الإثنين 06 ذو القعدة 1445 . 13 مايو 2024

الحلقة (774) - سورة البروج 11-22

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}[البروج:10] {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}[البروج:11] {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج:12] {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}[البروج:13] {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج:14] {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}[البروج:15] {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[البروج:16] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ}[البروج:17] {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ}[البروج:18] {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ}[البروج:19] {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ}[البروج:20] {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}[البروج:21] {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج:22]، في سورة البروج ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- عقوبته -سبحانه وتعالى- التي تنتظر الذين فتَنوا المؤمنين والمؤمنات، قال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، فتَنوهم؛ أي عذَّبوهم بالنار، أصحاب البروج وهم هذا الملِك الفاجر في اليمن بنجران؛ والذي ادَّعى الأُلوهية، وكانت قصَّته مع عبد الله ابن السَّامِر المعروفة؛ والتي رواها الإمام مُسلِم في الصحيح، ذكَرناها في الحلقة الماضية، وأنه لمَّا آمن الناس بعد ذلك؛ بعد قتله لعبد الله ابن السَّامِر، قال له الناس والله لقد وقع بك حَذَرُك، فعند ذلك أمَرَ بالأخاديد أن تُخَد في أفواه الطُرُق، وأمَرَ زبانيته وجنوده أنه مَن لم يرجِع عن دينه فليُقحِموه في النار، فأقحَمَ كل أهل الإيمان الذين آمنوا بالله -تبارك وتعالى- وكفروا به؛ أقحَمَهم في النار.

قال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، هذا الملِك المُجرم هو ومَن معه الذي قتلوا أصحاب الأٌخدود؛ يعني قتلوا المؤمنين هذه القتلة الشنيعة حرقًا بالنار وجلسوا يتلذَّذون بذلك، كما قال -تبارك وتعالى- {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}[البروج:5] {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ}[البروج:6] {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ}[البروج:7] {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[البروج:8] {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[البروج:9]، ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، يعني عذَّبوهم بالنار، {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا}، وهذا من رحمته -سبحانه وتعالى- أنه استثنى وجعل لهم مجال لأن يتوبوا مع فعلهم لهذا الإجرام العظيم؛ الذي لا إجرام أكبر منه، وهو نِقمَتَهم في أهل الإيمان الذين لم يقع منهم إلا الإيمان بالله -تبارك وتعالى-، أن يُحرِّقوهم بالنار وأن يتلذَّذوا بحرقهم بالنار على هذا النحو، لكن الله قال {........ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}[البروج:10]، يعني تهدَّدَهم الله؛ تهدَّد أصحاب الأُخدود، المجرمين الذين حرَقوا المؤمنين بالنار، أنهم إن لم يتوبوا {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}، أي أن لهم توبة لو عادوا إلى الله -تبارك وتعالى- ورجعوا إليه.

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}[البروج:11]، فيدخل فيه هؤلاء المؤمنين الذي آمنوا بالله؛ وحُرِّقوا هذا التحريق، ولقوا ربهم -سبحانه وتعالى-، ويدخل فيه كل مؤمن آمن بالله -تبارك وتعالى- وعَمِل الأعمال الصالحة، قال -جل وعلا- {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}، هذا تعويض عن كل ما أصابهم في هذه الدنيا وتحمَّلوه مهما كان؛ مهما شقوا في هذه الدنيا، ومهما ماتوا ولو ماتوا حرقًا بالنار، لكن غمسة واحدة في الجنة تُنسيهم كل هذا، كما جاء في الحديث «يأتي الله –تبارك وتعالى- يوم القيامة بأشقى أهل الدنيا لكنه من أهل الجنة؛ فيغسمه الله في الجنة غمسة، ثم يقول له أي عبدي؛ هل رأيت شقاءً قط؟ فيقول لا وعِزَّتك؛ ما رأيت شقاءً قط»، كل شقائه الذي كان خلاص؛ يُنسى، وتصبح هذه الهموم، والغموم، وما تحمَّلَه في هذه الدنيا من المشاق؛ يُصبح أمر انتهى بدخول هذه الجنة التي هي الفوز الكبير، والعكس «يأتي الله -تبارك وتعالى- بأنعم أهل الأرض من أهل النار»، الذي كان مُنعَّمًا في غاية التنعيم، «ثم يغمسه الله -تبارك وتعالى- في النار غمسة، ثم يقول له أي عبدي؛ هل رأيت نعيمًا قط؟ فيقول لا وعِزَّتك؛ ما رأيت نعيمًا قط»، فكل نعيمه الذي كان انتهى، فالعِبرة بالمآل والنهاية، فهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات الله يقول لهم جنات؛ بساتين، {........ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}[البروج:11]، هذا هو الفوز الكبير؛ لا فوز أكبر من هذا، لا يُمكن أن يُداني هذا أي فوز في الدنيا، فأي فوز في الدنيا وحصول إنسان في هذه الدنيا على مطلوبه الأكبر؛ على ما يحلُم به، وما ناله أي إنسان في هذه الدنيا؛ من مُلك، من ثراء، من نعيم في هذه الدنيا، لا يمكن أن يُساوي شيء من ذلك؛ هذا ليس فوزًا أكبر، متاعٌ قليل مُنغَّص، مهما كانت الدنيا فهي متاع قليل بالنسبة لهذه الآخرة؛ وكله تنغيص، لا يكون خالصُا؛ لابد أن يكون مَشوب، مَشوب بأنه سيزول؛ بالمرض، بالهِرَم، بكثرة المُشكلات، بكثرة المشاغل، بالتعب والكَد من وراء هذا، فنعيم الدنيا نعيم زائل ونعيم مَشوب، أما نعيم الآخرة فهذا هو النعيم وبالتالي فوزها هو الفوز الأكبر، الله يقول {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}، هذا هو الفوز الكبير حقًّا أن يصِل إنسان إلى جنة الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}[البروج:11]، هذا هو الفوز الكبير.

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج:12]، تأكيد هنا، بطشه؛ عقوبته التي يُنزِلُها بأعدائه -سبحانه وتعالى-، {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ ........}[البروج:12]، وهنا ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- أنه رب؛ رب محمد -صلوات الله والسلام عليه-، وفي هذا إيناسٌ للنبي -صل الله عليه وسلم-؛ وتقوية لعزمه، لأن هذا ربك -سبحانه وتعالى- القوي؛ القاهر، الذي لا يُعجِزه شيء؛ ولا يقف أما قوته وقُدرَته أحد، ونزول هذه الآيات على المؤمنين في وقت الشدة والمِحنة، هذه آيات مكية نزلت والمسلمون في شدة ومِحنة، ويقول خُباب ابن أَرَت -رضي الله تعالى عنه- «شكونا إلى رسول الله -صل الله عليه وسلم- وهو متوَسِّدٌ بُردة له في ظِل الكعبة، وقُلنا له يا رسول الله ألا تستنصِر لنا؟ ألا تدعوا لنا؟ فقال النبي -صل الله عليه وسلم- إن مَن كان قبلَكم كان يُؤتى لأحدهم بالمنشار فيوضَع في مِفرَق رأسه حتى يقع فِلقَتين»، يعني يُنشَر نشر حتى يقع فِلقَتين، «ويُمشَط بأمشاط الحديد ما بين عَظمِه من لحمٍ وعَصَب»، كل ما بين العظام هذا يُخرَج بمِشط الحديد، «حتى يبقى فقط هيكله وقد مُزِّقَ تمزيقًا لا يرُدُّه ذلك عن دينه، والله لتُسافِرنَّ الظعينة من حضر موت إلى اليمن لا تخاف إلا الله والذئب، ولكنكم قوم تستعجِلون»، فذكَّرَهم النبي -صل الله عليه وسلم- بمَن كان قبلهم، وممَن كان قبلهم وحصل لهم مثل ما حصل هذا هم أهل الأُخدود، فإن أصحاب الأُخدود قد عُذِّبوا هذا العذاب بالنار، وكذلك الراهب جيء له بالمنشار فشُقَّ شقتين، وكذلك بالأعمى الذي آمن بالله –تبارك وتعالى- صُنِعَ به هذا الصنيع، وعقوبة الله -تبارك وتعالى- التي يُنزِلُها -سبحانه وتعالى- بعد ذلك على أعدائه عقوبة شديدة؛ سواءً عقوبته إن عجَّلَ الله -تبارك وتعالى- عقوبة في الدنيا ثم بعد ذلك في الآخرة، أو أجَّلَها الله -تبارك وتعالى- لهم في الآخرة، {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج:12]، عقوبته -سبحانه وتعالى- في أعدائه، شديد؛ فأخذه إذا أخذهم في الدنيا أخذه أليم، انظر كيف أخذ قوم نوح؟ كيف أخذ ثمود؟ كيف أخذ عاد -سبحانه وتعالى-؟ كما قال -جل وعلا- {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[هود:102]، مؤلِم، قرى لوط التي تؤخَذ وتؤفَك على رؤوس أصحابها، ثم يأتيها الحاصب لكل إنسان حجَرُه فيُقتَل به، ثم يأتيها المطر الخبيث الذي يُتبِع هذا، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فأشد، في الآخرة عذاب الله -تبارك وتعالى- وبطشه المُنزَل بأعدائه أشد.

{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج:12] {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}[البروج:13]، إنه؛ الله -سبحانه وتعالى-، هو؛ -سبحانه وتعالى- تأكيد أنه هو الفاعل -سبحانه وتعالى-، يُبدئ؛ الخلْق ويُعيده -سبحانه وتعالى-، فهو الذي بدأ الخلْق؛ النشأة الأولى هو الذي أنشأها -سبحانه وتعالى-، أنشأنا ولم نكُن شيئًا وأنشأ كل هذه السماوات والأرض؛ هو فاطر هذه السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-، أنشأ الإنسان من العدم؛ أبانا من الطين، ثم أنشأنا -سبحانه وتعالى- من العدم، ثم جعلنا من هذه النُطَف، ثم يُميتُنا، ثم يُحيينا -سبحانه وتعالى- ويُعيدُنا، إنه هو؛ الله -سبحانه وتعالى-، يُبدئ؛ الخلْق ثم يُعيده، بعد أن يُميته ويُهلِك هذه السماوات والأرض وتنتهي ثم يُعيده -سبحانه وتعالى-، {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}[البروج:13] {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج:14] {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}[البروج:15]، انظر مع القوة، والبطش، والشدة في عقوبته -سبحانه وتعالى- للمجرمين إلا أنه الغفور الودود، الغفور؛ المُسامِح، الذي يغفر؛ يُسامِح ويمحوا السيئات -سبحانه وتعالى-، ويسترها؛ فالغَفر هو الستر، يعني أنه يغفر الذنوب لعباده المؤمنين الذي رجعوا إليه ولو كان قد سلَفَ منهم ما سلَف من الإجرام، ومن الكفر، ومن العناد، ومن قتل المؤمنين، ومن حرقهم بالنار، إلا إنهم عندما يعودون إلى الله -تبارك وتعالى-؛ عندما يعود هؤلاء المجرمون، إذا عادوا إلى الله -تبارك وتعالى- وتابوا عن فعلهم فإن الله -تبارك وتعالى- غفور وودود كذلك، ودود؛ الوِد هو المحبة، فإنه يحب عباده المؤمنين، يعني قد ينالون حبه -سبحانه وتعالى- ومودَّته -جل وعلا- بعد أن كانوا ما كانوا من أشد أعدائه؛ ومن ألد خُصمائه -سبحانه وتعالى-، إلا أن الله -تبارك وتعالى- يقبَلُهُم؛ ويصفح عنهم، ويُحِبهم، ويُنزِلهم المنازل العُليا عنده -سبحانه وتعالى-، هذا من رحمته لأنه الغفور ولأنه الودود -سبحانه وتعالى-.

{وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج:14]، فهذا للمؤمنين التائبين؛ الراجعين إلى ربهم -سبحانه وتعالى-، فبطشه {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج:12]، في المجرمين، {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج:14]، في المؤمنين التائبين؛ الراجعين إليه -سبحانه وتعالى-، {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}[البروج:15]، ذو؛ صاحب، العرش؛ العرش هذا سقف المخلوقات، هذا أكبر مخلوق خلَقَه الله -تبارك وتعالى- في الوجود؛ وهو سقف كل هذه المخلوقات، كل السماوات السبع، والأراضين، وهذه النجوم؛ كلها حلقة في عرش الله -تبارك وتعالى-، كحلقة في فلاة، والله -تبارك وتعالى- فوق عرشه -سبحانه وتعالى-؛ وهذا العرش لا يقدِر قدرَه إلى الله، لا يستطيع مخلوق من المخلوقات -لا مَلَك ولا غيره- أن يقدُر قَدْر العرش؛ سِعَتَه، زِنَتَه، عظَمَته، نفاسته، ما يستطيع أحد من كل الوجود؛ من كل ما خلَقَ الله -تبارك وتعالى-، أن يقدُرَ قَدْر العرش؛ لا يقدُر قَدرَه إلى الله -تبارك وتعالى-، «سبحان الله وبحمده؛ عدد خلقِه، ورضاء نفسه، وزِنَة عرشه، ومِداد كلماته»، وزن عرشه لا يمكن أن يَحُدَّ هذا عقل كائنٌ قط، ما في عقل كائن يمكن أن يُدرِك سِعَة عرش الرحمن، وزِنَة عرش الرحمن، ونفاسة عرش الرحمن -سبحانه وتعالى-، {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}[البروج:15]، المجيد؛ صفة لله -تبارك وتعالى-، ذو العرشِ المجيدُ؛ فالله -سبحانه وتعالى- هو المجيد، المجيد؛ المُمجَّد، صاحب المجد؛ والمجد هو العظَمَة، والعلوا، والرِّفعة -سبحانه وتعالى-، وقُرِئَ كذلك ذو العرشِ المجيدِ؛ العرش المُمجَّد، فعرش الله -تبارك وتعالى- مجيد كذلك، وسمَّاه الله -تبارك وتعالى- بالعرش العظيم، والعرش الكريم، {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}[البروج:15]، الله -سبحانه وتعالى-.

{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[البروج:16]، فعَّال؛ كثير الفعل، لِما يُريد؛ الذي يُريده يفعله، لا راد لحُكْمِه؛ ليس هناك مَن يَرُد حُكْم الله -تبارك وتعالى-، ولا مُعَقِّب لأمره ولا سائل له، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:23]، فالله -تبارك وتعالى- لا يسأله أحد عم يفعل، ما أحد يقدر يسأل الله -تبارك وتعالى- عما يفعل؛ ليس بمسئول، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يسأل الخلْق؛ والخلْق لا يسألونه -سبحانه وتعالى-، ولا يُحاسِبونه، فهو يفعل ما يُريد، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[البروج:16]، دون مُعَقِّب؛ لا يُعَقِّب أحدٌ على فِعله، لا يستأذِن من أحد، لا يستطيع أن يُخاصِمَه أحد، لا يستطيع أن يقِف أمامه أحد، فهو الفعَّال لِما يُريد -سبحانه وتعالى-، فهو الإله القوي القاهر الذي قهرَ كل شيء وذلَّ له كل شيء -سبحانه وتعالى-، وفعل ما يُريد؛ لا مُعقِّب لحُكْمه -جل وعلا-.

ثم قال -جل وعلا- {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ}[البروج:17] {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ}[البروج:18]، يعني هذا من فِعله لِما يُريد -سبحانه وتعالى-؛ ومن إنزاله عقوبته وبطشَهُ لِمَن يشاء، هل أتاك؛ قد أتاك، {........ حَدِيثُ الْجُنُودِ}[البروج:17]، الجنود؛ العساكر المُجنَّدَة لهذا الطاغوت فرعون وكذلك لثمود، ثمود القبيلة القوية القاهرة؛ التي كانت في أرضها مُمكَّنَة عظيمة، فصاحب الجنود؛ فرعون، وثمود؛ القبيلة، هل أتاك حديثهم؟ ما صنع الله -تبارك وتعالى- بهم؟ كيف أنزل الله -تبارك وتعالى- عقوبته وبطشَهُ بهم -سبحانه وتعالى-، فهذا فرعون الطاغية؛ الملِك العظيم الذي ادَّعى الربوبية، وقال لقومه {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}، وقال {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}، وقال أنا ربكم الأعلى {فَحَشَرَ فَنَادَى}[النازعات:23] {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات:24]، هكذا بملء الفَم أنه رب الناس؛ والناس أطاعوه في هذا، وعَبَدوه، واعتقدوا فيه الأُلوهية والربوبية؛ أنه هو أحق بالأُلوهية، وهو الرب الذي خلَقَهم ويرعامهم، وسجدوا له، وعظَّموه على هذا النحو، تكبَّر، ولمَّا جاء موسى يدعوه إلى ربه فيقول له {........ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى}[النازعات:18] {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}[النازعات:19]، فقال أين الرب؟ لا ربَّ غيري، قال له {........ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}[طه:49]، وقال له {........ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء:29]، كيف يكون لك إله ثاني؟ قال له {........ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء:29]، ثم أراه الله -تبارك وتعالى- الآيات الكبرى والعقوبة تلوا العقوبة؛ ولكنه ظَلَّ في عنفوانه، وفي جبروته، وفي تكبُّرُه، إلى أن أذلَّه الله -تبارك وتعالى-، وقال -جل وعلا- {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}[الزخرف:55] {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلآخِرِينَ}[الزخرف:56].

الله يقول لرسوله {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ}[البروج:17] {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ}[البروج:18]، جنود فرعون الذين كانوا معه؛ ومالئوه، وناصروه على كفره هذا وعناده، وثمود كذلك القبيلة العربية التي فجَرَت؛ وخاصَمَت الرب -تبارك وتعالى-، وقام قائمُهم إلى الناقة التي طلبوها آية لله -تبارك وتعالى-، فأتاهم نبيهم وأعطاهم الله -تبارك وتعالى- الآية التي اقترحوها؛ هم الذي اقترحوها، قالوا لن نؤمن لك حتى تُخرِج لنا من هذا الجبل ناقة عُشَراء، فدعى الله -تبارك وتعالى- فأراهم الآية مُبصِرة، {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}، آية بالبصر بيشوفوها، {فَظَلَمُوا بِهَا}، وناقة كانت آية من آيات الله -تبارك وتعالى- ليس أنها مجرد خرق عادة، بل كذلك هي آية نافعة لهم؛ هي ناقة يرَونها، يُحسونَها، موجودة عندهم، تعيش معهم وبعدين تنفَعَهم؛ يحلِبون حليبها وتشرب القبيلة كلها منها، فتنفعهم ولا تضرُّهم، قال لهم هذه ناقة الله؛ وأخبرهم أنها آية لهم، قال {........ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}[هود:64]، وتأكل من أرض الله بمعنى أنها لا تُكلِّفكم أن تجمعوا طعامها وأن تُقدِّموه لها؛ هي ترعى وتأتيكم، لكن انظر جبروت النفس وظُلمَتِها الله يقول {إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}[الشمس:12]، يقول خرج لها رجل النبي يقول «عارِمٌ؛ شديد في قومه»، الأسود ابن زمعة وأتى الناقة وعَقَرَها، يقول ما هذه الناقة؛ أيتطاوَل علينا صالح بهذه؟ وقام عَقَر الناقة، فهؤلاء المجرمون الذي عاندوا الله -تبارك وتعالى-؛ كيف صنع الله -تبارك وتعالى- بهم؟ كيف أنزل الله عقوبته -سبحانه وتعالى- بهؤلاء في الدنيا؟ فانظر فرعون وجنوده جمَعَهم الله -تبارك وتعالى- وجعلهم يذهبون إلى حَتفِهِم بغُلفِهم؛ بأرجلِهم، خرجوا حيث أسقطهم الله -تبارك وتعالى- في البحر وأغرقهم جميعًا، {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}[الزخرف:55] {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلآخِرِينَ}[الزخرف:56].

فهذا بَطْش الله -تبارك وتعالى-؛ انظر {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج:12]، عقوبته، {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}[البروج:13] {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج:14] {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}[البروج:15] {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[البروج:16] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ}[البروج:17] {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ}[البروج:18]، وهذان مِثالان؛ هذا مثال، وهذا مثال، مثال لفرعون الملِك الظالم المُمكَّن في أرضه؛ وكيف أهلكه الله -تبارك وتعالى-؟ وثمود القبيلة الظالمة المُمكَّنة في أرضها؛ القائمة، التي عاندت الله -تبارك وتعالى- فأهلكها الله، الله أهلك فرعون بأن أسقطه هو وجنوده في البحر وأغرقهم؛ وأذلَّهم هذا الذُّل في الدنيا، ثم ذُل الآخرة ينتظرهم، وثمود أهلكهم الله -تبارك وتعالى- بآية أيسر من هذه؛ مَلَك واحد صاح فيهم صيحة، {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}[القمر:31]، صيحة واحدة صاحها فيهم مَلَك واحد، {........ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}[القمر:31]، الهشيم هو القش الذي يتهشَّم وتحظَّر إذا حُظِر؛ يعني وضِعَ في الحظيرة لمدة سنة فإنه يتهرَّى، القش بعد ما يُجمَع إذا وضِع ومضى عليه سنة فإنه يتحطَّم ويتهرَّى بعد ذلك، يعني أنه تهرَّت أجسامهم وتحطَّمَت على هذا النحو، {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ}[البروج:17] {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ}[البروج:18].

قال -جل وعلا- {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ}[البروج:19]، لكن الذين كفروا في تكذيب، بل للاستدراك هنا لبيان أن الكافر إنما هو في تكذيب، في تكذيب؛ يعني كأن التكذيب ظرف وهو داخل فيه، والتكذيب؛ رد الحق، يعني معرفة الصدق ورَدِّه، وتكذيبه، واتهام الصدق بأنه كذب، فهذا الكافر إذا كان داخل في التكذيب؛ يعني هو يكذب لنفسه، ويتهِم الصدق بأنه كذب، وهو داخل في هذا، فأنَّى له في أن يهتدي إلى الحق؟ فهذه حقيقتهم {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ}[البروج:19]، قال -جل وعلا- {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ}[البروج:20]، لكن الله -سبحانه وتعالى- من ورائهم مُحيط؛ مُحيط بهم، إحاطة الله -تبارك وتعالى- إحاطة عِلم وكذلك إحاطة ذات؛ فإنهم في قبضته لا يُعجِزونَه -سبحانه وتعالى-، كما جاء في الحديث «إن الله يوم القيامة يأخذ الخلائق على إصبع»، الخلائق كلهم على إصبع من أصابعه -سبحانه وتعالى-، «والجبال على إصبع، والماء والثَّرى على إصبع، والشجر على إصبع، والسماوات على إصبع، ثم يُحرِّكُهنَّ ويقول أنا الملِك؛ أين ملوك الأرض؟»، فهؤلاء جميعًا السماوات والأرض بالنسبة لله -تبارك وتعالى- كخردلة في يد أحدِكم، كما قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- «ما السماوات السبع والأراضين في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدِكم»، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67]، فالله -تبارك وتعالى- مُحيط بهم؛ أنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم قط -سبحانه وتعالى-، كل ما يعمله هؤلاء المجرمون فإنه مُدوَّن محسوب قد عَلِمَه الله -تبارك وتعالى- بكل دقائقه وصغيره؛ لا يغيب عن عِلم الله -تبارك وتعالى- شيء.

ثم قال -جل وعلا- {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}[البروج:21]، يعني ليس كما يزعمون بأن هذا كذب وافتراء؛ وأنه أساطير الأولين، وأنها حكايات، وأنها، وأنها مما يقولون... لا، {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}[البروج:21]، هذا الذي يُتلى عليك، وينزل عليك، والذي نزل بهذا إنما هو قرآن؛ مقروء، مجيد؛ مُمجَّد عند الله -تبارك وتعالى-، {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}[البروج:21]، مَجَّدَه الله -تبارك وتعالى- وعَظَّمَه لأنه كلامه -سبحانه وتعالى-؛ وهو مكتوب عنده -سبحانه وتعالى-، {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}[البروج:21]، ثم إن من مجده أنه قد أنزل الله -تبارك وتعالى- إقامةً للحُجَّة على العباد؛ فهذا القرآن حُجَّة الله -تبارك وتعالى- على عباده، ثم هو مجيد من حيث أنه مُعجِز؛ يعني أن أسلوبه مُعجِز، قد تحدَّى الله -تبارك وتعالى- به الأولين والآخرين أن يأتوا بسورة من مثل سوَرِه، فقد أعجز الله -تبارك وتعالى- بهذا القرآن السابقين واللاحقين، ثم إنه مجيد في أنه قد أبان الحق؛ وأظهره، وفرَّق بين الهُدى والضلال، والظُلُمات والنور، وطريق الله -تبارك وتعالى- وطُرُق الشيطان، وقد فصَّلَ الله -تبارك وتعالى- فيه أحكام كل شيء، فهو مجيد بما احتواه هذا القرآن؛ احتوى العِلم كله، وما فرَّطَ الله –تبارك وتعالى- في كتابه من شيء مما تحتاجه الأمة، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، ومهما جمَعنا وقُلنا في مجد القرآن وفي تمجيده نبقى دون أن نصِل إلى الوصْف الحقيقي لهذا الكتاب المجيد المُنزَل؛ كلام الله -تبارك وتعالى- المُنزَل على عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-، ثم ما فيه من البركات العظيمة فإن الله -تبارك وتعالى- هدى به قلوبًا مُغلَقَة؛ قلوبًا غُلفًا، وفتح الله -تبارك وتعالى- به أعيُنًا عُميًا وآذانًا صُمًّا، وهدى الله -تبارك وتعالى- مَن هدى ممَن كتَبَ الله -تبارك وتعالى- الهداية إلى طريقه، كتاب عظيم، {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}[البروج:21]، ليس سحرًا، وليس كهانة، وليس أسطورة كما يزعم هؤلاء المجرمون.

{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}[البروج:21] {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج:22]، يعني أن الله -تبارك وتعالى- كَتَبَه في السماء في لوح محفوظ أن تناله يد عابث؛ أن يناله شيطان، بل هو كما قال -تبارك وتعالى- {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}[عبس:15] {كِرَامٍ بَرَرَةٍ}[عبس:16]، يعني يُقرأ في السماء كما يُقرأ في الأرض، ولذلك قُرَّائه وحُفَّاظه من أهل الدنيا من المؤمنين يقرأون ويكونون مع الملائكة السَّفَرَة الكرام البررة؛ الذي قرأوا كتاب الله -تبارك وتعالى- في السماء، يقرأ معهم العبد ويرقى معهم لتكون منزِلَته في السماء مع الملائكة عند آخر آية يقرأُها، كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- «الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البررة يوم القيامة، يُقال لقارئ القرآن اقرأ ورَتِّل كما كنت تُرَتِّل في الدنيا وارتقي»، وارتقي؛ أي في السماء، «فإن منزلتك عند آخر آية تقرأُها»، منزلتك عن الله –تبارك وتعالى- في الجنة عند آخر آية تقرأها، هذا فضل مَن حَفِظَ كتاب الله -تبارك وتعالى- في الدنيا، {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}[البروج:21] {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج:22]، في السماء، اللوح المحفوظ هذا الذي قد كتَبَ الله -تبارك وتعالى- فيه مقادير كل شيء، والقرآن مكتوب في اللوح المحفوظ؛ وهو كذلك صحائف في السماء، {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}[عبس:15] {كِرَامٍ بَرَرَةٍ}[عبس:16]، وهو هنا في الدنيا {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ........}[العنكبوت:49]، والذين حَفِظوه في هذه الدنيا يحفظَهم الله -تبارك وتعالى- ويُعلي منزلتَهم به يوم القيامة، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلنا منهم.

بهذا تنتهي هذه السورة؛ سورة البروج، والحمد لله رب العالمين، وصلَّ الله وسلَّم على عبده ورسوله الأمين.