الثلاثاء 07 ذو القعدة 1445 . 14 مايو 2024

الحلقة (759) - سورة المرسلات 1-27

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم، {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا}[المرسلات:1] {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا}[المرسلات:2] {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا}[المرسلات:3] {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا}[المرسلات:4] {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا}[المرسلات:5] {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا}[المرسلات:6] {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}[المرسلات:7] {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ}[المرسلات:8] {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}[المرسلات:9] {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ}[المرسلات:10] {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}[المرسلات:11] {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ}[المرسلات:12] {لِيَوْمِ الْفَصْلِ}[المرسلات:13] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ}[المرسلات:14] {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:15]، هذه سورة المُرسَلات وقد بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بمجموعة من الأقسام؛ من الأيمان، يُقسِم الله -تبارك وتعالى- على أن يوم القيامة حاصل وواقع؛ وأن ما وَعَدَ الله -تبارك وتعالى- به عباده من هذا اليوم والفصل فيه بين الخلائق، ووضع أهل الجنة في الجنة؛ وأهل النار في النار حق.

{وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا}[المرسلات:1]، قَسَم من الله -تبارك وتعالى- بالمُرسَلات، قيل في معنى المُرسَلات أنها الملائكة الذين يُرسِلهم الله -تبارك وتعالى-، وجمع الملائكة هنا الذين يُرسِلهم الله -تبارك وتعالى- حال كونها عُرفًا قيل متتابعة؛ يعني أنهم يُرسَلون جماعات جماعات، أو عُرفًا حال كون الذي يُرسَلون به لأجل العُرف؛ والعُرف هو المعروف، يعني أن الله -تبارك وتعالى- يُرسِلهم بما يُرسِلهم به بالمعروف، المعروف؛ ما عرَّفَه الله -تبارك وتعالى- لعباده من الحق، والذي عرَّفَهم إياه بطريق الشرع؛ بطريق الوحي المُنزَل بالملائكة، أو بطريق ما ألهم الله -تبارك وتعالى- به عباده وفطَرَهم عليه من الفِطرة السليمة.

{فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا}[المرسلات:2]، العاصفات في سيرها؛ يعني أن هؤلاء الملائكة مُسرعين في المجيء بهذا الوحي كالريح العاصفة، {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا}[المرسلات:3]، ما ينشره هؤلاء الملائكة في الأرض من هذا الخير الذي يُنزِله الله -تبارك وتعالى- من السماء؛ هذا الدين وهذا الشرع الذي ينشره الله -تبارك وتعالى-، {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا}[المرسلات:4]، هذا الذِّكر المُنزَل من الله -تبارك وتعالى- يُفرِّق الله -تبارك وتعالى- به بين الحق والباطل؛ بين الهُدى والضلال، بين صراط الله -تبارك وتعالى- المُستقيم وصُرُط الشيطان، {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا}[المرسلات:5]، تُلقي بهذا الوحي المُرسَلة به ذِكْر من الله -تبارك وتعالى-؛ القرآن، التوراة، الإنجيل، ما أنزله الله -تبارك وتعالى- على الرُسُل كله ذِكْر لأهل الأرض.

{عُذْرًا أَوْ نُذْرًا}[المرسلات:6]، هذا الذِّكر عُذر؛ إعذارًا من الله -تبارك وتعالى- لعباده حتى يُقيم به الحُجَّة عليهم -سبحانه وتعالى-، ونُذرًا؛ يُنذِر الله -تبارك وتعالى- به المُخالِفين عن هذا الأمر، فالوحي النازل من السماء من الله -تبارك وتعالى- عُذر؛ إعذار، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}، كما قال -تبارك وتعالى- {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى ........}[النساء:163]، ثم قال الله -تبارك وتعالى- بعد ذِكْر هؤلاء الأنبياء {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ........}[النساء:165]، حتى لا يحتَج أحد بعد ذلك؛ بعد إرسال الرُسُل، بأنه يقول ما جائنا من نذير؛ بل جاء النذير، وقامت حُجَّة الله -تبارك وتعالى- على العباد، أو عُذرًا بعد ذلك لِمَن قام بأمر الله -تبارك وتعالى-، فقد أعذَرَ الله -عز وجل- بأنه قام بالأمر الذي قد أمَرَه الله -تبارك وتعالى- به، ونُذرًا؛ نِذارة لأهل الكفر على ما يفعلونه، وأنه سينالهم عقوبة الله -تبارك وتعالى- في الدنيا والآخرة.

بعد هذه الأقسام قال -جل وعلا- {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}[المرسلات:7]، أقسَمَ الله -تبارك وتعالى- بهذه الأقسام المتتابعة {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا}[المرسلات:1] {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا}[المرسلات:2] {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا}[المرسلات:3] {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا}[المرسلات:4] {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا}[المرسلات:5] {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا}[المرسلات:6] {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}[المرسلات:7]، يعني إن الذي توعَدونه أيها الناس لواقع، والذي يوعَدونه هو عقوبة الله -تبارك وتعالى- للمُكذِّبين، ورحمته، وإحسانه، وإفضاله -سبحانه وتعالى-، وإنعامه في الآخرة للمُصدِّقين المؤمنين، {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}[المرسلات:7]، لابد أن يقع.

ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- متى سيكون وقوع هذا الأمر فقال {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ}[المرسلات:8]، عندما تُطمَس النجوم، هذه النجوم المُتلألئة المُشِعَّة في السماء؛ التي زيَّن الله -تبارك وتعالى- بها السماء، تُطمَس يوم القيامة، ومعنى طمسها يعني اختفائها وذهاب ضوئها فتُصبح غير هذا المنظر البديع الذي يراه الناس في ظُلمَة الليل؛ لمعانها، وإنما تُطمَس فلا تُرى على هذا النحو، كما قال -تبارك وتعالى- {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}[التكوير:2]، انكدرت؛ علاها الكُدرة، والكُدرة هي اللون المائل إلى السواد أو الحُمرة الغامقة، فيتغيَّر لونها في يوم القيامة بعد النفخ في الصور، {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ}[المرسلات:8] {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}[المرسلات:9]، وإذا حال كون السماء فُرِجَت؛ بمعنى أنها انشقَت، الفَرج؛ الشَق، كما قال -تبارك وتعالى- {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ}[الانشقاق:1] {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:2]، هذا يوم القيامة فإن السماء هذه تتشقق بفعل الصيحة التي يصيحها المَلَك حامل الصور، إذا صاح صيحة واحدة ونفخ في الصور نفخة واحدة فإن هذه السماء المتينة؛ القوية، التي بناها الله -تبارك وتعالى- سقف محفوظ تتشقق، {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}[المرسلات:9]، شُقَّت.

{وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ}[المرسلات:10]، الجبال الرواسي التي أرسى الله -تبارك وتعالى- بها الأرض، هذه الجبال الشامخات تُنسَف؛ ونسفها هو تفجيرها، وتحوُّلها من هذه الحالة الجامدة إلى حالة النسف؛ التفجير، ثم الكثيب المَهيل، ثم تتفتت تفتتًا كاملًا حتى تكون كالعِهن المنفوش، ثم يُذريها الله -تبارك وتعالى- إلى المكان الذي يُريد -سبحانه وتعالى-، {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ}[المرسلات:10] {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}[المرسلات:11]، هذا اليوم الذي أقَّتَه الله، أُقِّتَت يعني وقَّتَ الله -تبارك وتعالى- لها ميعاد في هذا اليوم، فالله أعطى الرُسُل ميعاد لهذا اليوم ليكونوا شهداء على الناس لفصل القضاء، يشهدون على مَن أطاعهم ليكون بالجنة وعلى مَن عصاهم بالنار، {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا}[النساء:41] {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[النساء:42]، فالرُسُل أُقِّتوا؛ جُعِل ليوم القيامة ميقات وقَّتَه الله -تبارك وتعالى-، وفي هذا ميعاد للرُسُل ليجتمعوا مع أقوامهم بين يدي الله -تبارك وتعالى- لفصل القضاء؛ ويحكُم الله -تبارك وتعالى- للصادقين بصِدقهم، كما في قول الله -تبارك وتعالى- بعد إشهاد الله -تبارك وتعالى- عيسى على قومه قال -جل وعلا- {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}، فعيسى -عليه السلام- من جملة هؤلاء الرُسُل الذين وقَّتَ الله -تبارك وتعالى- لهم هذا ليوم؛ ليكون مع مَن عبدوه من دون الله -تبارك وتعالى-، يُبكِّتهم الله فيقول الله -تبارك وتعالى- لعيسى {........ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:116] {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة:117] {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:118] {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}.

فهذا اليوم الذي يُظهِر الله -تبارك وتعالى- فيه صدق الرُسُل ممَن ادَّعوا أنهم كاذبين، فإن الأقوام الذي كفروا بالرُسُل ادَّعى كلٌ منهم أن رسوله كذَّاب؛ فيُعلَم في هذا الوقت مَن الكذَّاب، كما قال -جل وعلا- عن قوم صالح {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ}[القمر:26]، مَن الكذَّاب الأشِر؛ هم أم الرُسُل؟ نبيهم صالح الذي اتهموه وقالوا {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ}، ظاهر بيِّن في كذبه، قال -جل وعلا- {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ}[القمر:26] {إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ}[القمر:27]، فهذا اليوم الذي وقَّتَه الله -تبارك وتعالى- وأجَّلَه لميقات معلوم ليقوم الجميع بين يدي الله -تبارك وتعالى-؛ ويقوم الرُسُل بين يدي الله -تبارك وتعالى- ويُستَشهَدون، {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف:6] {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}[الأعراف:7]، {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}[المرسلات:11].

قال -جل وعلا- {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ}[المرسلات:12] {لِيَوْمِ الْفَصْلِ}[المرسلات:13]، لأي يوم أُجِّلَت الرُسُل؟ أي يوم أجَّلَه الله -تبارك وتعالى- لهم لفصل القضاء بينهم وبينهم خصومهم؟ قال -جل وعلا- {لِيَوْمِ الْفَصْلِ}[المرسلات:13]، يوم الفصل؛ يوم الحُكْم، الحُكْم هو الفصل وذلك أن الحُكْم خلاص؛ حُكْم الله -تبارك وتعالى- في العباد يضع كل أمر في نِصابه، الصادق يظهر للكُل والكاذب يظهر للكُل بحُكْم الله -تبارك وتعالى-، والصادقون ينفصلون ويكونون خلاص؛ هؤلاء أهل اليمين وأهل الجنة، ويُفصَل عنهم أعدائهم ومَن اتهموهم؛ هؤلاء أهل الشِمال وأهل النار، {لِيَوْمِ الْفَصْلِ}[المرسلات:13]، ثم قال -جل وعلا- مُهَوِّلًا هذا اليوم {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ}[المرسلات:14]، قد أُجِّلوا ليوم الفصل ليكون هو يوم الحُكْم بين الخلائق، لكن هذا اليوم يوم عظيم يُصوِّره الله -تبارك وتعالى- هذا التصوير تقريبًا للأذهان؛ ليفقهه الناس ويفهموه، قال {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ}[المرسلات:14]، هذا أسلوب التجهيل، والتعظيم، والتهويل لهذا اليوم؛ وهو تهويل على الحقيقة، فالهَول في هذا اليوم أكبر مما يُتصوَّر، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ}[المرسلات:14]، ثم قال -جل وعلا- {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:15]، يُهدِّد الله، ويل؛ كلمة تهديد ووعيد من الله -سبحانه وتعالى- رب السماوات والأرض، ويل يومئذٍ؛ في هذا اليوم، {لِلْمُكَذِّبِينَ}، يعني يا ويلهم ويا هلاكهم هؤلاء الذين كذَّبوا الرُسُل واتهموهم بما اتهموهم به؛ بالكذب، بالجنون، أن لهم دوافع غير هذه التي يُظهِرونها، فهؤلاء الذي كذَّبوا الرُسُل وردوا أمرهم يا ويلهم في هذا اليوم، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:15].

ثم قال -جل وعلا- هنا آتيًا بالأدلة على أنه الرب؛ الإله، الملِك، الذي لا إله إلا هو، الذي هذه أعماله العظيمة المُشاهدَة في الدنيا، وبالتالي إذا أخبر بهذه الأعمال العظيمة التي تكون في الآخرة؛ ينبغي أن يكون ما خلَقَه الله -تبارك وتعالى- في هذه الدنيا من هذا الخلْق العظيم دليل لكل عاقل على ما يُخبِر به -سبحانه وتعالى- من هذه التحوُّلات العظيمة التي تكون بعد ذلك، قال -جل وعلا- {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ}[المرسلات:16]، سؤال يُراد به التقرير؛ وهذا حق، ألم يُهلِك الله -تبارك وتعالى- الأولين من الأمم الغابرة التي طغَت؛ وبغَت، وتجبَّرَت عن أمر الله -تبارك وتعالى-، ألم يُهلِكها الله -تبارك وتعالى-؟ إذن لماذا الاستنكاف والاستعظام لِما يخبر الله -تبارك وتعالى- به عما يكون في يوم القيامة؟ {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ}[المرسلات:16]، فهؤلاء قوم نوح قد أهلكهم الله -تبارك وتعالى- بالطوفان هلاكًا عامًا فلم يُبقي إلا أصحاب السفينة؛ نوح والذين آمنوا معه، وعاد أهلكها الله -تبارك وتعالى- بالريح العقيم فلم يُبقي إلا أهل الإيمان القِلَّة، وكذلك ثمود التي أُهلِكَت بالصيحة، وكذلك قرى لوط التي أفَكَها الله على رؤوس أصحابها، وهؤلاء قوم فرعون جمعهم الله -تبارك وتعالى- جميعًا وألقاهم في اليَم وأغرقهم -سبحانه وتعالى-، فهؤلاء الأولون من الأمم الغابرة المُكذِّبة التي كذَّبَت الرُسُل وعاندوهم؛ ماذا كان مصيرهم؟ هذا مصيرهم {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ}[المرسلات:16]، وكذلك إهلاك الأولين بموت هذه الأجيال المُتعاقِبة، أهلكها الله -تبارك وتعالى- بمعنى أنه ماتت هذه الأجيل جيل بعد جيل؛ جيل بعد جيل، والله -تبارك وتعالى- هو فاعل هذا كله -سبحانه وتعالى-، فإن أمر أن يجعل الله -تبارك وتعالى- الحياة هنا خلائف؛ يعني جيل يأتي بعد جيل أخر، إنما هو صنيع الرب -تبارك وتعالى-.

{أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ}[المرسلات:16]، قال -جل وعلا- {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ}[المرسلات:17]، ثم نُتبِعُهُم يعني في الإهلاك الآخرين، الآخرين من المُكذِّبين اللي هم من أمة محمد -صل الله عليه وسلم- يُهلِكهم الله -تبارك وتعالى- كذلك، وإن كان هذا الهلاك قد أخبر -سبحانه وتعالى- أنه لا يكون هلاكًا مُستأصِلًا كما استأصَلَ الله -تبارك وتعالى- به الأمم المُكذِّبة السابقة، وإنما يستأصل الله -تبارك وتعالى- منهم ويُهلِك الله -تبارك وتعالى- منهم قِطَع قِطَع بحسب عقوباته التي يُنزِلُها، {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}، إلى أن يكون الهلاك المُستأصِل بعد ذلك بالنفخ في الصور، وإلا فإنه يأتي الهلاك تَباعًا إما بتسليط أهل الإيمان عليهم؛ وإما بعقوبة لهم من الله -تبارك وتعالى-، وإما بتسليط بعض جنود الله -تبارك وتعالى- كيأجوج ومأجوج، كما قال -جل وعلا- {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ}[الأنبياء:96] {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء:97]، ويأجوج ومأجوج يُبيدون مَن أمامهم من أهل الأرض إلا المؤمنين الذين ينحاذوا، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «الله -تبارك وتعالى- يقول لعيسى في هذا اليوم انحَذ بعبادي إلى الطور؛ فإني مُرسِلٌ عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم»، وقال -جل وعلا- في يأجوج ومأجوج {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ........}[الكهف:99]، يَموج في بعض فيُهلِكون ما أمامهم، فالإهلاك الجُزئي للآخرين قائم إلى يأجوج ومأجوج؛ ثم بعد ذلك إلى قيام الساعة، قال -جل وعلا- {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ}[المرسلات:17].

ثم قال -جل وعلا- {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}[المرسلات:18]، كذلك؛ كهذا الفعل من إهلاك الظالمين والمجرمين، هذا فعل الله -تبارك وتعالى- بالمجرمين السابقين واللَّاحقين؛ وهذا صنيع الله -تبارك وتعالى- فيهم، {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}[المرسلات:18]، هذا صنيعه في هذه الدنيا بهم على هذا النحو، ثم قال -جل وعلا- {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:19]، هذه هي الآية التي تفصل بعد كل مجموعة من الآيات، يُكرِّرها الله -تبارك وتعالى- ليس تكريرًا للتكرير وإنما هو إنشاء جديد لهذا الويل؛ وتأكيد لِما مضى، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:19]، الذي يُكذِّبون فهذا هو؛ فلينتظروا العقوبة، فهذه عقوبة الله -تبارك وتعالى- للمُكذِّبين في الدنيا.

ثم قال -جل وعلا- أيضًا خطاب للمُكذِّبين وبيان قدرته -سبحانه وتعالى- على خلْقِه، قال -جل وعلا- {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[المرسلات:20]، سؤال كذلك يُراد به التقرير، يعني يا أيها الناس مما خلَقَكم الله -تبارك وتعالى-؟ {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[المرسلات:20]، ماء النُطَف فإنه ماء مهين لأنه قذر مَذِر؛ ليست له في نفسه قيمة ولا نفاسة، وإنما هو شيء قذر يتقذَّره حتى الإنسان؛ ويمحوه، ويغسله إذا صاب بدنه وإذا صاب ثيابه، فهذا الماء المهين القذر الذي على هذا النحو؛ أما كان بدء خلْق الإنسان من هذا؟ من هذه النُطفة القذر التي يتقذَّرها الإنسان والله -تبارك وتعالى- أنشأ بها هذه الخلْق؛ خلْق الإنسان، كيف يتكبَّر بعد ذلك هذا الإنسان على إلهه؛ وخالقه، ومولاه الذي خلَقَه من هذا الأمر؟ {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[المرسلات:20]، فهذا فيه ناحية القُدرة، قُدرة الرب -سبحانه وتعالى- وعظَمَته أن يخلُق إنسان بهذه المواصفات التي خلَقَه بها؛ من العقل، والتمييز، والقوة، والقُدرة، والتخييل، وبعد ذلك هذه النفاسة التي يكون عليها، لكنه مخلوق من هذا، انظر قُدرة الرب -تبارك وتعالى- أن يخلُق هذا الخلْق العظيم؛ الإنسان المستوي بما فيه من قدرات عظيمة، خلَقَه الله -تبارك وتعالى- من هذا الشيء، {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[المرسلات:20].

وصوَّر الله هذا الخلْق فقال {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}[المرسلات:21]، جعل الله -تبارك وتعالى- هذه النُطفة في قرار؛ مكان تستقر فيه، القرار هو المكان الذي فيه استقرار وهو رحِم المرأة، وهذا الرحِم الذي جعله الله -تبارك وتعالى- مُمَكَّن؛ والتمكين فيه أنه في موضع متين، أولًا هذه عظام الحوض التي تُحيط به، وقيل أن عظام حوض المرأة هي أقسى عظم في الإنسان، {........ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}[المرسلات:21]، ليستقر ويبقى فيه ويخلُقُه الله -تبارك وتعالى- في هذا المُستقَر؛ في الرحِم، {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}[المرسلات:21] {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ}[المرسلات:22]، إلى قَدَر يعني وقت مُقدَّر معلوم عند الله -تبارك وتعالى- لكل نُطفة، كل إنسان قد قدَّرَ الله -تبارك وتعالى- بقائه في الرحِم؛ هذا تمام، هذا خِداج، هذا زيادة على المدة المعلومة والمِقدار المعلوم في الحمْل هو تسعة أشهر بالنسبة للإنسان؛ هذا أكثر، هذا أقل، كل شيء من هذا قد عَلِمَه الله -تبارك وتعالى- عندما خلَقَ هذا الإنسان وطوَّرَه في هذا المكان؛ اللي هو القرار المكين، قال -جل وعلا- {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ}[المرسلات:22]، عند الله، قال -جل وعلا- {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}[المرسلات:23]، فقَدَرنا من التقدير في الخلْق؛ إعطاء كل شيء مقداره وحقه، {........ فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}[المرسلات:23]، هذا تعظيم للرب القادر -سبحانه وتعالى- الذي قدَّر هذه المقادير في خلْق الإنسان؛ وخلَقَه بعد ذلك من هذه النُطفة إلى إنسان، {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}، انظر الطفل بعد ذلك يولَد بهذه الإمكانات العظيمة؛ هذا التصوير البديع في أحسن تقويم، هذه الفِطرة العظيمة؛ كيف يتوجَّه؟ كيف يُبصِر؟ كيف يسمع؟ كيف يلتقم الثدي؟ ثم بعد ذلك يرتقي في معالمه ليكون الإنسان بهذه المواصفات، {فَقَدَرْنَا}، قدَّرَ الله -تبارك وتعالى- هذا من القَدْر؛ وكذلك من التقدير، وكذلك من القُدرة، {........ فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}[المرسلات:23]، نِعمَ الله -تبارك وتعالى- الذي قَدَر على أن يخلُق الإنسان على هذا النحو -سبحانه وتعالى-، {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}[المرسلات:23].

ثم قال -جل وعلا- {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:24]، الذي يُخاطِب هذا الإنسان المخلوق على هذا النحو من هذه النُطفة؛ والذي قَدَّرَه الله -تبارك وتعالى- هذا التقدير، الله هو الذي يُخاطِبه -سبحانه وتعالى- ومع ذلك هذا الإنسان يُكذِّب ربه؛ ويرفض رسالته، ويقول للرُسُل أنتم كذَّابون؛ ما أرسلكم الله -تبارك وتعالى-، ويُعانِد الرب -تبارك وتعالى-، يبقى له بقى الويل؛ يبقى هذا الذي يستحق الويل، كما قال -جل وعلا- {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}[النحل:4]، خلَقَه من هذه ولكنه عندما ينتصب ويصبح رجل يُخاصِم ربه -سبحانه وتعالى-؛ ويكون خصيم لربه -جل وعلا-، {........ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}[الكهف:37]، تكفر بالله -تبارك وتعالى- الذي طوَّر خلْقَك على هذا النحو؛ وجعلك رجل بعد أن كنت على هذا النحو تقوم تكفر بربك، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:24].

ثم تذكير بآية أخرى من آيات الله -تبارك وتعالى- وقدرته -جل وعلا-، قال -جل وعلا- {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا}[المرسلات:25]، سؤال كذلك يُراد به التقرير حتى يُقرِّر هذا الإنسان الجاحد بربه؛ الكافر به، {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا}[المرسلات:25]، الأرض التي نعيش عليها جعلها الله -تبارك وتعالى- كِفاتًا، الكفت هو الضَّم والاحتواء، الأرض تحتوي هذا الإنسان، فهى أرضنا وأمُّنا، الأرض هي أم هؤلاء البشر؛ تكفِتَهُم، {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}[المرسلات:26]، ففي الأحياء هذه أرضنا والخروج منها في غاية الصعوبة أن نخرج منها، بل هي تجذبنا إليها وتُمسِكُنا، ثم فوقها نبني مساكننا ونأوي إلى هذه المساكن التي نأوي إليها؛ نستريح إليها، عندما نتعب وكذا ثم نميل نحو هذه الأرض فإذا وضعنا جنوبنا عليها فإنها تُعطينا هذه الراحة، أمُّنا الرؤوم؛ منها زراعتنا، عليها معايشنا، فإنها كفتتنا؛ آوتنا، جمعتنا، أظلتنا، {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا}[المرسلات:25]، تكفتكم، {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}[المرسلات:26]، تكفتكم وأنتم أحياء وكذللك أمواتًا تحتضننا؛ كأن الإنسان بعد الموت يعود إلى أمه، يعود إلى الأرض فيُدفَن فيها، فتكفته كذلك بمعنى أنه تستره؛ وتُغطِّيه، وينكفت فيها، تصبح هي قبره، انظر كيف خلَقَها الله -تبارك وتعالى- وكأنها الأم الرؤوم؛ الرحيمة، التي ترعانا في حال كوننا أحياء وكذلك تضمنا إلى صدرها عندما نموت فيها، {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}[المرسلات:26].

{وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ ........}[المرسلات:27]، في هذه الأرض جعلنا رواسي؛ الرواسي التي أرسى الله بها الأرض وهي الجبال، هذه الجبال الثقيلة العظيمة التي لولاها لمادت الأرض ولَمَا استقرت في بقائها ثابته مستقرة، جعل الله -تبارك وتعالى- الجبال في هذه الأماكن خلاص؛ كأنها ميزان الأرض فتَزِنُها وتُرسيها، كما قال -جل وعلا- {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}[النازعات:32]، وقال {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا}[النبأ:6] {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}[النبأ:7]، فهي أوتاد الأرض وهي التي أرستها على هذا النحو كما قال -جل وعلا- {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}، قال -جل وعلا- {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ}، رواسي هي راسية، الجبل راسي لأن له جِذر في الأرض فرسى فيها ما هو مُتحرِّك، ليس مثل يُقْل موضوع على سطح إذا تحرَّكَت الأرض يقوم ينزلق يمينًا وينزلق شِمالًا، لو كان على هذا النحو والجبل ليس له جِذر داخل في الأرض وراسي فيها؛ وكان عبارة عن ثُقْل موجود، لكان على أي حركة من حركات هذه الأرض ومن دورانها ...، معروف الآن أن الأرض كرة تدور حول نفسها وتدور حول الشمس، لو كان في أثناء هذه الدورة وهذا الثُقْل موجود فوق سطح الأرض ولا جِذر له ممكن أنه مع الحركة ينزلق يمينًا أو ينزلق شِمالًا؛ ولا تصبح الأرض صالحة للحياة، فجعلها الله -تبارك وتعالى- رواسي؛ هي نفسها راسية بجِذرها الساقط في الأرض، وهي كذلك رواسي أرسى الله -تبارك وتعالى- بها الأرض، {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ ........}[المرسلات:27]، شموخها؛ ارتفاعها، أنها مرتفعة، الجبال هي هذه الأعالي في الأرض التي جعلها الله -تبارك وتعالى- شامخة فوق السحاب، {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا}، أسقيناكم ماء في هذه الأرض فُرات، الفُرات؛ العذب، وأعذب ماء على الأرض هو ما يأتي من قمم الجبال، حيث تنزل الثلوج على قمم الجبال الشامخة ثم تذوب هذه القمم في وقت الصيف، ثم تجري ماءًا؛ هذا أعذب ماء موجود، {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا}، ماءً عذبًا مما يذوب في قمم هذه الجبال، فأصبحت هذه الجبال الراسيات لها هذه المنافع ولها كذلك منفعة الماء.

سنأتي -إن شاء الله- إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية -إن شاء الله-، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.