الحمد لله رب العالمين، وأصلي، وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين، وعلى آله أصحابه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[البقرة:283] بعد أن فصًل الله -تبارك وتعالى- أحكام الدين فى هذه الآية العظيمة، آية الدين، وأمر فى بدء هذه الآية بوجوب كتابة الدين قال -جل وعلا- {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ........}[البقرة:283] السفر مظٍنًة ألاً يوجد فيه الكاتب، وقد كان من يقرأ ويكتب فى وقت التنزيل عددا قليلا؛ فغالباً ما يكون فى وقت السفر لا يوجد كاتب لكتابة الدين {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ} مَقْبُوضَةٌ........}[البقرة:283] يكون هنا على المدين أن يسًلم رهناً يُحبس بيد صاحب الحق حتى يرد إليه المدين دينه فيرد صاحب الحق له الرهن الذى رهنه عنده، والرهن مال يرتهن يحبس كأن يحبس عنده مثلاً داراً أو عقارا أو ذهبًا أو فضةً أو حيواناً أو أرضاً؛ فتكون هذه الرهن هذا أمر يحبس بيد صاحب الحق حتى يرد المدين، يعنى الحق إلى صاحبه.
{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} فيكون هذا الرهن يقوم فى مقابل، فى مقابل كتاب الدين، كنوع من التوثيق، توثيق الحقوق، وضمان صاحب الحق أن حقه سيعود إليه { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} مقبوضة يقبضها الشخص يقبضها صاحب الحق.
{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} فإن أمن بعضكم بعضاً باستيفاء الحقوق؛ فأمر الله -تبارك وتعالى- الذى أوتمن وهو الشخص الذى يعنى ارتُهن عنده الرهن يؤدى أمانته.
{وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} وجب عليه أن يتقي الله -تبارك وتعالى- ربه ولا يظلم ولا يبخس، ولا يطمع مثلاً إن كان الرهن ربما يكون الرهن ثمنه أكبر من الدين الذى استدانه {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ}
ثم قال -جل وعلا-{ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} أمر لكل من تحمًل شهادة أن لا يكتمها؛ ثم قال -جل وعلا- {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} من كتم الشهادة وخاصة عند الأداء وحاجة صاحب الحق إلى هذا البيان، وبالتالي تضيع الحقوق قال -جل وعلا- {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} فجعل هنا الإثم إنما هو لمحٍل هذا الإثم وهو القلب، وذلك أن هذا أمر عظيم فإن هذا الشاهد قد تحمًل الشهادة وعلمها ثم اذا قال لا فإن الله وجًه الإثم هنا إلى القلب وهو محل تحمل الشهادة.
{........فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة:283] تحذير منه -سبحانه وتعالى- لعباده أنه عليم بكل أعمالهم، ولا يخفى عليه شيء؛ فيجب عليهم أن يراقبوه -جل وعلا- وأن يحذروه، وذلك أنه الرب -سبحانه وتعالى- الله الذى لا إله إلا هو، ومصير العباد إليه؛ فيحاسب كلً على عمله.
فى آية الدين والرهن فوائد عظيمة جعلها الله -تبارك وتعالى- لحفظ الحقوق، وخاصةً فى هذا الباب العظيم، الذى قلنا إنه باب إذا ضُبط، وأُحسن فإنه يسد أبواب الربا الذى هو آفة الآفات، وأعظم الموبقات، وسد هذا الباب إنما يكون بضبط الحقوق، المالية التى هي للأفراد، وقد فصًل الله -تبارك وتعالى- فى آية الدين تفصيلاً عظيماً لوضع الكيفيات التي بها تحفظ هذه الحقوق مع أمره -سبحانه وتعالى- عباده بأن يراقبوه -جل وعلا- وأن يتحمًل كلٌ ما أوجبه -سبحانه وتعالى- عليه من الحق لأخيه المسلم مجاناً؛ فأمر الكاتب أن يكتب بغير أجرة، وأمر الشاهد أن يشهد بغير أجرة، وأمر كلاً أن يتقي الله -تبارك وتعالى- فيما يعمله، وأمر كذلك من له فضلُ وإحسان أن يداين كذلك بغير زيادة وطلب للربا؛ فهذه الأمور قد أوجب الله -تبارك وتعالى- فيها من الحقوق للمسلم على أخيه المسلم ما يقطع، ويسد أبواب الربا؛ فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعين، وأن يوفق المسلمين إلى الأخذ بهذا الأمر الذى به يعنى قوام حياتهم.
بهذا انتهت الأحكام العظيمة التى جاءت فى هذه السورة العظيمة سورة البقرة؛ ثم جاءت بعد ذلك خاتمة السورة، ختم الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بخاتمةٍ عظيمةٍ فريدة؛ فأول هذه الآيات، آيات الختام، قول الله -تبارك وتعالى- {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:284] هذا إعلانُ من الله -تبارك وتعالى- وإخبارٌ لعباده أنه له ما فى السماوات وما فى الأرض {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ........ }[البقرة:284] من شيء فى السماوات والأرض من خلقه، وكل ما فى السماوات وما فى الأرض هو خلق الله وملكه -سبحانه وتعالى- وبالتالي اذا كان هو الملك، وهو المالك؛ فإنها مصائر العباد، والخلق كلها بيديه -سبحانه وتعالى-.
ثم قال -جل وعلا- {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} هذا بيان للضبط، وقدرة الرب -سبحانه وتعالى- ثم قيامه -سبحانه وتعالى- على عباده بإحصاء كل حركاتهم وسكناتهم، و أخفى هذه الحركات، والسكنات هي خطرات القلوب {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّه}ُ وما فى النفس هو أخفى هذه الأمور يعنى أخفى ما فى السماوات، وما فى الأرض ما يكون فى نفس الإنسان، وما يخفيه فى صدره؛ فحتى هذه التي هي فى النفس اذا أظهرها العبد أو أخفاها فإن الله -تبارك وتعالى- عليم به.
قال -جل وعلا- {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فالحساب عند الله -تبارك وتعالى- إنما هو على كل شيء حتى ما يكون فى داخل النفوس.
{فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} الله الذى بيده الأمر كله {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاء}ُ يعني الإساءة، والذنب {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}على إساءته، وذنبه كل العباد له وأمرهم إليه وهو القائم عليهم والقائم على كل نفس بما كسبت وهو الذى سيحاسبهم -سبحانه وتعالى-.
قال -جل وعلا- {........وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:284] وذلك إن هذا الأمر، أمر عظيم؛ فتصور أن الله -تبارك وتعالى- هو ملك السماوات والأرض، وأن كل ما فيهما له، وأنه قائم عليهما، وأنه يعلم ما يخفيه كل صدر، وما يبديه، وأنه سيحاسب الجميع على كل ذلك هذه صورة عظمى من صور إحاطة الرب وقدرته -سبحانه وتعالى- لذا قال -جل وعلا- {........وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:284] لا يعجزه شيء، وهذه الصورة العظيمة من صور إحاطته، وعلمه إذن صورة القدرة؛ فالله قادر على ذلك؛ فإن يعنى استهنتم هذا، واستعظمتموه؛ فاعلموا أن الله -تبارك وتعالى- على كل شيء قدير.
هذه آيةُ يعنى جامعة توجه، يوجه الله -تبارك وتعالى- فيها أنظار العباد، وقلوبهم إلى أن ربهم محيط بهم -سبحانه وتعالى- وأنه ملكهم المتصرف فيهم، وأن أمورهم كلها إليه -سبحانه وتعالى- وأنه سيحاسب على الصغير، والكبير، وأن العفو والصفح، والمؤاخذة، والعقوبة كلها له -سبحانه وتعالى- فيفعل فى عباده ما يشاء، كما يشاء -سبحانه وتعالى- .
لا تنافى يعنى هذه الآية أن الله -تبارك وتعالى- قد تجاوز لعباده ما حدًثت به أنفسهم ما لم تتكلم، أو تعمل به؛ كما قال النبي -صلى الله وسلم- «إن الله تجاوز لأمتي عما حدًثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به» فحديث النفس، وخواطرها التى تلقيها النفس، أو ما يلقيه الشيطان، ويطرده الإنسان، ويبعده عنه؛ فهذا لا شك أنه من فضل الله -تبارك وتعالى- ورحمته أنه خارج الحساب كما جاء من قال للنبي -صلوات الله وسلم- «يا رسول الله إني لأجد فى نفسى ما أتعاظم أن أتكلم به يعنى يعظم على أن أتكلم به أمر عظيم فقال النبي الحمد لله أن رد كيده الوسوسة».
لما نزلت هذه الآية الشديدة التي تبين أن الله سيحاسب العباد على كل أمر حتى ما في نفوسهم شقً ذلك على الصحابة، ورأوا أنهم قد كلٍفوا شيئاً عظيما فأتوا عند النبي -صلى الله وسلم- وجثوا على الركب وهذه صورة هذه الصورة الذليل الخائف المستنقذ الذى يطلب الإنقاذ، ويطلب النجدة، والمستجدي؛ فقالوا يا رسول الله كُلٍفنا ما نطيق الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، واليوم نزلت عليك آية ولا نطيقها. يقول نزلت عليك اليوم آية لا نطيقها، لا نستطيع أن نفعل بها؛ ففزع النبي صلى الله وسلم و قال «أتريد أن تقولو كما قالوا أهل الكتابين سمعنا وعصينا قولوا سمعنا و أطعنا» رأى النبي أن قولهم هذه، واليوم نزلت عليك آية، ولا نطيقها أن هذا الله فرض علينا اليوم بشيء لكن لا نطيقه لا نستطيع أن نعمل به فقال لهم النبي تريد أن تقولوا سمعنا و عصينا قولوا سمعنا وأطعنا لابد أن تذعنوا لأمر الله -تبارك وتعالى- فقالوا سمعنا، وأطعنا، وذلًت قلوبهم لله -تبارك وتعالى- وذلت ألسنتهم بقولهم سمعنا، وأطعنا.
فأنزل الله -تبارك وتعالى- يعنى ختام هذه السورة فيما بعد، وفيها {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ........ }[البقرة:286] أنزل الله -تبارك وتعالى- لما قال الصحابة سمعنا، وأطعنا هذه الآيات قال -جل وعلا- {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة:285] هذه شهادة من الله -تبارك وتعالى- وإعلان منه -جل وعلا- شهادة لرسوله والمؤمنون، لرسوله والمؤمنين معه والصحابة قال {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ........ }[البقرة:285] شهادة بالنبي، وشهادة من الله أن الرسول محمد -صلوات الله وسلامه عليه- قد آمن بما أنزل أليه من ربه؛ بأنه كلام، و أنه وحيه، وأن هذا كتابه، وكذلك ما أنزل إليه غير الكتاب وهي السنة كل هذا آمن به النبي، والمؤمنون كذلك آمنوا بما أنزله الله -تبارك وتعالى- على رسوله من الوحى المتلو، ومن السنة الموحى الموحاة إلى النبي -صلوات الله وسلامه عليه- كلُ يعنى الرسول والمؤمنون آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} كلُ شهادةُ من الله أن جميع هؤلاء المؤمنين، جميع هؤلاء المؤمنين قد آمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله هذه أركان الإيمان.
ثم عند الرسل قال -جل وعلا-{ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} يعنى أن هذه مقالة النبي، ومقالة أهل الإيمان لا نفرق بين أحدٍ من رسل الله كيف نؤمن بالبعض ونكفر بالبعض كما هو الشأن فى الأمم التى انحرفت عن دين الله عز وجل فإن اليهود جاءهم عيسى فكفروه، وهو رسول إليهم، وجاءهم محمد -صلوات الله وسلم- وقد أمروا أن يؤمنوا به فكفروه، فكفروا به و عادوه و كذلك النصارى جاءهم محمد -صلى الله وسلم- فكفروا به {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} وإنما نؤمن بكل رسل الله جميعاً، رسله الصادقين
{وقالوا} أي قال المؤمنون {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} سمعنا ما أخبر الله -تبارك وتعالى- به، ما نزل علينا من كتاب الله، وسنة النبي، أطعنا الرب الإله -سبحانه وتعالى- {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا}غفرانك نطلب مغفرتك يا رب يعنى اغفر لنا يا رب، ربنا يعنى يا ربنا {........وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة:285] المصير إليك لا إلى غيرك، والمصير اللي هو الرجوع إلى الله -تبارك وتعالى-.
هذه شهادة من الله -تبارك وتعالى- أنزلها الله بعد أن استمع أهل الإيمان لكلام الله، وذلوا له، ونزلت هذه الآية العظيمة التى ختم الله بها سورة البقرة، والتي بين الله -تبارك وتعالى- فيها أن له ما فى السماوات وما فى الأرض، وأن كل عمل يعمله الإنسان سيحاسبه الله -تبارك وتعالى- عليه ، وأن الأمر اليهم فى العفو والصفح، أو المؤاخذة، والعقوبة كل هذا إليه، والله قدير على كل شيء؛ فلما ذلً المؤمنون، وقالوا سمعنا وأطعنا، أنزل الله -تبارك وتعالى- هذه الشهادة العظيمة، والإشادة العظيمة بنبيه -صلى الله وسلم- والمؤمنون الذين آمنوا معه؛
ثم أخبر الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك يعنى فى الآية الأخيرة بسنته فى التكليف، والجزاء فقال -جل وعلا- {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ........ } [البقرة:286] هذا الرب الإله الرحيم بعباده -سبحانه وتعالى-لا {يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} الوسع اللي هو القدرة، والطاقة، يعنى ما هو في طوقها أما أن يحًملها فوق طاقتها، فهذا ليس من يعنى صفة الرب -تبارك وتعالى-بل إنه الرب الإله الرحيم {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} فيدخل فى هذا فى أن ما هو من خطرة تأتى على القلب رغماً عنه وسواس يقذفه الشيطان و ؟؟؟؟؟ الأنسان يعنى دفعه فى التو، واللحظة لا يستطيع دفعه أن يأتي يعنى، وإنما يستطيع بعد ذلك أن يرده، وأن يتعاظم؛ فهذا لابأس به، ولا يدخل هذا فى باب الإثم.
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ........ }[البقرة:286] لها هذا فى الثواب، ما كسبته من ثواب {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} من الإثم.
ثم علًم الله -تبارك وتعالى- المؤمنين أن يقولوا هذا الدعاء ربنا يحاربنا {لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} لا تؤاخذنا المؤاخذة اللي هي العقوبة على الذنب {إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَ} ا فما نفعله نسياناً، وما نفعله خطأ دون تعمد، ودون قصد، يعنى سامحنا يأرب فيه {رَبَّنَا} يعنى يا ربنا {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا الإصر هو الشدة، والتضييق، وهذه الآصار هي أغلال، وقيود قد أخذ الله -تبارك وتعالى- بها بني إسرائيل بكفرهم كما قال -جل وعلا- {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا}[النساء:160]{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[النساء:161] أخذهم الله -تبارك وتعالى- بكثير من التشديد عليهم؛ فمن جملة هذا التشديد أنه لم يقبل منهم التوبة إلاً بالقتل؛ فالذين عبدوا العجل فى غيبة موسى -عليه السلام- لم يقبل الله -تبارك وتعالى- توبتهم إلاً بأن يقتلوا أنفسهم، كما قال موسى لقومه {........يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ.......}[البقرة:54].
فقد أخذهم الله -تبارك وتعالى- بهذه الشدة، وقد رفع الله -تبارك وتعالى- هذه الشدة عن أمة محمد؛ فإن من وقع منهم فى شرك، و كفر فإنه يكفى فى ذلك أن يعود إلى الله -تبارك وتعالى- وأن يتوب، وتقبل توبته بالإنابة، والرجوع إلى الله -تبارك وتعالى- ولا يشترط لذلك القتل حتى تقبل توبته، كذلك ما أخذه الله -تبارك وتعالى- عليهم بشدة فى الطهارات فإنه قد أمروا بالنسبة للحائض ألاً يساكنوها، ولا يؤاكلوها، ولا يشاربوها وأن من وقع على ثوبه نجاسة وجب عليه أن يقرضها بالمقراض يقصها بالمقص، ولا تطهر بمجرد الغسل، أمور عظيمة أخذهم الله -تبارك وتعالى- فيها بالشدة، ورفع عيسى عندما نزل كثير من هذه الشدة {........وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ....... } [آل عمران:50] لكن جاء النبي الخاتم -صلوات الله وسلامه عليه-فكان من رحمة الله -تبارك وتعالى- به، وبأمته أن رفع الله كل الآصار، والأغلال التى كانت على ما قبله.
{........رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا........ } [البقرة:286] اليهود والنصارى {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} يعني يا ربنا، لا تحملنا مالا طاقة لنا به كل ما لا نستطيع حمله؛ فارفعه عنا، ولا تحملنا إياه {وَاعْفُ عَنَّا} طلب العفو، وهو الفكاك من أثر الذنب {وَاغْفِرْ لَنَا}استر ذنبنا واغفره الغفر هو الستر {وَارْحَمْنَا برحمة من عندك سبحانك يا رب {أَنْتَ مَوْلانَا} أنت مولانا المولى ناصر، والمحب {أَنْتَ مَوْلانَا} أنت يا رب مولانا {....... فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286] انصرنا نصر تأييد، وأن يكون الله -تبارك وتعالى-مع المؤمنين على الكافرين {....... فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[البقرة:286].
ختام عظيم، ولم تنزل آيات، أرجى، وأكثر رحمة على هذه الأمة من ختام، هذه السورة العظيمة، سورة البقرة أعظم سورة، ونزل فيها يعنى هذا الختام الذى هو أعظم ختام فيه هذه الرحمة العظيمة من الله -تبارك وتعالى- لهذه الأمة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة «من قرأهما فى ليلة كفتاه» يعنى كفتاه في القيام بهما، وذلك لما في، هاتين الآيتين من الأمور العظيمة؛ فأول هذا الأمر هو تصور، واعتقاد أن الرب الإله -سبحانه وتعالى- هو مالك السماوات والأرض، وملكهم، وأنه القائم على كل نفس، ومؤاخذ عباده -سبحانه وتعالى- على الصغير، والكبير فما أظهروه، وما أبطنوه يعلمه الله -تبارك وتعالى- ثم هذه الشهادة العظيمة لنبيه، والمؤمنون، لنبيه والمؤمنين بالإيمان بالله -تبارك وتعالى- والاستجابة لأمر الله -عز وجل- وكونهم مسلمين، قالوا سمعنا وأطعنا هذه حقيقة الإسلام أنهم قالوا سمعنا وأطعنا، سمعنا يا رب كلامك، وأطعنا؟؟؟؟.
ثم هذا الدعاء العظيم، هذا الدعاء العظيم الذى علمنا الله -تبارك وتعالى- إياه وهو {.......رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[البقرة:286] لما قرأ النبي هذا، ونزلت عليه قال الله -تبارك وتعالى- قد فعلت، قد فعلت، قال الله -تبارك وتعالى- فى السماء قد فعلت، وأخبر النبي أن الله قال: نعم قد فعل هذا؛ فالله هو الذى علمنا أن ندعو بهذا الدعاء، وهو الذى استجاب دعاء أهل الإيمان؛ فلله -تبارك وتعالى- الحمد، والمنة، والفضل أن جعلنا من هذه الأمة، الأمة المرحومة أمة محمد صلى -الله عليه وسلم- وأن شرع لنا هذا التشريع العظيم، وأن رزقنا، وأنزل علينا هذا القرآن الكريم العظيم، هذا ختام سورة البقرة أطول، وأعظم سورة فى القرآن الكريم اشتملت على عامة أحكام الدين، أسأل الله -تبارك وتعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا أن يجعلها لنا نوراً فى الدنيا، والآخرة، وأن يقلبنا إليه غير فاتنين، ولا مفتونين، ولا مغيرين، ولا مبدلين، وأن يتقبل عملنا كله، وأن يجعله فى ميزان حسناتنا يوم القيامة أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه.