الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}[نوح:21] {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا}[نوح:22] {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:23] {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا}[نوح:24] {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا}[نوح:25] {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح:26] {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح:27] {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}[نوح:28]، هذه الآيات الأخيرة من سورة نوح فيها شِكاة نوح إلى ربه -سبحانه وتعالى-؛ بعد أن بذل طاقته ووسِعَه في هذه السنين الطويلة في دعوة قومه، واشتكى إلى الله -تبارك وتعالى- {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا}[نوح:5] {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا}[نوح:6] {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}[نوح:7] {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا}[نوح:8] {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}[نوح:9] {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}[نوح:10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}[نوح:11] {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[نوح:12] {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}[نوح:13] {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}[نوح:14]، ثم فتح أعينهم على هذه الآيات الكونية لله -تبارك وتعالى- في هذا الكتاب المفتوح، قال {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}[نوح:15] {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}[نوح:16] {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا}[نوح:17] {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا}[نوح:18] {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا}[نوح:19] {لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا}[نوح:20].
بعد هذا قال -جل وعلا- {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي}، بعد هذه الدعوة الكريمة الطيبة بكل الأساليب؛ بكل الوسائل، في الليل والنهار، بالجهر وبالسر، يعني يأخذ رجل وحده أو اثنين وحدهم وجماعة يُخاطِبهم جهرًا، وبذل كل ما يستطيع سنين طويلة يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-؛ قيل أنهم ستمائة سنة قبل الطوفان، يعني قبل أن يأتيهم الطوفان ستمائة سنة؛ سِتة قرون وهو يُعيد ويُكرر على أسماع قومه هذا الأمر، فعند ذلك بدأ شكوته إلى الله -تبارك وتعالى- {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}[نوح:21]، تركوا الرسول الهادي الداعي إلى الله -تبارك وتعالى-؛ الآمر بالخير، الذي يدعوا قومه إلى مغفرة الله -تبارك وتعالى-، ورضوانه، وجنته، والفوز بسعادة الدنيا والآخرة، واتبعوا المجرمين {........ وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}[نوح:21]، أهل الجاه، وأهل الثروات، وأهل الأموال، والتي زادتهم هذه الثروات والأموال إلا خسارًا، {مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}، لأنها أبطرته وأعمته عن طريق الحق، بدل ما كلما ازداد مالًا ازداد شُكرًا لله -تبارك وتعالى-؛ وانقيادًا له، وتوجُّهًا إليه... لا، يزداد بالمال غطرسة؛ وكِبْر، وعلو، وهؤلاء تركوا نوح الرسول الهادي إلى الله -تبارك وتعالى- واتبعوا هؤلاء المجرمين من أهل الثروات والأموال، {........ وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}[نوح:21]، وقد احتقروا شأن نوح وقالوا له {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}، فإن التفاف الفقراء والمساكين -وهم أتباع الرُسُل- حول نوح كان هذا داعيًا ودافعًا عند هؤلاء المجرمين أن يتركوا الرسول؛ ويتَّبِعوا طريق هؤلاء الوجهاء والكبراء.
قال نوح {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا}[نوح:22]، المكر هو التدبير في الخفاء، التدبير بالشر في الخفاء؛ وهذا مكر خبيث، {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا}[نوح:22]، قيل أن من مكرهم أن الكبير يُعلِّم الصغير ويُحذِّره من نوح، حتى الناشئة الصِغار فإنهم يأخذونهم بمُجرَّد ما تُفتَح أعينهم يُحذِّرونهم؛ يقول له الكبير يا بُني احذر هذا الرجل، هذا الرجل أتى بشر وهذ وهذا ...؛ فيُحذِّرونه من نوح، فيأتي نوح وقد مُلئَ هذا الصغير بالكراهية والمَقت فيكبُر ويشِب على هذا، وهذا التعليم يجرف الناشئة عن طريق الحق، كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- «قال الله خلَقَت عبادي حُنفاء فجائت الشياطين فاجتالتهم عن طريق ربهم؛ وأحلَّت لهم ما حرَّمت عليهم»، فهؤلاء الشياطين؛ شياطين الجِن، وشياطين الإنس، وقال النبي -صل الله عليه وسلم- «كل مولود يولَد على الفطرة؛ وأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه»، فتعليم الأبوين يصرف الناشئة عن تعاليم الرب -تبارك وتعالى-، وإلا فلو خُلِّيَ الإنسان وفطرته فإنه يختار الحق، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ........}[الروم:30]، لكن هؤلاء يأتوا ويُبدِّلوا هذه الفطرة بأن يصرفوا أبنائهم عن الحق بتحذيرهم من نوح رسول الله –صل الله عليه وسلم-، {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا}[نوح:22]، مكر كبير عظيم، فهذا من مكرهم؛ تعليم الناشئة وتحذيرهم، كذلك من مكرهم أن تآمروا بنوح وقفلوا الطريق عليه، {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}[الشعراء:116]، فسدوا وأوصَدوا باب دعوته بتهديده بأنه سيكون مرجومًا، اختاروا هذا الأسلوب من أساليب القتل ومن أشنعها حتى يصرفوه عن دعوته، {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا}[نوح:22].
ومن مكرهم {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ}، لا تذَرُن؛ لا تتركُن، بتأكيدهم لهذا يوصي بعضهم بعضًا، آلهتكم؛ معبوداتكم، الإله هو المعبود، كل ما عُبِد فهو إله، وكل ما عُبِد من دون الله فهو باطل، وإن سُمِّي إله فتسمية باطلة؛ يُسمَّى إله وليس بإله، {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}، فالشجر والحجر إذا عُبِد الشجرة تصبح إله وهذا يصبح إله؛ يصبح إله في اللسان، وفي لسان الكفار، لكن في الحقيقة والواقع تبقى الشجرة شجرة؛ ويبقى الحجر حجر، والصنم صنم، وتبقى الشمس هي الشمس وليست إلهة، يُسمِّيها الناس إلهة وليست إلهة، ويبقى الإنسان الذي عُبِدَ من دون الله هو هو، هو إنسان لا يملك لنفسه نفع ولا ضر، فتسمية عيسى إله اسم يُطلَق عليه؛ وأنه إله أو رب، لكنه في الحقيقة يبقى عبد من عباد الله -تبارك وتعالى-؛ ولا يمكن أن يكون إلهًا، وهكذا كل مَن يُعبَد هو إله في ألسنتهم؛ في لسان الكفار يُسمُّونه إله، لكنه في الحقيقة والواقع ليس إله، {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}، {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ........}[النحل:51]، إنما هو؛ الشأن والحال، لا يمكن أن يكون في الوجود إلا إله واحد، وذلك أن خالق هذا الوجود كله ...، يعني كل ما سوى الله قد خلَقَه الله -تبارك وتعالى-؛ فالله رب العالمين، كل العوالم خلَقَها الله فبالتالي هو ربها وهو إلهها؛ ولا شريك له في ذلك، لا شريك لله -سبحانه وتعالى- في أن خلَقَ شيء؛ في أنه يرزق، أنه يُحيي، أنه يُميت، هذا كله فعل الله -تبارك وتعالى- وتدبيره فإذن هو وحده الذي يستحق أن يكون إله، فهو الله؛ الإله وحده -سبحانه وتعالى-، وأما ما سوى الله باطل وزور؛ كذب أن يُقال أن هذا الله.
فهؤلاء سمُّوا هذه الأصنام معبوداتهم آلهة، {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ}، هذه معبوداتكم وهذه مُقدَّساتكم إياكم أن تتركوها، {........ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:23]، وخصوا بعد العموم؛ بعد عموم الآلهة، ما تتركوا ولا إله وبالذات هؤلاء الخمسة؛ هذه الآلهة الخمسة إياكم أن تتركوها، وَد، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، وحقيقة هذه الأسماء الخمسة إنما كانت لرجال صالحين بين آدم ونوح -عليه السلام-، فإنهم كانوا رجال صالحين؛ من أهل الدين، ومن أهل التوحيد، ومن أهل عبادة الله -تبارك وتعالى-، ولكن لمَّا ماتوا جّذِعَ الناس عليهم أن مات الصالحون منهم، فالشيطان أوحى لهم أن انصبوا لهم تماثيل تذكرونهم، انصبوا هذه التماثيل في أماكنهم، فإذا رأيتهم صورهم هذه ذكَّرتكم بعبادتهم وصلاحهم، فيكون هذا تذكير ونموذج لهم، وضِعَت هذه التماثيل في أماكن أصحابها ثم لمَّا تقادم العهد جاء جيل بعد جيل، قال الشيطان بعد ذلك إن مَن كانوا قبلكم كانوا يتوسَّلون بهؤلاء إلى الله وينزل بهم المطر، فدعوهم من أجل المطر، دعوهم من أجل الخير، دعوهم من أجل رفع الضر، فجعلوهم شركاء لله -تبارك وتعالى- في العبادة، فقوم نوح الذي ورِثوا هذا الموروث من الشرك، ومن أجل ذلك أرسل الله -تبارك وتعالى- نوح لينهاهم عن ذلك، قالوا لا نترك آلهتنا من أجل نوح؛ ولا نترك بالذات هؤلاء الخمسة، {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:23].
قال نوح {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا}، أضلوا يعني الكفار؛ هؤلاء الدعاة إلى الشر، أضلوا كثيرًا؛ أضلوا كثيرًا من الناس، بل الجيل إثر الجيل يُضِلونهم، أو {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا}، الأصنام، وهذا من باب أنها أضلت ليس بالطريق المباشر ولكن بطريق غير مباشر، فإنها لمَّا نُصِبَت وعُبِدَت من دون الله -تبارك وتعالى- فإن الناس ضلوا بهذا، ويُنسَب الضلال إليهم أن نصبهم على هذا النحو فهم سبب الضلال، لكن ليس بذواتهم عندما كانوا أحياء فإنهم عُبِدوا عن غير إرادتهم؛ وصُنِعَت لهم التماثيل عن غير إرادتهم بعد ما ماتوا، فهم بريئون من دعوة الناس إلى عبادتهم، ولكن الناس ضلوا بهذا، لكن هذه الأصنام التي اتُخِذَت لهؤلاء الصالحين أضلت الناس، كما قال الله -تبارك وتعالى- في دعاء إبراهيم {........ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ}[إبراهيم:35] {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[إبراهيم:36]، فهذه الأصنام أضلت كثيرًا من الناس؛ بنصبها، والعناية بها، وإقامتها، والدعاية إليها جعلت الناس تضِل، فوقد أضلوا ممكن يكون عَود الضمير على هذه الأصنام، أو يكون وقد أضلوا يعني الكفار؛ الكفار أضلوا كثيرًا بدعوتم كل جيل يأتي إلى الشرك بالله -تبارك وتعالى-، ثم قال نوح {........ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا}[نوح:24]، يعني اللهم لا تزِد الظالمين إلا ضلالًا، وسمَّاهم بالظالمين لأن الظلم في لغة العرب هو وضع الأمر في غير محِله، والذي يضع العبادة وهي أشرف الأعمال؛ أشرف أعمال الإنسان العبادة، يضعها في غير موضعها فهو أكبر ظالم، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، لأن العبادة أشرف عمل للإنسان، العبادة ثمرة قلب لأن العابد يحب مَن يعبده؛ يرجوا منه النفع، يخافه، يهابه، يُعظِّمه، يطلب منه دفع الضر عنه، فهذه هي أعمال القلب التي هي أشرف الأعمال، كذلك أعمال الجوارح؛ فإنه يركع له، يسجد له، يطوف به، يتمسَّح به، يتبرَّك به، يُعظِّمه، فأشرف أعمال الإنسان وأعلاها يضعها هنا، فإذا وضعها عند الصنم يكون قد وضعها في غير محِلها، هذه الأعمال لا يستحقها إلا الله -تبارك وتعالى-؛ الله هو الذي يستحقها، أما الصنم وأما غير الله -تبارك وتعالى- فإنه لا يستحق هذا؛ لا يستحق شيء، لا إله مع الله -سبحانه وتعالى-، كيف تضع ثمرة قلبك ومحبتك في هذا؟ كما قال -جل وعلا- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}، يحبوا هذه الأنداد التي اتخذوها هم من عند أنفسهم كما يُحَب الله؛ حب عبادة، قال -جل وعلا- {........ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}[البقرة:165] {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}[البقرة:166] {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة:167].
فهؤلاء أعطوا ثمرة قلوبهم من محبة هذه الأصنام؛ يحبونها، يُقدِّسونها، يعكفون عندها، يبذلون لها، يذبحون لها، ينذرون لها، أعطوها العبادة التي هي أشرف أعمال الإنسان، أعمال الإنسان بعد ذلك غير العبادة؛ في زراعة، في صناعة، في تجارة، في سفر، في غير ذلك، هذا عمل دنيوي لكنه ليس أشرف ولا أعلى من عمل العبادة، وعمل العبادة الذي هو أشرف أعمال الإنسان؛ وهو حق الله -تبارك وتعالى- الذي مَنَّ عليك بالوجود، ومَنَّ عليك بالحياة، وبالرزق، هو ربك؛ هو مالِكك -سبحانه وتعالى-، فهو الذي يستحق أن تحبه كل الحب؛ أن تخافه لأنه يُعاقِب، أن ترجوه لأن النفع كله بيده -سبحانه وتعالى-، أن تتبع أمره لأنه هو الذي له الحق في أن يأمر، {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، {........ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف:40]، {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف:3]، فالأمر له؛ كما أن الخلْق له فالأمر له، الأمر لله وحده -سبحانه وتعالى- فهو الذي يُطاع، فهذه العبادة هي حق لله -تبارك وتعالى-، وضع هذه العبادة في غير موضعها ظلم؛ أكبر ظلم، كيف تضع هذه العبادة التي هي أشرف الأعمال؛ والتي هي حق الله -تبارك وتعالى-، أن تضعها عند غيره؟ فقال نوح {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا}[نوح:24]، ما قال ولا تزِد الضالين بل قال الظالمين، لأنهم هم هؤلاء بوضعهم العبادة في غير محِلها أصبحم ظالمين؛ بل هو الظلم الأكبر، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
{إِلَّا ضَلالًا}، وذلك أنهم اختاروا هذا الطريق، بُيِّنَ لهم الحق؛ رسولهم قد أفرغ كل جُهدِه ووسِعِه في إبانة الحق لهم، وفي بيان الطريق لهم، ولكنهم أصروا على هذا؛ أصروا واستكبروا استكبارًا، وأبوا أن يسمعوا كلام الحق، فإن نوح يقول {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}[نوح:7]، فهؤلاء دعى عليهم نوح بألا يزيدهم الله -تبارك وتعالى- إلا ضلالًا، وهذه سُنَّة الله -تبارك وتعالى- في خلْقِه؛ فإن الذي يضِل الله -تبارك وتعالى- يزيده من الضلال، {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا}، فالذي في الضلالة فليُمِده الله -تبارك وتعالى- من هذا، {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، وقال –تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال:24] {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال:25]، وهذا في تحذير المؤمنين من أن يُخالِفوا أمر الله -تبارك وتعالى- فيُعاقِبهم الله -تبارك وتعالى- على هذا النحو، وقال -جل وعلا- {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الأنعام:110]، فهذه عقوبة لهؤلاء الكفار، فنوح دعى ربه -سبحانه وتعالى- وهو دعاء بما هو من سُنَّة الرب -تبارك وتعالى-؛ أن يزيد الظالمين ضلالًا على ضلالهم، قال {........ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا}[نوح:24].
قال -جل وعلا- {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا}، إذن استُجيبَت الدعوة، قد أخبر الله -تبارك وتعالى- أن نوح لمَّا دعى بدعوته استجاب الله -تبارك وتعالى- دعائه؛ وأخبره الله –تبارك وتعالى- بأن دعوته قد استُجيبَت، وأمره -سبحانه وتعالى- بالطريق الذي يُخلِّصه الله -تبارك وتعالى- من هؤلاء الظالمين هو والذين آمنوا معه، قال -جل وعلا- بعد ذلك {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ}، يعني من أجل خطيئاتهم، خطيئات؛ الخطيئات الكثيرة، الخطأ العظيم الذي ارتكبوه وهو كفرهم؛ عنادهم، شركهم بالله -تبارك وتعالى-، معاندتهم لرسوله، عدم قدرتهم على سماع الحق، اتِّباعهم المجرمين الذي يُفسِدون في الأرض، {........ وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}[نوح:21]، {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ}، أي الكثيرة، {أُغْرِقُوا}، بالبناء لِما لم يُسمَّى فاعله، وأغرقهم الله -تبارك وتعالى- بطوفان عظيم غطى الأرض كلها، {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[هود:36] {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}[هود:37]، وقال -جل وعلا- {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}[هود:38] {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}[هود:39] {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ}، وهي العلامة التي جعلها الله، {........ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود:40] {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[هود:41].
قال -جل وعلا- {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا}، هذا عذاب الدنيا، {فَأُدْخِلُوا نَارًا}، هذا عذاب الآخرة، وكأن هذا في إثر هذا، وعقَّبَ الله -تبارك وتعالى- بعذاب الآخرة مباشرة لعذاب الدنيا بالفاء التي تقتضي الترتيب والتعقيب؛ فإنه بعد الغرق أُدخِلوا النار، فمن بحار الماء إلى بحار النار -عياذًا بالله-، {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}، قال -جل وعلا- {........ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا}[نوح:25]، لم يجدوا هناك مَن ينصرهم من دون الله -تبارك وتعالى-، ومَن يستطيع أن ينصرهم ويُخلِّصهم من عقوبة الله -تبارك وتعالى-؟ فالله أغرقهم ولا يستطيع أحد أن يوقِفَ هذا، وأدخلهم النار ولا يستطيع أحد أن يمنع هذا عنهم، {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا}[نوح:25].
{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح:26]، هذا كان أيضًا من دعاء نوح أن يُهلِك الله -تبارك وتعالى- ويستأصل جميع الكفرة؛ فلا يُبقي كافرًا على وجه الأرض، ربِ؛ يعني يا ربي، لا تَذَر؛ تترك، على الأرض؛ كلها، {مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}، ديَّارًا؛ صاحب دار، والذي يبني دار ويسكن فيها هو الإنسان، يعني إنسانًا يسكن دارًا، لا تجعل هناك مَن يبقى على هذا، فدعى بهذا الدعاء المُستأصِل لكل الكفرة وذلك بعد أن آيسَ منهم؛ وآيسَ أن يأتي جيل وراء جيل فيأتي في الكفر، فالكبير يُعلِّم الصغير الكفر؛ ويشِب الصغير على ما عليه الكبير، فوجد أن الطريق مغلق؛ ووجد أن لا أمل في هداية هؤلاء المجرمين، مادام أن هؤلاء المجرمين هم مستمِرون بتعليم غيرهم وإخراج غيرهم عن دين الله -تبارك وتعالى- على هذا النحو، فدعا بأن يستأصِلهم الله -تبارك وتعالى- جميعًا؛ ويُطهِّر الأرض منهم، وقال نوح ربِ؛ يا ربي، {........ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح:26] {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح:27]، إنك إن تذَرهم؛ إذا تركتهم أحياء في الأرض ويأتي جيل إثر جيل منهم، يُضِلوا عبادك؛ يُضِلوا الباقين، فكل ما يأتي جيل لابد أن يضِل بفعل هؤلاء المجرمين، {........ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح:27]، يعني أن أولادهم كذلك كله فاجر كفَّار، ولا شك أنه لا يولَد أولادهم كفارًا من بطون أمهاتهم؛ ولكنه بتعليمهم، كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- «كل مولود يولَد على الفطرة كما تُنتَج البهيمة جمعاء؛ هل تجِدون فيها من جدعاء؟»، البهيمة تُنتَج من بطن أمها جمعاء؛ يعني كلها بكل أطرافها سليمة، ثم يأتي بعد ذلك فعل الإنسان اللي هو أنه يقطع الأُذُن؛ يجدع الأنف، يصنع فيها علامة، يصنع فيها وسم، هذا فعل الإنسان في هذه البهيمة، كذلك شبَّه النبي -صل الله عليه وسلم- ولادة الإنسان أنه يولَد على الفطرة الكاملة وتوحيد الله -تبارك وتعالى-؛ ما فيه أي انحراف، ليس داخل هذا الإنسان أي انحراف من الكفر والشرك في مكوناته... لا؛ وإنما هو صفحة بيضاء، نقية، قائمة على الدين؛ وعلى أن يُفطَر على توحيد الله -تبارك وتعالى-، ولكن يأتي الانحراف بالتعليم؛ بما يضعه الوالِدان والمُعلِّمون في أذهان أطفالهم فهو الذي يصرفهم بعد ذلك عن طريق الحق، {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح:27].
ثم قال نوح {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}[نوح:28]، ربِ؛ يا ربي، دعى الله -تبارك وتعالى-، {اغْفِرْ لِي}، طلَبَ من الله -تبارك وتعالى- مغفرة ذنبه؛ وهذا من أعظم الدعاء، وكل أحدٍ مُحتاج أن يغفر الله -تبارك وتعالى- ذنبه، وخطأ الكبير وإن كان صغيرًا فهو كبير، يعني كلما عَظُمَ قدْر الإنسان وعَظُمَت منزلته كلما أصبح ذنبه الصغير كبيرًا، فالرُسُل لا شك أن الله -تبارك وتعالى- يُعاتِبهم؛ ولو جاء منهم شيء خلاف الأَولى يصبح أمر كبير عند الله -تبارك وتعالى-، كما قال -تبارك وتعالى- {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}[الأحزاب:30]، قيل لمنزِلتِهِنّ، وقال الله -تبارك وتعالى- لنوح لمَّا قال فقط {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}، قال له {........ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[هود:46] {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[هود:47]، دعى الله -تبارك وتعالى- بأن يغفر له ذنبه وهذا في ختام رسالته، {وَلِوَالِدَيَّ}، دعى لوالديه، {وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، وقوله لِمَن دخل بيتي مؤمنًا؛ يبدوا أن بيته كان القِبلة، وكان المسجد، وكان هو الذي يحوي أهل الإيمان، {........ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}[نوح:28]، فمع دعائه له، ولوالديه، وللمؤمنين؛ بالرحمة والمغفرة، كذلك دعى للظالمين وهم هؤلاء المشركين إلا تبارًا؛ إلا هلاكًا، فالتَّبار هو الهلاك؛ ومنه التِّبر لأنه يكون مسحوق، والتتبير؛ الهلاك، قال {وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}، إلا هلاكًا، وقد أهلك الله -تبارك وتعالى- قومه الكفار؛ ولكن بعد أن استنفذ نوح كل جُهدِه في الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، وهذه الصورة مثال إذا أُعطيَ للنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- فليرى هذا نوح؛ نبي من أولي العزم من الرُسُل، انظر كيف كانت رسالته؟ وكيف كان تحمُّله؟ وكيف جوبِه -عليه السلام-؟.
استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.