الخميس 20 جمادى الأولى 1446 . 21 نوفمبر 2024

الحلقة (772) - سورة الانشقاق 1-25

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم، {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ}[الانشقاق:1] {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:2] {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ}[الانشقاق:3] {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}[الانشقاق:4] {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:5] {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق:6] {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}[الانشقاق:7] {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق:8] {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:9] {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ}[الانشقاق:10] {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا}[الانشقاق:11] {وَيَصْلَى سَعِيرًا}[الانشقاق:12] {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:13] {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}[الانشقاق:14] {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}[الانشقاق:15]، هذه سورة الانشقاق، بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بقوله -جل وعلا- {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ}[الانشقاق:1] {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:2] {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ}[الانشقاق:3] {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}[الانشقاق:4] {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:5].

{إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ}[الانشقاق:1]، وهذا في يوم القيامة، هذا إيذان بنهاية هذا الكون المُشاهَد؛ السماوات والأرض، وتنبيه للسماء والأرض ليقوم الناس لرب العالمين -سبحانه وتعالى- لفصل القضاء بينهم، يخبر الله -تبارك وتعالى- عن هذه السماء العظيمة أنها تنشَق، وجاء {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ}[الانفطار:1]، والانفطار هو الانشقاق، أي أن هذه السماء المتينة التي خلَقَها الله -تبارك وتعالى- بهذه القوة والمتانة لكن في النفخة الأولى في الصور يحصُل لها هذا؛ أولًا تنشَق، وتتهاوى، وتتساقط، {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:2]، أَذِنَت؛ استمعت لربها -سبحانه وتعالى-، وحُقَّت؛ حُقَّ لها هذا، حُقَّ لها أن تستمع لله –تبارك وتعالى-، فإنها مخلوقة مُدبَّرَة ومؤتمِرَة بأمر الله -تبارك وتعالى- طاعة له؛ خلقًا، وتصريفًا، وقَدَرًا، ونهاية بهذا النَّسف والنهاية كذلك، فهي في كل أحوالها مُستجيبَة لأمر الله -تبارك وتعالى- وبالتالي مُطيعة، كما ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- عن بدء الخلْق فقال -جل وعلا- {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[فصلت:9] {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}[فصلت:10] {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11] {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12]، فالله -تبارك وتعالى- الذي بدأ هذا الخلْق؛ وهذا الخلْق كان مُطيعًا له -سبحانه وتعالى- مُمتثِلًا لأمره، فالسماء امتثَلَت أمر الله -تبارك وتعالى- في الخلْق الأول؛ وهي مُمتثِلَة أمر الله -تبارك وتعالى- في هذا الانقلاب الكامل في هذه الأحوال، فتنشَق السماء؛ وتأذَه، وتسمع لأمر ربها -تبارك وتعالى-، {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا ........}[الانشقاق:2]، استمَعَت لأمر ربها -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {وَحُقَّتْ}، حُقَّ لها هذا لأنها مخلوق مُطيع لربه -سبحانه وتعالى-، هذه السماء العظيمة الشديدة مُطيعة لله -تبارك وتعالى-؛ فما بال هذا الإنسان؟ صغير الحجم؛ صغير القَدر، ولكنه يعصى الله -تبارك وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا- {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ}[الانشقاق:3] {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}[الانشقاق:4] {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:5]، وإذا الأرض؛ عندما الأرض كذلك، الأرض التي يسكن عليها هذا الإنسان، مُدَّت بأنها تُمَد؛ تُفرَد، بعد أن كانت هكذا كما يراها الناس الآن كرة واحدة لكنها تُمَد؛ تُزَلزَل، يحترق ما فيها من الماء، تُفجَّر أنهارها، تُنسَف جبالها، ثم يبسُطُها الله -تبارك وتعالى- ويمُدُّها ليقوم الناس لرب العالمين على أرض مُمتدَّة؛ ليس فيها عَلَمٌ لأحد، كما قال النبي «يقوم الناس في صعيد واحد على أرض ليس فيها عَلَمٌ لأحد»، ما في إنسان له بيت؛ أو قصر، أو خيمة، أو ملجأ، وإنما أرض مستوية، ففي يوم القيامة {........ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم:48]، فهذه الأرض تُمَد، {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ}[الانشقاق:3] {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا ........}[الانشقاق:4]، كل ما في بطنها من مَن حوَتهُم من الناس ألقتهم إلى ظاهرها، {وَتَخَلَّتْ}، يعني أصبحت خالية؛ ليس فيها شيء تُخفيه، ولا نفس تكتُمَها، بل إنما كله قد لَفَظَته إلى خارجها، {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:5]، استمَعَت لربها؛ يعني بالأمر، {وَحُقَّتْ}، حُقَّ لها هذا، كما قال -تبارك وتعالى- {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}[الزلزلة:1] {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا}[الزلزلة:2] {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا}[الزلزلة:3]، ما لها يعني يكون فيها هذا التبدُّل والتغيُّر؟ {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[الزلزلة:4] {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة:5]، فالله هو الذي أوحى لها، استمَعَت لكلام الله -تبارك وتعالى-؛ وحُقَّ لها أن تستمِع لكلامه -جل وعلا-، {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}[الانشقاق:5].

بعد أن بيَّن الله -تبارك وتعالى- ما يكون من هذا التبدُّل الهائل في السماوات والأرض وهي هذه المخلوقات العظيمة، يُخاطِب الله -تبارك وتعالى- هذا الإنسان المُستَعلي والمُستكبِر عن أمر ربه -سبحانه وتعالى-؛ والحال أنه ضئيل صغير بالنسبة إلى خلْق السماوات والأرض، يقول -جل وعلا- {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق:6]، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ}، خطاب من الله -تبارك وتعالى- إلى كل أحد؛ إلى كل مَن هو تحت هذا الوصف، إلى كل إنسان مُخاطَب من أولاد آدم، {........ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق:6]، الكَدح هو التعب، والنَّصَب، والعمل، يعني إنك عامل في هذه الدنيا؛ وتاعِبٌ فيها، وناصِبٌ فيها، كَدح؛ كَدحًا ما، كَدحه في صلاحه، وفي تقواه، وفي الإيمان، وكَدحٌ كذلك في الكفر، والعناد، والخير، فكلٌ يكدَح ويسير، لابد للإنسان من هذا الكَدح، {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ}، في النهاية فإن مصير العباد جميعه خيرهم وشرهم كله إلى الله -تبارك وتعالى-، كما قال -صل الله عليه وسلم- «كل الناس يغدوا؛ فبائعٌ نفسه فمُعتِقُها أو موبِقُها»، كل الناس يغدوا يعني يسير؛ يخرج من بيته صباحًا، ولكن هذا يسعى ويكدَح في ما يفُك رقبته من النار؛ في فكاك نفسه من النار، في عِتق نفسه، في مرضاة الله -تبارك وتعالى-، وهذا يكدَح ويسير في غُل نفسه؛ في إيثاق نفسه بالنار، في هلاكه لنفسه، «كل الناس يغدوا؛ فبائعٌ نفسه فمُعتِقُها أو موبِقُها»، أو مُهلِكُها، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ ........}[الانشقاق:6]، كادِحٌ إلى ربك؛ ساعٍ، وكادِح، وعامل، ولكن في النهاية مصير العباد في الموت إلى الله -تبارك وتعالى-، وإلى ربك؛ ربك هو خالقك -سبحانه وتعالى-، هو خالقك، ورازقك، والمُتصرِّف فيك، {فَمُلاقِيهِ}، كلكم مُلاقيه، كل أحد مُلاقي ربه -سبحانه وتعالى- من مؤمن وكافر؛ ومُحاسِبَه -سبحانه وتعالى-، سيُحاسِب الله -سبحانه وتعالى- كل نفس، والله هو الذي سيُحاسِبُها -سبحانه وتعالى- ولا يُوكِل بحساب عباده أحدًا غيره -سبحانه وتعالى-، فلا يؤتي المَلَك أو غيره أن يُحاسب طائفة من الناس أو مجموعة منهم؛ بل كل أحد يُحاسِبَه الله، {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ}[الغاشية:25] {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}[الغاشية:26]، فحساب الجميع إلى الله -تبارك وتعالى-، والنبي يقول -صل الله عليه وسلم- «ما منكم إلا وسيُكلِّمه ربه»، ما منكم؛ أي من أحد، «إلا وسيُكلِّمه ربه ليس بينه حاجبٌ أو تُرجُمان يحجبه دونه، فيقول له أمل يأتِكَ رسولي فبلَّغَك؟ وأتيتك مالًا وأفضلت عليك؛ فما قدَّمت لنفسك؟ فلينظُرنَّ أيمن منه فلا يرى شيئًا؛ ولينظُرنَّ أشأم منه فلا يرى شيئًا، ولينظُرنَّ تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشِق تمرة»، تحذير عظيم من النبي -صل الله عليه وسلم- بأن كل أحد سيوقَف بين يدي الله -تبارك وتعالى-؛ ويُحاسِبَه الله -تبارك وتعالى-، ويُذكِّرَه الله نعمته التي أنعم بها عليه؛ ويقول له ماذا صنعت فيها؟ فيقول –جل وعلا- {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق:6].

ثم بيَّن -سبحانه وتعالى- افتراق الناس عند هذا اللقاء فقال {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}[الانشقاق:7] {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق:8] {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:9]، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}[الانشقاق:7]، ها دول أهل الإيمان يُكرِمُهم الله -تبارك وتعالى- بأن يُعطيهم كتاب أعمالهم بأيمانهم، وقد أخبر النبي -صل الله عليه وسلم- أن الناس وهم في هذا المَحشَر تتطاير الصُحُف؛ ويأتي كل إنسان صحيفته في موقِفِه، فآخِذٌ بيمينه وآخِذٌ بشِماله من وراء ظهره، فالمؤمن يأخذ كتابه بيمينه؛ يأتيه كتابه إلى اليمين، والكافر يأتيه كتابه من وراء ظهره فيأخذه بشِماله، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}[الانشقاق:7]، أهل الإيمان؛ نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلنا منهم، {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق:8] {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:9]، يُحاسَب؛ أي يُحاسِبه ربه -سبحانه وتعالى- حساب يسير، والحساب اليسير إنما هو العرض؛ إذا كان من أهل ذنب يُقِرُّه الله -تبارك وتعالى- بذنوبه، ويتجاوز الله -تبارك وتعالى- عن خطيئته، هذا الذي يُحاسَب حسابًا يسيرًا وأما مَن نوقِش الحساب عُذِّب، مَن نوقِش الحساب؛ يعني سُئِل، فهذا يُعذَّب، وقد قال -صل الله عليه وسلم- «مَن نوقِش الحساب عُذِّب»، قالت أم المؤمنين عائشة يا رسول الله أوليس يقول الله -تبارك وتعالى- {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}[الانشقاق:7] {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق:8] {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:9]، فقال -صل الله عليه وسلم- «إنما ذلك العرض؛ مَن نوقِش الحساب عُذِّب»، فإنما تُعرَض أعماله على الله -تبارك وتعالى- ويُجيزه الله -جل وعلا- ويُدخِله جنته، هذا المؤمن الذي يُحاسَب الحساب اليسير الذي لا يُناقش، أما مَن نوقِش الحساب فإنه عُذِّب.

{وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:9]، إلى أهله؛ زوجاته في الجنة، الله -تبارك وتعالى- سمَّاهم أهله لأن هذه هي عطية الرب -سبحانه وتعالى- وتزويج الله له؛ الله هو الذي زوَّجَه، قال {........ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}[الدخان:54]، فزوجاته هذه عطية؛ وهبة، وإحسان من الله –تبارك وتعالى- لأهل الإيمان، وسمُّوا أهله لأنهم أصبحوا أهله بتزويج الله -تبارك وتعالى- له، لمَّا زوَّجَ الله -تبارك وتعالى- المؤمن في الجنة؛ هؤلاء زوجاتك فأصبحوا أهله لذلك، والله يقول إلى أهله يعني الذي ادَّخَرَهم الله -تبارك وتعالى- له؛ وزخَرَهم الله -تبارك وتعالى-له، وزوَّجهم الله -تبارك وتعالى- إياه، يعني أن هذه زوجاتك وهم أهلك، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}[الانشقاق:7] {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق:8] {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:9]، ينقلب؛ يرجع، فكأنه كان في رحلة عظيمة التي في هذه الدنيا؛ والتي هي ساعة، ثم بعد ذلك عُرِضَت صحيفة أعماله؛ أقرَّه الله -تبارك وتعالى- على أعماله وأمضاها، ثم يذهب بعد ذلك إلى داره وأهله مسرور؛ فَرِح، ما أيسر هذا وما أحسن هذا بالنسبة إلى أهل الإيمان، مسرورًا؛ فرِحًا بأن كان هذا هو المآل، وهذا هو المصير، وهؤلاء هم الأهل، وهذا هو البيت، وهذا هو السكن، وهذا هو البقاء الأبدي الذي لا انقطاع له.

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ}[الانشقاق:10]، أما الأخرون الذين أُعطوا كُتُبَهم من وراء ظهورهم -عياذًا بالله-؛ ويأخذه بشِماله، وهذا فيه إهانة؛ يعني أن هذا الكافر والمنافق يُهان بكل أنواع الإهانة، حتى أن الإهانة تكون في أخذ كتاب العمل؛ فلا يُكرَم في هذا ويأخذه بيمينه، وإنما يأخذه بشِماله، والإهانة بعد ذلك تكون في كل تصرُّف؛ وفي كل عمل يكون له بعد ذلك يُهان فيه، فيُهان بأن يأخذ كتابه من وراء ظهره وبشِماله؛ هذا كتاب أعماله، {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا}[الانشقاق:11]، عندما يطَّلِع عليه؛ ويفتحه، ويرى ما فيه، وأن هذا الكتاب قد دوِّنَ فيه كل جرائمه، وكل أقواله، وكل فِسقِه، وكل فجوره، وكل معاصيه وذنوبه، عند ذلك خلاص؛ ينفجِر صارخًا بالدعاء بالثبور على نفسه، يدعوا ثبورًا؛ يعني يدعوا على نفسه بالهلاك، يقول يا هلاكه، يا مُصيبته، يا ويلَه، فيدعوا بالثبور ولا يُفيده أن يدعوا على نفسه بهذا فهو في الثبور حتمًا، {وَيَصْلَى سَعِيرًا}[الانشقاق:12]، يصلى؛ أقول صلَيت الشاة يعني شويتها، يعني يُشوى في النار -عياذًا بالله-، سعيرًا؛ نار مُشتعِلَة، فهذه مآله ونهايته، {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا}[الانشقاق:11]، أي بالثبور وبالهلاك على نفسه، {وَيَصْلَى سَعِيرًا}[الانشقاق:12]، قال -جل وعلا- {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:13]، إنه؛ يعني هذا المجرم الذي عوقِبَ هذه العقوبة، كان في أهله؛ أي في الدنيا، مسرورًا؛ لا يحمِل همًّا، ما عنده هم للآخرة، ما آمن بربه -سبحانه وتعالى-؛ ولا اتقى هذا اليوم، ولا فكَّر في يوم القيامة، ولا نظر هذه النظرة، كان مُلقي هذا الأمر خلف ظهره وعايش في أهله مسرور، انظر السرور هنا والسرور هناك، فالمؤمن ينقلب إلى أهله في الجنة مسرورا؛ والسرور أخيرًا، فهذا الذي ضحك أخيرًا وسُرَّ أخيرًا هذا الذي سيُسَر طويلًا، وأما هذا كان مسرور في الدنيا؛ سروره كان قليل، ثم لم يبقَ له إلى الهَم، والغَم، والدعاء على نفسه بالهلاك والنار الأبدية –عياذًا بالله-.

{إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:13] {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}[الانشقاق:14]، إنه ظن؛ الظن هنا بمعنى الاعتقاد، أن لن يحور؛ لن يرجِع إلى الله، ظنَّ أنها حياة دنيا فقط؛ ولا بعث، ولا نشور، ولا رجوع إلى الله -تبارك وتعالى-، ولذلك فجَرَ الفجور الذي هو فيه وسار في الذي سار فيه، {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}[الانشقاق:14]، قال -جل وعلا- {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}[الانشقاق:15]، بلى؛ سيرجع، سيحور ويرجِع إلى الله -تبارك وتعالى- لأن هذا حُكْم الرب -تبارك وتعالى-؛ وقَدَرَه، ومشيئته، وأنه قد كتَبَ هذا وحتَمَه وجعله أمر لازم؛ أنه لابد من البعث، {........ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[التغابن:7]، فالبعث حق ولابد أن يكون، ولابد أن يُجازي الله -تبارك وتعالى- كل نفس بما كسَبَت، {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ ........}[إبراهيم:51]، لابد أن يُجازي الله -تبارك وتعالى- العباد بجزائهم ولا يُخلِّيهم؛ كيف يُخلِّيهم الله -تبارك وتعالى-؟ كيف يخلُقُهم في هذه الدنيا ويتركهم يعبَثون؛ يفعون ما يشائوا، يفجرون، يفسقون، يكفرون، ثم لا يكون هناك حُكم ولا عقوبة... يستحيل، كيف يُخلِّي الله -تبارك وتعالى- أهل الإيمان يعبدون، ويؤمنون به، ويُجاهِدون في سبيله؛ ثم لا يكون بعد ذلك لهم جزاء؟ تعالى الله -تبارك وتعالى- عن ذلك، {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ}[التين:7] {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}[التين:8]، الله هو أحكم الحاكمين -سبحانه وتعالى-؛ ولا يمكن أن يجعل المسلم والمجرم سواء، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}[القلم:35] {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[القلم:36]، لابد أن يُجازي، فالله يقول {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}[الانشقاق:15]، لابد أن يحور؛ لابد من الرَّجعَة، إن ربه؛ خالقه -سبحانه وتعالى-، {........ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}[الانشقاق:15]، كان به؛ بهذا العبد بصير، فإنه خلَقَه -سبحانه وتعالى-؛ وخلَقَه لمهمة أن يعبده -سبحانه وتعالى- في هذه الأرض، أرسَل الرُسُل، أنزل الكتب، أقام الحُجَّة، أقام البراهين، أمَرَ ونهى -سبحانه وتعالى-، أوضح الطريق، والله -تبارك وتعالى- مُبصِر بكل عباده؛ وهو القائم على كل نفس بما كسَبَت، {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}[الانشقاق:15].

ثم قال -جل وعلا- {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ}[الانشقاق:16] {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ}[الانشقاق:17] {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}[الانشقاق:18] {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}[الانشقاق:19]، انظر هنا تأكيد الله -تبارك وتعالى- بأن البعث، والنشور، والمآل الذي سيئول إليه الناس حق ولابد؛ فيُقسِم -سبحانه وتعالى- عليه، فيُقسِم بالشَّفَق؛ قال {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ}[الانشقاق:16]، والشَّفَق هو هذه الحُمرة التي تظهر بعد مغيب الشمس من سطوع آشعة الشمس على صفحة السماء، خاصةً إذا كان في الأُفُق يوجد بقايا سحاب فإنه يسطَع عليه ضوء الشمس ويظهر هذا الشَّفَق الأحمر الذي يمتَد مدة من الزمان؛ ساعة ونحو ذلك، حتى تُصبح الشمس ساقِطة بعيدًا في الأُفُق فعند ذلك يَكمُل ظلام الليل؛ وهذا كله في جهة الغروب، أولًا الشَّفَق من حيث المنظر وبهائه منظر بديع من خلْق الله -تبارك وتعالى-؛ وهو من أبدع المناظر، الأمر الأخر هو دليل قُدرة الرب وعظَمَته -سبحانه وتعالى-؛ غروب الشمس، ومجيء الليل ليُغطِّي الأرض، وذهاب النهار، هذه لحظات عظيمة جدًا، لحظة انتهاء النهار ولحظة قدوم الليل تُذكِّر بآية عظيمة جدًا هي آية الليل والنهار هي من آيات الله -تبارك وتعالى- في الخلْق؛ سواءً في هذا الفعل، أو في الأثر وفي الفائدة التي تكون لهذا بالنسبة للإنسان، وللحيوان، ولكل هذه الموجودات، أمر عظيم جدًا، وقد عَلِمَ الناس أن حصول الليل والنهار إنما هم آية عظيمة بهذه الأرض العظيمة؛ الكبيرة، التي هي بهذا الاتساع، وببحارها، ومحيطاتها، وجبالها، وناسها، كلها تدور حول نفسها هذه الدورة أمام الشمس، ثم يتكون من هذا الليل والنهار؛ أمر عظيم جدًا، الشمس التي تبعُد عن هذه الأرض أكثر من 146مليون كيلومتر ويأتي الأرض ضوئها، وحرارتها، ونورها، والأرض تدور حولها هذه الدورة، مَن أمسك هذا؟ مَن أمسك الشمس في مسارها؟ مَن أمسك الأرض في مسارها وجعلها مُستقِرة وقارَّة على هذا النحو؟ يعني أنها مع هذه الحركة السريعة حول نفسها والحركة حول الشمس لا تقفز جبالها؛ ولا تُهدَّم بناياتُها، ولا يتحرَّك ساكِنُها، هذا أمر عظيم جدًا من دلائل القُدرة، لو أن الإنسان رأى هذه الآيات؛ وعَلِمَ بها، وظل ساجِدًا لله -تبارك وتعالى- على عظَمَته يُعظِّمه ما بلَغَ حق الله -تبارك وتعالى- في تعظيمه -سبحانه وتعالى-؛ فهو الرب العظيم الذي خلَقَ هذا الخلْق العظيم -سبحانه وتعالى-.

يُقسِم الله بالشَّفَق فقال {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ}[الانشقاق:16] {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ}[الانشقاق:17]، الليل هذا آية عظيمة من آيات الله -تبارك وتعالى-، وما وَسَق؛ وما حواه هذا الليل، والليل يحوي أمور عظيمة؛ يحوي هذه الأرض وما عليها، الليل يكون في نصف هذه الأرض فيحوي ما يحوي من الخلْق، والبشر، والناس، والأعمال، وكلها بعِلم الله -تبارك وتعالى-، وكل شيء صغير فيها لا يخفى على الله -تبارك وتعالى- ولا دبيب نملة سوداء على صفاةٍ ملساء في هذا الليل المُظلِم؛ لا يغيب عن الله -تبارك وتعالى-، فيُقسِم الله -تبارك وتعالى- بكل ما وسَقَ الليل؛ ما حواه هذا الليل، وكل ما يحويه الليل يعلمه -سبحانه وتعالى-؛ لا يخفى عليه شيء منه -سبحانه وتعالى-، {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}[الانشقاق:18]، يُقسِم الله -تبارك وتعالى- بالقمر إذا اتَّسَق؛ إذا اتسَعَ نوره وامتلأت كل صفحة القمر بالضياء، وهذا منظر في غاية البهاء؛ يعني في البهاء، والنور، والإشراق، يُقسِم الله -تبارك وتعالى- به، مَن الذي ملأ القمر نورًا على هذا النحو وقدَّرَه؟ يبدأ هلال صغير كالخيط الرفيع، ثم يمتلأ شيئًا فشيئًا نورًا حتى يتسِع ويكون نوره على هذا النحو؛ آية من آيات الله -تبارك وتعالى-.

{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}[الانشقاق:18]، وعندما يُقسِم الله -تبارك وتعالى- بهذه المخلوقات العظيمة فهذا لتعظيم نفسه -جل وعلا-؛ فإنه خالق هذه المخلوقات -جل وعلا-، ثم قال -جل وعلا- {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}[الانشقاق:19]، يعني أيها الناس؛ الخطاب هنا لهذا الإنسان، قال {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}[الانشقاق:19]، {........ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}[الانشقاق:19]، طبقًا؛ حالة، يعني حالة بعد حالة، يعني يا أيها الناس لابد أن تسيروا في حالة بعد حالة وطبقة بعد طبقة إلى أن تُلاقوا ربكم -سبحانه وتعالى-؛ ولا يمكن الخروج عن شيء من هذا، كما أن الله -تبارك وتعالى- قدَّرَ هذا؛ فالإنسان يوجَد نُطفة، فعَلَقَة، فمُضغة، فعظام، فطفل، يعني مولود يولَد طفل؛ يشِب بعد ذلك إلى يافِع، إلى شاب، إلى أن يبلُغ المبلَغ النهائي في الرجال، ثم ينحَط بعد ذلك في سُلَّم العُمر هكذا إلى أن يموت، وهكذا يبقى في قبره ما شاء الله -تبارك وتعالى- أن يبقى فترة البرزخ، ثم يُبعَث ليقِف بين يدي الله -تبارك وتعالى-، فهذا لابد أن تركبوا حالة بعد حالة؛ لا يمكن أن تخلَّف، حياة ثم موت ثم بعث؛ لابد أن يكون كما قضى الله -تبارك وتعالى-، {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}[الانشقاق:19]، فأقسَم الله -تبارك وتعالى- بهذه المخلوقات العظيمة على هذا، وكأن الإنسان خلاص؛ موضوع له طريق لابد أن يسير فيه إلى نهايته، ولن يخرج عن هذا المصير قط مَن يخرج، {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ}[الانشقاق:16] {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ}[الانشقاق:17] {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}[الانشقاق:18] {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}[الانشقاق:19].

ثم قال -جل وعلا- {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[الانشقاق:20]، بعد هذا؛ بعد هذه الأقسام من الله -تبارك وتعالى-، بعد هذا البيان والحَلِف من الله -تبارك وتعالى- بهذه الأيمان العظيمة، {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[الانشقاق:20]، ما الذي دهاهم وجعلهم لا يؤمنون بعد هذا؟ {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ}[الانشقاق:21]، كان ينبغي إذا قُرِئَ هذا القرآن من الله -تبارك وتعالى-؛ وهذا القرآن فيه هذا البيان، وفيه هذا الحَلِف، وفيه هذا التأكيد من الله –تبارك وتعالى-، وفيه بيان هذا الحَلِف بهذه المخلوقات العظيمة، لا يسجدون لله -تبارك وتعالى-؛ سجود تعظيم، وسجود رهبة، {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ}[الانشقاق:21]، قال -جل وعلا- {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ}[الانشقاق:22]، ولكن الحال أن الذين كفروا ما الذي عندهم؟ تكذيب، يعرفون أن هذا صدق؛ يعلمون صدق هذا ولكنهم يُكذِّبونه ويرُدُّونَه، فهذه عِلَّتهم وهذه هي مُصيبَتَهم، {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ}[الانشقاق:22].

قال -جل وعلا- {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ}[الانشقاق:23]، يوعون؛ ما يعيه الإنسان هو ما يُصِر عليه ويُخفيه، فهذا الذي يُخفونه سواءً كان من أعمالهم أو من أسرارهم الله يعلمه -سبحانه وتعالى-، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ}[الانشقاق:23]، قال -جل وعلا- {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الانشقاق:24]، استهزاء بهم، البِشارة هي الإخبار بما يسُر، سُمِّيَ الإخبار بما يسُر بِشارة لأنه يؤثِّر في بشرة الإنسان سرورًا، لكن إذا جائت البِشارة في غير محِلها يكون الاستهزاء، {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الانشقاق:24]، يعني يقول لهم انتظروا العذاب الأليم الذي ينتظر هؤلاء المُكذِّبين، {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الانشقاق:24]، ثم قال -جل وعلا- {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[الانشقاق:25]، يعني هؤلاء المُكذِّبين يُبشَّرون بالعذاب الأليم عند الله -تبارك وتعالى-، والذي لابد أن يكون، والذي يُقسِم الله -تبارك وتعالى- أنه كائنٌ لابد، أما {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[الانشقاق:25]، أجرٌ غير ممنون؛ أجر غير مقطوع، أجر الجنة لأنه لا يُقطَع ولا ينتهي عند وقت ولو آلاف الآلاف من السنين، ثم ينتهي وينقطع... لا؛ بل هو أجرٌ دائم، دائم دائم؛ ليس له انقطاع، وتصوُّر الديمومة أمر غير مُستطاع لنا، لكنها ديمومة لا انقطاع لها، فهذا هو أجر أهل الإيمان، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلنا منهم.

استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.