الخميس 20 جمادى الأولى 1446 . 21 نوفمبر 2024

الحلقة (745) - سورة الجن 6-18

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- من سورة الجِن {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[الجن:5] {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}[الجن:6] {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا}[الجن:7] {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}[الجن:8] {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}[الجن:9] {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}[الجن:10] {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}[الجن:11] {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا}[الجن:12] {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا}[الجن:13]، هذا مما قالته الجِن بعد أن استمعوا إلى قراءة النبي -صلوات الله والسلام عليه- للقرآن، وجاء في حديث الإمام البخاري عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي وهو عائد من الطائف كان قد ذهب إلى عُكاظ ليدعوا إلى الله -تبارك وتعالى-، وفي أثناء عودته وهو يُصلِّي ببعض أصحابه صلاة الصبح وجاء الجِن واستمعوا إلى قرائته، ولمَّا استمعوا ولَّوا إلى قومهم مُنذِرين؛ يدعونهم بهذا الدعاء، فمن جملة ما قالته الجِن {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}[الجن:5]، ظننا؛ اعتقدنا، أن الإنس لا يمكن أن تتجرَّأ؛ يعني لا يتجرَّأون أن يكذبوا على الله -تبارك وتعالى-، والحال أنهم افتروا على الله؛ وأنهم قالوا على الله كذبًا، وأن الله -تبارك وتعالى- {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا}[الجن:3]، فالجِن والإنس نسبوا الولد والزوجة لله -تبارك وتعالى-.

{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}[الجن:6]، يعوذون بهم؛ يستعيذون بهم، قيل أن العرب كان من عادتهم أن الشخص المُسافِر إذا جاء إلى وادي فيقوم يخاف في صِغار الجِن أن يؤذوه، فيقول هذا الشخص أنا لائذٌ أو عائذٌ بسيد هذا الوادي من صِغار قومه؛ فيعوذ به، ويستعيذ بالكبير منهم، لكن الاستعاذة بالجِن لا شك أنهم زادوهم رهَقًا على رهَقِهم، كما الحال في السَحَرة الذين يستعيذون بالجِن في كتابة السحر والإضرار بالغير، فإنهم يزيدون أصحابهم تعبًا رَهَقًا وينشرون الفساد، {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}[الجن:6]، لم تُفِدهم استعاذتهم ولجوئهم إلى الجِن؛ بل زادوهم خبالًا وتعبًا إلى خبالهم، {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا}[الجن:7]، وأنهم؛ الإنس، ظنوا كما ظننتم؛ كما ظن الجِن، {........ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا}[الجن:7]، كانت الأرض منذ بعثة عيسى إلى بعثة نبينا محمد -صلوات الله والسلام عليه- لم يكن فيها رسول، ما في بين نبينا محمد وبين عيسى نبي، وتقادم العهد على الناس فظنوا أن الله لن يبعث رسولًا بعد ذلك، وها قد بعث الله -تبارك وتعالى- محمدًا بالهُدى ودين الحق، {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا}[الجن:7].

{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}[الجن:8] {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}[الجن:9]، {لَمَسْنَا السَّمَاءَ}، وذلك أنهم كان يركب بعضهم بعضًا إلى السماء ليسترِقوا السمْع، ورأوا حالها فوجدوا أنها مُلِئَت حرسًا شديدًا بالملائكة؛ وشُهُب تضربهم وتحرقهم، فإنه لا يكاد أحد منهم يستمع إلى الملائكة حتى يُرسَل شهاب فيحرقه، وكان هذا ليس بالصورة الكبيرة قبل بعثة النبي -صل الله عليه وسلم-؛ قبل هذا الحدث العظيم الذي حدث في الأرض، من أجل الضرب بالشُهُب هذا فزِعَ الجِن فبدأوا يبحثوا في الأرض؛ ما هو الجديد في الأمر؟ حتى وقعوا على النبي -صلوات الله والسلام عليه- وهو يقرأ القرآن، وقيل أيضًا أن العرب فزِعَت لهذا وأنهم في الطائف شاهدوا سقوط الكواكب والشُهُب على هذا النحو؛ فخافوا وظنوا أن هذا نهاية الدنيا ونهاية العالم، فبدأوا يُعتِقوا العبيد ويُسيِّبوا مواشيهم؛ اللي هو يُسيِّبوها لآلتهم ويتركوا عبيدهم، فجائوا إلى حكيم من حكمائهم فقال لهم ويلكم؛ أمسكوا أموالكم، وانظروا في السماء فإن كان الذي يُرمى به هذا من الثوابت؛ من النجوم الثوابت، فهذا إيذان بخراب العالم، وإن كان هذا ليس من الثوابت وأن هذه الشُهُب ليست هي النجوم الثابتة في السماء؛ والتي تُرى دائمًا، فاعلموا أن هذا لأمرٍ قد حدَث، ولم ينشب بعد ذلك إلا أن سمِعَ العرب أن الله -تبارك وتعالى- قد أرسل عبده ورسوله محمد، فالجِن قالت {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}[الجن:8]، اللي هم الملائكة.

{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ}، كانوا يقعدوا منها وهم أنهم يركب بعضهم بعضًا ليقعدوا مقاعد ليستمعوا للملائكة، وسمعهم للملائكة لأن الملائكة تتحدَّث بما يقضي الله -تبارك وتعالى- به في السماء، كما جاء في الحديث أن الشياطين يركب بعضهم بعضًا إلى العنان، وأن الله -عز وجل- إذا قضى الأمر فإنه يتكلَّم به لملائكته؛ فتُصعَق الملائكة عند سماعهم كلام الرب -تبارك وتعالى-، فيكون أول مَن يفيق من الصعقة جبريل؛ فيسأله الملائكة ماذا قال ربك يا جبريل؟ فيخبرهم أنه قضى بكذا وكذا، فيصبح الملائكة يتناقلون هذا الحدث الذي تكلَّم به الله وقضاه الله -تبارك وتعالى- من سماء إلى سماء؛ إلى أن يكون في السماء الدنيا، الشياطين يركب بعضهم بعضًا للاستماع إلى هذا؛ للاستماع إلى الملائكة وهم يتحدَّثون بما قضى الله -تبارك وتعالى- به في الأرض، ثم إذا استرقوا شيء أو خطفوا خطفة أعطاها الجِن الذي سمع هذا إلى مَن تحته؛ ومَن تحته يُعطيها إلى مَن تحته، وهكذا حتى بعد ذلك يأخذها آخر واحد ويُقِرُّها في أُذُن وليِّه من الإنس؛ يقول له سيكون كذا وسيكون كذا، لكن في أثناء انتقال هذه القبضة والخبر الذي أخذوه من السماء كل مَن تمر عليه من الجِن يُضيف إضافة؛ ويضع شيء، ويُضيف إضافة، حتى تصبح الكلمة الواحدة من الصدق معها تسع وتسعين كلمة من الكذب، وهكذا يكون الكُهَّان؛ يصدقون في خبر، ولكن تكون مع أخبارهم كثيرًا من الكذب، فالخبر الصدق الوحيد هذا هو الذي استرقوه من المَلَك والباقي من الكذب هو الذي افتروه، وقد قال –تبارك وتعالى- {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}[الصافات:6] {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ}[الصافات:7] {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ}[الصافات:8]، من كل جانب؛ أي من جوانب السماء، {دُحُورًا}، أذِلَّة، {........ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}[الصافات:9] {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}[الصافات:10]، الشِهاب يخبر النبي أنه قد يلحقه قبل أن يُلقي الكَلِم فيحرقه معه ولا يوصِل شيء، وإما أن يُلقي الكلمة قبل أن يأتيه الشِهاب وهذا لحكمة يُريدها الله -تبارك وتعالى-، فيحترق الجِني ولكنه أوصَل الكلمة إلى مَن بعده، ثم تُتناقل الكلمة بعد ذلك، فقالت الجِن {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}[الجن:8] {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}[الجن:9]، الآن الذي يستمع يجد أن له شِهاب؛ والشِهاب هو الكتلة من النار المُنفصلة من النجم، وشِهاب رَصَد يعني أنه مُرصَد له؛ كأنه مُنتظِر له ليكون في هذا الموقع ليضربه الشِهاب، {يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}.

{وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}[الجن:10]، في صحيح البُخاري يقول عبد الله ابن عمر ابن الخطَّاب ما كان عمر يقول لشيء أظن أن هذا الأمر على هذا النحو إلا ويأتي الأمر كما ظن، يقول في يوم من الأيام وهذا في خلافة عمر -رضي الله تعالى عنه- مَرَّ رجل، فقال عمر ما أظن هذا الرجل إلا على دين قومه أو كان كاهنهم في الجاهلية؛ وعليَّ بالرجل، فأتوا به فقال له هذا؛ قال له أنت إما على دين قومك أو كنت كاهنهم في الجاهلية، فقال الرجل ما رأيتك اليوم يُقابَل به رجل مسلم، أنا رجل مسلم وتُقابِلني بهذا؛ تقول لي إما أنت كافر الآن، أو تقول أو أنت كنت كاهنهم في الجاهلية، فقال له أقسمت عليك إلا ما أخبرتني، فقال كنت كاهنهم في الجاهلية، فجاء الظن كما أخبر عمر؛ أنه كان كاهن قومه في الجاهلية، فقال له عمر -رضي الله تعالى عنه- أخبِرني بأعجب ما جائتك به جِنيَّتُك، قال له الجِنيَّة وهي التي تأتي بالخبر؛ يقول له ما أعجب شيء أتتك به؟ قال أعجب شيء أنها جائتني يومًا فزِعَة وقالت لي ألم ترَ إلى الجِن وإبلاسها؛ ويأسها من بعد إنكاسها، ولحوقها بالقِراص وأحلاسها؟ وهذا تصوير لحالة الجِن ألم ترَ إلى الجِن وإبلاسها؛ يعني أنها أبلَسَت، والإبلاس هو الحيرة والارتباك، ويأسها من بعد إنكاسها ولحوقها بالقِراص وأحلاسها؛ وكأنها تبحث في الأرض، يقول فلم ننشَب إلا وسمعنا بخبر النبي -صل الله عليه وسلم-؛ هذا كلام هذا الرجل وهو سواد ابن قارب -رضي الله تعالى عنه-، كان هذا القول قول جِنيَّته له ويقول هذا أعجب شيء جائتني به الجِنيَّة، قال عمر له صدَقت.

يروي عمر كذلك حادثة قبل بعث النبي -صلوات الله والسلام عليه-، يقول كنت مع القوم وكانوا يذبحون ثورًا لهم عند صنم من أصنامهم؛ هؤلاء المشركين، يقول فسمعت صارخ يصرخ من داخل هذا الثور يا جليح أمرٌ نجيح؛ رجل فصيح يقول لا إله إلا الله، يقول ففزَعت من هذا الصوت، يقول وأعاد هذا القول؛ يا جليح أمرٌ نجيح؛ رجل فصيح يقول لا إله إلا الله، يقول فلم ننشَب إلا وخرج النبي -صلوات الله والسلام عليه-، فهذا تصديق بأن الجِن قد شعرت باليأس والحيرة وكذا وكذا عندما قُفِلَت السماء في وجوههم التي يسترِقوا فيها السمع، وبدأوا يبحثوا هنا وهناك ما الخبر؟ ما الأمر؟ وظلوا يبحثون حتى سمعوا النبي -صلوات الله والسلام عليه- وهو يقرأ القرآن، قالوا {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا}، يعني السماء، {........ مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}[الجن:9]، ثم قالوا {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}[الجن:10]، يعني أنهم لمَّا رأوا الشُهب هكذا تُرمى؛ ويُمنَعون من خبر السماء وتوصَد فيهم، يقول {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ ........}[الجن:10]، هل هناك شر أُريد بمَن في الأرض وهو نهاية العالم؟ وأن هذه الشُهُب قد تنزل على أهل الأرض فتحرقهم، {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}، أم أن هناك أمر أخر من الرَشَد أراده الله -تبارك وتعالى-؟ وقد اراد الله -تبارك وتعالى- بأهل الأرض رَشَدًا؛ وهو أن يحرُس هذه السماء حتى لا يسترِقوا السمع، وليأتي بعد ذلك الوحي إلى رسول الله -تبارك وتعالى- فيكون محروس، يأتي جبريل ولا تستطيع الجِن أن تُلقي مع هذا الوحي والأخبار من شيء لأوليائهم فيختلط؛ تصبح بعض الأخبار الصادقة الكثيرة مع الأخبار الكاذبة، ويختلط الأمر على الناس، ويختلط خبر النبي الصادق بما يقوله الكُهَّان؛ فالكُهَّان حُبِسوا، الكُهَّان الذي يأتوا بالخبر من السماء وقد تكون بعض هذه الأخبار صحيحة حُبِسوا، حرَسَ الله -تبارك وتعالى- السماء وجعلها فقط لا ينزل منها إلا جبريل -عليه السلام-؛ الوحي من الله -تبارك وتعالى-، وأما الشياطين فإنهم يُقذَفون من كل جانب {دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}[الصافات:9]، ومن أدب الجِن الذين أسلموا هنا أنهم نسبوا الشر بصيغة لِما لم يُسمَّى فاعله؛ ونسبوا الخير إلى الرب -سبحانه وتعالى-، قالوا {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ ........}[الجن:10]، ما قالوا أَشَر أراد الله بمَن في الأرض بل قالوا {........ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}[الجن:10]، وقد أراد الله -تبارك وتعالى- بعباده رَشَد بإرساله النبي محمد -صل الله عليه وسلم-؛ وحراسته للسماء أن يسترِقَ الجِن الخبر منها.

ثم قالوا {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}[الجن:11]، وأنَّا؛ الجِن، مِنَّا؛ منهم، الصالحون؛ والصالح هو فاعل الصلاح، يعني أهل الإيمان؛ والتقوى، ومخافة الله، والعمل الصالح، ومِنَّا دون ذلك؛ أقل من ذلك، {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}، يعني شِيَع مختلفة، الطرائق هي الجهات والطُرُق والنِحَل المختلفة، قِددًا؛ يعني مُتفرِّقة، فهو كالطُرُق المختلفة، فهم طرائق متعددة ونِحَل كثيرة؛ وفيهم كل ما في الإنس من الخلاف، ففي الجِن كذلك منهم وفيهم هذا الخلاف، {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}، ثم قالوا {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا}[الجن:12]، وأنَّا ظننا؛ اعتقدنا، {أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ}، نُعجِزَه في الأرض بمعنى أن نفوته؛ وأنه ليس بقادر علينا وبقاهر لنا -سبحانه وتعالى-، {وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا}، إلى  أي مكان، لم يستطيع أحدٌ مِنَّا ولا يستطيع أحدٌ مِنَّا أن يهرب من الله -تبارك وتعالى- في أي مكان، بل هم في قبضة الله -تبارك وتعالى-؛ وتحت أمره، وتحت مشيئته، مشيئة الله -تبارك وتعالى- نافذة فيهم؛ وأنه لا يوجد أحد منهم مُستعصٍ على الله -تبارك وتعالى-، {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ ........}[الجن:12]، فنفوته، {وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا}، إلى أي مكان، وقد قال -تبارك وتعالى- {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}[الرحمن:33] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:34] {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ}[الرحمن:35]، فهم في قبضة الله -تبارك وتعالى-؛ ولا يستطيع أحدٌ منهم أن يخرج عن المدار والمكان الذي جعلهم الله -تبارك وتعالى- فيه، {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا}[الجن:12].

{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا}[الجن:13]، أمر عظيم جدًا؛ إيمان الجِن برسالة الله -تبارك وتعالى-، {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى}، لمَّا سمِعنا الهُدى؛ هذا القرآن المتلوا من النبي -صلوات الله والسلام عليه-، آمنا به؛ صدَّقناه وعمِلنا بمُقتضى هذا التصديق، ثم قالوال {........ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا}[الجن:13]، يعني مُتوكِّلون على الله وعالِمون أن مَن يؤمن بربه؛ إله ومولاه -سبحانه وتعالى-، الرب الإله الذي لا إله إلا هو، فلا يخاف بخسًا بعمله؛ والبخس هو النقص، يعني أن الله لن يُنقِصَه من عمله الصالح شيء؛ فالله لا يظلِم، كما قال -جل وعلا- {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:40]، {فَلا يَخَافُ بَخْسًا}، نقصًا لأجره، {وَلا رَهَقًا}، رَهَقًا هو أن يُحمِّله الله -تبارك وتعالى- فوق طاقته فيُرهِقه بالعمل، بل أن قاعدة التكليف عند الله -تبارك وتعالى- أن الله لا يُكلِّف نفسًا إلا وِسعَها، فمَن يؤمن بربه -سبحانه وتعالى- فإنه لا يُنقِص أجره ولا كذلك يُحمِّله ما لا يطيق -سبحانه وتعالى-.

{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}[الجن:14]، هذه مقالة الجِن، وأنَّا؛ الجِن، مِنَّا؛ بعضنا، المسلمون؛ لله -تبارك وتعالى-، {وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ}، القاسِطون يعني الظالمون، القاسِط غير المُقسِط؛ المُقسِط هو العادل، والقاسِط؛ الظالم، عكسه، فالقاسِطون؛ الظالمون، الظالمون لأنفسهم بالكفر والشرك بالله -تبارك وتعالى-، قالوا {........ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}[الجن:14]، يعني فمَن أسلم مِنَّا ومَن أسلم من كل خلْق الله -تبارك وتعالى- فأولئك تحرَّوا رَشَدًا، والتحرِّي؛ البحث والتمسُّك، رَشَدًا؛ يعني ما يُرشِدهم غير الضلال، {........ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}[الجن:14]، {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}[الجن:15]، وأما القاسِطون يعني المائلون عن الحق والعدل؛ الظالمون، {........ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}[الجن:15]، الحَطَب؛ الخشب الذي تُشعَل به النار، وهذا وصْفُ دقيق وحقيقي لعذاب الكفار في النار، فإن الكفار في النار يُعذَّبون بالنار التي تحترق في أجسادهم؛ وتحترق كذلك بالحجارة، كما قال –تبارك وتعالى- {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، فهي تتقِد بأجسادهم؛ تشتعل بهم، وكذلك الحجارة -عياذًا بالله- تشتعل بها، فقالوا هؤلاء يكونوا حطب النار، حطب النار؛ أن النار تشتعل بهم وتشتعل فيهم -عياذًا بالله-، {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}[الجن:15].

ثم قال -جل وعلا- {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}[الجن:16] {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}[الجن:17]، {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ........}[الجن:16]، على طريقة الحق، {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}، يعني أن كل مَن استقام على طريقة الحق لعند ذلك أسقيناهم ماءًا غَدَقًا؛ كثيرًا، والماء هو الحياة، وهذا مثل قول الله -تبارك وتعالى- {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف:96]، وقال في الآية الأُخرى {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}[المائدة:66]، فلو استقاموا على الطريقة؛ قيل على طريقة الحق، على الإيمان والتقوى، {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}، يقول لنفتنهم فيه؛ لنختبرهم به، يكون هذا اختبار وابتلاء كما أن الله -تبارك وتعالى- يبتلي عباده بالخير والشر، فهذا ابتلاء لهم بالخير ليبتلي شُكْرَهم -سبحانه وتعالى-، {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}، وأما الأخرون {........ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}[الجن:17]، أما مَن أعرَضَ عن ذِكْر ربه فإنه يسلُكه؛ يُدخِله في عذاب؛ صَعَدًا؛ خطوة بعد خطوة، بعد خطوة إلى النار -عياذًا بالله-، كما في قول الله -تبارك وتعالى- {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}[الليل:5] {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}[الليل:6] {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل:7] {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}[الليل:8] {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}[الليل:9] {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:10]، فيُيسَّر للعُسرى يعني أنه يسير خطوة بخطوة مُيسَّرًا له طريق النار، العُسرى؛ النار -عياذًا بالله-، هذا وجه من وجوه تفسير هذه الآية.

الوجه الثاني في قول الله -تبارك وتعالى- {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ........}[الجن:16]، قيل الطريقة هي طريقة الشر، {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}، يعني وسَّعنا عليهم وفتحنا عليهم أبواب الخير ليُفتَنوا به فينصرفوا عن الحق؛ وينشغلوا بما هم فيه بما فتح الله -تبارك وتعالى- عليهم من الخير، كما في قول الله -تبارك وتعالى- {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}[الأنعام:44]، وقوله -سبحانه وتعالى- {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}[القلم:44] {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[القلم:45]، فيكون هذا من باب الاستدراج وإعطاء الكافر وإمهاله ليزداد شر، {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا}، ومن الإمداد في الضلالة أن يُعطيه في الدنيا، كما قال الله -عز وجل- في شأن الكفار {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ}[آل عمران:196] {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[آل عمران:197]، وقال {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه:131]، فقال هنا والوجه الثاني من وجوه التفسير {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ........}[الجن:16]، طريقة الشر {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}، كثيرًا طيبًا، {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}، يعني يفتنهم فيه فتنة شر فيبتعِدوا عن طريق الحق ويتلهَّوا بهذه الدنيا المفتوحة عليهم عن الحق، {........ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}[الجن:17]، يكون هذا تأكيد لهذا المعنى أن {........ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}[الجن:17]، يسلُكه؛ يجعله يسلُك العذاب الصاعد إلى النار -عياذًا بالله-.

ثم قال -تبارك وتعالى- وهذا أيضًا من مقالة الجِن الذين استمعوا للقرآن {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن:18]، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ}، المساجد تُبنى لله؛ والسجود لله -سبحانه وتعالى-، والصلاة إنما هي لله؛ شرَعَها الله -تبارك وتعالى- له ليُعبَد وحده -سبحانه وتعالى-، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن:18]، يعني أيها الناس، فلا يُدعى مع الله -تبارك وتعالى- أحد، والدعاء طلب من الأدنى للأعلى؛ من العبد إلى ربه -سبحانه وتعالى-، لا تدعوا أحدًا مع الله لأن الذي يستحق أن يُدعى هو الله وحده -سبحانه وتعالى-؛ فهو مالك المُلك، رب العالمين -سبحانه وتعالى-، الذي بيده نفع العباد وهو الذي يملِك ضُرَّهم -سبحانه وتعالى-، فهو الذي يُدعى لدفع الشر؛ ويُدعى -سبحانه وتعالى- لجلب الخير، ولا يُدعى غيره لأنه هو المالك وحده -سبحانه وتعالى- وهو المُتصرِّف وحده، وأما غير الله -تبارك وتعالى- فإنهم ليس بيدهم شيء، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ}، المساجد بُنيَت لله، وما في المسجد من الصلاة، والركوع، والسجود؛ كله لله، والصلاة دعاء؛ والدعاء هو العبادة، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «الدعاء هو العبادة»، فهذا أشرف وأعلى العبادة، بل هو صُلب العبادة لأن العبادة تذلُّل وخضوع إلى الله -تبارك وتعالى-، وفي العبادة ظهر هذا جَلي؛ في الدعاء يظهر هذا جَلي، فإن الداعي يشعر بفقره واحتياجه إلى إلهه الذي يدعوه ومولاه -سبحانه وتعالى-؛ كذلك يؤمن بأن هو الذي بيده نفعه وهو الذي بيده ضُرُّه، فيدعوه لجلب ما ينفعه ولِدفع ما يسوئه ويضُرُّه، والله -تبارك وتعالى- يُحِب من العباد أن يدعوه، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60]، لأن الدعاء هو العبادة، {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}، بعد أن قال {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وقال إبراهيم {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}[مريم:48]، ثم قال -جل وعلا- {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا}[مريم:49]، لأن الدعاء هو العبادة، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن:18].

نقف هنا و-إن شاء الله- نُكمِل في حلقة آتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.