الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (764) - سورة النازعات 33-46

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[النازعات:26] {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا}[النازعات:27] {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا}[النازعات:28] {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}[النازعات:29] {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}[النازعات:30] {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا}[النازعات:31] {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}[النازعات:32] {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}[النازعات:33] {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى}[النازعات:34] {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى}[النازعات:35] {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى}[النازعات:36] {فَأَمَّا مَنْ طَغَى}[النازعات:37] {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[النازعات:38] {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:39] {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات:40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:41] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}[النازعات:42] {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}[النازعات:43] {إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا}[النازعات:44] {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}[النازعات:45] {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}[النازعات:46]، بعد أن ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة مِثال؛ أكبر مِثال وجِد في الأرض وهو فرعون، والمآل الذي آل إليه بعد هذا التكبُّر العظيم، كما قال -تبارك وتعالى- {فَحَشَرَ فَنَادَى}[النازعات:23] {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات:24]، يقول لأمته وشعبه، قال -جل وعلا- {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى}[النازعات:25]، أخَذَه الله؛ وأخذه بأن ألقاه هو وقومه في اليَم، وجعل الله -تبارك وتعالى- هذا نكال؛ عقوبة له، بداية الآخرة ليدخل النار وفي الأولى في هذه الدنيا فجعله الله آية، كما جاء في قول الله -تبارك وتعالى- {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}[يونس:92].

قال -جل وعلا- بعد أن ذكَرَ هذا {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[النازعات:26]، عِبرَة؛ نظر، والنظر الذي يُفيد هو النظر الذي يعبُر الموقِف وينظر في عَقِبِه؛ يتدبَّر الأمر في آخره، فهذا فيه عِبرَة لِمَن يعتبِر؛ لِمَن ينظر كيف هي نهاية الإجرام ونهاية العِتوا عن أمر الله -تبارك وتعالى-، ثم قال -جل وعلا- لهؤلاء المُكذِّبين بالبعث {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ........}[النازعات:27]، فالسماء {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ........}[غافر:57]، {بَنَاهَا}، بنى الله -تبارك وتعالى- هذه السماء، {رَفَعَ سَمْكَهَا ........}[النازعات:28]، رفع بنائها، {فَسَوَّاهَا} {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}[النازعات:29]، جعل ليلها هذا الأسود ليكون وقت للسُبات والراحة، وأخرج ضُحاها بالضوء والنور ليكون ميدان للعمل والنشاط، {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}[النازعات:30] {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا}[النازعات:31]، هذا كله عمل الرب -سبحانه وتعالى- وصناعة الرب، {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}[النازعات:32]، أرسى الله -تبارك وتعالى- الجبال في الأرض، فهي راسية وغير مُتحرِّكة وذلك أن لكل جبل جِذره في باطن الأرض مثل سفحِه وقِمَّته في العلوا، وكذلك أرسى الله -تبارك وتعالى- بالجبال الأرض أن تميد، قال -جل وعلا- كل هذا {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}[النازعات:33].

{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى}[النازعات:34]، الطَّامة؛ يوم القيامة، وهي الطَّامة لأنها المصيبة العُظمي التي لا أعظم منها والتي تَطُم؛ يعني أنها تُغطِّي على ما دونها من كل المصائب وكل الأهوال، لا هول أعظم من هذا الهول فهو يَطُم؛ يعني أنه يُغطِّي كل ما سَبَقَه من زلازل ومن مصائب، هذا أكبر المصائب وأكبر الأهوال؛ الطَّامة الكبرى التي لا أكبر منها، {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى}[النازعات:34]، يوم القيامة، {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى}[النازعات:35]، في هذا اليوم كل إنسان يتذكَّر ما سعى، وتذكُّره؛ استحضاره، فأما أهل الإجرام الذين سَلَفَ منهم إجرام يتحسَّرون على كل وقت أضاعوه؛ وكل كفر قالوه، وكل معصية ارتكبوها، يعني تُقطِّع الحسرة قلوبهم وتسوَد قلوبهم، ينتظرون عقوبة الرب -تبارك وتعالى- فيبقى أمر الهَول كل الهَول مُشتَد عليهم -عياذًا بالله-، {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى}[النازعات:35]، وكذلك المؤمن يتذكَّر ما سعى ويفرح بما قدَّمَه في هذه الحياة من إيمانه؛ ويعلم أن في هذا نجاته فيستبشِر كل البُشرى، كما قال -تبارك وتعالى- {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}[الانشقاق:7] {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق:8] {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:9] {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ}[الانشقاق:10] {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا}[الانشقاق:11] {وَيَصْلَى سَعِيرًا}[الانشقاق:12]، ويقول الكافر عندما يلقى كتابه ويرى ما فيه {........ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:49].

{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى}[النازعات:35] {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى}[النازعات:36]، بُرِّزَت؛ أُظهِرَت، فإنه يؤتى بالجحيم إلى الموقِف وهذا من مواقف الشديدة جدًا عندما تُسحَب النار ويؤتى بها، يخبر النبي -صل الله عليه وسلم- بأن «للنار سبعون ألف زِمام يُجَر به سبعون ألف مَلَك»، فهذا هو وقت عندما يرى أهل العذاب النار التي سيذهبون إليها فيشتد همُّهم وحُزْنُهم العميق، {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى}[النازعات:36] {فَأَمَّا مَنْ طَغَى}[النازعات:37] {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[النازعات:38] {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:39]، {فَأَمَّا مَنْ طَغَى}[النازعات:37]، أي من البشر، طغى؛ جاوز حدَّه، الطُغيان؛ مُجاوزة الحَد، كل مَن عصى الله -تبارك وتعالى- في معصية فقد طغى؛ معصية طُغيان لأنه مجاوزة الحَد، الله -تبارك وتعالى- أمَرَ العباد بأمر وعلى العباد أن يلتزموا أمر الله -تبارك وتعالى-، أعلى الطُغيان الكفر؛ وادِّعاء الأُلوهية؛ وادِّعاء الربوبية كما صنع فرعون، وكذلك رد رسالة الله -تبارك وتعالى-؛ رد كلام الرُسُل، التكذيب بالبعث والنشور، التكذيب بخبر الله -تبارك وتعالى-، التعالي عن أمره، كل هذا طُغيان، {فَأَمَّا مَنْ طَغَى}[النازعات:37]، بالكفر؛ والعِناد، والشِّرك، والابتعاد عن أمر الله -تبارك وتعالى-، وجاوز حدَّه؛ حد العبد أن يكون عبدًا لله، حد الإنسان أن يكون عبدًا لله -تبارك وتعالى-؛ خُلِقَ هكذا، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56]، فكر خروج عن هذه العبودية وعن أمر الله -تبارك وتعالى- التشريعي وليس الأمر الكوني القدَري؛ كلٌ لن يخرج عن أمر الله الكوني القَدَري، لكن كل خروج عن أمر الله -تبارك وتعالى- التشريعي فهو طُغيان؛ فهو مُجاوزة لهذه العبودية لله -تبارك وتعالى-.

{فَأَمَّا مَنْ طَغَى}[النازعات:37] {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[النازعات:38]، آثرها عن الآخرة؛ أن يعيش لها، يعني رأى أن حياته إنما هي الدنيا فقط؛ وليس هناك بعث، ولا نشور، ولا حياة أخرى غير هذه الحياة، {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[النازعات:38]، على الآخرة؛ فعاش لها، وعَمِلَ لها، وجعلها همَّه ومملكته كما يُقال، يقولون مملكتي في هذا العالم وحده ما لي مملكة ثانية، ليس لي مُلْكٌ وليس لي حياة أخرى وإنما أنا مملكتي في هذا العالم وحده، ((فإن كنت لا تستطيع أن تدفع منيَّتي فدعنى أُغادِرها بما مَلَكَت يدي))، منطق الجاهلية أن يبذل ما في يده استمتاعًا بهذه الحياة لأنه لا يؤمِّل أن تكون هناك حياة أخرى يستمتع فيها أو يعيش لها فهذه هي حياته، {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[النازعات:38]، على الآخرة، قال -جل وعلا- {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:39]، فإن الجحيم؛ النار، سجن الله -تبارك وتعالى- المؤبَّد؛ ولا خروج منه لِمَن دخله من الكفار والمشركين، هي المأوى؛ هي المُستقَر، هذا الذي طغى بالكفر؛ والشِّرك، وجاوز حدَّه، وخرج عن معنى العبودية لله -تبارك وتعالى-، وآثر الحياة الدنيا ليس لهم هم للآخرة ولم يؤمن بها؛ ليس له مُستقَر عند الله إلا هذا، قال -جل وعلا- {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:39]، الجحيم؛ هذه النار هي مأواه، وهي المأوى ليس بمعنى أنها مكان إيواء يرتاح فيه ويستريح فيه... لا؛ أهل النار لا راحة لهم قط، إذا دخلوها فهم في شقاء وفي عذاب متواصل؛ لا راحة ولا سكون قط، {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا}[النبأ:24] {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}[النبأ:25] {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26]، فكلما خَبَت نارهم زاد الله -تبارك وتعالى- هذه النار؛ زِدناهم سعيرًا، تستعِر من جديد وتبقى مُشتعِلة مُستعِرة أبدًا، فهذا عذابهم -عياذًا بالله- {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:39].

ثم قال -جل وعلا- {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات:40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:41]، هذا القِسم الثاني من البشر، {مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}، وهو في الدنيا، مقام ربه يعني مقامه بين يدي ربه -سبحانه وتعالى-، الوقت الذي يقوم فيه بين يدي الله -تبارك وتعالى- للحساب، وهو يوم القيامة حيث يقوم الناس جميعًا لرب العالمين -سبحانه وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين:6]، يقوم الناس لرب العالمين ليُحاسِبَهم جميعًا، ويُحاسِبهم -سبحانه وتعالى- كنفس واحدة؛ كما يُحاسِب نفسًا واحدة -سبحانه وتعالى-، فالذي خاف مقام ربه؛ خاف وقت قيامه بين يدي الله -تبارك وتعالى- وعمِل لذلك هذا هو، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات:40]، كما قال -تبارك وتعالى- {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن:46]، ولِمَن خاف مقام ربه يعني لِمَن خاف يوم القيامة الذي يقِف فيه بين يدي الله -تبارك وتعالى- للحساب؛ وأنه سيُحاسِبَه على كل عمله، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات:40]، نهى نفسه عن هواها؛ عن ما تهواه، ودائمًا النفس تميل وتهوى ما فيه هلاكها وما فيه دمارها، ففطَمَ نفسه عن هواها، ودين الله -تبارك وتعالى- وشرعه على خلاف هوى النفوس؛ فإن النفس تُحِب الراحة والدِّعة، وبالتالي أي تكليف بالعبودية؛ كالصلاة، والصوم، والحج، فيه تكليف؛ فيه مخالفة لهوى النفس، فإن هذا على غير الهوى؛ فهذه العبودية، كذلك تُحِب النفس الشَّح؛ والبُخل، وأن تستأثِر بما أخذت ولا تُعطي الأخرين، وبالتالي لن تُخرِج النصيب الذي جعله الله -تبارك وتعالى- في حق المؤمن للسائل والمحروم، كما قال -جل وعلا- {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}[المعارج:24] {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:25]، فهذا كذلك من الهوى، كذلك معاصي المُشتهيات؛ من الزِّنا، ومن الغنى، ومن شُرب الخمر، كل هذا مما تشتهيه النفوس المريضة وتهواه؛ فهذا كله هوى، وسُمِّيَ كل ما تشتهيه النفس مما يُهلِكُها هوى لأنه يهوي بصاحبه؛ والهُوي هو السقوط من علي الأرض، {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}، أي عن شهواتها وملذَّتها المُحرَّمة التي حرَّمَها الله -تبارك وتعالى-؛ بمعنى أنه أقامها على أمر الله -تبارك وتعالى- فهذا هو الدين.

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ........}[النازعات:40]، فعرف وقت قيامه بين يدي ربه؛ وحاسَبَ نفسه لذلك، وعمِلَ بهذا، {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:41]، فإن الجنة؛ بُستان الرب -سبحانه وتعالى-، العرب تُسمَّي البُستان جنة إذا التفَّت أغصانه وتلاقت بعضها مع البعض فتَجُن مَن يدخُلُها، الجنة هذه هي البستان العظيم التي عرضها كعرض السماوات والأرض قال -جل وعلا- {........ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:41]، هي مأوى هؤلاء؛ هي مأوى الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، إذن هذان صِنفان من الناس لا ثالث لهما، {فَأَمَّا مَنْ طَغَى}[النازعات:37] {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[النازعات:38] {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:39]، هذا مُستقَرهم وهذا حُكْم الله -تبارك وتعالى- فيهم الذي لا يتغير ولا يتبدَّل، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات:40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:41]، إذن جنة ونار وهذه لِمَن آثر الحياة الدنيا وعاش لها، كما قال -جل وعلا- {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ}[هود:15] {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:16]، وأما الأخرون فقد قال -تبارك وتعالى- {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}[الإسراء:19]، فالذي يُريد الآخرة وعَمِلَ لها فهذه الجنة في انتظاره، وأما الذي لم يُرِد إلا الحياة الدنيا؛ وعَمِلَ لها، واتَّبَعَ شهواته، وركن إليها، فمأواه الجحيم -عياذًا بالله-، {فَأَمَّا مَنْ طَغَى}[النازعات:37] {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[النازعات:38] {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:39] {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات:40] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:41].

ثم قال -جل وعلا- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}[النازعات:42]، يسألونك؛ الكفار، يسألون النبي -صل الله عليه وسلم- سؤال تعنُّت؛ واستكبار، وعناد، وتشكيك، واستبعاد؛ مُستبعِدين هذا، وليس سؤال استفهام؛ أنهم يستفهِمون من هذا؛ ويُريدون فَهْم هذا، ويُريدون العِلم بهذا، ويُريدون ليُعلِّمَهم هذا... لا، {........ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}[النازعات:42]، مش أين؛ أيَّانَ، استبعادًا؛ فإنهم يستبعِدونها، مُرساها؛ الوقت الذي ترسوا فيه، بمعنى أنها تأتي ويكون وقت قيامها، سُمِّيَت الساعة ساعة لأن لها ساعة مُحدَّدَة، الله سمَّاها ساعة لأن لها ساعة مُحدَّدة؛ وهي عنده -سبحانه وتعالى-، يسألونك؛ الكفار، {........ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}[النازعات:42]، قال -جل وعلا- {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}[النازعات:43]، يعني أن هذا الأمر ليس إليك، فإن الله -تبارك وتعالى- جعل عِلمها إليه وحده -سبحانه وتعالى-، فليس عِلمها إلى الرسول ولا عِلمها إلى أحد؛ وإنما جعل الله -تبارك وتعالى- عِلم الساعة إليه وحده -سبحانه وتعالى-، كما جاء في حديث عُمَر ابن الخطَّاب -رضي الله تعالى عنه- في الصحيح «قال بينما نحن جلوس عند رسول الله -صل الله عليه وسلم- إذ دخل علينا رجل شديد بياض الثياب؛ شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه مَنَّا أحد، فجلس عند النبي -صل الله عليه وسلم- فأسند رُكبتَيه»، يعني رُكبَتي هذا الداخل إلى رُكبَتي النبي، «ووضع كفيه على فخذيه»، يعني على فخذي نفسه، «ثم قال يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال له النبي الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؛ وتُقيم الصلاة، وتؤتيَ الزكاة، وتصوم رمضان، وتَحُج البيت إن استطعت إليه سبيلًا، قال صدقت، يقول عُمَر فعجِبنا له؛ يسأله ويُصدِّقه»، يعني المعلوم أن الذي يسأل لابد لأن يستفهِم أما هذا يقول له صدقت؛ معناه أنه عنده عِلم بهذا، «يقول فعجِبنا له؛ يسأله ويُصدِّقه، ثم قال له أخبرني عن الإيمان؟ قال الإيمان أن تؤمن بالله؛ وملائكته، وكُتُبِه، ورُسُلِه، واليوم الآخر، وتؤمن بالقَدَر خيره وشرِّه من الله -تعالى-، قال صدقت، قال أخبرني عن الإحسان؟ قال الإحسان أن تعبُد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكُن تراه فإنه يراك، قال صدقت، قال فأخبرني عن الساعة؟ فقال له النبي ما المسؤل عنها»، والمسئول عنها هو النبي، «بأعلم من السائل»، يعني لا أعلمها؛ لا أنا ولا أنت، «قال فأخبرني عن أماراتِها؟ قال أن تلِدَ الأَمَة ربَّتُها؛ وأن ترى الحُفاة العُراة رُعاة الشاة يتطاولون في البُنيان، يقول عُمَر ابن الخطَّاب -رضي الله تعالى عنه- ثم انطلق فلَبِثت مليًا»، لَبِثت مليًا يعني وقت، «ثم قال يا عُمَر أتدري مَن السائل؟»، يعني مَن الذي دخل وسأل؟ «فقال قُلت الله ورسوله أعلم، فقال فهذا جبريل أتاكم يُعلِّمَكم دينكم»، فهذا الحديث هو خلاصة الدين ولذلك يُقال السُّنَّة كلها مجموعة في هذا الحديث؛ الإسلام، الإيمان، الإحسان، الساعة وأشراطها.

الشاهد في هذا الحديث أن جبريل لمَّا سأل النبي أخبرني عن الساعة؟ قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل، فعِلمُها ليس لأحد، قال -جل وعلا- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}[النازعات:42] {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}[النازعات:43]، وقال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ........}[الأعراف:187]، وقال الله لموسى -عليه السلام- عندما ناجاه {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15]، {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}، فهذه عِلمُها عند الله مما استأثر الله -تبارك وتعالى- بعِلمه لم يُطلِع عليه أحد، ولذلك عندما تأتي الساعة كما جاء في الحديث أنها تأتي والناس في أشغالهم وأعمالهم؛ هذا يلوط حَوضَه، وهذا يأكل طعامه، وهذا يأخذ غنَمَه، كما أخبر النبي «النفخة الأولى تكون وراعيان من مُزَينة يسوقان غَنَمَهما إلى المدينة؛ فيأتيأنها فإذا هي وحشة»، يجدونها أنها ليس فيها إلا العوافي، «ثم تلحَقَهم الصيحة فيقعان لوجوههما»، فهذا وقت مجيء الساعة سيكون كلٌ من أهل البادية ومن أهل الحاضرة في عمله لا عِلم له به، لذلك هذا عِلمها جعله الله -تبارك وتعالى- إليه، وليس هناك يكون في هذا الكون دليل يدُل عليها، كما هي مقالة المُكذِّبين بالبعث الذي يَرَون أن هذا العالم خلَقَ نفسه؛ وأنه سيُدمِّر نفسه بنفسه، وأن دماره سيكون عند اصطكاك هذه الأرض بجُرم من أجرام السماء، ولذلك يظنون أن هذه النهاية إنما تكون بنجم يخرج عن مداره ومساره، ثم يصطدم بهذه الأرض فينتهي وجود البشر على هذه الأرض، وقد يُقدِّرون لهذا مائة مليون سنة أو كذا مليون سنة في خروج بعض النجوم، كل هذا إنما هو من الكذب كالقول بأن بداية هذا العالم إنما كانت بانفجار كبير؛ ووضع كل قطعة من أجزاء هذا العالم في مكانها، ثم دارت هذه القِطَع بفعل جذب بعضها لبعض، كل هذا من الكذب والتخمين، فنهاية العالم إنما هي كما كانت بدايته بداية مُحدَّدة؛ أنشأه الله -تبارك وتعالى- من العَدَم، ووضع كل جزء فيه في مكانه الصحيح، الرب الفاعل -سبحانه وتعالى- فكذلك نهايته إنما هي بفعل الله -تبارك وتعالى-؛ وبأمر غيَّبَه الله -تبارك وتعالى- عن كل البشر، فلا يعلم البشر نهاية {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ}[الانفطار:1]، انفطار السماء، {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ}[الانفطار:2]، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير:1]، كل هذا إنما يكون بوقت لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-؛ لا يعلمه مَلَك مُقرَّب، ولا نبي مُرسَل، ولا يمكن كذلك من الذي يكونون على سطح هذه الأرض وموجودون، فإنه لا عِلم لأحدٍ قط بأن هذا الوقت هو وقت الانفجار الكبير والزلزال العظيم، {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}[الزلزلة:1] {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا}[الزلزلة:2] {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا}[الزلزلة:3] {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[الزلزلة:4] {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة:5]، فالذي يوحي لهذه الأرض بهذا الزلزال الكبير وهذا الانفجار العظيم إنما هو الله -سبحانه وتعالى-، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}[النازعات:42]؛ قال -جل وعلا- {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}[النازعات:43]، يعني أن هذا ليس لك.

في قراءة أُخرى فيما؛ فيما السؤال؟ {........ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}[النازعات:43]، أنت؛ يا محمد، من ذِكراها؛ فإن النبي من أعظم أشراطها، يكون ذِكرى هنا بمعنى شرطُها، أعظم شرط من أشراط الساعة محمد ابن عبد الله -صلوات الله والسلام عليه- لأنه النبي الخاتم، مادام جاء هذا النبي الخاتم -صل الله عليه وسلم- والذي لا نبي بعده فهذا آخر الدنيا، فالنبي من ذِكراها؛ أنت من ذِكراها، ثم {إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا}[النازعات:44]، عِلمُها بالوقت الذي تكون فيه، وهم لم يعتبِروا بهذا ولم يعتبِروا بأن الرسول -صل الله عليه وسلم- الذي بُعِثَ بين يدي الساعة، كما قال النبي «بُعِثتُ بين يدي الساعة»، يعني أنا خلاص؛ أنا الذي قبل الساعة، وقال «بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين؛ وجمع بأصبعية السبابة والوسطى»، قيل السبَّابة والوسطى أنه للتلازم والقُرب، وقيل بأن الفرق بينها وهو الفرق بين الأصبع الوسطى الذي يكبُر شيئًا عن السبَّابة، وقال أيضًا -صل الله عليه وسلم- «بُعِثتُ في نَفَس الساعة»، الإنسان الراكِض إنما يكون نَفَسه قبله، فمعنى في نَفَس الساعة يعني كأن الساعة خلفه وهو أمامها -صلوات الله والسلام عليه-، فالنبي هو من أعظم أشراطِها لأنه أكبر مُنذِر وأكبر علامة من علامات الساعة مجيئه، ولذلك في حديث الدجَّال «أنه لمَّا سأل تميم الدَّاري فقال هل بُعِثَ نبيٌّ أُمِّيٌّ؟ قالوا نعم، قال يوشِك أن يؤذَن لي»، مادام أنه بُعِثَ نبيٌّ أُمِّي وهو محمد ابن عبد الله فإنه قارب على الخروج، «قال كيف حال الناس معه؟ قال منهم مَن آمن به ومنهم مَن كفَرَ عنه، قال الدجَّال خيرٌ لهم أن يؤمِنوا به»، الشاهد أن الرسول هو أعظم أشراطها؛ وأعظم علامة لها، وأعظم مُنذِر بها -صلوات الله والسلام عليه-، {........ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}[النازعات:43] {إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا}[النازعات:44]، الساعة إلى ربك -سبحانه وتعالى-، عِلمُها؛ فعِلمُها إلى الله.

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}[النازعات:45]، إنما أنت؛ يا محمد، مُنذِر تُنذِر مَن يخشاها؛ الذي يخاف الساعة تُنذِره، وقال {........ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}[النازعات:45]، عِلمًا أنه مُنذِر بالساعة للعالمين، لكن الذي لا يخشاها لا تصلُح هذه النِّذارة له؛ ما يستفيد بها، فلمَّا لم يكُن يستفِد بها إلا مَن يخشاها فكأن النِّذارة جُمِعَت له وحده؛ وكأن الأخرين غير مُنذَرين لأنه لم تُفِدهم هذه النِّذارة، سمعوا بالساعة؛ وأخبرهم النبي، وجائهم هذا، وجائهم النذير، لكنهم لم يُعيروا لهذا بال، {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}[النازعات:45].

ثم قال -جل وعلا- {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}[النازعات:46]، كأنهم؛ الناس هؤلاء المُكذِّبين بها، {يَوْمَ يَرَوْنَهَا}، سواءً مَن كانوا على ظهر الأرض أو مَن كانوا في بطن الأرض ثم بالنفخة الثانية خرجوا، عند ذلك يعتقدون ويظنون أنهم لم يلبثوا في الحياة إلا عشية؛ مساء، وقت العَشي اللي هو من بعد صلاة العصر إلى المغرب، أو عشية يعني من بعد الزوال إلى الغروب؛ هذه العشية، {أَوْ ضُحَاهَا}، أو وقت الضُّحى اللي هو من شروق الشمس إلى وقت الزوال؛ يعني نصف يوم، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- بأن هذا إحساسهم؛ بأن انتهى الوقت سريعًا، وانقضى عُمْر الحياة سريعًا، ومثل هذا قول الله -تبارك وتعالى- {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ........}[الروم:55]، وقال -جل وعلا- في الساعة كذلك {........ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}[طه:102] {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا}[طه:103] {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا}[طه:104]، {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ}[المؤمنون:112] {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ........}[المؤمنون:113]، هذه مقالة الكفار، {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ........}[المؤمنون:113]، ما لَبِثنا في الدنيا إلى يومًا أو بعض يوم، {فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[المؤمنون:114]، فهذا يقولونه بالكذب، ولكن إحساسهم ورؤيتهم أن هذه الدنيا انقضَت سريعًا جدًا وكأنها عشية؛ كأنها نصف النهار الأخر أو نصف النهار الأول، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا}، يرَون الساعة، {........ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}[النازعات:46]، الدنيا تنتهي سريعًا؛ تنقضي سريعًا، وقد ذهب فرصتهم ومآلهم إلى النار -عياذًا بالله-، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن لا يجعلنا كذلك؛ ويجعلنا من عباده المؤمنين المُصدِّقين، وأن يرُدَّنا إليه غير فاتنين ولا مفتونين، والحمد لله رب العالمين.