الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين وعلى آلة وأصحابه ومن أهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
يقول الله –تبارك وتعالى-{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} [آل عمران:18]{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَاب}[آل عمران:19].
يخبر –سبحانه وتعالى- أنه شهد أنه لا إله إلا هو قال {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ}، الشهادة عند المخلوق هي حضور للأمر ثم إدلاء بإخباره عن هذا الحضور الذي شاهده، إما شهادة عينية وإما بعلم يقيني، القضية التي هي أم القضايا وأصلها ولا قضية أكبر منها هي هذه القضية أنه .. أن الله هو الإله الذي لا إله إلا هو –سبحانه وتعالى- فهذه القضية من أجلها وجدت السموات والأرض، فوجود السموات والأرض ووجود المخلوقات كلها ما وجدت إلا على هذا الأساس بأن الله هو الله الذي لا إله إلا هو –سبحانه وتعالى- فكله لإعلام كل هذه المخلوقات والخلائق أن ربها هو الله –سبحانه وتعالى- الذي لا إله لهم غيره وتوجيه كل هذه المخلوقات لتكون في عباده الرب –جل وعلا- وتحت أمره {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِين}[فصلت:9]{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِين}[فصلت:10]{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين}[فصلت:11]{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم}[فصلت:12].
فهذا هو الرب –سبحانه وتعالى- الإله الذي لا إله إلا هو من أجل أنه الله الذي لا إله إلا هو خلق السموات والأرض كلها وما فيها، وكل هذه العوالم الله ربها وهو إلهها لا إله
للعالمين سواه –سبحانه وتعالى-.
كل من يدعى إلها غير الله فباطل، لأن الإله الذي يستحق أن يكون إلهابمعنى معبود لابد أن يملك لعابده، يملك نفعه وضره، يملك حياته وموته، يملك رزقه هو الذي يرزقه هو الذي ينفعه، فأما إذا كان هذا المعبود لا يملك شيئًا لعابده، بقرة ماذا تملك لعابدها من يعبدها، شمس ماذا تملك لمن يعبدها، عيسى ماذا يملك لمن يعبده، محمد –صلى الله عليه وسلم- ماذا يملك لمن يعبده.
محمد –صلوات الله وسلامه عليه- نبي ورسول لكن لا يملك لمن يعبده شيئًا لو عبده من دون الله –تبارك وتعالى- فإنه ليس بيده نفع أحد ولا ضر أحد، لا يستطيع أن ينفع أحداً ولا أن يضر أحد، بل لا يستطيع أن يضر نفسه أو ينفعها إلا بإذن الله –تبارك وتعالى- قال الله –تبارك وتعالى- {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون}[الأعراف:188]، فهذا نبينا محمد –صلوات الله عليه وسلم- وكل رسول كان يقول لقومه: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ(هذا كلام نوح وقول النبي){..... وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُون} [الأنعام:50]، كل ما عبد من دون الله لا يملك لعابده نفعًا ولا ضر، إذن فعبادته باطله، كل ما يعبد من دون الله إن سماه الناس إلهًا صنمًا كان حجرًا سمي إلها، لكن كل هذه الاله لا تملك لعابدها شيئًا، لذلك من يعبدها ضال.
{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ علي الحقيقة، ثم قال –تبارك وتعالى- {وَالْمَلاَئِكَةُ} شهدوا بذلك، وهم أعظم المخلوقات، أعظم من خلق الله –تبارك وتعالى- في الوجود من ما أخبرنا عنهم، قوة وعلم هؤلاء الملائكة، فقوتهم لا تضاهيها قوة البشر، أخبر الله -تبارك وتعالى- أخبرنا من قوة الملائكة شيء هائل جدا، صيحة ملك واحد يهلك الله بها أمة بأسرها، كما قال الله في صاحب سورة يس:{وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِين}[يس:28]{إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُون}[يس:29]، صيحة صرخة واحدة لملك واحد من ملائكة الله –تبارك وتعالى-، قرى لوط أَفَكَهَا الله على رؤوس أصحابها بملك، رفعها جبريل على طرف جناحه، أدخل جناحه من تحت هذه القرى ثم رفعها إلى السماء ثم قلبها على رؤوس أصحابها {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى}[النجم:53]{فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}[النجم:54]، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِين}[الذاريات:24]، ضيف إبراهيم هؤلاء هم الملائكةالذين أُرسلوا إلى إهلاك هذه القرى، كما قال لهم {.... فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُون} [الذاريات:31]{قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِين}[الذاريات:32]{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِين}[الذاريات:33]{مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِين}[الذاريات:34]، فهذه رسالتهم التي أُرسلوا بها، فالملائكة أعظم قوة وخلق من البشر.
أما خَلقهم فلا مقارنة بين خلق البشر هذا القصير أبو ستة أقدامستين قدم في السماء الخلق الأول خلق آدم وصار الآن إلى خمسة أقدام ستة أقدام أربعة أقدام هذا الإنسان المعاصر بملك، يقول النبي:«أُذن لي أن أُحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه تخفق الطير خمسمائة عام، لو أن الطير يسير فيه طيران مباشر خمس مائة عام ما تقطع هذه المسافة فهذا خلق عظيم، خلق عظيم.
ولذلك لما جاء في قول الله –تبارك وتعالى- عليها أي النار {تِسْعَةَ عَشَر} [المدثر:30]، استعظم الكفار هذا العدد القليل في هذه النار الكبيرة التي يحدث عنها الرب وتستهلك كل هذا العالم من الكفار فيها{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُون}[الشعراء:94]{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُون}[الشعراء:95]، من أول كافر إلى آخر كافر، إنهم يحتاجون إلى فرق هائلة جداً من القوات التي سيطرت عليهم وجبرهم وسوقهم ووضعهم في هذه النار، لكن قال الله –تبارك وتعالى- في هذه النار فقط {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر}[المدثر:30]،فاستصغروا هذا العدد فأنزل الله –تبارك وتعالى- قوله{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةًوَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانً ....}[المدثر:31].
فالملائكة هذا الخلق العظيم الذي هم رسل الله أقامهم الله –تبارك وتعالى- فيما أقامهم فيه من شئون في هذه الأرض هؤلاء شهدوا كذلك وهم خلق أعظم من البشر وأعظم من الجن شهدوا بأن الله هو الله الذي لا إله إلا هو، الملائكة معطوف على الله –تبارك وتعالى- أي شهدوا بأن الله هو الله الذي لا إله إلا هو –سبحانه وتعالى- وكلهم.
ثم قال –جل وعلا- {وأُولو العلم} أُولوا أصحاب العلم وهؤلاء مطوفون على الملائكة أي أُولوا العلم، وأُولوا العلم من كل أمة من أمم الهداية شهدوا بشهادة الله -تبارك وتعالى- وكذلك شهدوا مع الملائكة بأن الله هو الله الذي لا إله إلا هو، فكل من آتاه الله –تبارك وتعالى- علمًا يوقن أولاً بالبصيرة المنزلة من الله –تبارك وتعالى- وبالفطرة التي جبل الله –تبارك وتعالى- الناس عليها، وكذلك العقل الطاهر النظيف الذي لم يتدنس يشهد بأن لهذا الكون لابد أن يكون هناك إله واحد، يستحيل أن يكون هناك إلهان، أما أن يكون لهذا الكون رب فهذه بداهة العقول، لا ينكر هذا حتى من الكفار إلا جاحد جاهل غبي، فإنه يستحيل وجود هذا الكون المشاهد دون رب، دون موجد، يوجده ويسيره ويحفظه، فإنه كون هائل ومتناسق ومنظم بنظام دقيق ولو اختل هذا النظام قيد شعرة اختل مسار من المسارات انتهى تضرب هذه الكواكب في بعضها تصطدم.
ثم لا يمكن أن يكون هناك أكثر من خالق، لو كان أكثر من خالق يحصل فساد في هذا الوجود، فكلٍ ذي عقل يؤمن أن لهذا الكون رب، أما إله طبعًا يكون ذي علم، إذا كان في علم وبصيرة لابد أن يعتقد بأن طبعاها .. خالق هذا الكون لا يمكن أن يكون قد خلقه عبثًا وسدى، لابد وأنه خلقه ليتوجه الناس إليه بالعبادة –سبحانه وتعالى-، فأُولوا العلم من كل أمة بهداية الرب لهم وبالفطرة التي فطر الله –تبارك وتعالى-الناس عليها وفطرهم على التوحيد وبالعقل الراجح شهدوا بهذه الشهادة، بأن الله هو الله الذي لا إله إلا هو –سبحانه وتعالى-.
قال –جل وعلا-{قَآئِمَاً بِالْقِسْط} قائماً حال كونه –سبحانه وتعالى- قائماً بالقسط، القسط هو العدل، فالله قائم بالعدل في خلقه –سبحانه وتعالى- لا يظلم وقد حرم الظلم على نفسه كما أخبر عن نفسه –سبحانه وتعالى- ولا يضع أمراً في غير مكانه، بل كل أمر في مكانه تمام، فالله هو الرب الإله الحكيم –سبحانه وتعالى- الذي لا يظلم، والظلم وضع الشيء في غير محله ويستحيل أن يضع الله –تبارك وتعالى- شيئاً في غير مكانه.
{قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ}، لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ تأكيد وتكرير لهذا المعنى لا إله إلا هو لا معبود بحق إلا هو –سبحانه وتعالى- {العزيز} الغالبالذي لا يغلبه أحد –سبحانه وتعالى- {الحكيم} الحكمة العلم الكامل ووضع الأمر في نصابه، الذي يضع كل أمر في نصابه –سبحانه وتعالى-.
هذه هي أم القضايا وقضية القضايا أن الرب الإله الله هذا العلم على ذات الرب هو الله الذي لا إله إلا هو –سبحانه وتعالى- وأن هذه أعظم المخلوقات أعظم العالمين الملائكة شهدوا بهذا وأُولوا العلم من البشر شهدوا بهذا.
القضية الثانية ما هو النظام عند هذا الرب، السُنة، الدين الذي يريده من هذا الخلق، قال –جل وعلا- {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ.... }[آل عمران:19]، الدين، المنهج، والطريقة، والنحلة، والصبغة، والحكم الإسلام، والله لا يقبل من مخلوق خلقه إلا أن يسلم له أي مخلوق، سموات، أرض، جن، إنس، ملائكة، لا يقبل الله –تبارك وتعالى- من كل مخلوقاته إلا أن يسلموا له، بمعنى يذعنوا ويخضعوا لأمره -سبحانه وتعالى- فهو الرب الإله الذي لا إله إلا هو، ولا يقبل الله –تبارك وتعالى- من مخلوق غير الإسلام، وهو بمعنى الاستسلاموالانقياد له –سبحانه وتعالى- إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ، للسموات، للأرض، للملائكة، للجن، للإنس أن يسلموا لله
–عز وجل-.
فأما السموات والأرض فإن الله –تبارك وتعالى- خاطبها بالطاعة أن تكون مسلمة لها كما قال –تبارك وتعالى-: قل أي لهم يا محمد للكفار {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ...... }[فصلت:9]، هذه جريمة كبيرة، الأرض هذه العظيمة تكفرون بالذي خلقها في يومين وتجعلون له أندادا، فكيف يكون لمن خلق الأرض ندا،{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِين}[فصلت:9]، وجعل فيها رواسي من فوقهاانظر السنعة والصناعة، جبال هذه أرثاها من فوقها {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا....}[فصلت:10]بالزراعة والإنتاج، أرض قطعة أرض صغيرة وأنظر في كل موسم ماذا تخرج من حصاد، هذه أكداس من القمح وهذه أكداس من الأرز وهذه من الفواكه وهذه.. وهذه. وهذه، وهي قطعة أرض في الأساس ماحله بدون مطر، ماحلة جدباء ولكن أنظر الخيرات التي تأتي منها، {....... وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِين}[فصلت:10]{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين}[فصلت:11]{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم}[فصلت:12]، فهذا هو الرب الذي لا يقبل من خلقه هذا الخلق هذا العظيم إلا الإسلام، {إِذَا السَّمَاء انشَقَّت}[الانشقاق:1]{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّت}[الانشقاق:2] {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّت}[الانشقاق:3]{وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّت}[الانشقاق:4]{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّت}[الانشقاق:5]، أذنت استمعت، استمعت لكلام الله –تبارك وتعالى- وحقت، فهذا بالنسبة للخلق،
الملائكة خلقهم الله –تبارك وتعالى- وهم أعظم وأعظم خلقاً من السموات والأرض ومن البشر ومع ذلك هم مطيعون لله –تبارك وتعالى-خاضعون لأمره –جل وعلا- قال –جل وعلا فيهم {.... لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}[التحريم:6]،لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ، ما أمرهم بيه من شيء لا يعصونه، ويفعلون ما يؤمرون، وقال: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِين}[الأنبياء:29]وقال: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُون}[الأنبياء:27]، {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُون}[الأنبياء:28]، فهذه الملائكة.
وكذلك بالنسبة للجن والإنس، طل الله –تبارك وتعالى- من الجميع أن يعبدوه وأن يسلموا له –سبحانه وتعالى- {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56]، ولما أمر الله –تبارك وتعالى- الملائكة بالسجود لآدم إلا إبليس ما سجد هذا ما أسلم، قيل له فاهبط منها فإنك رجيم، وقال له الله فأخرج منها{...فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِين}[الأعراف:13]، فكل من خرج عن الإسلام بالتأبيد على الله –تبارك وتعالى- وبعدم الإذعان له يلعنه الله ويطرده من رحمته،{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}، الدين الذي لا يقبل الله –تبارك و تعالى- من مخلوق إلا هو الإسلام، الانقياد والإذعان لله -تبارك وتعالى-.
كذلك الرسل جميعاً أُرسلوا بالإسلام، أُسلوا جميعاً بأن يدعوا الناس إلى أن يسلموا لله – تبارك وتعالى- أن يؤمنوا بالله وأن يسلموا له وأن ينقادوا له وأن يذعنوا لأمره –جل وعلا- فكل الرسل بهذا المعنى هم داعون إلى الإسلام، الانقياد والإذعان والخضوع للرب –جل وعلا- وإنما سُمي دين محمد الذي أُرسل به نبينا وهو الإسلام كعلم عليه، ، وممكن الدين دين كل رسول يسمى باسم عبادة أو طاعة من الطاعات كما سميت اليهودية أو دين موسى باليهودية من باب إنا هدنا إليه أنهم يهود راجعون إلى الله، وسميت النصرانية دين عيسى بالنصرانية من باب النصرة، وذلك أنه كان أكمل وأشمل وأعرف ما عرفت به النصرانية قيام مجموعة لتنصر الحق مع عيسى الذي كان في قلة من أهل الإيمان وكثرة معادية أشد العداء له، اليهود يفتشون عنه ويبحثون عنه ليقدموه إلى السلطان ليقتله والرومان ليسوا من دينه ومن جماعته وهم بعيدون عنه، فلما أحس عيسى منهمالكفر قال من أنصاري إلى الإسلام، قال الحواريون نحن أنصارك،{..قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون} [آل عمران:52]، فسمواالأنصار من هذا.
دين محمد –صلوات الله عليه وسلم-سمي الإسلام الذي هو دين الله –تبارك وتعالى-أصبح علم عليه، علم خاص عليه وإلا فالدين عند الله –تبارك وتعالى-لكل مخلوقاته هو الإسلام، {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}.
قال –جل وعلا-{.... وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ....}[آل عمران:19]، يخبر –سبحانه وتعالى- أن أهل الكتاب وما اختلف الذين أوتوا الكتاب أُعطوا الكتاب وذلك من اليهود والنصارى إلا من بعد ما جاءهم العلم، يعني اختلفوا بعد مجيء العلم وهذا من إجرامهم ومن كفرهم وبين الله –تبارك وتعالى- السبب في هذا وقال بغياً بينهم، البغي الحسد، الحسد فمن تحاسدهم افترقوا في الدين، وكان من باب إذا رأى من يحسده يخالفه ليُعرف وليس ليتخذ طريقته، ويقول قال الله كذا ولم يقل، وفعل النبي كذا ولم يفعل، من باب أن يخالف من يحسده ومن يغمط على الرئاسة في الدين، فسبب البغي والتحاسد فيما بينهم تفرقوا في دينهم من أجل هذا، قال –جل وعلا- {... وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَاب}[آل عمران:19]، هذا تهديد ووعيد من الله –تبارك وتعالى- بأن كل من خرج عن الدين الحق ولم يسلم ولم يذعن لله –تبارك وتعالى- ولم ينقد لأمر الله –عز وجل- ففي عقوبة، قال فإن الله سريع الحساب، يعني العقوبة تأتيه، يحاسب على هذا الأمر وتأتيه، العقوبة قد تأتيه في التو واللحظة فيعاقب في الدنيا قبل الآخرة، فيؤاخذه الله –تبارك وتعالى- في الدنيا قبل الآخرة هذا تهديد من الله –تبارك وتعالى- لأن الله يسرع في عقوبته –جل وعلا-.
قال –جل وعلا- {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد}[آل عمران:20]، فإن حاجوك اليهود والنصارى، والمُحاجة جادلوك في هذا الدين وأدلوا بما عندهم من حُجج لمحاولة دحض حُجتك {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِوَمَنِ اتَّبَعَنِ}، أنا قد أسلمت وجهي لله، الوجه أشرف شيء في الإنسان، وإذا أسلمه لله بمعنى سلمه لله فيصير سلم أشرف ما عنده لله –تبارك وتعالى- هذا معناه الخضوع والاستسلام والإذعان لله، وكذلك الوجه يأتي بمعنى الوجهة، أسلمت وجهي لله يعني طريقي هو الله سبحانه وتعالى، فأنا جعلت وجهتي في سيري في طريقي للرب الإله –سبحانه وتعالى- أنا مسلم له كأني منقاد ومذعن وسائر في هذا الطريق الذي هو طريق الرب –جل وعلا-.
{فإن أسلموا} وانقادوا وأذعنوا {فقد اهتدوا}، فهذا هو طريق الهداية، {وإن تولوا} إلى ما هم فيه من الكفر والضلال قالوا لا اليهود هما شعب الله المختار وهم الذين على دينه والله لم يغير دينه والنسخ لا يأتي وعيسى كان مفتريا كذابا وقالوا فيه ما قالوه وأنت يا محمد لا، أنت لست رسول إلينا وإنما أنت رسول إلى العرب وإلى الأميين، إلى آخر مقالتهم مما يقولونه فلم يؤمنوا به، وقالت النصارى ما قالت لا، هذا ابن الله وهو كلمته وهو الذي جاءنا ليحمل عنا الخطايا والإثم، وأنت يا محمد منهم من قال أنت رسول للأميين فقط ولست رسولاً إلينا و... أو نازعوك وكفروك، فتولوا عن الدخول في الحق والدين، ولم يؤمنوا بالنبي الخاتم الذي أُمروا أن يؤمنوا به، {وإن تولوا} قال –جل وعلا- {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ}، عليك أي ما كلفك الله –تبارك وتعالى- به من أمر وأوجبه عليك البلاغ، إيصال الرسالة، أن تبلغهم رسالة الرب –تبارك وتعالى- تبلغهم أنك رسول إليهم من الله –تبارك وتعالى- وهذه أدلة صدقي وهذا كلام الله لكم وهذه دعوته لكم تصلكم الرسالة، إذا وصلتكم الرسالة وعرفتموها أنا قد برئت ساحتي أمام الرب –جل وعلا-{فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد}، الله –تبارك وتعالى- بصير بعباده مبصر –سبحانه وتعالى- وخبير بفعل عباده كلهم، بالعباد كل العباد، وهذا فيه تهديد ووعيد لهم وبيان أيضا أن النبي .. أن الله –تبارك وتعالى-مبصربـ سعي النبي وإبلاغه –صلوات الله وسلامه عليه-
ثم قال –جل وعلا- {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم}[آل عمران:21]{أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِين}[آل عمران:22]، هذا احتجاج على هؤلاء الكفرة الفجرة من أهل الكتاب الذين يحاجون النبي الخاتم –صلى الله عليه وسلم-المؤيد بهذه المعجزات المرسل إليهم والذين يعلمون حقاً صدقه وأمانته مع ما عندهم من الجرائم الكبرى والكفر الأعظم وهم مع ذلك يحاجون في الدين.
قال –جل وعلا- متوعداً إياهم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ}، أبيات الله المنزلة على عبده ورسوله محمد وأعظم ما أنزله الله –تبارك وتعالى- من وحي هو هذا الوحي المنزل على محمد كلامه القرآن المُعجز، إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ، ثم يشمل هذا كذلك كفرهم بآيات الله فيما أنزله الله –تبارك وتعالى- على الرسل السابقين، وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ، ويقتلون النبيين هذا فعل اليهود، فقد قتلوا عددا هائلا كبير من أنبيائهم، آخر من حاولوا قتله هو عيسى –عليه السلام- فإنهم حاولوا قتله بكل السبيل وقد أنقذه الله –تبارك وتعالى- من بين أيديهم، وكذلك حاولوا مراراً وتكراراً قتل النبي الخاتم –صلوات الله وسلامه عليه- فِإن اليهود اكثر ناس سعوا في قتله، أولا بتأليب كل ... في الخندق ألبوا قريش وغطفان وأتوا بهم وقالوا خلاص يقتلوا.. نقتل الرسول كذا وكذا ونصالحكم على ثمار المدينة، حاولوا بني النضير أن يقتلوا النبي –صلى الله عليه وسلم- وأنجاه الله –تبارك وتعالى- بأن يلقوا رحا ثقيلة على رأسه وهو جالس عندهم يسألهم في بعض الديات، وصاحبة خيبر اليهودية في خير دست له شاه أنضجتها وسمتها وأرسلتها للنبي –صلى الله عليه وسلم- لتقتله بها.
فهذا ديدنهم سعيهم الدائم في قتل الأنبياء، قتلوا عدد هائل آلاف من أنبياء بني إسرائيل قتلوهم، آخر من قتلوه وتمكنوا من قتله يحيى ابن زكريا –عليهما السلام- وعيسى الذي حاولوا هذا وكذلك محمد –صلوات الله عليه وسلم-، {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ} (وهم اليهود) {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ}، بغير حق هذا وصف لقتلهم وإلا فلا يقتل النبي بحق وإنما هذا فعلهم كذلك، أن النبي الذي يحب لهم الخير ويأمرهم به ويتمنى لهم الهداية يقتلونه فقتله لاشك أنه بغير حق، {وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ}، فقد قتلوا وسعوا في قتل من يأمر بالقسط بالعدل من الناس، قال –جل وعلا- {فبشرهم بعذاب أليمر، وهذا استهزاء بهم، لأن البشارة إنما هي الإخبار بما يسر، ولكن هنا أخبار بما يسوء، فبشرهم بعذاب أليم عذاب الآخرة، وهذا يستهزأ بهم الرب –تبارك وتعالى- أنهم فعلوا هذا ظانين أن هذا فعل حسن، فكان من الأمر أن استهزأ الله –تبارك وتعالى- قال وأبشروا على فعلكم هذا سيكون لكم العذاب الأليم، قال –جل وعلا- {أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِين}[آل عمران:22]، أولئك بالإشارة للبعيد الذين حبطت أعمالهم، كل عمل عملوه للدين والخير يظنون أنه نافع عند الله –تبارك وتعالى- بكفرهم وقتلهم الأنبياء حبطت أعمالهم أي انهها لم تنفعهم في الدنيا والآخرة، فإن الله في الدنيا لابد أن يُعز دينه وأن ينصر رسله وقد كان في كل أمر ثم في الآخرة الله –تبارك وتعالى- يُعز رسله ويدخلهم الجنة ولا يدخلهم النار عيادا بالله، ومالهم من ناصرين، مالهم من أحد ينصرهم من دون الله –تبارك وتعالى- لا في الدنيا ولا في الآخرة.
نكتفي اليوم بهذا وأصلى وأسلم على عبد اللاه ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.