الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا}[المرسلات:25] {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}[المرسلات:26] {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا}[المرسلات:27] {وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:28] {انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[المرسلات:29] {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ}[المرسلات:30] {لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}[المرسلات:31] {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}[المرسلات:32] {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ}[المرسلات:33] {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:34] {هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ}[المرسلات:35] {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}[المرسلات:36] {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:37] {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ}[المرسلات:38] {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ}[المرسلات:39] {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:40]، سورة المُرسَلات وهي من المواعظ العظيمة في كتاب الله -تبارك وتعالى-، وقد مضى أن الله -تبارك وتعالى- بدأ هذه السورة بهذه الأيمان؛ الأقسام، قيل بملائكته -سبحانه وتعالى- {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا}[المرسلات:1] {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا}[المرسلات:2] {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا}[المرسلات:3] {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا}[المرسلات:4] {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا}[المرسلات:5] {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا}[المرسلات:6]، ثم جاء بالمُقسَم عليه فقال {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}[المرسلات:7]، الذي توعَدونه من يوم القيامة وقيامه؛ وما يكون في هذا اليوم من الأهوال العظيمة، ومن ذهاب أهل النار إلى النار؛ وأهل الجنة إلى الجنة، واقع لا محالة.
ثم قال -جل وعلا- مُبيِّنًا متى سيكون هذا اليوم {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ}[المرسلات:8] {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}[المرسلات:9] {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ}[المرسلات:10] {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}[المرسلات:11] {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ}[المرسلات:12] {لِيَوْمِ الْفَصْلِ}[المرسلات:13] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ}[المرسلات:14] {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:15]، ثم دلَّلَ الله -تبارك وتعالى- فقال {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ}[المرسلات:16]، من الأمم الغابرة الظالمة، قال -جل وعلا- {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ}[المرسلات:17]، هكذا كذلك، {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}[المرسلات:18]، هذه سُنَّة الله -تبارك وتعالى- في فعله بالمجرمين، إهلاك المجرمين في الدنيا؛ هذه عقوبته لهم في الدنيا، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:19] {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[المرسلات:20] {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}[المرسلات:21] {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ}[المرسلات:22] {فَقَدَرْنَا}، على هذا الفعل العظيم من خلْق الإنسان من هذا الشيء المَهين إلى أن يصبح رجلًا مُستويًا، {........ فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}[المرسلات:23] {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:24] {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا}[المرسلات:25]، أمُّكم هذه التي تكفِتُكم، {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}[المرسلات:26] {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا}[المرسلات:27]، الجبال راسية؛ كل جبل له جِذر في هذه الأرض، فليس ثُقْلًا موضوع على السطح ممكن أنه بحركة الأرض يتحرَّك ويذهب فيُهلِك الناس، وكذلك هي رواسي أرسى الله -تبارك وتعالى- بها الأرض، كما قال -جل وعلا- {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}[النازعات:32]، شامخات؛ عالية، {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا}، والعلاقة بين الماء الفُرات وبين الرواسي الشامخات أن هذه الرواسي الشامخات التي يتساقط عليها الثلوج في أوقات الشتاء، ثم بعد ذلك إذا جائت أوقات الربيع والصيف تبدأ بالذوبان فتجري أنهارًا؛ إما تتخلل في باطن الأرض، وإما تسير على ظهر الأرض أنهار، {مَاءً فُرَاتًا}، عذب، {وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:28]، وهذا تأكيد لهذه الفاصلة لأن هذا بيان الله -تبارك وتعالى-؛ وهذا تكذيبهم، فيأتي تجديد هذا الويل لهم على تكذيبهم للرُسُل.
ثم يقول -جل وعلا- {انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[المرسلات:29]، الأمر الإلهي الذي سيتوجَّه إلى هؤلاء المُكذِّبين يوم القيامة عندما يجمعهم الله -تبارك وتعالى- في هذا اليوم الذي كذَّبوا به، {انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[المرسلات:29]، والذي كانوا يُكذِّبون به هو النار وعذاب الله -تبارك وتعالى- وعقوبته، انطلقوا إليه يعني اذهبوا إليه، {........ إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[المرسلات:29]، وهذا تبكيت، كون أن هذه هي النار والتي كُنتم تُكذِّبون بها في الدنيا فإن هذا أمر يجمع معه الإذلال؛ وبيان السبب الذي جعلهم ينطلقون إلى هذا المُستقَر البئيس -عياذًا بالله-، {انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[المرسلات:29] {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ}[المرسلات:30]، وهذا كذلك من الاستهزاء بهم، إنه ظل وذلك أنهم يشتكوا الحر يوم القيامة، فإنه في الموقِف العظيم تدنوا الشمس من الرؤوس حتى تكون قَدْر ميل، وقد جاء في الحديث «يُنادي الله -تبارك وتعالى- اليهود والنصاري فيقول لهم ماذا تنتظرون؟ يقولون يا ربِ عطِشنا فاسقِنا»، فهذا يوم العطش؛ ويوم الظمأ، ويوم الحر الشديد، فيُقال لهم {انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[المرسلات:29] {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ........}[المرسلات:30]، لكن هذا الظِّل {........ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ}[المرسلات:30]، شُعَب؛ فروع، ثم يصِف هذا الظِّل فقال ظِل {لا ظَلِيلٍ}، ظِلٌّ لا يُظِل؛ ليس فيه صفة الظِّل، وذلك أنه ظِل الدخان؛ ظِل دخان النار -عياذًا بالله-، النار تُخرِج دخانها فدخانها هذا يعمل ظِل؛ وظِل الدخان لا يمكن أن يكون ظليلًا، ليس ظِل أشجار تُظِل أو سقوف تُظِل وإنما ظِل نار؛ ظِل دخان حار، {لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}[المرسلات:31]، ولا يُغني عندما يكون الإنسان تحته من اللهب؛ لهب النار لأنه لهب نار مُشتعِلة، -لا حول ولا قوة إلا بالله-.
{انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ}[المرسلات:30] {لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}[المرسلات:31] {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}[المرسلات:32]، هذه النار مُتفجِّرة ويخرُج منها الشَّرر، لكن الشَّرر كالقصر؛ كالبيت العظيم، وليست كالشَّرر المعهود في نار الدنيا عندما نُشعِل نارًا في الدنيا فإن بعض هذه النيران تُخرِج شَرر منها؛ كالفحم الذي يُخرِج هذا النوع من الشَّرر، أو بعض أنواع من الخشب وكذا تُخرِج الشَّرر، لكن هذه الشرارة تكون أمر صغير كرأس الدبوس ونحو ذلك، لكن الشرارة في ذلك اليوم إنما هي شرارة عظيمة؛ كالقصر العظيم الشرارة الواحدة، {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}[المرسلات:32]، وإذا كان الإنسان في هذا الظِّل الذي لا ظليل ويأتيه هذا الشَّرر الذي هو كالقصر من النار يقذِف فيه فإنه لا يكون في ظِل، وإنما هذا يُقال لهم استهزاء بهم لأن حرارة وشمس الموقِف يظنوا أنها آذتهم وأنهم سينطلقون إلى شيء أخف... لا؛ هذا الذي ينتظركم شيء يفوق الوصف، فيكون هذا من باب الاستهزاء بهم وذلك جزاء ما استهزأوا بالرُسُل وكذِّبوا بهم، {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}[المرسلات:32] {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ}[المرسلات:33]، يعني كأن هذا الشَّرر في تطايره وقفزه من مكانه كالجِمالة؛ الجمل، الجِمالة جمع الجِمال، الصُفْر؛ صُفْر السود، العرب تُطلِق على اللون الأسود الأصفر، يعني كجمل أسود يقفز من مكانه ليُغير، {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ}[المرسلات:33]، -عياذًا بالله- أي في قفزها وانطلاقها من مكانها إلى المُعذَّب -عياذًا بالله-، {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ}[المرسلات:33]، ثم قال -جل وعلا- {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:34]، هذا أمر يُقسِم الله -تبارك وتعالى- عليه ويقول {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}[المرسلات:7]، وهذا الذي يوعَدونه، هذا الذي يتهددهم الله -تبارك وتعالى- ويتوعَّدُهم به؛ وهذا هو الواقع والله يُقسِم به، الله رب السماوات والأرض الذي يُذكِّر في هذه السورة العبادة بأنه خالق هذه الأشياء التي أمامهم، {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[المرسلات:20]، {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا}[المرسلات:25] {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}[المرسلات:26]، فالذي خلَقَ هذا الخلْق وخلَقَ الناس على هذا النحو هو الذي يتهددهم -سبحانه وتعالى-؛ ويُبيِّن لهم أن هذا الذي يوعَدونه واقع لا محالة، وهذا هو الذي يوعَدونه، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:34].
ثم قال -جل وعلا- {هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ}[المرسلات:35]، هذا؛ في هذا اليوم، يوم العذاب هذا ويوم النار يوم لا ينطِقون، خلاص؛ تحتبِس الكلمات، تحتبِس كلماتهم، فهذه الألسنة الطويلة التي كانت في الدنيا تنطلق بتكذيب الرُسُل؛ والتكذيب بالبعث، ورَدِّ هذا، والقول، والخَوض، هذه خلاص؛ تُعقَد هذه الألسنة، يعقِدها هذا الهَول العظيم وهذا العذاب الأليم فلا يتكلَّم منهم أحد، {هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ}[المرسلات:35] {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}[المرسلات:36]، لا يُؤذَن لهم يعني أنه لا يُسمَح لهم؛ لا يأتيهم إذن من الله -تبارك وتعالى-، فيعتذرون عن جرائمهم السابقة التي فعلوها في الدنيا؛ من كفرهم، من عنادهم، من تكذيبهم، كل هذه الجرائم التي ارتكبوها لا مجال بعد ذلك للعُذر، {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}[المرسلات:36]، من ذنبهم ليخرجوا منه، بل خلاص؛ ركِبَهم هذا الذنب، ومادام أنهم قد أتوا الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة على كفرهم؛ وشِركهم، وعنادهم، فقد خلاص؛ ارتهنوا بهذا الذنب رهن لا فكاك لهم منه، {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}[المرسلات:36]، ثم أعاد الله -تبارك وتعالى- التهديد فقال -جل وعلا- {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:37].
ثم يُقال لهم بعد ذلك {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ}[المرسلات:38] {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ}[المرسلات:39]، {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ ........}[المرسلات:38]، الذي كذَّبتم به، الفصل؛ الحُكْم الذي يحكم الله -تبارك وتعالى- فيه الحُكْم الفصل بين الخلائق، حُكْم الفصل خلاص؛ يضع فيه كل أمر في نِصابه، وكذلك الفصل الذي يُفصَل فيه بين أهل الجنة وأهل النار؛ بين الرُسُل ومَن تَبِعَهم من أهل الإيمان وبين الشيطان ومَن تَبَعَه من أهل الكفران، {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ}[المرسلات:38]، جمعناكم أيها الناس والأولين كذلك، منذ أن خلَقَ الله -تبارك وتعالى- الخلْق إلى آخر نسمة يجمعهم الله -تبارك وتعالى- في صعيد واحد، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «يجمع الله -تبارك وتعالى- الأولين والآخرين في صعيد واحد؛ يُسمِعُهم الداعي وينفُذُهم البصر»، داعي واحد يُسمِعُهُم، عندما يتكلَّم داعي واحد فإنه يُسمِع الجميع كلهم في وقت واحد، وينفُذُهم البصر يعني البصر يُحيط بهم من جميع جوانبهم، فالله -تبارك وتعالى- يقول لهم -سبحانه وتعالى- {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ}[المرسلات:38]، كلكم مجموعون في هذا المكان؛ في هذا الصعيد الواحد، {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ}[المرسلات:38] {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ}[المرسلات:39]، استهزاء بهم في هذا اليوم.
{فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ ........}[المرسلات:39]، الكيد من المكر؛ إيصال الضُّر للغير بطريق خفي، حيلة تحتالوا بها لِتوصِلوا الضُّر، كيد لتهربوا؛ للهروب من هذا الموقِف، للفرار، أي كيد؛ أي تدبير، يعني إن كان لكم تدبير ما لتخرجوا به من وطئتِكُم التي أصبحتم فيها وعذابكم المُحقق، {فَكِيدُونِ}، فكيدون؛ فكيدوني، ومَن يستطيع أن يكيد الرب -تبارك وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا}[الطارق:15]، هؤلاء الكفار في الدنيا، {وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق:16] {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}[الطارق:17]، مهِّلهم على ما هم فيه من هذا اللَّي والمكر، ولكن لن يحيق مكرهم السيئ إلا بهم، فهنا قد حاق بهم مكرهم؛ حاق بهم كيدهم، ولا حيلة بعد ذلك وهم في هذا الموقِف العظيم؛ وقد أحاطت بهم الملائكة من كل مكان، وأصبحم في هذا المكان وحدهم، {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، كل إنسان جاء ربه -سبحانه وتعالى- كما خلَقَه أول ما خلَقَه عاريًا؛ من لِباس، من نِعال، من غطاء لرأسه، ليس معه أهله؛ ولا جنوده، ولا أتباعه، ولا حاشيته، فإنه محشور وحده خلاص؛ لا نصير له، ولا مُعين له، ولا مُنقِذ له من عذاب الله -تبارك وتعالى- فيبقى وحده، فيُقال لكم {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ ........}[المرسلات:39]، يُذكِّرهم الله -تبارك وتعالى- بمكائدهم ومكرهم في الدنيا، {فَكِيدُونِ}، هذا وقت أن تظهر مكائدكم الآن، {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ}[المرسلات:39]، ثم قال -جل وعلا- {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:40]، تهديد ووعيد وتأكيد لهذا الأمر، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:40]، لعل في هذا التهديد المُتكرِّر بهذه القوارع المُتكرِّرَة فيه إيقاظ لهذا العبد المُكذِّب؛ السادر، الغافل، اللَّاهي عن أمر ربه -سبحانه وتعالى-.
هذه هي صفحة المجرمين قد بيَّنها الله -تبارك وتعالى-، ثم بدأ الله -تبارك وتعالى- ببيان صفحة عباده المؤمنين فقال -جل وعلا- {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ}[المرسلات:41]، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ}، والله ينُص هنا على الوصْف اللائق بهم، أهل الإيمان الوصْف الذي أنقذهم وجعلهم في حال غير حال هؤلاء المجرمين أنهم مُتَّقون؛ اللي هم الذين خافوا ربهم -سبحانه وتعالى-، واتقوا هذا اليوم، واتقوا عقوبة الله -تبارك وتعالى-، ولا يمكن أن يكون العبد من المتقين إلا إذا كان مؤمِنًا؛ مُصدِّقًا بالله -تبارك وتعالى-، خائفًا من عقوبته، عاملًا بأمره -سبحانه وتعالى-، فالتقوى هي الإيمان والعمل الصالح؛ وابتعاد عن ما يُسخِط الرب -تبارك وتعالى- سواءً من أمور اعتقادية أو من أمور عملية، قد ابتعد عن ما يُسخِط ربه -سبحانه وتعالى- واتقاه؛ وخافه، وقام بمخافته في كل أمره، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ}، هؤلاء قال -جل وعلا- {فِي ظِلالٍ}، حقيقية بقى؛ هذا ظِل حقيقي غير {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ}[المرسلات:30]، ظِل الدخان؛ ظِل أهل النار -عياذًا بالله-، لكن هذا الظِّلال ظِلال الجنة؛ الظِّلال الحقيقية، {وَعُيُونٍ}، من الماء تجري، فهذا الظِّل الحقيقي؛ يُدخِلهم الله ظِلًّا ظليلًا، من هذا الظِّل يقول النبي -صل الله عليه وسلم- «إن في الجنة شجرة يسير الراكب ذو الجواد المُضمَّر في ظِلِّها مائة عام لا يقطَعُه»، يعني لو أن خيلًا مُضمَّرة جيدة تسير بسرعة واحدة لا تتوقَّف مائة سنة كاملة وهي تسير فإنها لا تقطع ظِلَّها، هذي شجرة واحدة من أشجار الجنة، فهو ظِل حقيقي، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ}[المرسلات:41]، وذِكْر الظِّل هنا كأول شيء يكون في مُقابِل ما ذكَرَه الله -تبارك وتعالى- عن أهل الجحيم {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ}[المرسلات:30] {لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}[المرسلات:31]، فهذا ظِل المُجرمين، وأما هذا ظِل المُتقين؛ هذه ظِلال المُتقين على الحقيقة، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ}[المرسلات:41]، عيون جارية من الماء وعيون نضَّاخة من الماء؛ ماء الجنة، ماء الجنة الذي لا يأسَن؛ لا يتغيَّر، ماء عذب؛ ماء الجنة، يكفي عند وصفه أن يُقال ماء الجنة.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ}[المرسلات:41] {وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ}[المرسلات:42]، الفواكه هي هذه الثِمار التي يُتَفكَّه بها، وقيل يُتَفكَّه لأن الفَكَاهة هي خفة الروح والدم، والفرح، والسرور، يعني هذه هي الثِمار التي تُدخِل البهجة على النفوس بمرآها؛ برائحتها، بطعومها، بتغيُّرها الدائم؛ تغيُّر طعومها الدائم، {........ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:25]، قال -جل وعلا- {وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ}[المرسلات:42]، يعني فواكه من الذي يشتهونَه، فيها أمور علِموها في هذه الدنيا كان لها مثيل في الجنة من حيث الأسماء، لكن من حيث الحقائق والطعوم والخواص مختلفة لا شك، "ليس في الجنة مما ذُكِرَ لكم إلا أسماء فقط"، ففيها العنب، والرُّمَّان، والنخيل، والتين، وغير ذلك مما عَهِدَه أهل الإيمان في الدنيا لكن طعومَه مختلفة، وفيها كذلك من فواكه لا يعلمونها ولم يكُن لها مثيل مما أُعطوه في هذه الدنيا كذلك يُتحِفُهم الله -تبارك وتعالى- بها، «أعددت لعبادي الصالحين في الجنة ما لا عين رأت؛ ولا أُذُن سمِعَت، ولا خطر على قلب بشر»، {وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ}[المرسلات:42]، فليست هي مما يرذُل أو بتكرُّره لا يُشتهى... لا؛ وإنما شهوتهم له وشهيَّتهُم له دائمة أبدًا، {وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ}[المرسلات:42].
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا ........}[المرسلات:43]، يعني يُقال لهم، هؤلاء أهل الجنة يُقال لهم كلوا؛ أي من الرزق العظيم الذي لا ينفَد، واشربوا؛ أي من هذه العيون ومن هذا الماء، هنيئًا؛ الهناء هو السعادة وعدم وجود غُصَّة أو أي مُكدِّر، لا كَدَرَ في هذا العيش ولا تنغيص فيه بل هو هنائة دائمة؛ سعادة دائمة، {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا ........}[المرسلات:43]، ثم قال -جل وعلا- {........ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[المرسلات:43]، بما كنتم تعملون يعني بسبب عملكم، يعني بسبب عملكم الصالح الذي عملتموه في الدنيا فإن الله -تبارك وتعالى- قد جعل هذا جزاءً لكم على ما قدَّمتموه في الدنيا؛ من الإيمان بالله، وطاعته، ومخافته -سبحانه وتعالى-، وليست الجنة ثمن للعمل؛ فإن عمل الإنسان لا يُساوي نعمة نِعَم الله -تبارك وتعالى- إذا قيس بالثمنية، الجنة لا ثمن لها؛ ما يكن أن يُقدِّم الإنسان للجنة ثمن قط مهما عمِل، لو أن الدنيا كلها مُجتمِعة بكل خيراتها فإنها لا تُساوي موضع سوط في الجنة؛ ولا تُساوي نصيف تضعه امرأة في الجنة على رأسها، ولكن هذا خلود دائم في هذا النعيم الدائم، مُلْك عظيم؛ مُلْك من الاتساع لكل أحد، الله يقول لآخر أهل الجنة دخولًا «ألا تُحِب أن يكون لك مثل الأرض وعشرة أمثالِها»، فهذا آخر مَن يدخل الجنة يُعطيه الله -تبارك وتعالى- مثل الأرض وعشرة أمثالها، من أين؟ من أرض الجنة التي هي المُلك العظيم، أي عمل ممكن أن يكون ثمن لذلك؟ ليس ثمنًا وإنما هذا عطاء من الرب -سبحانه وتعالى-، وإنما هذا السبب الذي بذله العبد هنا من الإيمان بالله وطاعته جعل الله -تبارك وتعالى- الجنة عطية له؛ جزاء له وعطاء من الله -تبارك وتعالى-، والعطاء على قَدْر المُعطي، فالله هو المُعطي -سبحانه وتعالى- الذي أعطى هذا العطاء العظيم لأنه الرب العظيم -سبحانه وتعالى-، فعندما يُعطي ليس كعبد مخلوق من المخلوقين عندما يُقدِّم له الإنسان إحسان فإنه قد يُكافِئه بهذا الإحسان، لكن مهما كان أي ملِك مثلًا يُحسِن إلى عبد قدَّمَ إحسانًا لهذا الملِك فإنما يُقدِّم على قَدْر ما عنده من المُلك والغِنى، ومَن يملِك كما يملِك الرب -سبحانه وتعالى- مُلكًا؛ وغِنىً، وعطاءً، وكرمًا، وإنعامًا -سبحانه وتعالى-، فعطاء الرب -تبارك وتعالى- هنا على قَدْر عظِمَته؛ وإحسانه، وجلاله -سبحانه وتعالى-، وإكرامه؛ فإنه ذو الإكرام -سبحانه وتعالى-، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:78]، فالله صاحب الإكرام -سبحانه وتعالى- يُعطي عبد عَمِلَ عَمَل قليل جدًا؛ فيُعطيه الخلود والبقاء في هذه الجنة بقاء لا انقطاع له، هذا عطائه -سبحانه وتعالى-، وإنما يُكرِّمهم الله -تبارك وتعالى- كذلك فيقول لهم {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، يعني بسبب عملكم الطيب الصالح الذي عملتموه فإن الله -تبارك وتعالى- أعطاكم هذا، فيُقال لهم {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[المرسلات:43].
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ}[المرسلات:44]، إنَّا؛ الله -سبحانه وتعالى-، كذلك؛ كهذا الجزاء الذي يُعطيه الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء العباد، {........ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ}[المرسلات:44]، لأنه الرب العظيم -سبحانه وتعالى- فعندما يجزي يجزي، فهذا الجزاء العظيم لأن الله هو العظيم -سبحانه وتعالى-، {إِنَّا كَذَلِكَ ........}[المرسلات:44]، يعني بهذا الجزاء والعطاء العظيم جدًا، {........ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ}[المرسلات:44]، هذه صفته -سبحانه وتعالى- للذين أحسنوا في هذه الدنيا، وإحسانهم في هذه الدنيا بإيمانهم بالله -تبارك وتعالى-؛ وطاعتهم له، ومخافتهم منه، وتصديقهم للرُسُل، عَلِموا أن الرُسُل إنما جائوا بالحق من ربهم -سبحانه وتعالى-، {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ}[المرسلات:44]، ثم عاود الله -تبارك وتعالى- اللازمة وقال {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:45]، هذا تذكير وتحذير دائم في هذه السورة التي كأنها سورة إنما وجِّهَت لهؤلاء المُكذِّبين؛ تتهددهم، وتتوعَّدهم، وتُذكِّرهم بهذا اليوم العظيم، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:45].
ثم قيل لهم {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ}[المرسلات:46]، هذا قول الله -تبارك وتعالى- لهم في هذه الدنيا، فهذا حالهم أن كلوا أيها المجرمون، نعم يأكلون من رزق الله -تبارك وتعالى- لكن لا {وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا}، لأن الذي أعطاهم الله -تبارك وتعالى- في هذه الدنيا هو مُنتهى الطعام؛ وهو مُتعتَهم في الدنيا من عطاء الله -تبارك وتعالى-، إنكم مجرمون؛ خارجون عن طاعته -سبحانه وتعالى-، هو يُمهِلهُم ويعطيم ما أعطاهم في الدنيا إنما هو مدة قليلة؛ مدة هذه الحياة وهو قليل، {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ}[المرسلات:46]، فاعلوا الإجرام؛ بكفرهم، بعنادهم، بتكذيبهم لرُسُل الله -تبارك وتعالى-، {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ}[المرسلات:46]، ثم قال -جل وعلا- {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:47]، أعاد الله -تبارك وتعالى- هذه اللازمة في هذه السورة ليكون هذا تذكير، {وَيْلٌ}، عذاب شديد ينتظر المُكذِّبين الذين قالوا لكلام الرُسُل أنه كذب.
ثم قال -جل وعلا- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ}[المرسلات:48]، مقالة فيها بيان لِعِظَم إجرامهم، إذا قيل لهم؛ طبعًا هذه دعوة الرُسُل ودعوة أهل الإيمان، يقولون لأهل الكفران اركعوا؛ يعني اركعوا لربكم -سبحانه وتعالى-، فإن الركوع يعني إظهار الذل والخضوع إلى الرب؛ الإله، المَولى الذي لا إله إلا هو، والذي يستحق من العبد أن يعبدَه -سبحانه وتعالى-، وفي الركوع بيان ذُل العبد وتواضعه لإلهه؛ ومولاه، وخالقه -سبحانه وتعالى-، ويستحق هذا، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ}[المرسلات:48]، أنَفَة منهم؛ وتكبُّر، وعُلُوا عن أمر الله -تبارك وتعالى-، الله الذي خلَقَك، ورزقك، وأقامك؛ تتعالى عن أمره -سبحانه وتعالى-، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ}[المرسلات:48]، يا ويلهم، ثم قال-–جل وعلا- {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:49]، أعاد الله -تبارك وتعالى- هذه اللازمة في هذه السورة وتهدد وتوعَّد المُكذِّبين برُسُله؛ والمُكذِّبين بيوم القيامة، والمُكذِّبين بهذا العذاب الواقع، {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}[المرسلات:7]، هذا الذي وَعَدَ الله -تبارك وتعالى- به عباده وتوعَّدهم به واقع لا محالة، فإذن {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:49].
ثم قال -جل وعلا- {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}[المرسلات:50]، إي والله؛ بأي حديث بعد هذا الحديث يؤمنون؟ يعني أي حديث بعد هذا الحديث من الله -سبحانه وتعالى- الذي فيه هذا البيان، فالله يُقسِم؛ هذه أقسام متوالية من الله -تبارك وتعالى-، ويُدلِّل على الحق الذي يخبر الله -تبارك وتعالى- به بهذه الأدلة، {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا}[المرسلات:25]، {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[المرسلات:20]، بهذه الأدلة، ثم بيان ما وقع للسابقين المُكذِّبين وكيف أهلكهم الله، {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ}[المرسلات:16] {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ}[المرسلات:17]، كذلك يفعل بهم أن هذه سُنَّته، يعني بعد هذا الحديث الذي فيه هذا الوعيد؛ وفيه هذا كلام الرب، وفيه إقسامه، وفيه بيانه، أي حديث بعد ذلك يمكن أن يُفيد الكافر وأن يؤمن بالله -تبارك وتعالى-؟ والجواب ولا أي حديث، إذا لم يؤمن بهذا الحديث من الله -تبارك وتعالى- فلن ينفعه بعد ذلك أي حديث، اللهم ارزقنا الإيمان بك سبحانك؛ والتوكُّل عليك، والإنابة إليك.
استغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه.