الثلاثاء 07 ذو القعدة 1445 . 14 مايو 2024

الحلقة (781) - سورة الفجر 23-30

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}[الفجر:15] {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}[الفجر:16] {كَلَّا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ}[الفجر:17] {وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الفجر:18] {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا}[الفجر:19] {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}[الفجر:20] {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}[الفجر:21] {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:22] {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}[الفجر:23] {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر:24] {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}[الفجر:25] {وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:26] {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}[الفجر:27] {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}[الفجر:28] {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي}[الفجر:29] {وَادْخُلِي جَنَّتِي}[الفجر:30]، يخبر -سبحانه وتعالى- عن حال الإنسان الكافر؛ وأنه لا يعرف حكمة الله -تبارك وتعالى- في توسِعة الرزق وفي تضييقه، فيظُن أنه إذا ابتلاه الله -تبارك وتعالى- ووَسَّع عليه رزقه {........ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}[الفجر:15]، يظُن أن هذا اختصاص من الله له بالكرامة لشرف هذا الإنسان عند الله ومكانته، كما قال –تبارك وتعالى- عن هذا الإنسان {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}، فيظُن أن هذا له؛ وأنه مُستحِق وأنه جدير بهذا الأمر، وأن هذا من إكرام الله -تبارك وتعالى- له لأنه أثير عند الله -تبارك وتعالى- وله منزِلة؛ فمن كرامة الله -تبارك وتعالى- أعطاه، والحال أن الله -تبارك وتعالى- يبتلي عباده بالخير والشر، {........ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:35].

{وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ........}[الفجر:16]، فضيَّقَه، {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}، يظُن أن هذا من إهانة الله -تبارك وتعالى- له، ثم قال -جل وعلا- {كَلَّا}، يعني ليس الأمر هكذا وهكذا؛ وإنما لله حكمة -سبحانه وتعالى- في ابتلاء عباده -سبحانه وتعالى- بالخير والشر، فإنه قد يوَسِّع ويفتَح من إنعامه وإفضاله على الكافر ليزداد فجورًا وإثمًا؛ وليُعذِّبه الله -تبارك وتعالى- بما يُعطيه، وليكون هذا وبالًا عليه في الآخرة، وقد يُنعِم بهذا النعيم على عبده المؤمن ويوَسِّع عليه في الدنيا من باب أنها حسنة مُعَجَّلة له؛ فهذا من حِكَم الله -تبارك وتعالى-، كذلك بالنسبة للتضييق قد يُضيِّق الله -تبارك وتعالى- على عبده المؤمن لأن هذا يُصلِحُه؛ وهذا لرفع درجته، وحصول هذه المشقة له لتكفير سيئاته، وقد يفعل هذا بالكافر عقوبة له على ذنب فيأخذ منه، كما قال -تبارك وتعالى- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}[الأنعام:42]، فقد يؤخَذوا بالبأساء والضرَّاء وهم كفار لعلَّهم يضرَّعون إلى ربهم -سبحانه وتعالى-، وقال -جل وعلا- في الذين نسوا هذا {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}[الأنعام:44]، وقال {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ}[آل عمران:196] {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[آل عمران:197]، وقال {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}، والذي أُغفِلَ قلبه عن ذِكْر الله -تبارك وتعالى- قد يُغْفَل بكثرة الأموال والأولاد، فليس الأمر كما يظُن هذا الكافر؛ أن إعطاء الله له دليل إكرام، وأن حجْب الله -تبارك وتعالى- وتضييق الله الرزق عليه دليل إهانة، قال {كَلَّا}، ليس الأمر هكذا.

ثم قال -جل وعلا- لهؤلاء الكفار المُعاندين {........ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ}[الفجر:17] {وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الفجر:18] {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا}[الفجر:19]، أي أن الذي يُنعِم الله -تبارك وتعالى- عليهم بالمال هذا اختبار لهم؛ وفتنة لهم، وأنهم يجب أن يُراعوا فيه حق المسكين؛ هذا من ابتلاء الله -تبارك وتعالى- لِمَن يُعطيه المال، ولا تحاضون؛ يَحُضُّ بعكم بعضًا، {........ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الفجر:18] {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا}[الفجر:19]، التراث؛ ما يُخلِّفه المرء بعد موته يأخذه مَن بعده ويلمُّونَه، ولا عِبرة ولا اعتبار بأن مصيرهم سيكون مصير هذا، {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}[الفجر:20]، قد يكون أكلهم للتراث كذلك حرمان صاحب الحق منه كما كانوا يفعلون في الإناث؛ فإنهم لم يكونوا يوَرِّثوهُن، {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}[الفجر:20]، حبًا كثيرًا.

ثم قال -جل وعلا- {كَلَّا}، هذي من أخلاق الكفار؛ من أخلاق مَن نسي الآخرة، مَن نسي الحساب، يعني جرَّأه نسيان الحساب ونسيان مقامه بين يدي الرب -تبارك وتعالى- على أن يفعل كل هذا، كما قال -جل وعلا- {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}[الماعون:1] {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}[الماعون:2] {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الماعون:3]، فهذا الذي يُكذِّب، فالتكذيب بالدين رأس كل هذه الخطايا، فغِلظة القلب ومَنع الحق عن مُستحِقِه كل هذا إنما هو ثمرة من التكذيب بيوم القيامة، وأما التصديق بيوم القيامة ومخافة أن يقوم العبد بين يدي الله -تبارك وتعالى- يقوم يجعله ذا رحمة فيرحم هؤلاء، كما قال -تبارك وتعالى- أيضًا في شأن الكافر {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[يس:47]، فيظُنون أنهم أُثِروا بما أُعطوا فيه؛ ولا حق في ما أُعطوا لغيرهم، وأما أهل الإيمان فإن الله -تبارك وتعالى- قال في شأنهم {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}[المعارج:24] {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:25] {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ}[المعارج:26] {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}[المعارج:27] {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ}[المعارج:28]، فهؤلاء إيمانهم جعلهم يُراعون هذه الحقوق التي أمَرَ الله -تبارك وتعالى- بمُراعاتها، فيقول هنا -جل وعلا- {كَلَّا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ}[الفجر:17] {وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الفجر:18] {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا}[الفجر:19] {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}[الفجر:20] {كَلَّا}، زَجر لِما هم عليه من هذا الكفر والعناد؛ وثمرات هذا الكفر، هذه شُعَبُه، {........ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}[الفجر:21] {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:22] {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}[الفجر:23].

{إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ}، بالنفخ في الصور وقيام القيامة، {دَكًّا دَكًّا}، دكًّا بعد دَك حتى تكون قاعًا صَفصَفًا؛ ليس فيها عَلَمٌ لأحد، {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}[الفجر:21] {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:22]، جاء ربك؛ مجيء يليق بجلاله -سبحانه وتعالى-، يأتي الله -تبارك وتعالى- لفصل القضاء، {........ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:22]، وقد جاء في الحديث أن الله يطوي السماوات السبع؛ يطوي كل سماء، {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:104]، وأن كل أهل سماء من الملائكة يُحيطون صفًّا بأهل المحشَر، {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:22] {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}، وجاء في الحديث «يؤتى بجهنم ولها سبعون ألف زمام؛ في كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرُّونها»، وهذا هو المشهَد الأعظم والأصعب عندما يرى الناس هذا السجن العظيم؛ النار العظيمة التي جائت، والتي ستكون مصير المُعاندي والمُكذِّبين أعداء الله -تبارك وتعالى-، فهذا هو الموقِف الأصعب الذي يجعل كل ذات حَمْل تضَع حَمْلَها؛ ويجعل الصغير يشيب، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج:1] {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج:2]ز

قال -جل وعلا- {يَوْمَئِذٍ}، يعني في هذا اليوم، يوم أن تأتي جهنم في هذا المشهَد العظيم، {........ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}[الفجر:23]، يتذكَّر الإنسان؛ يعني الذي كفر ونسي هذا اليوم العظيم، وترك الأمر، وفعل هذه الأفعال العظيمة؛ الأفعال هذه التي هي ثمرات الكفر، لم يُكرِم اليتيم، ولم يَحُض على طعام المسكين، وأكل التراث أكلًا لمًّا، وأحبَّ المال حُبًّا جمًّا، هذا الذي صنَعَ هذا في هذا الوقت يتذكَّر؛ يتذكَّر ماضيه، يتذكَّر ما كان منه في هذه الدنيا من الكفر والإجرام، الله يقول {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}، يعني ماذا تنفعه الذِّكرى؟ لا تنفعه الذِّكرى الآن؛ هذا ليس وقت التذكُّر، هذه الذِّكرى الآن غير نافعة له ولا تُفيده، وإنما كان يمكن أن تُفيده هذه الذِّكرى لو تذكَّر وهو في الدنيا هذا اليوم العظيم؛ وعَمِلَ له، واستعد له، عند ذلك كانت تنفعه الذِّكرى، أما هذا الذي يتذكَّر في يوم القيامة عند مجيء جهنم فإنه لا تنفعه ذِكرى، {........ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}[الفجر:23]، وكيف له أن يتذكَّر ولا يُفيده هذا الأمر؟ إنها ذِكرى في غير وقتها.

{يَقُولُ}، هذا الإنسان مُتحسِّرًا {........ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر:24]، يا ليتني؛ هذا تمنِّي بعيد ولا يقع، يا ليتني؛ يعني عندما كُنت في الدنيا، {قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}، لحياتي هذه، لأن الآخرة هي الحياة الحقيقية، {........ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت:64]، يعني هي الحياة الحقيقية، قدَّمت لها؛ يعني بالإيمان والعمل الصالح، يعني آمنت بالله -تبارك وتعالى-؛ وعَمِلت العمل الصالح، واستعددت لهذا اليوم الذي هو فيه الآن، {........ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر:24]، وهذا التمنِّي هو حسرة وألم، ولكن هذه الحسرة والألم في هذا الوقت لا تُفيد المُتحَسِّر بشيء، {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر:24]، قال -جل وعلا- {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}[الفجر:25] {وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:26]، لا يُعذِّب؛ إسناد هذا الفعل إلى الله -تبارك وتعالى-، يعني لا يُعذِّب عذاب الله أحد من غير الله -تبارك وتعالى- في هذا اليوم، وذلك أن عذاب الليه ليس كعذاب مَن يُعذِّب؛ عذاب الله -تبارك وتعالى- شيء فظيع، فإن مَن يُعذِّب في هذه الدنيا لا يملِك لِمَن يُعذِّبه إلا أن يُعذِّبَه حتى يموت، فهما بالغ في تعذيبه ولو ضربه بالسياط؛ حرَّقَه بالنار، خنَقَه، فعل فيه ما يُتَصوَّر من العذاب في الدنيا، فإن له أجل محدود لابد أن ينتهي إليه؛ ولا يمكن أن يجمع عليه أسباب الموت، فإن أي سبب من الأسباب إذا زاد عن حَدِّه فلتَت الروح؛ وخرَجَت، وأصبح هذا جُثَّة وانتهى.

أما عذاب الآخرة -عياذًا بالله- فإن هذا عذاب لا مثيل له، فإن المُعذَّب تجتمِع عليه كل الأسباب المُمِيتة ولكنه لا يموت، {........ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}[إبراهيم:17]، فهو مسجون في سجن كل محتوياته من نار؛ أرضه نار، وجُدرانه نار، وغطائه نار، ويُضرَب بمرَذَب الحديد من نار، كل سبب من هذه الأسباب كافٍ لموته في لحظة واحدة لكنه لا يموت؛ وشرابه يكفيه نار، كما قال النبي في شراب أهل النار -عياذًا بالله- «يا عباد الله اتقوا الله»، قول النبي -صلوات الله والسلام عليه-، «فلو أن قطرة من الزقُّوم قُطِرَت على الأرض لأفسدَت على الناس معايشهم»، قطرة واحدة تُفسِد هذه الدنيا كلها، تُصبِح الأرض غير صالحة لسُكنى الإنسان من قطرة واحدة، يقول النبي «فكيف بمَن كان طعامه وشرابه»، أنها هذه طعامه وشرابه -سبحانه وتعالى-، كما قال الله في شأن الزقُّوم {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}[الصافات:64] {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات:65] {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الصافات:66] {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}[الصافات:67] {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}[الصافات:68]، فهو بين هذا الزقُّوم الذي يأكله ثم يشرب الماء الحميم؛ وهذا الماء الحميم يستقِل بالموت لو أنه كُتِبَ له الموت، لكنه لا يموت كما قال -جل وعلا- {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}، من حرِّه، {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}، وقال {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى}[المعارج:15] {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى}[المعارج:16]، لظى؛ هذه النار، {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى}[المعارج:16]، تنزِع الشوى؛ فروة الرأس فتنزِعُها من شدة الحرارة، وتَبلى الجلود بالنار، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}، فهو في كل هذه أسباب الموت كلها مُجتمِعةٌ عليه ولكن لا يموت؛ ويصبح الموت أمنية لا يمكن له أن يصِلَها، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف:77]، يرُد عليهم بعد ألف سنة؛ بعد يوم من أيام النار، اليوم ألف سنة، {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[الحج:47]، فيوم عند الله -تبارك تعالى- في العذاب بألف سنة من أيام هذه الدنيا؛ فكيف بمَن يعيش دهور مُتطاوِلة من الزمان لا نهاية لها.

فهذا عذاب لا مثيل له، ولذلك قال -سبحانه وتعالى- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}، لا يمكن أن تكون فتنة الناس كعذاب الله قط، ففتنة الناس يعني فتنة الكفار لأهل الإيمان مهما بلَغَت فإنها لا يمكن أن تكون كلحظة من العذاب الأُخروي، فإن النبي قال في بعض هذه الفِتَن لمَّا جائه خُباب ابن أرَت «قال يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعوا الله لنا؟ فقال النبي -صل الله عليه وسلم- إن مَن كان قبلكم كان يؤتى أحدهم بالمنشار فيوضَع على مِفرَق رأسه حتى يقع فِلقَتين؛ ويُمشَط بأمشاط من حديد ما بين عظمه من لحم وعَصَب»، يعني يؤخَذ كل لحمه وعصَبَه بمشط حديد، ليس بسكين أو بساطور يقطع؛ وإنما بمشط حديد، ليظل على هذا النحو حتى يذوق العذاب وتقِف العظام فقط، وهذا من أفظع صور العذاب في الدنيا؛ والتي يُعذِّب بها الكفار أهل الإيمان، لكن هذا لا يمكن أن يُقارَن بلحظة من العذاب الأُخروي، فالذي يجعل فتنة الناس كعذاب الله... لا؛ عذاب الله -تبارك وتعالى- أكبر، الله يقول {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}[الفجر:25]، لا أحد يُعذِّب أعدائه كما يُعذِّب الله -تبارك وتعالى- أعدائه.

{وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:26]، يوثِق؛ الوَثاق اللي هو الرباط، والسَلسَلة، والقيد، يعني لا يُقيِّد أحد أعدائه، ويُسلسِلُهم، ويغُلُّهم، كما يُقيِّد الله -تبارك وتعالى- أعدائه، فالقيد والأغلال التي في القيامة تختلف كلها عن كل قيد يكون في هذه الدنيا مما يُعذَّب به، {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا}[الإنسان:4]، فالسلاسل، والأغلال، والسعير؛ كلها مجتمعة بعضها مع بعض، فهي سلاسل من نار -عياذًا بالله-، {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}[الحاقة:30] {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ}[الحاقة:31] {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ}[الحاقة:32]، ذَرعُها؛ يعني قياسها، الذَّرع هو القياس، لأن الذَّرع مأخوذ من الذراع؛ وكانوا يقيسون بالذراع، ذَرعُها سبعون ذراعًا؛ قيل ذِراعًا بذراع المَلَك وليس بذِراع الإنسان، ولو كانت بذراع الإنسان لكانت شيئًا عظيمًا جدًا، فإن الإنسان لو كان ذِراعه نصف متر مثلًا فتكون خسمة وثلاثين متر طول السلسلة التي يُقيَّد فيها؛ ويُلقى مُقيَّدًا في النار -عياذًا بالله-، فلا أحد يُسَلسِل؛ ويُقيِّد، ويُكَبِّل أعدائه كما يُكَبِّل الله -تبارك وتعالى- أعدائه، {وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:26]، فهذا الذي في هذا الوقت يتحسَّر؛ الكافر الذي يتحسَّر في هذا الوقت، ويتندَّم، وهذا العذاب أصبح ماثِلًا وقائمًا فإن حسرته وندامته لا تُفيد، {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر:24]، قال -جل وعلا- {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}[الفجر:25] {وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:26]، هذا حال الكافر.

أما حال أهل الإيمان فقد قال -تبارك وتعالى- {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}[الفجر:27] {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}[الفجر:28] {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي}[الفجر:29] {وَادْخُلِي جَنَّتِي}[الفجر:30]، {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}[الفجر:27]، هذا خطاب إما من الله -تبارك وتعالى- مباشرة لكل نفس؛ وإما خطاب يُخاطِب به المَلَك النفس المُطمئنة، وقد جاء في الحديث «إذا كان العبد المؤمن في إقبال من الآخرة وإدبار من الدنيا أتاه مَلَك الموت فجلَسَ عند رأسه، وأتته ملائكة بيض الوجود كأن وجوههم الشمس معهم حَنوط من الجنة وكَفَن من الجنة فجلسوا منه مَدَّ بصره»، هذا قبل أن تُقبَض روحه، «ثم يقول مَلَك الموت لروحه اخرُجي أيتها الروح الطيبة كانت تسكُن في الجسَد الطيب، فتفيض من بدنه كما تفيض القطرة من فِي السِّقاء»، فهؤلاء هم ملائكة الرحمة بيض الوجوه؛ والذين يجلسون منه مَدَّ بصره معناه أنه يراهم، لكن في هذا الوقت قد عُقِدَ لسانه فلا يتكلَّم لأنه أصبح في إقبال من الآخرة، ثم يأخذون روحَه فيُحَنِّطونها بهذا الحَنوط الذي معهم من الجنة؛ ويُكفِّنونها بهذا الكَفَن، ثم يصعدون بها إلى السماء سماءً سماءً حتى يأتون السماء التي فيها الله، يقول النبي «فلا يمُرُّون بها على ملأ»، لا يمُرُّون بهذه الروح التي كُفِّنَت بكَفَن من الجنة وحَنوط من الجنة، «على ملأ من الملائكة شموا منها كأطيب ريح مِسك وجِدَت على سطح الأرض»، أطيب ريح وجِدَت على سطح الأرض تشُمَّها الملائكة، والملائكة تشُم الرائحة الطيبة وكذلك تتأذَّى بالرائحة الخبيثة، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «إن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنوا آدم»، فالملائكة تشُم هذه الرائحة الطيبة ويقول الله -تبارك وتعالى- بعدهم إذا رُفِع بهذه الروح إلى السماء السابعة «أن روُدُّوا روح عبدي إليه؛ فإني منها خلَقتهم، وفيها أُعيدُهم، ومن أُخرِجُهُم تارة أُخرى، ثم إذا عادت روحه إليه أتاه مَلَكان فيسألانه مَن ربك؟ ما دينك؟ ماذا تقول في هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم؟ يقول ربي الله؛ وديني الإسلام، وأقول بأن هذا الرجل هو عبد الله ورسوله؛ أتانا بالهُدى بآمنَّا وصدَّقنا، فيُقال له أن نَم صالحًا، ويُنادي مُنادي من قِبَل الله -تبارك وتعالى- يقول أن صدَقَ عبدي»، أن صدَقَ عبدي يعني في قوله ربي الله؛ وديني الإسلام، وأن هذا الرجل هو محمد ابن عبد الله؛ أتانا بالهُدى من الله -تبارك وتعالى- فآمَنَّا وصدَّقنا، يقول الله -تبارك وتعالى- أن صدَقَ عبدي فافرِشوا له فِراشًا من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة، فيُفتَح له باب من قبره إلى الجنة ليرى مكانه الذي يكون في الجنة، يرى أهله، ودوره، وقصوره، فيُقال له هذا مقامك أو هذا مكانك يوم يبعَثُك الله، يقول له يوم أن تُبعَث فهذا منزِلُك الذي ستنزِل فيه، «فيقول أي ربي أقِم الساعة حتى أرجِع إلى أهلي ومالي»، رآهم فيقول ربي أقِم الساعة حتى أرجِع إلى أهلي ومالي، «فيُقال له نَم نومة العروس التي لا يوقِظُها إلا أحب أهلها إليها»، فنومَته في قبره أو البرزخ أنها ليلة كأفضل ليالي العُمر عند الإنسان، «فيُقال له نَم نومة العروس التي لا يوقِظُها إلا أحب أهلها إليها»، فيوقَظ، فإذن هذه مُبَشِّرات.

فهذا العبد المؤمن ذو النفس المُطمئنَّة تُبَشَّر أولًا عند الموت؛ قبل أن تخرُج من هذه الدنيا تُبَشَّر برؤية ملائكة الرحمة، ثم يُبَشَّر هذه البُشرى بعد ذلك وهو في قبره بعد أن تُرَد روحه أن نَم نومة العروس؛ وأن هذا مقامك يوم يبعَثُكَ الله، وقد جاء أيضًا هذا في قول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت:30] {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}[فصلت:31] {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}[فصلت:32]، فهذه البُشرى كذلك قال تتنزَّل عليهم الملائكة عند الموت، الملائكة؛ ملائكة الرحمة، تتنزَّل عليهم عند الموت وتُبَشِّرُهم بأنهم قادمون على ربهم -سبحانه وتعالى- حيث الإكرام والإفضال؛ وهذا مقامك يوم يبعَثُكَ الله -تبارك وتعالى-.

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}[الفجر:27]، قيل المُطمئِنَّة أولًا؛ التي اطمأنَّت إلى الله -تبارك وتعالى- بعملها الذي عَمِلَته في الدنيا، فكانت مُطمئِنَّة بالإيمان؛ الإيمان طُمأنينة، والكفر شك وريبة، فالكافر يعلم أنه مُرتاب؛ شاك، ويعلم أنه كذَّاب لأنه رأى الحق وأبغَضَه، وكرِهَه، ورَدَّه، والمؤمن لا؛ المؤمن رأى الصدق وصدَّقَ به، فهو عرِف أن هذا صدق وأن الرسول صادق وصدَّقَ به فيطمئن قلبه، كما قال -جل وعلا- {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:28]، وفي الدعاء "رضيت بالله ربًا؛ وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا ورسولًا"، فالنفس المُطمئِنَّة اطمأنَّت أنها على الحق وعلى الصواب؛ وأنها مؤمنة، والإيمان تصديق بالحق وعمل بمُقتضى هذا التصديق، واطمأنَّت لعَمَلِها كذلك؛ أن عملَها هو الصواب، وهو الذي كان يجب أن تعمله، من صلاة، من صيام، من زكاة، من حَج؛ فهذا بِر، وأما الكافر... لا؛ الكافر في شك، وريبة، وظُلمة، وتكذيب، {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ}[البروج:19].

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}[الفجر:27] {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}[الفجر:28]، بُشرى بأنها راجعة، إلى مَن؟ إلى الله -تبارك وتعالى-، فهو ربها الذي اعتنى بها في هذه الدنيا بأن ألهمها تقواها وهداها إلى الصراط المستقيم، الله -تبارك وتعالى- يخبر بأن الله -تبارك وتعالى- {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ........}[البقرة:257]، فهُم يُقال لهم ارجِعي إلى ربك الذي هداكي، ووَفَّقَكي، وأعانَكي، وثبَّتَكي على الحق في هذه الدنيا، {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً ........}[الفجر:28]، راضية برجوعها إلى الله -تبارك وتعالى-، راضية بعملها، مَرضِيَّة؛ أرضاها الله -تبارك وتعالى-، فالله رَضيَ عن عباده المؤمنين وأرضاهم -سبحانه وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي}[الفجر:29] {وَادْخُلِي جَنَّتِي}[الفجر:30]، بُشرى هنا، ادخلي في عبادي؛ مع عباد الله -تبارك وتعالى- الصالحين، والعباد هنا المنسوبون إليه -سبحانه وتعالى- الذي عبدوه اختيارًا؛ واطمأنوا إلى عبادتهم لربهم -سبحانه وتعالى-، {وَادْخُلِي جَنَّتِي}[الفجر:30]، وكون هذه الجنة منسوبة إلى الله -تبارك وتعالى-؛ بُستان الرب -تبارك وتعالى-، {وَادْخُلِي جَنَّتِي}[الفجر:30]، بُستاني، هذا بُستان الرب، ويكفي أنها منسوبة إلى الله؛ أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي خلَقَها، وهو الذي هيَّأها، وهو الذي جعلها كرامة لعباده المؤمنين -سبحانه وتعالى-، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلنا منهم.

استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.