الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم علي عبد الله ورسوله الأمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلي يوم الدين.
يقول الله تبارك وتعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:256] يخبر الله –سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين أنه { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ أي لا تكرهوا أحدًا علي الدخول في هذا الدين فقد{ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ }وذلك بالبراهين التي بينها الله تبارك وتعالى في هذا الكتاب وعلى لسان هذا النبي الكريم صلي الله عليه وسلم وما أقام الله تبارك وتعالى به من المعجزات والآيات علي الحق والصدق وما دحض الله تبارك وتعالى به الباطل وكل عقائد الكفر والشرك ثم ما أيدها الله تبارك وتعالى به هذا الدين من الأمر العظيم الآيات الكونية المعجزة كنصرة للمؤمنين في بدر، فقد أقام الله تبارك وتعالى حجة الدين بالقول واللسان كما قام بالسيف والسنان وأنه دين الله تبارك وتعالى فإنه في بدر قد خُرقت العادة وغلبت الفئة القليلة الفئة الكثيرة، كما قال: جلًّ وعلا- {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ}[آل عمران:13] فكل من له بصر قد علم بما أقام الله تبارك وتعالى من الأدلة والبراهين علي أن الدين حق وأن الله هو الإله الذي لا إله إلا هو وأن كل ما عبد من دونه فباطل؛ فإذن لا إكراه في الدين لا تكره أحدًا على أن يدخل في هذا الدين لأنه دين الحق الذي قامت كل الأدلة عليه، ثم إنه دين الفطرة ودين الاستقامة على أمر الله –عز وجل-، ثم بين –سبحانه وتعالى- أن من استمسك بهذا الدين فهو الذي نجا وأفلح
فقال: -جلَّ وعلا- { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} فالطاغوت كل ما عبد من دون الله تبارك وتعالى كل ما جاوز به المخلوق حده من (معبود أو متبوع أو مُطاع) هذا الطاغوت ورأس الطواغيت هو إبليس لعنه الله ويؤمن بالله لنه الحق الذي لا إله إلا هو { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} دائرة الحبل الموثقة القوية وهذا مثل فمن تمسك به نجي من المهلكة { وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سميع بكل أصوات عباده عليم بأحوالهم –سبحانه وتعالى-
ثم قال: -جل وعلا- مبينا نجاة من تمسك به قال: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:257] هذا معني أن الاستمساك بولاية الرب –جلَّ وعلا- الاستمساك بالله والكفر بالطاغوت منجٍ وهو طريق الرشد وغيره طريق الغي؛ وذلك أن الله المعبود الإله الحق هو وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا الولي هو الناصر هو في لغة العرب يطلقون الوليّ على كل من قام بينه بينك وبينه علاقة يجعلك تواليه وهو يواليك فيطلقون الوليّ على الأخ، والوليّ على الحليف، والوليّ علي السيد، فهؤلاء كلهم بمعنى وليّ: أنه بين الأخ وأخيه، بين الحليف وحليفه، بين السيد ومن يطيعه نوع من الرابطة يجعله كل منهم يوالي الآخر، الله –سبحانه وتعالى- وليّ الذين آمنوا وليهم بمعني أنهم (ناصرهم، ومؤيدهم، ويحبهم) –سبحانه وتعالى- كما يحبونه فالله وليّ كل مؤمن كما قال تبارك وتعالى: { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا هنا وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ}[محمد:11] وقال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7] فالله ناصر المؤمنين وهو وليهم أي محبهم، ثم بين الله تبارك وتعالى يعني أثر هذه الولاية قال: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} وذلك أن العلاقة التي قامت بين الرب وبين الذين آمنوا أولا أن أهل الإيمان آمنوا به ومعني أن آمنوا به أنهم صدقوا بقلوبهم بأنه الرب الإله كما وصف نفسه –سبحانه وتعالى- وكذلك عبدوه –جلَّ وعلا- وعملوا بمقتضي هذا (خافوه، أحبوه، رغبوا فيما عنده، جاهدوا في سبيله) كل هذا من معاني إيمانهم بالله تبارك وتعالى صدقوا بالله وعملوا بمقتضى التصديق، فالله تبارك وتعالى قابلهم بهذا بأنه أحبهم ينصرهم –سبحانه وتعالى-.
{يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ........}[البقرة:257] فهذا من الإيمان بالله تبارك وتعالى فإن ولاية الله لهم أول شيء { يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} الظلمات جمع ظلمة والمقصود هنا الظلمات: الظلمات المعنوية فالكفر والشرك أعظم الظلمات وذلك أن الكافر أعمى يعرف الرب تبارك وتعالى ويجحده، والمشرك أعمى يجعل لله ندا والله ليس له ندا ، فهو في ظلمة في عمى، فالله تبارك وتعالى يخرج أهل الإيمان من الظلمات ظلمات (الشك، الشرك، الكفر) إلى النور نور الإيمان لأن الإيمان إضاءة بصيرة عرف الله، آمن عرف طريقه، عرف صراطه، عرف جنته فسعى لها، عرف النار فتجنبها وابتعد عنها، فهذا كمن يمشي مبصرا وأما الذي لا يعرف ذلك ويعمل ذلك ويسير إلى حيث غضب الرب وعذاب الرب فهذا أعمي فهو سائر في الظلمات، كما قال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا........}[النور:39] فهذا الذي يركض خلف السراب ويظنه ماء ضال ، ثم قال: -جلَّ وعلا- { أَوْ كَظُلُمَاتٍ} يعني أعمالهم {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور:40] فالله تبارك وتعالى من ولايته لأهل الإيمان أنه يخرجهم من الظلمات كل الظلمات ظلمات الكفر، ظلمات الكفر والشرك، والشك، والنفاق، وكذلك ظلمة المعصية فالمعصية نوع من الظلم، كل معصية وإن صغرت هي نوع من الظلم في الحقيقة وذلك أن من عصي الله تبارك وتعالى هذا جاهل غاب عنه على الأقل وقت المعصية عظمة الرب مراقبة الرب تبارك وتعالى، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيه أبصارهم وهو مؤمن» فوقت ما يفعل العاصي هذه المعاصي لا يكن مؤمن علي الحقيقة لو آمن علي الحقيقة لانتبه وأبصر وخاف الرب تبارك وتعالى وعمل حساب لعقابه لكن يكون في ظلمة المعصية، المعصية ظلمة فإذن ظلمات تشمل كل هذا تشمل المعصية الصغيرة، والمعصية الكبرى الكفر، والشرك..
فالله تبارك وتعالى هو { وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ} مِنَ كل هذه الظلمات يجنبهم إياها يبصرهم إلي النور،
قال –جلَّ وعلا-{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} أما الذين كفروا بالله –عز وجل- فأوليائهم أحباؤهم ومن قامت بينهم وبينهم علاقة الولاية هذه الطاغوت، الطاغوت الشيطان هذا وليهم هذا رأس الطواغيت، وكذلك كل من يسلط عليهم من شياطين الإنس الذين يزينون لهم ما هم فيه، فتقوم بين هؤلاء وهؤلاء ولاية، هذا يزين لهذا، وهذا يتبع هذا، ويكون هذا مع هذا، وهذا يحب هذا، وهذا يود هذا، كما قال: -جلَّ وعلا- {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83] تحركهم تحريك إلي المعصية فهؤلاء َ{ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} إن ظهر لهم الحق والنور شكك فيه وأطفأ عنده نوره وقاده إلي الظلمات ظلمات (الكفر، والشرك، والمعاصي)، فهؤلاء الطواغيت يأمرون أتباعهم وأولياءهم وأنصارهم بالابتعاد عن طريق الرب والدخول في طريقهم0 إذن {يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}،
قال: -جلَّ وعلا- {.......أولئك .أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:257] أولئك هم الذين كفروا أولياء الطاغوت هم أصحاب النار أصحابها يعني المصاحبون لها صحبة لا تنقطع فهم باقون فيها مصاحبون للنار صحبة باقية أبدًا وملاكها يملكون النار عياذًا بالله، { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} هم هؤلاء المذكورون فيها في النار خالدون لا يخرجون منها أي ماكثون فيها مكثا لا ينقطع عياذً بالله –سبحانه وتعالى-،
ثم قال: -جلّ وعلا- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[البقرة:258] مثال لـــوليّ الله ولولاية الله تبارك وتعالى للعبد ولمن ترك ولاية الله تبارك وتعالى فأضله الله وأعمي بصره، فالولاية في أعلى صورها ولاية الله إبراهيم -عليه السلام- كيف تولاه الله تبارك وتعالى وأخرجه من الظلمات إلي النور، وهذا الذي حاج إبراهيم في ربه فادعى الربوبية وادعى الألوهية وأنه الرب الإله هذا أظلم الظلمة، انظر هذا مثل يضربه الله تبارك وتعالى بعد أن قال: { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} قال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ الرؤية هنا رؤية العين أي ألم تعلم أن الذي حاج إبراهيم في ربه يعلم الله تبارك ورسوله والمؤمنين الذين أنزل لهم القرآن إلى هذا الذي أظلم عليه الأمر ورأى كل أمر على خلاف حقيقته، قيل أن هذا ملك في وقت إبراهيم عليه السلام وهو نمروز الذي ادعى هذه الربوبية، حاج إبراهيم المحاجة هي الجدال كلً يدليّ بحجته فهو يحاجّ إبراهيم في ربه في رب إبراهيم –سبحانه وتعالى- أنه يبين له أنه هو الله وليس الله رب العالمين رب إبراهيم –سبحانه وتعالى-{ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} أي لأجل أن آتاهُ الله تبارك وتعالى آتاهُ هنا الضمير يعود علي هذا الذي حاج إبراهيم في ربه، { أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْك} ملك الدنيا فأتاه الله الملك فبدأ يحاجج إبراهيم فيقول أنا الله وليس الله ملك السموات والأرض –سبحانه وتعالى- .
قال إبراهيم في حجاجه ولإبطال حجة هذا الفاجر الكافر ربي الذي يحيي ويميت يعني ربي الذي أعبد هو الذي يحي ويميت فهذه من صفة الرب تبارك وتعالى وعمله فكل الإحياء والإماتة له فكل هذه الموجودات بين حياة وموت فيحييها كانت عدم ويحييها إذا كانت إنسان والحيوان والنبات ثم يميتها –سبحانه وتعالى-، فالذي يقوم بالإحياء والإماتة علي وجه هذه الأرض قال هو ربي الذي أعبده –سبحانه وتعالى- وصف الله تبارك وتعالى بوصف من أثر فعله وصنعته في أرض تعرف إلى الله تبارك وتعالى، فربي هذا هو الذي يفعل هذا الفعل المشاهد الذي يشاهده كل أحد صباح مساء، فإن الحياة والموت عمل مستمر كل لحظة من لحظات الوقت يقوم في كل جنبات الأرض حياة وموت {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}، قال هذا الفاجر الكافر أنا أحيي وأميت قوله أنا أحيي وأميت ادعاء فيه إجرام وتمويه؛ فإنه نسب قدرته على قتل من يشاء من الناس وعلى العفو عمن يشاء من الناس لأنه ملك متسلط جبار جعل هذا إحياء وإماتة فأنا أتصرف في من تحتي فأحيي من أشاء أتركه لا أقتله أو أمُن عليه.
فقال له إبراهيم: إذا كان الأمر كذلك وأنك تحيي وتميت وبالتالي أنت متصرف في هذا الكون كما تشاء قال له: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} قال إن هذا من إبراهيم إنما هو تعليق علي قوله أنا أحيي وأميت، أي أنت ما دام تحيي وتميت وتتصرف في هذا الناس على هذا النحو فإذن تصرف في الشمس فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فإننا نرى الشمس تشرق من الشرق وتغرب من الغرب، فأنت حوِّل مسار الشمس ومدارها اجعلها تشرق من الغرب وتغرب من الشرق ما دام أنك متصرف، قال –جلَّ وعلا- { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} البهت هو يعني المفاجئة التي تحير الشخص فتجعله يسكت وتصيبه الحيرة والارتباك ولا يستطيع أن يلقي جواباً { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} يعني سكت وتحير ولم يستطع أن يعني يعير جواباً في هذا وذلك أن هذا أمر يعني لا طريق له للخروج منه وهو إلزام بالحجة، قيل له: مادام أنت تحيي وتميت فافعل هذا تصرف ما دام أنت متصرف بالحياة والموت فأت بالشمس إذن من المغرب إن كنت تدعيها قال –جلَّ وعلا-{ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} ثم قال –جلَّ وعلا- { وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} يعني أن الله تبارك وتعالى قد أضل هذا الضال لأنه ظالم والظلم هنا ظلم كفره وظلم شركه ووضع الأمر في غير محله فإن إنكار الرب لا يتأتى إلا عن جحود ولا يمكن أن يتأتى بعقل ليست ثمة عقل يسعف صاحبه في إنكار الرب وأنه لا يمكن أن يكون لهذا إله الكون خالق مدبر فإنه هذا الأمر الحياة والموت مثلاً: (الحياة والموت) عمل متقن معجز عظيم كبير يستحيل أن كون هناك عقل يصور لصاحبه أن هذه (الحياة والموت) تكون بغير فعل بغير فعل فاعل وبغير تدبير من خالق قوي قاهر قادر علي العمل منظم له مقيم له، أما تكون الحياة بنفسها توجد ومن ذاتها تعدم وليس إله وراء ذلك فهذا أمر يستحيله أي عقل أن يوجد عقل لا نقول عقل سليم بل أي عقل فيه مسمى العقل يسعف صاحبه أو يقول لصاحبه بأن هذا النظام وجد بغير موجد بل لا يقول الإنسان هذا الكافر هذا المقالة إلا عن جحود ومكابرة مكابرة للحس وفض لبديهة العقل، فهذا ظلم فلذلك فهذا الله يضله بحيث أنه لا يهتدي إلي الحقيقة وبحيث أنه لا يزين له هذا الباطل، يصبح هذا الباطل أنه يعلم باطل يصبح مزيناً في عقله ومقبولاً عنده.
قال: -جلَّ وعلا- }........وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[البقرة:258] أي لأنهم ظلموا جحدوا الحقيقة بعد ما عرفوها فإن الله تبارك وتعالى لا يهديهم ولا يوفقهم –سبحانه وتعالى-، هذا المثل الذي ضربه الله تبارك وتعالى هنا هذا أعلى أنواع الولاية ينظر إبراهيم كيف تولاه الله تبارك وتعالى وأرشده كما قال: -جلَّ وعلا- {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}[الأنبياء:51] وكيف هداه الله إليه وبصره وأنزل عليه وحيهُ وهذا المثل الثاني الذي حاج إبراهيم في ربه مثال كامل صارخ لمن طمس الله تبارك وتعالى بصيرته وما ادعى شيئا قريباً من الباطل فقط بل أبعد ما في الباطل وقد ادعى أنه في مكان الرب الإله يحيي ويميت تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فهذه المكابرة يعني انظر كفر ومكابرة للحس وللعقل وللواقع.
آية كذلك من آيات الرب تبارك وتعالى قال: -جلَّ وعلا- {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:259] هذا أمر آخر وحادث آخر واقع وليس هو فقط مثال للذكرى والعبرة بل أمر واقع هذا { الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}قيل أنه نبي من أنبياء بني إسرائيل مر علي القرية والقرية التي مر عليها هي بيت المقدس بعد أن دخلها "نبوخذ نصر" الفارسي وحطمها، فجاء النبي مر علي هذه القرية وهي { خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَار خاوية ليس فيها أحد وعلى عروشها، أي أن السقوف وقعت علي الأرض ثم وقعت الجدران كذلك على السقوف فأصبحت العروش تحت الجدران.
قال: { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} أنى كيف كأنه استبعاد أن تعود هذه القرية إلي سابق عهدها مرة ثانية عامرة بأهلها، ويبدو أن هذا تحسر على عمرانها من بني إسرائيل قبل ذلك، قال: -جلَّ وعلا- { فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} أماته الله مائة عام هو موت حقيقي هنا مائة عام ثم بعثه من موته، فلما بعثه الله تبارك وتعالى{ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ }ولعل هذا وحيٌ من الله تبارك وتعالى أنه أخبره أو أن الله تبارك وتعالى أرسل له ملك يسأله يعني هذا السؤال{ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} ظن أن نومته هذه لم تتعدَ يوما أو بعض يوم، فأوحي إليه وقيل له { بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ } مكثت في نومتك هذه مائة عام
{ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} قيل كان معه شيء من الفاكهة تين وعنب وشرابه كان معه شيء من العصير وضعه عندما استراح في هذا المكان الذي قبض الله تبارك وتعالى روحه فيه، قال: -جلَّ وعلا- { لَمْ يَتَسَنَّهْ } لم يتسنه أي لم يتغير منها قوله: {حَمَإٍ مَسْنُونٍ} يعني طين قد تغير قد تغير بطول المكث { لَمْ يَتَسَنَّهْ} لم يتغير بطول المكث وتخرج رائحته ويتعفن بل كما هو تمامً،
ثم قال له الله تبارك وتعال: { وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ} وكان الحمار في هذا الوقت قد أصبح عظاما ورميما،
ثم قال له الله تبارك وتعالى: { وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ{ ولنجعلك في إحيائك بعد موتك وإحياء حمارك علي هذه النحو آية تكون للناس لمن عاصروها وشاهدوها وكذلك لمن أُخبرُوا بها وخبر الله تبارك وتعالى صدق، آية علامة على قدرة الرب تبارك وتعالى وأنه لا يعجزه شيء وأن الحياة والموت له وحده –سبحانه وتعالى-،
ثم قال له تبارك وتعالى: { وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} العظام عظام الحمار كيف ننشزها نشز أي ترفعه تُرفع من مكانها وهي ساقطة في الأرض ويوضع العظم في مكانه تُنصب كل عظم في مكانها فيبني هيكل الحمار بـــأن يضع الله كل عظمة تظهر أمامه كل عظمة في مكانها أولا،{ كَيْفَ نُنشِزُهَا} ترفع وكل عظمة توضع في أماكنها {ثمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا} ثم كذلك يكسوها الله تبارك وتعالى لحماً بعد ذلك، وكل هذا وهو جالسٌ يشاهد بأم عينه،
قال: -جلَّ وعلا- {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ} الأمر وأنه بالفعل مكث مائة عام وأن الله تبارك وتعالى أحياه وأن طعامه وشرابه بجواره لم يتغير وأن عظامه أصبحت رميما، ثم خلقه الله ووجده الله أمام عينه، فانظر هنا المؤثر واحد ولكن الأثر مختلف، فالأثر الذي وقع على الطعام والشراب لا شيء مائة سنة هي حبات العنب والتين والعصير كما هو لم يتغير منه شيء، والحمار قد أصبح رميما ثم خلقه الله تبارك وتعالى مع أن المؤثر واحد وهو طول الزمان وقد كان مر عليه مائة سنة من الحر ومن البرد ومن الظلمة ومن الإضاءة الأشياء الكثيرة، لكن هذا الطعام والشراب لم يتغير منه شيء وهذا الحمار قد أصبح رميما ثم أحياه الله وأوجده أمامه، قال: -جلَّ وعلا- { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ} قدرة الرب وعظمته –سبحانه وتعالى- وأنه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قال }........قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259] أعلم هنا علم يقين وعلم بصر وبصيرة بأن الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء –سبحانه وتعالى-، وقيل أنه لما قام بعد ذلك رأى يعني بيت المقدس قد عمرت ورجعت مرة ثانية عامرة بالناس ، فالله تبارك وتعالى (يقبض ويبسط، يحيي ويميت) وهذه صورة من صور إحيائه وإماتته، أمر معجز هذه الآية لا شك لمن عاصرها ومن رأى هذا آية بينة ولكل من أخبر بها من خبر ربي تبارك وتعالى آية بينة فالله لا يقول إلا الحق –سبحانه وتعالى-.
نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية أقول قولي هذا واستغفر الله ليّ ولكم من كل ذنب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.