:32] {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ}[الحاقة:33] {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الحاقة:34] {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ}[الحاقة:35] {وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ}[الحاقة:36] {لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}[الحاقة:37] {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:38] {وَمَا لا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:39] {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}[الحاقة:40] {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ}[الحاقة:41] {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[الحاقة:42] {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الحاقة:43] {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ}[الحاقة:44] {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ}[الحاقة:45] {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}[الحاقة:46] {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[الحاقة:47] {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}[الحاقة:48] {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ}[الحاقة:49] {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الحاقة:50] {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}[الحاقة:51] {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الحاقة:52].

آخر سورة الحاقة، الحاقة؛ يوم القيامة، التي تُحِق كل حق أخبر الله -تبارك وتعالى- به؛ إخبار الله كله حق، ولكن يُكذِّب به مَن يُكذِّب من الكفار هنا في هذه الدنيا، يوم القيامة هو هذا اليوم الذي يجعل فيه كل ما أخبر الله -تبارك وتعالى- به حقًا ماثلًا للعَيان أمام الجميع، ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- في هذا اليوم حال أهل الإيمان فقال {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ........}[الحاقة:19]، ثم ذكَرَ حال أهل الكفران فقال {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ}، إهانة له، كتاب أعماله، {........ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}[الحاقة:25]، يتمنَّى أنه ما جاء هذا اليوم ولا حصل فيه هذا الذي يحصل الآن، يتمنَّى كله أنه لم يكُن، {........ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}[الحاقة:25] {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}[الحاقة:26] {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}[الحاقة:27]، أن الموت الأول هذا كان قضى علينا ولا قيامة بعده، ثم يقول {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة:28] {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}[الحاقة:29] {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}[الحاقة:30]، يأتيه الأمر الإلهي خذوه؛ أي هذا المجرم، فغُلُّوه؛ الغُل هو القيد، {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ}[الحاقة:31] {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ}[الحاقة:32]، قياسها سبعون ذراع بذراع المَلَك، فاسلكوه؛ أدخِلوه فيها، {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ}[الحاقة:33] {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الحاقة:34]، لا خير فيه، ما كان فيه خير، فأولًا لم يؤمن بالله العظيم -سبحانه وتعالى- مع قيام أدلة الإيمان من آيات الله -تبارك وتعالى- المنظورة في كل هذا الكون، كل ما في هذا الكون المرئي هو أدلة على هذا الرب الإله الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى-، وكذلك الرُسُل الذي جائوا من ربهم -سبحانه وتعالى- بالدلالة الكاملة على الله -تبارك وتعالى- بوصف الله -تبارك وتعالى- وصفاته، الله يُعرِّفنا بنفسه -سبحانه وتعالى- ومع هذا ما كان يؤمن بالله العظيم، {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الحاقة:34]، أن ما فيه خير، مُجرَّد من عمل الخير؛ حتى رحمة للمسكين ما كانت موجودة.

قال -جل وعلا- {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ}[الحاقة:35]، ما في هناك مَن يحموا له، الحميم هو الصديق الذي يحموا لصديقه؛ يعني يحتَر له، فما في أي واحد حتى من كل المُقرَّبين له، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ}[عبس:34] {وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ}[عبس:35] {وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}[عبس:36] {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس:37]، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ}[المؤمنون:101]، {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا}[المعارج:10]، ما له أي صديق؛ لا من البشر، ولا من غيرهم، حتى من الملائكة، أن يعطف عليه أو يرِقُّ له، {وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ}[الحاقة:36]، يعني ليس له أي طعام يُنتفَع به إلا من الغِسلين، الغِسلين طعام من طعام أهل النار لم يُفسَّر في القرآن ولم يأتِ تفسيره، قال بعض أهل العِلم بأن هذا الغِسلين إنما هو عُصارة أهل النار، يعني ما يسيل منهم يجري أخاديد فيُشرَب من هذا، قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- ما أعرف الغِسلين إلا أن يكون هو الزقُّوم، الزقُّوم جاء وصفه وسمَّى الله -تبارك وتعالى- شجرته فقال {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}[الصافات:64] {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات:65] {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الصافات:66]، وهذا الزقُّوم قال النبي -صل الله عليه وسلم- فيه «يا عباد الله اتقوا الله، فلو أن قطرة من الزقُّوم قُطِرَت على الأرض لأفسدت على الناس معايشهم»، كل مَن على الأرض لا يمكن أن يحيا على الأرض بعد قطرة واحدة من الزقُّوم، يقول النبي «فكيف بمَن كان طعامه وشرابه؟»، يعني مَن يكون طعامه وشرابه هو هذا الزقُّوم -عياذًا بالله-، فهذا شراب والله -تبارك وتعالى- أخبر فقال {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ}[ص:57] {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ}[ص:58]، فأشربة أهل النار التي يُعذَّبون بها مُتعددة، الحميم؛ الماء المغلي الذي وصل حدَّه، وهذا الحميم ثقيل؛ ماء ثقيل غليظ، كما قال -تبارك وتعالى- {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}، والمُهل؛ المعدن المُذاب، يشوي الوجوه؛ من حرارته، فحرارته ليست كحرارة الماء التي نعهدها في الدنيا وإنما كحرارة المعدن المُذاب؛ بحيث أنه إذا قرَّبه ليشرب منه شوى وجهه قبل أن يدخل في جوفه -عياذًا بالله-، وإذا دخل في الجوف قال -تبارك وتعالى- {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}، {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ}[ص:57]، قيل الغسَّاق أنه وصِف بهذا من شدة سواده وشدة نتنه -عياذًا بالله-، قال -جل وعلا- {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ}[ص:58]، وأخر من شكله؛ من شكل هذه الأشربة، أزواج؛ أنواع، فهذا نوع من هذه الأنواع في أن ليس له طعام إلا من غِسلين.

{لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}[الحاقة:37]، لا يأكل هذا الطعام في النار -عياذًا بالله- إلا الخاطئون، الخاطئون؛ فاعلوا الخطيئة، الخطيئة هنا هي الخطيئة الكبرى؛ الكفر بالله -تبارك وتعالى-، هذا وصْف عظيم من الله -تبارك وتعالى- لحال أهل النار بعد أن وصَفَ حال أهل الجنة؛ في بهجتهم، وفي سرورهم، وفي عيشتهم الراضية، وهذه هي العيشة الثانية، ولا نستيطع أن نُسمِّيها عيشة لأنه لا يحيا أهل النار ولا يموتون فيها؛ بل يُعذَّبون فيها هذا العذاب المستمر أبدًا -عياذًا بالله-، ثم قال -جل وعلا- {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:38] {وَمَا لا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:39] {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}[الحاقة:40] {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ........}[الحاقة:41]، يُقسِم الله -تبارك وتعالى- بما يُبصِر الخلائق، {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:38]، والذي نُبصِره أشياء كثيرة؛ نُبصِر السماء، ونُبصِر الأرض، ونُبصِر الجبال، ونُبصِر الأشجار، ونُبصِر الأنهار، ونُبصِر الخلْق، ونُبصِر ما بثَّ الله -تبارك وتعالى- في هذا، فهذا الذي يقع تحت بصرنا في هذه الحياة أمور عظيمة جدًا؛ وكل شيء فيها آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، يُقسِم الله بها لأن هذا الذي نُبصِره هو خلْقُه؛ وهو دال عليه، وهو كتابه المفتوح؛ كتاب الكون المفتوح الذي يُقرأ في آيات الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[البقرة:164]، هذا كتاب الله وآياته المفتوح؛ كتاب الكون هذا، كتاب الكون المفتوح هذا الذي نُبصِره، {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:38].

ثم قال -جل وعلا- {وَمَا لا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:39]، والذي لا تُبصِرونه، والذي لا نُبصِره أضعاف أضعاف ما نُبصِره، فنحن لا نُبصِر الملائكة وهم خلْق عظيم من خلْق الله -تبارك وتعالى-، ولا نُبصِر الجنة وهي موجودة قائمة، ولا نُبصِر النار وهي موجودة قائمة بهذا الوصْف العظيم الذي وصَفَها الله -تبارك وتعالى- به، ولا نُبصِر السماوات العُلا التي فوقنا، ولا نُبصِر كرسي الله وعرش الله -تبارك وتعالى-، فالذي لا نُبصِره من الوجود أمر كثير جدًا، والله يُقسِم بهذا وبهذا؛ وهو خالق الكُل -سبحانه وتعالى-، وهو خالق الخلْق كله -سبحانه وتعالى-، وهذا قَسَم عظيم جدًا أن يُقسِم الله -تبارك وتعالى- بكل مخلوقاته، {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:38]، من الخلْق، {وَمَا لا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:39]، كذلك، إنه؛ هذا القرآن، {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}[الحاقة:40]، رسول كريم؛ محمد -صلوات الله والسلام عليه- فهو رسول كريم، كريم؛ نفيس، نفيس من أنفس الناس، عنصر كريم؛ فإنه لم يعرف الكذب قط، لم يعرف خيانة أمانة، كان على الخُلُق الكامل ولا يمكن أن يتأتي مثلما يقولون هم؛ يتأتى منه هذا الكذب فيكذاب على الله، يبقى بعد أربعين سنة يظل يكذب؛ ويكذب على مَن؟ على الله، فيقول الله أرسلني؛ وأخبرني بكذا، واخبرني بكذا، وأن يكون كذا، ويكون في كل هذا كاذب على الله؛ مستحيل هذا، يعني هذا أمر مستحيل في بداهة العقول، في بداهة العقول كيف يعيش رجل في قومه بالخُلُق الكامل؛ لا تُعرَف عنه كذبه، لا يُعرَف عنه الخيانة، بل يُعرَف عنه كل الصفات الحميدة مما يمدحه الناس، وتقول له أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- لمَّا جائه الوحي أول ما جائه فتقول اقرأ، فتقول له أبشر؛ والله لا يُخزيك الله أبدًا، إنك لتصِل الرحِم، وتحمِل الكَل، وتقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق، فهذا ذو الخُلُق الكريم؛ كيف يكون كما وصَفَه الكفار بعد ذلك؛ أنه كذاب، وأنه أتى بهذا الكلام وافتراه، وقال أنا رسول من الله، وأنا، وأنا، وأنا ...، وجاء يدعوا الناس على هذا النحو؛ في جنة، وفي نار، وفي بعث، وفي نشور، وفي، وفي ...، مما كان يُكذِّبه قومه؛ ما كان يؤمنون بأنه أصلًا في يوم قيامة وأنه قائم، فيأتي ويكذب لهم هذه الكذبات كلها؛ كيف تكون عقول تصدِّق مثل هذا؟ والله يُقسِم أن هذا القول الذي يقوله النبي -صل الله عليه وسلم- وهذا القرآن الناس قول رسول كريم، وقوله ليس أنه افتراه وكذبه وإنما أُوحيَ إليه -صل الله عليه وسلم-، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193] {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء:194].

وكذلك {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}[الحاقة:40]، مُبلِّغ هذا القرآن عن الله -تبارك وتعالى- إلى رسوله محمد -صل الله عليه وسلم- هو جبريل -عليه السلام-، كما قال -تبارك وتعالى- {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}[التكوير:19] {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ}[التكوير:20] {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}[التكوير:21] {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ}[التكوير:22]، فجبريل رسول الله -تبارك وتعالى-؛ وهو رسول كريم نفيس، ذو قيمة عظيمة، أمين؛ مؤتمَن على وحي الله -تبارك وتعالى-، لا يمكن أن يتأتى منهم كذب وهو الذي أتى بهذا إلى نبي الله -صلوات الله والسلام عليه-، وقد رآه النبي على صورته التي خلَقَه الله -تبارك وتعالى- عليها مرتين، وقال {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى}[النجم:12] {وَلَقَدْ رَآهُ ........}[النجم:13]، وقبل ما يأتيه هذا الوحي؛ أول ما جائه الوحي رآه لكن بصورة بشر، جائه وقال يا محمد اقرأ، قال وما أقرأ؟ لست بقارئ، يقول فأخذني فغَتَّني؛ فضمني إلى صدره حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال اقرأ، والثانية والثالثة ثم قال له {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:1] {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[العلق:2] {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}[العلق:3] {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}[العلق:4] {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:5]، حفظها النبي وجاء بها يرتعد وخائف، ثم قبل ما ربنا -سبحانه وتعالى- يُرسِل الرسول ويقول له {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:1] {قُمْ فَأَنذِرْ}[المدثر:2]، رآه أيضًا النبي مرة ثانية وهو راجع من غار حِراء، يأتيه المَلَك فيقول هو نفسه الذي لقيته بحِراء وقد سد الأُفُق بجناحيه، أنظر هنا؛ أنظر هنا، أنظر هنا ...، ينظر في كل جانب يرى جبريل -عليه السلام- وقد سدَّ الأُفُق عليه؛ أُفُق السماوات كلها من أربع جهات سدَّها عليه، ثم يقول له أنت نبي هذه الأمة؛ يخبره بأنه هو الرسول وهو النبي، فرآه رأي عين ببصره؛ ورآه مرة ثانية في السماء، وأراه الله -تبارك وتعالى- وأطلعه ليكون هذا عن يقين ويخبر عن رؤية بصرية وعن يقين.

فالله يقول بأن هذا القرآن هو قول رسول كريم، قول الرسول الكريم الذي أتى به من الله -تبارك وتعالى-، هذا الرسول المَلَكي؛ جبريل -عليه السلام-، وهذا الرسول البشري؛ محمد ابن عبد اللاه -عليه السلام-، فهؤلاء نقلة القرآن من الله العزيز الحكيم؛ والذي تحدَّاهم بهذا القرآن، وناقله جبريل؛ رسول كريم، ومُوصِّله لكم بعد ذلك رسول كريم هو محمد ابن عبد الله -صلوات الله والسلام عليه-، والله يُقسِم على هذا بهذا القَسَم العظيم في الوجود؛ يُقسِم بكل ما في الوجود، {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:38] {وَمَا لا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:39]، بكل الخلْق الموجود الذي يُبصِره الخلائق؛ والذي لا يُبصِرونه، {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}[الحاقة:40]، ثم قال -جل وعلا- {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ........}[الحاقة:41]، كما تقولون لأنهم كانوا يقولون هذا شعر، أين الشعر وأين القرآن؟ القرآن شعر؛ هل هذا كلام يقوله عاقل يزِن الأمور؟ الشعر أو الغزل الذي يتكلَّم في الغزل أو المدح؛ مدح هذا، وسب هذا، وشتم هذا، وهجاء هذا، وهذا غزل وكل كذب وزور؛ أكثره ومعظمه، العرب كانت تقول أعذبه أكذبه، كانوا يقولون هذا من الشعراء؛ أي شعراء؟ يعني القرآن كيف يكون شعرًا؟ كيف يكون القرآن شعر والشعر كله أكثره أكاذيب؟ قال {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ}[الشعراء:221] {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}[الشعراء:222] {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}[الشعراء:223] {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}[الشعراء:224] {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ}[الشعراء:225] {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ}[الشعراء:226]، يقول الشخص أنا فارسها، وأنا، وأنا ...، وهو لا فعل له، فلا مُقارنَة ولا يمكن أن يُقارَن بين الشعر موضوعًا وكذلك صياغةً وأسلوبًا وبين القرآن، لا القرآن في أسلوبه وهذا على قياس الشعر؛ ولا موضوعه موضوعه، هذا كتاب لإحياء أمة؛ كتاب إيمان، كتاب كله صدق ولا كذب فيه، ثم من حيث الصياغة فيستحيل أن يصوغ أحدٌ كلامًا كهذا القرآن، فالله يقول {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ........}[الحاقة:41]، ثم يقول {قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ}، قليلًا من الناس ما يؤمنون؛ يعني لا تُصدِّقون، مع ظهور الأدلة والبرهان العظيم الظاهر لكن أين الذي يؤمن؟ لا يؤمن مع هذا إلا القليل، {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ}[الحاقة:41].

{وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ........}[الحاقة:42]، ليس القرآن كما يدَّعون هم أنه قول كاهن، أين الكُهَّان من محمد ابن عبد الله -صلوات الله والسلام عليه-؟ الكاهن كذَّاب؛ رجل كذَّاب، الكهانة أولًا هي ادِّعاء عِلم الغيب، وكان العرب فيهم كُهَّان كثيرون منتشِرون، وفيه أيضًا من الكُهَّان كثير من النساء كاهنات، وكان هذا الذي يتكهَّن يقول سيكون كذا ويكون كذا؛ تصدُق معه مرة، وتسع وتسعين مرة كذب، وهم ناس أفَّاكون؛ كذَّابون، تتنزَّل عليهم الشياطين بهذه الأكاذيب والخرافات التي يقولونها، وحدُّ هذا من الكُهَّان أن يخبر هذا بخبر ونحو ذلك، أين الكهانة من هذا الكتاب العظيم؟ الذي جاء الله -تبارك وتعالى- فيه بخبر الأولين والآخرين؛ بخبر السماء -سبحانه وتعالى-، كيف بدأ هذا الإنسان؟ كيف خلَقَ الله -تبارك وتعالى- آدم في السماء؟ كيف وجده؟ كيف أنزله الأرض؟ وماذا كان؟ وأخبار الأمم السابقة، ثم أخبار ما سيأتي، ثم أخبار يوم القيامة، ثم بكل خبر يكون في حياة النبي -صل الله عليه وسلم- ويقع كما أخبر الله -تبارك وتعالى- به تمامًا، من أخبار الصدق ولا يسقط منه كلمة، لم تسقط كلمة من كلام الله -تبارك وتعالى-، ما حدَّث النبي حديثًا وقال سيكون كذا ولا يكون؛ بل لابد أن يكون الأمر كما أخبر الله -تبارك وتعالى- به، فكيف يكون هذا كهانة؟ وهذا رسول الله -تبارك وتعالى- أتى بهذا الكلام لا يأخذ من الناس أجرًا على هذا، الكاهن يتكهَّن لك ثم تدفع له حُلوان؛ يأخذ الحلاوة على هذا، وإن صَدَق صَدَق يعني إن يصدف ما أخبرك به فقد قبض مالَك وانتهى، لا مقارنة بتاتًا بين الكُهَّان وبين رسول الله الصادق الأمين -صلوات الله والسلام عليه-، قال -جل وعلا- {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[الحاقة:42]، يعني أيها العباد قليل منكم مَن يتذكَّر أو تذكُّركم قليل، يعني مَن يتذكَّر قليل؛ يتذكَّر الذِّكرى التي تنفعه وهي استحضار عظَمَة هذا الكلام وحقيقته، لكن كأن هذا الكلام يمر على العقول وتأخذه لا تتذكَّر به؛ ولا تَعيه، ولا تفهمه، {........ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[الحاقة:42].

{تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الحاقة:43]، القرآن تنزل مُنزَّل من رب العالمين، كل العوالم ربها؛ خالقها، موجِدها، مُتصرِّف فيها، العالمين؛ كل ما سوى الله -تبارك وتعالى-، كل ما سوى الله عالم؛ عالم الملائكة، عالم الجِن، عالم الإنس، عالم الطير، العالمون وكل هذه العوالم ربها الله؛ هو خالقها، هو مُصرِّفها، هو مُبقيها، هو الذي يُحييها، هو الذي يُميتها، هو الذي أقامها في ما أقامها فيه -سبحانه وتعالى-، فرب العالمين صفة عظيمة جدًا من صفة الرب -تبارك وتعالى- أنه رب كل هذه الموجودات، الرب بكل معاني الربوبية؛ الرب المالِك، الرب المُتصرِّف، الرب المُربِّي -سبحانه وتعالى-، الرب الخالق لأنه ربها؛ مالِكها، هو الذي أنشأها وأخرجها إلى الوجود -سبحانه وتعالى-، {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الحاقة:43].

ثم قال -جل وعلا- {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ}[الحاقة:44]، لو أن هذا تقوَّل علينا؛ يعني قال عنَّا شيء، قال الله أمَرَ بكذا؛ أو نهى عن كذا، أو يقول لكم كذا، بعض الأقاويل؛ كلمات، جُمَل، {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا ........}[الحاقة:44]، أي النبي -صل الله عليه وسلم-، ولو هنا طبعًا شرطية ولكنها هنا فرَضية، لو حصل هذا كما يدَّعوه هم أن النبي -صل الله عليه وسلم- كذب على الله؛ وافترى على الله، وتقوَّل على الله، الله يقول {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ}[الحاقة:44] {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ}[الحاقة:45] {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}[الحاقة:46]، يعني أن الله -تبارك وتعالى- قد انتقم منه، فإن الله كيف يرى مَن يكذب عليه ويتركه؟ يستحيل هذا، يستحيل أن يأتي مَن يكذب على الله ويقول أنا رسول من الله ولم يُرسِله الله -تبارك وتعالى-؛ أن الله يأمركم بكذا، ينهاكم عن كذا، يفعل كذا، ويضع شِرعة للناس والله –تبارك وتعالى- لم يأمره بهذا ويُخلِّيه الله؛ ويتركه الله -تبارك وتعالى- يكذب على الله -تبارك وتعالى- ويتركه... لا، لابد أن يُبيِّن الله -تبارك وتعالى- كذبه لأنه إذا تركه الله -تبارك وتعالى- يكون في هذا إضلال خلْقِه، والله -سبحانه وتعالى- لا يسمح أن يُضَل الخلْق؛ بل لابد أن يُكذِّب الله -تبارك وتعالى- الكاذب ويفضح مَن يكذب عليه، {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ}[الحاقة:44] {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ}[الحاقة:45]، والأخذ باليمين هذا كصورة القوي الذي يأخذ الضعيف ويوقِع العقوبة فيه، {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}[الحاقة:46]، الوتين؛ نياط القلب، يعني لقطعنا نياط قلبه فهذا إهلاك له.

{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[الحاقة:47]، لا يوجد أحد يستطيع أن يحجُز، الححز؛ المنع، يعني أن يمنع الله -تبارك وتعالى- من أن يُنزِل فيه عقوبته لو كان هذا، لكنه رسول الله -تبارك وتعالى- الصادق الأمين؛ والله -تبارك وتعالى- قد أيَّده، ونصره، وثبَّته -سبحانه وتعالى-، مما يدل على أنه رسوله؛ وأنه يتكلَّم باسمه -سبحانه وتعالى-، وأنه عندما يقول قال الله فهو صادق في هذا؛ أن هذا كلام الله -تبارك وتعالى- ومُبلِّغ رسالته، لذلك جاء الله -تبارك وتعالى- بتصديقه في كل ما أخبر به -صلوات الله والسلام عليه-، قال {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[الحاقة:47]، ثم قال -جل وعلا- {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}[الحاقة:48]، وإنه؛ القرآن، تذكِرة؛ يُذكِّر، لكن للمُتقين؛ لأهل التقوى، هم الذين يتذكَّرون، الذي يخافون الله -تبارك وتعالى- هم الذين يتذكَّرون؛ ويتَّعِظون بهذا، ويأخذون هذا القول على محمل الجِد؛ فيعتقدونه، ويتذكَّرون به، ويتَّعِظون به، ويسيرون بعد ذلك في الطريق، {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}[الحاقة:48]، حصر الله التذكِرة بالمُتقين لأن غير المُتقي ما يتذكَّر؛ فيصبح كأنه بالنسبة إليهم ما هو ذِكرى، كما قال -جل وعلا- {هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}، فكأنه صرخة في واد، {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}[الحاقة:48].

ثم قال -جل وعلا- {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ}[الحاقة:49]، جاء التهديد في آخر السورة، وإنَّا؛ الله -سبحانه وتعالى-، لنعلم؛ باليقين، أن منكم أيها الناس مُكذِّبين بهذا القرآن ومُكذِّبين بهذا الرسول، {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ}[الحاقة:49]، والمُكذِّب هو الذي يرُدُّ الحق؛ ولا يقبله، ويقول عن الحق أنه كذب، {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ}[الحاقة:49]، وكون الله -تبارك وتعالى- يعلم بالمُكذِّبين فكان يجب للمُكذِّب أن يرتجِف؛ وأن يخاف كل الخوف، وأن يعود إلى الله -تبارك وتعالى-، لكنه أعمى لا يُبصِر؛ لذلك يسير في طريقه مع تكذيبه، {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ}[الحاقة:49]، ثم قال -جل وعلا- {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الحاقة:50]، إنه؛ هذا القرآن، {........ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الحاقة:50]، يوم القيامة يتحسَّر، والتحسُّر هو الندم والألم الشديد والغم الشديد على ما فات، لكن ما يُفيد؛ لكنه لا يُفيده، حسرته في هذا الوقت لا تُفيده، حسرة الكافر يوم القيامة وتحسُّره وغيظه وكَمَده في يوم القيامة لا يُفيده، {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الحاقة:50].

ثم قال -جل وعلا- {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}[الحاقة:51]، وإنه؛ القرآن، لحق؛ ثابت، اليقين؛ يعني الحق الثابت الذي لا شك فيه قط، واليقين هو نهاية العِلم؛ يعني العِلم كالعِلم بالمحسوس، {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}[الحاقة:51]، ثم قال -جل وعلا- {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الحاقة:52]، سبِّح الله -تبارك وتعالى-؛ نزِّه، الله -سبحانه وتعالى- مُنزَّه عن كل سوء وعن كل نقص، وتسبيح الله أمر عظيم جدًا، تسبيح الله عن كل ما وصَفَه به المجرمون مما وصفوا به الله -تبارك وتعالى- مما ليس من صفته -جل وعلا-، ولا يوجد مَن كُذِبَ على وافتُريَ عليه كالله -سبحانه وتعالى-، فإن إبليس بدءًا منه وجنوده من الكفار قد افتروا على الله -تبارك وتعالى- الافتراءات العظيمة جدًا، ونسبوا لله -تبارك وتعالى- كل عيب ونقص؛ نسبوا لله أنه تزوَّج، أنه ولِدَ له، نسبوا لله الشريك؛ النظير، الشبيه، نسبوا له -سبحانه وتعالى- كل هذا وشتموه بأنواع الشتائم، والله -تبارك وتعالى- هو المُنزَّه -سبحانه وتعالى-؛ فإنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلِد ولم يولَد ولم يكُن له كفوًا أحد، {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الحاقة:52]، سبحان ربي العظيم عن كل ما وصَفَه به المجرمون من صفة لا تليق بذاته -سبحانه وتعالى-؛ فإنه الرب العظيم -سبحانه وتعالى-، ومن عظَمَته أنه الواحد الأحد؛ الفرد الصمد، الذي لم يلِد ولم يولَد، الذي خلَقَ هذا الكون؛ وخلَقَه لحكمة، والذي لا يخلُق إلا لحكمة -سبحانه وتعالى-، وسبحانه أن يترك عباده سُدى؛ لا يأمرهم ولا ينهاهم، سبِّحوا الله -تبارك وتعالى-، هذه عقيدة هؤلاء الكفار أن الله خالقهم لكنه يُخلِّيهم؛ وأنه لا بعث ولا نشور، وأن مصير الناس إنما هو إلى حياتهم فقط، ثم نهاية ولا يكون هناك حساب؛ تعالى الله عن ذلك، تسبيحًا لله -تبارك وتعالى- أن يكون قد ترك خلْقَه وأهملهم سُدىً -سبحانه وتعالى-؛ لا يأمرهم ولا ينهاهم، {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}[الحاقة:51] {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الحاقة:52]، سبحان ربي العظيم والحمد لله رب العالمين.

وبهذا تنتهي هذه السورة؛ سورة الحاقة، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعني وإياكم بما فيها من المواعظ والحِكَم.